الاثنين، 22 يونيو 2020

المستنير في بعض أحكام السفر القصير



بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين أما بعد:  

سطرت في هذه الورقات مسائل مهمة يحتاجها كل من قصد بيت الله الحرام لأداء المناسك، بذلت فيها جهدا للوصول الى القول السديد الموافق لروح الشريعة، وهذه المسائل: القصر لأهل مكة-وهذا يشمل أهل مكة الأصليين ومن جاء من غير بلد ناويا فيها الإقامة مدة من الزمن- في المشاعر –منى ومزدلفة وعرفة- ومسألة جمع الصلاة فيها، ومسألة جمع الصلاة للمفرد أو مع غير إمام الحج ومسألة قصر الصلاة في السفر القصير.

ويجب على كل مسلم أن يتسع صدره للمخالف من اخوانه خصوصا وأن هذه الأحكام سائغ فيها الخلاف، وقد اختلف فيها خير الناس ولم تؤثر في علاقاتهم أو تقدح في أخوتهم. ونجد النهي عن الفرقة في قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].

والله أسأل قبول العمل والزيادة فيه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه: عمر العبد الله

25 ربيع الآخر 1441

تمهيد:

تحرير محل النزاع([1]):

·       أجمعوا على أن صلاة الفجر والمغرب لا تقصر.

·       يتم المأموم صلاته اذا أتمها الامام.

·       المسافر الذي لم ينو إقامة المدة المحددة([2]) -في كل مذهب- فله القصر.

·       إذا أراد المقيم بمكة الرجوع من المشاعر الى وطنه مباشرة فيقصر لأنه أنشأ سفرا.

·       من لم يكن حاجا ولا مسافرا يتم في ذلك الموطن.

تنبيه: الحجيج من أهل منى وعرفة ومزدلفة يتمون في موطنهم على رأي المذاهب الأربعة.

المطلب الأول: حكم قصر الصلاة لأهل مكة في منى وعرفات ومزدلفة

تنازع فيها الفقهاء على قولين([3]):

القول الأول: رأي الجمهور: كعطاء، ومجاهد، والزهري، وابن جريج والثوري، ويحيى القطان، وابن المنذر، والحنفية([4])، والشافعية([5])، والحنابلة([6])، أن قصر الصلاة في منى وعرفة ومزدلفة كان من أجل السفر وعليه فلا يجوز لهم وهذه الحال أن يقصروا صلاتهم.

قال ابن قدامة (¬): (ولنا، أنهم في غير سفر بعيد، فلم يجز لهم القصر كغير من في عرفة ومزدلفة)([7]).

 قال الرملي (¬): (الجمع والقصر هنا وفيما يأتي بالمزدلفة للسفر لا للنسك)([8]).

 و(قال الإمام الحلواني: كان الإمام النسفي يقول العجب من أهل الموقف يتابعون إمام مكة في القصر فأنى يستجاب لهم أو يرجى لهم الخير وصلاتهم غير جائزة، قال شمس الأئمة: كنت مع أهل الموقف فاعتزلت، وصليت كل صلاة في وقتها وأوصيت بذلك أصحابي، وقد سمعنا أنه يتكلف ويخرج مسيرة سفر ثم يأتي عرفات، فلو كان هكذا فالقصر جائز وإلا فيجب الاحتياط اç)([9]).

دليلهم:

·       عموم الأدلة الدالة على أنه لا يقصر الا في السفر وهذا ليس بسفر([10]).

·       ولأنهم اذا نووا الاقامة المدة المحددة في كل مذهب فإنه ينقطع سفرهم فلا يباح لهم الترخص برخص السفر([11]).

·       حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ (‘) قَالَ: " يَا أَهْلَ مَكَّةَ، لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ فِي أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنَ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ "([12]).

واعترض عليه: بأنه لا يصح مرفوعا قال البيهقي (¬): (وهذا حديث ضعيف، إسماعيل بن عياش لا يحتج به، وعبد الوهاب بن مجاهد ضعيف بمرة. والصحيح أن ذلك من قول ابن عباس كما سبق ذكره)([13]).

·       قال عبدُ اللَّهِ هو ابنُ مَسعودٍ: "لا يَغُرَّنَّكُم سَوادُكُم هذا، فإِنَّما هو مِن كُوفَتِكُم"([14]).

·       وعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: أَقْصُرُ الصَّلَاةَ إِلَى عَرَفَةَ أَوْ إِلَى مِنًى؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ إِلَى الطَّائِفِ وَإِلَى جُدَّةَ، وَلَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ إِلَّا فِي الْيَوْمِ التَّامِّ، وَلَا تَقْصُرْ فِيمَا دُونَ الْيَوْمِ، فَإِنْ ذَهَبْتَ إِلَى الطَّائِفِ أَوْ إِلَى جُدَّةَ أَوْ إِلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَرْضِ، إِلَى أَرْضٍ لَكَ أَوْ مَاشِيَةٍ فَاقْصُرِ الصَّلَاةَ، فَإِذَا قَدِمْتَ فَأَوْفِ»([15]).

§      هذه الآثار تدل على أمر أهل مكة بالإتمام([16]).

·       عَنِ ابْنِ أَبِي ذُبَابٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ (¢) أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى بِأَهْلِ مِنًى أَرْبَعًا فَأَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي تَأَهَّلْتُ بِأَهْلِي بِهَا لَمَّا قَدِمْتُ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (‘) يَقُولُ: «إِذَا تَأَهَّلَ الرَّجُلُ فِي بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ بِهِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ»([17]).

واعترض عليه: بأنه ضعيف وهو كذلك قال ابن حجر (¬): (فهذا الحديث لا يصح لأنه منقطع وفي رواته من لا يحتج به)([18]).

