إذا ارتقيت أيها
الداعية عتبة الدعوة وكابدتها فاعلم أن هذا محض اختيار الله لك. والدعاة في هذه
الأمة كالرسل في الأمم قبلنا لا أزعم أنهم في مرتبة واحدة ولكنهم في طريق واحد
ودعوتهم وغايتهم واحدة: إذن هم يشتركون في المصاعب والمتاعب من أقوامهم بسبب
دعوتهم. واسشعار الداعية اختيار الله له يخفف عنه أعباء الدعوة.
ويجب على
الداعية أن يفرق بين وظيفته كداعية وبين الوظائف الأخرى، وليعلم أيضا: أنّ الله
اختاره مرشدا لا قاضيا؛ فإن تصرف الداعية في دعوته تصرف القاضي فشلت دعوته وربما
انتكس!
قد لا يكتب
النجاح لدعوة داعية إذا لم يملك شفقة الأب وحنان الأم ومن ملك هاتين الصفتين ملك
قلوب العباد، ومن ملك قلوبهم: فعلوا ما أرشدهم إليه وتركوا ما نهاهم عنه بقلوب
راضية.
ومن أصعب
الدعوات دعوة الناس اليوم؛ لحجم الانفتاح الهائل الذي سببته التقنية الحديثة، وعلى
الداعية جهد مضاعف بتعلم ما يحتاجه من التقنية لتسخيرها في دعوته لتحصل الموازنة
بين دعوتنا ودعوتهم.
وعلى الداعية
أيضا أن يعمل مع المؤسسات الدعوية ما أمكنه؛ لأن العمل تحت مظلة العمل المؤسسي له
نتائج مبهرة وسريعة وتكسب الداعية مهارة وحبا لما يقوم به، والعمل الجماعي من أسباب
تثبيت الداعية واستمراره في دعوته، قال رسول الله (‘): ((عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ
فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ))([1]).
وتعايش الداعية
مع الناس يكسبه خبرة في معرفة طبقات الناس ومن عرف طبقاتهم ودرجات أفهامهم استطاع
ان يفتح مغاليق قلوبهم، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ
هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125]،
وتنوع الدعوة من خلال هذه الآية الكريمة سببه تنوع طبقات الناس واختلاف تعاملهم مع
الداعية؛ فكان من المناسب تنوع الدعوة بتنوعهم: وعليه فلا يصلح أن يجادل الداعية
من أقبل عليه بقلبه وقالبه، والحكمة تقتضي أن يجادل الداعية بالحق من يجادله
بالباطل، وأما من تردد في قراره، ونفسه تنازعه في الشهوات والشبهات، وهو بين إقبال
وإدبار فالموعظة لمثله شفاء.
والداعية
الناجح كالطبيب الناجح يشخص للمريض الداء ثم يعطيه الدواء بقدره؛ ذلك: أن زيادة
الدواء تقتله، ونقصه لا يشفيه. ومن يشفي نفسا تنعم في الدارين خير ممن يشفي نفسا
تنعم بدار فانية.
عمر العبد الله
23 جمادى الأولى 1441ه