ولا يعني ضعف هذا الأثر أن عثمان (¢) لم يتم بل أتم في منى متأولا فعَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ (~)، قَالَتْ: ((الصَّلاَةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَأُتِمَّتْ صَلاَةُ الحَضَرِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ؟ قَالَ: تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ))([19]).

قال النووي (¬): (اختلف العلماء في تأويلهما فالصحيح الذي عليه المحققون أنهما رأيا القصر جائزا والإتمام جائزا فأخذا بأحد الجائزين وهو الإتمام وقيل لأن عثمان إمام المؤمنين وعائشة أمهم فكأنهما في منازلهما وأبطله المحققون بأن النبي (‘) كان أولى بذلك منهما وكذلك أبو بكر وعمر (ƒ) وقيل لأن عثمان تأهل بمكة وأبطلوه بأن النبي (‘) سافر بأزواجه وقصر وقيل فعل ذلك من أجل الأعراب الذين حضروا معه لئلا يظنوا أن فرض الصلاة ركعتان أبدا حضرا وسفرا وأبطلوه بأن هذا المعنى كان موجودا في زمن النبي (‘) بل اشتهر أمر الصلاة في زمن عثمان أكثر مما كان وقيل لأن عثمان نوى الإقامة بمكة بعد الحج وأبطلوه بأن الإقامة بمكة حرام على المهاجر فوق ثلاث وقيل كان لعثمان أرض بمنى وأبطلوه بأن ذلك لا يقتضي الإتمام والإقامة والصواب الأول)([20]).

·       عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ، صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ يَقُولُ: "يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ"([21]).

واعترضوا: فقالوا هذا كلامه لأهل مكة وليس لأهل منى فليس فيه حجة.

وأجيب: بأن ما (في قول عمر بن الخطاب (¢) لأهل مكة: "أتموا صلاتكم" ما يغني أن يقول ذلك بمنى)([22]).

وأجيب: أنه لم يقل النبي (‘) قط ولا أبو بكر ولا عمر بمنى ولا عرفة ولا مزدلفة يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ومكة شيء والمشاعر شيء آخر ولم ينقل أن النبي (‘) ولا نقل عن الخلفاء أنهم قالوا ذلك في المشاعر "وكما يعلم أنه لما صلى بعرفة ومزدلفة قصرا وجمعا لو أمر أحدا خلفه أن يتم صلاته أو أن لا يجمع معه لنقل الناس ذلك كما نقلوا ما هو دون ذلك"([23]).

وأجيب: بأن عدم النقل ليس نقلا للعدم. وكذلك أنه اكتفى بقوله الذي قاله في مكة فأغنى عن الاعادة.

تنبيه: قال الإمام الطحاوي (¬): (قصر رسول الله (‘) وأبي بكر وعمر (ƒ) للصلاة بالناس بمنى في حجهم لا يخلو من معنى من ثلاثة معان: أن يكون السفر الذي كانوا فيه مما تقصر في مثله الصلاة، أو يكون كان للحج الذي كانوا فيه، أو يكون كان للموطن الذي كانوا به لا وجه له في ذلك غير هذه الثلاثة الأوجه اللاتي ذكرنا، فاعتبرنا ذلك هل كان ذلك القصر للموطن؟ فوجدنا أهل العلم جميعا لا يختلفون أن من لم يكن حاجا أنه لا يقصر الصلاة في ذلك الموطن، فعقلنا بذلك أن القصر الذي كان من رسول الله (‘) ومن صاحبيه في تلك الصلاة لم يكن للموطن، ثم رجعنا إلى ذلك القصر: هل كان للحج؟ فوجدناهم جميعا لا يختلفون أن الحاج من أهل منى لا يقصرون تلك الصلاة بمنى، فعقلنا بذلك أن ذلك القصر المتقدم لم يكن للحج الذي كانوا فيه ولما انتفى هذان المعنيان، وخرجا أن يكون التقصير الذي كان في تلك الصلاة لواحد منهما، ولم يبق إلا الوجه الآخر - وهو السفر - عقلنا بذلك أن التقصير الذي كان في تلك الصلاة كان للسفر، لا لما سواه وكذلك كان مالك (¬) يقول في الحاج من أهل منى: إنهم لا يقصرون الصلاة بها، وإن أهل مكة وأهل عرفة يقصرون الصلاة بها، وإن أهل منى يقصرون الصلاة بعرفة، وإذا انتفى أن تكون الصلاة قصرها من قصرها لا للسفر، انتفى بذلك قول من قال: إن غير المسافر يقصرها بمنى حاجا أو غير حاج..)([24]).

·       عَنْ نَافِعٍ؛ (أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي وَرَاءَ الْإِمَامِ، بِمِنًى أَرْبَعاً. فَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ)[25].

 قال الشافعي رحمه الله: (هذا يدل على أن الإمام إذ كان من أهل مكة صلى بمنى أربعا لأنه لا يحتمل إلا هذا أو يكون الإمام من غير أهل مكة يتم بمنى لأن الإمام في زمان ابن عمر من بني أمية وقد أتموا بإتمام عثمان قال: وهذا يدل على أن المسافر لو أتم بقوم لم تفسد صلاتهم عند ابن عمر لأن صلاته لو كانت تفسد لم يصل معه (قال الشافعي) : وبهذا نقول وأنتم تخالفون ما رويتم عن ابن عمر لغير رأي أحد رويتموه يخالف ابن عمر..)[26].

القول الثاني: يجوز لأهل مكة قصر الصلاة في المشاعر وبه قال القاسم بن محمد، وسالم، مالك([27]) والأوزاعي والظاهرية([28]) واختار هذا القول ابن تيمية.

تنبيه: يقول المالكية: القصر هنا من أجل النسك لا من أجل السفر والظاهرية وابن تيمية يقولون القصر في هذه المواطن الشريفة من أجل السفر بل ابن تيمية وتلميذه ابن القيم يضعفان قول من يقول بأن القصر من أجل النسك.

(وسئل ابن القاسم عن أهل منى، هل يقصرون إذا أرادوا الإفاضة وأهل عرفة؟ فقال: أما أهل عرفة فيقصرون، ولا يقصر أهل منى قال ابن القاسم: وكل من كان بمنى يقصر، فإذا أفاض قصر، وكل من كان بمنى يتم، فإذا أفاض أتم)([29]).

قال ابن تيمية (¬): (..كان ذلك لأجل النسك فلا يقصر المسافر سفرا قصيرا هناك وقيل: بل كان ذلك لأجل السفر وكلا القولين قاله بعض أصحاب أحمد. والقول الثاني هو الصواب وهو أنهم قصروا لأجل سفرهم ولهذا لم يكونوا يقصرون بمكة وكانوا محرمين والقصر معلق بالسفر وجودا وعدما فلا يصلي ركعتين إلا مسافر وكل مسافر يصلي ركعتين..)([30]).

دليلهم:

·       أن رسول الله - - قصر بعرفة ولم يأمر من كان معه من أهل مكة بالإتمام.

قلت: فإذا كان القصر من أجل النسك كما تقولون؛ فلماذا لم تجوزوه لأهل منى بمنى وأهل عرفة بعرفة وأهل مزدلفة بمزدلفة؟! ولعل المالكية قالوا أن القصر من أجل النسك خوفا من التناقض والله اعلم.

قال ابن عثيمين رحمه الله: (وقال بعض أهل العلم: إن القصر والجمع في الحج ليس سببه السفر وإنما سببه النسك، وعلى هذا القول الحجاج من أهل مكة يقصرون، ويجمعون في موضع الجمع، لكن هذا القول ضعيف؛ إذ لو كان سببه النسك لكانوا إذا حلوا التحلل الثاني، ـ وهذا يمكن أن يكون يوم العيد ـ لم يحل لهم أن يقصروا في منى، ولو كان سببه النسك، لكانوا إذا أحرموا في مكة بحج أو عمرة جاز لهم الجمع والقصر، فالقول بأنه هو النسك ضعيف جداً، ولا ينطبق على القواعد الشرعية)[31].

وأما قولهم: (بأن رسول الله - - قصر بعرفة ولم يأمر من كان معه من أهل مكة بالإتمام). فيجاب عنه: بأن عدم النقل ليس نقلا للعدم.

(ولأن في تكرار مشاعر الحج ومناسكه مقدار المسافة التي فيها قصر الصلاة عند الجميع)([32]).

قلت: وهذا غير صحيح فأعلى مسافة قيلت في قصر الصلاة 120 كيلو على رأي الحنفية -وذكر بعض الحنفية أنه أقل من هذا العدد وهو ناتج عن تحديد الفراسخ- ورأي الجمهور أن المسافة 81 كيلو تقريبا والمسافة التي تكون بين مكة وعرفات -وهي أبعد المشاعر- تقريبا 25 كيلو فإذا حسبنا الذهاب والاياب فلا يصل الى المدة التي اتفقت عليها المذاهب الاربعة([33]).

 

 

 

الترجيح:

·       يظهر لي: أن القصر من أجل النسك من أضعف الأقوال؛ لذلك لم يأخذ به جماهير الأمة.

·       أن الاتمام ثابت وقطعي والقصر بسبب النسك أمر محتمل وعليه فلا نترك القطعي ونأخذ بالمحتمل .

·       قولهم أن قصر أهل منى كان بسبب السفر سيأتي في بحث مستقل؛ ولكن قولهم أن أهل مكة قصروا في منى ليس عليه دليل وإنما هو تخمين مبني على استدلال معترض عليه.

·       وإتمام الصلاة لأهل مكة أسلم لهم والله اعلم.

 

+++

 

 

المطلب الثاني: حكم قصر الصلاة في السفر القصير

تنبيه: وافق المالكيةُ الجمهورَ في عدم جواز قصر الصلاة في السفر القصير لغير الحاج، والحجاج من أهل هذه الاماكن المقدسة يتمون فيها ويقصرون في غيرها([34]).

وهذه المسألة تنازع فيها العلماء على قولين:

القول الأول: لا يجوز قصر الصلاة في السفر القصير([35]) وبهذا قال جماهير العلماء منهم: عطاء، ومجاهد([36])، والزهري، وابن جريج والثوري، ويحيى القطان، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأحمد وابن المنذر([37]).

قال السَرَخْسي (¬): (والخارج إلى حانوت أو إلى ضيعة لا يسمى مسافرا، فلا بد من إثبات التقدير لتحقيق اسم السفر)([38]).

وقال الشربيني (¬): (لا تقصر في القصير والمشكوك في طوله في الأمن بلا خلاف([39]).)([40]).

حجتهم:

«قصر رسول الله - - في سفره إلى مكة وهي تسع، أو عشر».

 قال الشافعي (¬) تعالى : (دل قصره - - على أن يقصر في مثل ما قصر فيه وأكثر منه ولم يجز القياس على قصره إلا بواحدة من اثنتين: أن لا يقصر إلا في مثل ما قصر فيه، وفوقه؛ فلما لم أعلم مخالفا في أن يقصر في أقل من سفر رسول الله - - الذي قصر فيه لم يجز أن نقيس على هذا الوجه، كان الوجه الثاني: أن يكون إذا قصر في سفر ولم يحفظ عنه أن لا يقصر فيما دونه أن يقصر فيما يقع عليه اسم سفر..ولم يبلغنا أن يقصر فيما دون يومين إلا أن عامة من حفظنا عنه لا يختلف في أن لا يقصر فيما دونهما فللمرء عندي أن يقصر فيما كان مسيرة ليلتين قاصدتين وذلك ستة وأربعون ميلا بالهاشمي، ولا يقصر فيما دونها)([41]).

·       عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ: " أَتَقْصُرُ إِلَى عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ إِلَى عُسْفَانَ، وَإِلَى جُدَّةَ، وَإِلَى الطَّائِفِ "([42]).

·       عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ «كَانَ يُسَافَرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ الْبَرِيدُ فَلَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ»([43]).

·       عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، «رَكِبَ إِلَى ذَاتِ النُّصُبِ فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرَةِ ذَلِكَ»([44]).

·       قَالَ مَالِكٌ: وَبَيْنَ ذَاتِ النُّصُبِ، وَالْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ([45]).

قال الخطابي (¬): (وروي عن ابن عمر مثل ذلك وهو أربعة برد وهذا عن ابن عمر أصح الروايتين)([46]).

·       فهذه الاثار تدل على أنه لا قصر فيما دون أربعة برد تقريبا (80)كيلو.

القول الثاني: يجوز الترخص في كل سفر وهذا مذهب الظاهرية اختاره ابن قدامة وابن تيمية من الحنابلة.

قال ابن حزم (¬): (وأما نحن فإن ما دون الميل من آخر بيوت قريته له حكم الحضر، فلا يقصر فيه ولا يفطر، فإذا بلغ الميل فحينئذ صار في سفر تقصر فيه الصلاة ويفطر فيه، فمن حينئذ يقصر ويفطر. وكذلك إذا رجع فكان على أقل من ميل فإنه يتم، لأنه ليس في سفر - يقصر فيه بعد)([47]).

وقال ابن قدامة (¬): (والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر، إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه)([48]).

قلت: ورأيت لابن قدامة (¬) كلاما يخالف كلامه هنا. قال (¬): (وأما السفر القصير وهو ما لا يباح فيه القصر..)([49]). وكلامه الأول متأخر.

قلت: وقد أجمعت الصحابة على أن السفر المذكور في الآية محدود بحد وليس على إطلاقه؛ ولكنهم اختلفوا في الحد الذي تقصر فيه الصلاة([50]).

وقال ابن تيمية (¬): (..أظهر القولين أنه يجوز في كل سفر قصيرا كان أو طويلا .. وأيضا فليس الكتاب والسنة يخصان بسفر دون سفر لا بقصر ولا بفطر ولا تيمم ولم يحد النبي (‘) مسافة القصر بحد لا زماني ولا مكاني والأقوال المذكورة في ذلك متعارضة ليس على شيء منها حجة وهي متناقضة ولا يمكن أن يحد ذلك بحد صحيح.. والواجب أن يطلق ما أطلقه صاحب الشرع (‘) ويقيد ما قيده فيقصر المسافر الصلاة في كل سفر.. ومن قسم الأسفار إلى قصير وطويل وخص بعض الأحكام بهذا وبعضها بهذا وجعلها متعلقة بالسفر الطويل فليس معه حجة يجب الرجوع إليها)([51]).

قلت: الناظر في كلام ابن تيمية (¬) يتبين منه أنه يرجح أن تكون مسافة القصر بريد -أي نصف يوم- إذا كان السفر بالتحديد لأن أهل مكة في نظره قصروا قصر سفر في الحج وأقصى مسافة لهم عرفة وعرفة تبعد من مكة بريدا فجاز لهم القصر في منى وهي أقرب الى مكة باعتبار أنهم خرجوا من عامر قريتهم، وأما إذا لم قال بغير التحديد فالعرف هو المحدد([52]).

تنبيه: قال ابن تيمية (¬) –بعد أن رجح قصر الصلاة في السفر القصير-: (ولكن لا بد أن يكون ذلك مما يعد في العرف سفرا، مثل أن يتزود له، ويبرز للصحراء، فأما إذا كان في مثل دمشق، وهو ينتقل من قراها الشجرية من قرية إلى قرية كما ينتقل من الصالحية إلى دمشق، فهذا ليس بمسافر، كما أن مدينة النبي - - كانت بمنزلة القرى المتقاربة عند كل قوم نخيلهم ومقابرهم ومساجدهم، قباء وغير قباء ولم يكن خروج الخارج إلى قباء سفرا، ولهذا لم يكن النبي - - وأصحابه يقصرون في مثل ذلك.. ولكن هذه مسائل اجتهاد، فمن فعل منها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه، ولم يهجر.)([53]).

حجتهم:

·       قال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101].

وجه الدلالة: أن الله أطلق ولم يفرق بين السفر الطويل والسفر القصير([54]).

وردّ النووي (¬) قولهم فقال: (والجواب عما احتج به أهل الظاهر من إطلاق الآية والأحاديث أنه لم ينقل عن النبي (‘) القصر صريحا في دون مرحلتين)([55]).

جواب آخر: (..والحديثان([56]) في حد الاستفاضة والاشتهار فيجوز نسخ الكتاب بهما إن كان تقييد المطلق نسخا مع ما أنه لا حجة لهم في الآية؛ لأن الضرب في الأرض في اللغة: عبارة عن السير فيها مسافرا، يقال ضرب في الأرض أي: سار فيها مسافرا، فكان الضرب في الأرض عبارة عن سير يصير الإنسان به مسافرا لا مطلق السير، والكلام في أنه هل يصير مسافرا بسير مطلق من غير اعتبار المدة؟ وكذا مطلق الضرب في الأرض يقع على سير يسمى سفرا، والنزاع في تقديره شرعا والآية ساكتة عن ذلك وقد ورد الحديث بالتقدير فوجب العمل به )([57]).

رد آخر: أجمعت الصحابة على أن السفر في الآية محدود بحد وليس على إطلاقه؛ ولكنهم اختلفوا في الحد الذي تقصر فيه الصلاة([58]).

·       وعَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، عن قَصْرِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ (‘) إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ - شُعْبَةُ الشَّاكُّ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ))([59]).

وجه الدلالة: أنه ثبت بهذا الدليل الصحيح قصر الصلاة بأقل من مسيرة نصف يوم.

وأجيب: بأن (قوله أن رسول الله (‘) إذا خرج ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين هذا ليس على سبيل الاشتراط وإنما وقع بحسب الحاجة لأن الظاهر من أسفاره (‘) أنه ما كان يسافر سفرا طويلا فيخرج عند حضور فريضة مقصورة ويترك قصرها بقرب المدينة ويتمها وإنما كان يسافر بعيدا من وقت المقصورة فتدركه على ثلاثة أميال أو أكثر أو نحو ذلك فيصليها حينئذ والأحاديث المطلقة مع ظاهر القرآن متعاضدات على جواز القصر من حين يخرج من البلد فإنه حينئذ يسمى مسافرا)([60]).

جواب آخر: قال الخطاب (¬): (إن ثبت هذا الحديث كانت الثلاثة الفراسخ حدا فيما يقصر إليه الصلاة إلاّ أني لا أعرف أحدا من الفقهاء يقول به).

الترجيح:

يظهر لي بعد التأمل:

·       أن القول بقصر الصلاة في السفر ولو كان السفر ميلا كما يقوله الظاهرية قول شاذ لم يقل به أحد من فقهاء الأمصار.

·       أن القول بعدم القصر في السفر القصير هو ما أفتى به فقهاء الصحابة كابن عباس وابن عمر وابن مسعود وهذا مما يجعله أقوى القولين بلا شك.

·       أنّ الأسلم والأحوط للمصلي الا يقصر في السفر القصير.

·       أن عامة الفقهاء ذهبوا الى عدم جواز قصر الصلاة في السفر مع قوة أدلتهم مما يؤكد ضعف القول المقابل له.

·       قول ابن تيمية بقصر الصلاة في السفر القصير خصوصا لأهل مكة اذا ذهبوا الى منى هذا كان في زمنه لأنها كانت منفصلة أما اليوم فاتصلت مع مكة فيلزم على قوله عدم جواز القصر.

·       أن عمدتهم إطلاق الآية للسفر وقد تقدم أنها محدودة بالإجماع.

 

+++

 

 

 

المطلب الثالث: حكم الجمع بين الصلاتين للحاج من أهل مكة في عرفة ومزدلفة

هذه المسألة تنازع فيها العلماء على قولين:

القول الأول: يجوز لهم الجمع وهذا مذهب: الحنفية([61])، والمالكية([62])، والقول القديم للشافعي([63])، والمشهور عن أحمد([64])، والظاهرية، وهو اختيار أبي الخطاب وابن قدامة وابن تيمية من الحنابلة.

قال السمرقندي (¬): (فإن كان الإمام مقيما من أهل مكة يتم الصلاتين أربعا أربعا ويتم القوم معه وإن كانوا مسافرين لأن المسافر إذا اقتدى بالمقيم في الوقت يجب عليه الإتمام تبعا للإمام)([65]).

وفي الشرح للدردير (¬): (والحاصل أن أهلها يجمعون ويتمون وغيرهم يجمع بينهما ويقصر هذا هو المعول عليه وهو ما في المدونة خلافا لما في ح من جعل الاستثناء راجعا لقوله وجمع وقصر أي إلا أهلها فلا يجمعون ولا يقصرون فإنه خلاف ما في المدونة)([66]).

وقال ابن عرفة (¬): (ثم يصلي الظهر والعصر قصرا ويتم العرفي. وفيها: لا أحب كون الإمام عرفيا وجمعهما السنة. أبو عمر: إجماعا)([67]).

وقال ابن تيمية (¬): (وقيل: يجمعون ويقصرون كما قال ذلك مالك وابن عيينة وإسحاق بن راهويه وبعض أصحاب أحمد وغيرهم وهذا هو الصواب بلا ريب.. وقد علم أن للجمع أسبابا غير السفر الطويل؛ ولهذا كان قول من يقول: إنه يجوز الجمع في السفر القصير كما يجوز في الطويل أقوى من قول من لا يجوزه إلا في الطويل لا في القصير.)([68]).

وقال ابن قدامة (¬): (ويجوز الجمع لكل من بعرفة، من مكي وغيره، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة، وكذلك من صلى مع الإمام. وذكر أصحابنا أنه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه ستة عشر فرسخا، إلحاقا له بالقصر. وليس بصحيح..)([69]).

قلت: وأصحاب هذا القول منهم من يقول: الجمع من أجل النسك كالحنفية والمالكية، ومنهم من يقول: الجمع بسبب السفر وهم الظاهرية ومن اختار هذا القول ممن ينتسبون للشافعية والحنابلة.

حجتهم:

·      أن النبي - - جمع، فجمع معه من حضره من المكيين وغيرهم، ولم يأمرهم بترك الجمع، كما أمرهم بترك القصر حين قال: (أتموا، فإنا سفر) . ولو حرم الجمع لبينه لهم، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولا يقر النبي - - على الخطأ)([70]).

·      (وقد كان عثمان يتم الصلاة؛ لأنه اتخذ أهلا، ولم يترك الجمع. وروي نحو ذلك عن ابن الزبير. قال ابن أبي مليكة: وكان ابن الزبير يعلمنا المناسك. فذكر أنه قال: إذا أفاض، فلا صلاة إلا بجمع. رواه الأثرم. وكان عمر بن عبد العزيز والي مكة، فخرج فجمع بين الصلاتين)([71]).

·      (ولم يبلغنا عن أحد من المتقدمين خلاف في الجمع بعرفة ومزدلفة، بل وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره، والحق فيما أجمعوا عليه، فلا يعرج على غيره)([72]).

·      الجمع لا يشترط له السفر فقد يكون بسبب السفر وقد يكون بعذر من الأعذار فقد ثبت أن النبي (‘) جمع بعذر من غير سفر. وسبب الجمع في عرفة التفرغ للدعاء فيها، وسبب الجمع في مزدلفة من أجل المسير هذا بالنسبة لغير المسافر.

القول الثاني: لا يجوز لهم الجمع وهذا مذهب الشافعية([73]) والحنابلة([74]).

قال النووي (¬): (ويجوز الجمع في السفر الذي تقصر فيه الصلاة وفي القصير قولان مشهوران ذكر المصنف دليلهما (أصحهما) باتفاق الأصحاب لا يجوز وهو نص الشافعي في كتبه الجديدة..)([75]).

وقال ابن حجر الهيتمي (¬): (وهذا الجمع بسبب السفر لا النسك على الأصح فلا يجوز لمن لا يجوز له القصر ويسن للإمام إعلامهم بقوله بعد سلامه أتموا ولا تجمعوا، فإنا قوم سفر)([76]).

تنبيه: قال إمام الحرمين (¬): (والعَرفي الذي أنشأ النسك من وطنه لا يجمع قولاً واحداً على هذه الطريقة([77])؛ فإنه ليس مسافراً، وفي الجمع بمزدلفة قولان في حقه)([78]).

وقال البهوتي (¬): (وأهل مكة ومن حولهم) وهم من دون المسافة من مكة (إذا ذهبوا إلى عرفة ومزدلفة ومنى فليس لهم قصر ولا جمع) للسفر؛ لأنهم ليسوا بمسافرين لعدم المسافة (فهم في) اعتبار (المسافة كغيرهم) لعموم الأدلة ومثلهم من ينوي الإقامة بمكة فوق عشرين صلاة كأهل مصر والشام فليس لهم قصر ولا جمع بمكة ولا منى ولا عرفة ولا مزدلفة لانقطاع سفرهم بدخول مكة)([79]).

حجتهم:

·      عموم الأدلة الدالة على وجوب أداء الصلاة في وقتها المحدد لها شرعا.

وأجيب: أنه ورد أن النبي (‘) جمع بالناس ولم يقل لأهل مكة لا تجمعوا كما قال لهم في القصر([80]).

·      أن الجمع في عرفة ومزدلفة بسبب السفر لا النسك وعليه فلا يجمع الا من كان مسافرا سفرا تقصر فيه الصلاة([81]).

 

 

الترجيح:

ظهر لي بعد التأمل: قوة قول من يقول بجواز الجمع لأهل مكة وإن القول الثاني قوي أيضا. وهذه المسألة أهون من سابقتها وهي محتملة قال إمام الحرمين (¬): (فإنه قد صح تجويزه في حق المقيم بعذر المطر، كما سنذكره، فوضح بذلك أن الأمر هيّن فيه.)([82]).والسبب ما قاله إمام الحرمين، ولعل جمعه (‰) ليس بسبب السفر بل لعلة أخرى مر ذكرها لذلك لم يجمع النبي (‘) في منى وقد كان مسافرا.

 

 

 

+++

 

 

 

المطلب الرابع: حكم الجمع لمن صلى وحده في عرفة

هذه المسألة اختلف فيها العلماء على قولين:

القول الأول: جواز الجمع لمن فاته الجمع مع الإمام وذهب إليه المالكية([83]) والشافعية والحنابلة وأبو ثور وإسحاق ومحمد الشيباني وأبو يوسف وهو قول عطاء([84])

 تنبيه: عند المالكية (من لم يقف مع الإمام بعرفة، بل وقف بعده فإنه لا يجمع، بل يصلي كل صلاة في وقتها المختار؛ لأن الجمع إنما شرع لمن وقف مع الإمام)([85]).

في الذخيرة: (قال مالك من فاته الإمام جمع في رحله)([86]).

(قال مالك يجمع الرجل بين الظهر والعصر يوم عرفة إذا فاته ذلك مع الإمام قال وكذلك المغرب والعشاء يجمع أيضا بينهما بالمزدلفة من فاته ذلك مع الإمام)([87]).

وقال الماوردي (¬): (فأما من جاء وقد فاتته صلاة الإمام فيجوز له أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر إذا كان مسافرا سواء صلى في جماعة أو فرادى)([88]).

تعليلهم:

قالوا: (ان رسول الله (‘) إنما جمع بينهما من أجل السفر فلكل مسافر الجمع بينهما)([89]).

(أن جواز التقديم لصيانة الوقوف بعرفة؛ لأن أداء العصر في وقتها يحول بينه وبين الوقوف، وهذا المعنى لا يوجب الفصل بين الوحدان، والجماعة)([90]).

وأجيب: بأن (ما عينه أولى لما ذكر من أنه لا منافاة: أي بين الوقوف والصلاة فإنه واقف بعرفة حال كونه نائما أو مغمى عليه فكيف لا يكون حال كونه مصليا)([91]).

حجتهم:

"كانَ ابْنُ عُمَرَ (ƒ) إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ مَعَ الإِمَامِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا"([92]).

وجه الدلالة: (ابن عمر (¢) روى حديث جمع النبي (‘) بين الصلاتين وكان مع ذلك يجمع وحده فدل على أنه عرف أن الجمع لا يختص بالإمام ومن قواعدهم أن الصحابي إذا خالف ما روى دل على أن عنده علما بأن مخالفه أرجح تحسينا للظن به فينبغي أن يقال هذا هنا)([93]).

وقال الماوردي (¬): (ودليلنا أن عبد الله بن عمر كان يجمع بينهما إذا فاته الجمع مع الإمام وليس له مخالف فكان إجماعا، ولأن كل جمع جاز مع الإمام جاز انفراده به كالجمع بمزدلفة)([94]).

القول الثاني: أن شرط الجمع في عرفة الإمام حتى لو صلى جماعة مع غير الإمام فلا يجوز له أن يجمع العصرين وقال به النخعي والحنفية([95]) -على الصحيح- والثوري([96])

قال الكاساني (¬): (ومنها أن يكون أداء الصلاتين بإمام، وهو الخليفة أو نائبه في قول أبي حنيفة، حتى لو صلى الظهر بجماعة لكن لا مع الإمام، والعصر مع الإمام لم تجز العصر عنده، وعندهما هذا ليس بشرط. والصحيح قول أبي حنيفة)([97]).

تنبيه: (الجمع الثاني بالمزدلفة الإمام فيه ليس بشرط بالاتفاق)([98]).

تعليلهم:

(الجواز ثبت معدولا به عن الأصل؛ لأنها عبادة مؤقتة، والعبادات المؤقتة لا يجوز تقديمها على أوقاتها إلا أن جواز تقديم العصر على وقتها ثبت بالنص غير معقول المعنى فيراعى فيه عين ما ورد به النص، والنص ورد بجواز أداء العصر كاملا مرتبا على ظهر كامل، وهي المؤداة بالجماعة والمؤداة لا بجماعة لا تساويها في الفضيلة، فلا يكون في معنى المنصوص عليه)([99]).

حجتهم:

·       الأدلة الدالة على المحافظة على أداء الصلاة في الوقت وقد مر تعليلهم.

وأجيب: بأنه صح عن ابن عمر (¢) الجمع وحده وليس له مخالف فكان حجة.

الترجيح:

قد ظهر لي أن قول الجمهور هو الأصح. واقوى دليل لهم فعل ابن عمر (¢) مع عدم المخالف له فيكون حجة. ومن أراد أن يحتاط فلا بأس بأن يصلي كل صلاة لوقتها خروجا من الخلاف.

 

+++

الخلاصة:

·       لا يجوز قصر الصلاة لأهل مكة في منى ومزدلفة وعرفة.

·       لا يجوز القصر في السفر القصير.

·       يجوز الجمع للحجاج من أهل مكة في عرفة ومزدلفة.

·       يجوز الجمع بين الصلاتين في عرفة ومزدلفة لمن لم يصلِ مع إمام الحج كأن صلى وحده أو في جماعة.

 

 

+++

 

 

 

 

المحتويات

المقدمة: 167

تمهيد: 168

المطلب الأول: حكم قصر الصلاة لأهل مكة في منى وعرفات ومزدلفة 168

المطلب الثاني: حكم قصر الصلاة في السفر القصير. 175

المطلب الثالث: حكم الجمع بين الصلاتين للحاج من أهل مكة في منى ومزدلفة وعرفة 181

المطلب الرابع: حكم الجمع لمن صلى وحده في عرفة 186

 



([1]) ينظر: نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (6/ 334) و كشاف القناع عن متن الإقناع (1/ 509) و المعتصر من المختصر من مشكل الآثار (1/ 81).

([2]) وهي: على رأي الحنفية خمسة عشر يوما، والشافعية والمالكية أربعة أيام، والحنابلة أكثر من إحدى وعشرين صلاة.

([3]) تنبيه: وهذه المسألة مبنية على أمرين:

الأمر الأول: هل قصر الصلاة في هذه الأماكن من أجل النسك أم من أجل السفر؟

والأمر الثاني: هل يجوز قصر الصلاة في السفر القصير أم لا؟

تنبيه: السفر القصير بأن كان نية رجوعه قبل قطع مسافة السفر المحددة في كل مذهب .

([4]) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (2/ 505).

([5]) ينظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (4/ 106).

([6]) ينظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (2/ 320).

([7]) المغني لابن قدامة (3/ 366).

([8]) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (3/ 296).

([9]) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (2/ 505).

([10]) ينظر: كشاف القناع عن متن الإقناع (1/ 509).

([11]) المصدر السابق.

تنبيه: (وإن قصر ولكنه شاك في السفر هل هو طويل أم قصير، لم تصح صلاته، وإن تبين له بعدها أنه طويل؛ لأنه صلى شاكا في صحة صلاته، فأشبه ما لو صلى شاكا في دخول الوقت). المغني لابن قدامة (2/ 190).

([12]) السنن الكبرى للبيهقي (3/ 197).

([13]) المصدر السابق.

([14]) السنن الكبرى للبيهقي ت التركي (6/ 134).

([15]) مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/ 524).

([16]) ينظر: الحاوي الكبير (4/ 169).

([17]) مسند الحميدي (1/ 170)

([18]) فتح الباري لابن حجر (2/ 570).

([19]) رواه البخاري أبواب تقصير الصلاة، باب يقصر إذا خرج من موضعه، ح(1040).

([20]) شرح النووي على مسلم (5/ 195).

([21]) موطأ مالك ت الأعظمي (2/ 206).

([22]) نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (6/ 334).

([23]) ينظر: مجموع الفتاوى (17/ 479).

([24]) شرح مشكل الآثار (10/ 417).

[25] موطأ مالك ت الأعظمي (2/ 207).

[26] الأم للشافعي (7/ 263).

([27]) ينظر: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (3/ 120).

([28]) ينظر: المحلى بالآثار (3/ 215).

([29]) مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (3/ 122).

([30]) مجموع الفتاوى (24/ 12).

[31]) الشرح الممتع على زاد المستقنع (7/ 285).

([32]) مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (3/ 120).

([33]) ثم رأيت الحطاب يرد هذا التوجيه فقال: (والتوجيهان غير مسلمين، فإنهما مبنيان على أن من مكة إلى عرفة أربعة وعشرين ميلا، ولم يقله أحد، والحس يخالفه) المصدر السابق.

([34]) ينظر: شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 62) و شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 62).

([35]) تنبيه: حصل خلاف بين الفقهاء في تحديد مسافة السفر الطويل، فذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة الى أنها: أربعة برد وهي ثمانية وأربعون ميلا هاشمية أي مسيرة يوم وليلة أو يومين أو ليلتين بسير الأبل المثقلة. وذهب الحنفية أنها: مسيرة ثلاثة أيام ولياليها سير الإبل ومشي الأقدام. ينظر: المجموع شرح المهذب (4/ 323).

([36]) عطاء ومجاهد كانا من أئمة الحج في زمانهم وهما أهل الفتوى وكانا يتمان الصلاة.

([37]) ينظر: المغني لابن قدامة (3/ 366) و نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (3/ 296) و بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 152).

([38]) المبسوط للسرخسي (1/ 235).

([39]) أي في مذهب الشافعية.

([40]) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (1/ 516).

([41]) الأم للشافعي (1/ 211).

([42]) السنن الكبرى للبيهقي (3/ 196).

([43]) معرفة السنن والآثار (4/ 246).

([44]) المصدر السابق.

([45]) السابق.

([46]) معالم السنن (1/ 262).

([47]) المحلى بالآثار (3/ 215).

([48]) المغني لابن قدامة (2/ 190).

([49]) المغني لابن قدامة (1/ 315).

([50]) ينظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 304).

([51]) ينظر: مجموع الفتاوى (24/ 12).

([52]) ينظر: مجموع الفتاوى (24/ 41).

([53]) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2/ 341).

([54]) ينظر: مجموع الفتاوى (24/ 34).

([55]) المجموع شرح المهذب (4/ 328).

([56]) أي الاحاديث في النهي عن سفر المرأة جاءت محددة.

([57]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 94).

([58]) ينظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 304).

([59]) صحيح مسلم (1/ 481) رقم: (691).

([60]) شرح النووي على مسلم (5/ 200).

([61]) ينظر: الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني (2/ 360) و المبسوط للسرخسي (1/ 149).

([62]) ينظر: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (3/ 120).

([63]) ينظر: الحاوي الكبير (2/ 78).

([64]) ينظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (2/ 320).

([65]) تحفة الفقهاء (1/ 404).

([66]) الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (2/ 44).

([67]) التاج والإكليل لمختصر خليل (4/ 170). قلت: عند المالكية في مسألة الجمع فإنه يجوز الجمع لأهل الأماكن المقدسة كمن سكن عرفة فإنه يجمع في عرفة وكذلك أهل منى ومزدلفة. بخلاف القصر لا يجوز لهم في مواطنهم ويجوز في غيرها.

تنبيه: (محل الجمع إذا وقف مع الإمام وسار مع الناس أو تأخر عنهم لغير عجز، فإن وقف وحده فإنه لا يجمع لا بالمزدلفة ولا بغيرها وإنما يصلي كل صلاة في وقتها، وإن وقف مع الإمام وتأخر لعجز صلاهما مجموعتين بعد الشفق في أي محل شاء.) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/ 270).

([68]) مجموع الفتاوى (17/ 479).

([69]) المغني لابن قدامة (3/ 366).

([70]) السابق.

([71]) السابق.

([72]) السابق.

([73]) ينظر: فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب (1/ 171).

([74]) ينظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (2/ 320).

([75]) المجموع شرح المهذب (4/ 370).

([76]) تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (4/ 106).

تنبيه: من كان مقيما بمكة أيام الحج ثم عزم على الرجوع الى وطنه بعد تمام المناسك وليس في نيته أن يقيم في مكة أربعة أيام فله الجمع والقصر عندهم جميعا. ينظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (4/ 106).

([77]) أي: طريقة من يقول إن الجمع بسبب السفر وليس بسبب النسك؛ لأن الماوردي رجح بأنه بسبب النسك.

([78]) نهاية المطلب في دراية المذهب (2/ 466).

([79]) كشاف القناع عن متن الإقناع (1/ 509).

([80]) ينظر: المغني لابن قدامة (3/ 366).

([81]) ينظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (4/ 106).

([82]) نهاية المطلب في دراية المذهب (2/ 466).

([83]) ينظر: الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (2/ 44).

([84]) ينظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (13/ 163).

([85]) شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 333).

([86]) الذخيرة للقرافي (3/ 256).

([87]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (13/ 162).

([88]) الحاوي الكبير (4/ 169).

([89]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (13/ 163).

([90]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 154).

([91]) فتح القدير للكمال ابن الهمام (2/ 471).

([92]) صحيح البخاري (2/ 162) معلقا وقد وصله ابراهيم الحربي. ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 513)

 

([93]) فتح الباري لابن حجر (3/ 513).

([94]) الحاوي الكبير (4/ 169).

([95]) ينظر: الهداية في شرح بداية المبتدي (1/ 141).

([96]) ينظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (13/ 163).

([97]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 154).

([98]) المبسوط للسرخسي (4/ 16).

([99]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 152).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الآجرّوميّة