الأحد، 26 يناير 2020

دردشة مع داعية



إذا ارتقيت أيها الداعية عتبة الدعوة وكابدتها فاعلم أن هذا محض اختيار الله لك. والدعاة في هذه الأمة كالرسل في الأمم قبلنا لا أزعم أنهم في مرتبة واحدة ولكنهم في طريق واحد ودعوتهم وغايتهم واحدة: إذن هم يشتركون في المصاعب والمتاعب من أقوامهم بسبب دعوتهم. واسشعار الداعية اختيار الله له يخفف عنه أعباء الدعوة.

ويجب على الداعية أن يفرق بين وظيفته كداعية وبين الوظائف الأخرى، وليعلم أيضا: أنّ الله اختاره مرشدا لا قاضيا؛ فإن تصرف الداعية في دعوته تصرف القاضي فشلت دعوته وربما انتكس!

قد لا يكتب النجاح لدعوة داعية إذا لم يملك شفقة الأب وحنان الأم ومن ملك هاتين الصفتين ملك قلوب العباد، ومن ملك قلوبهم: فعلوا ما أرشدهم إليه وتركوا ما نهاهم عنه بقلوب راضية.

ومن أصعب الدعوات دعوة الناس اليوم؛ لحجم الانفتاح الهائل الذي سببته التقنية الحديثة، وعلى الداعية جهد مضاعف بتعلم ما يحتاجه من التقنية لتسخيرها في دعوته لتحصل الموازنة بين دعوتنا ودعوتهم.

وعلى الداعية أيضا أن يعمل مع المؤسسات الدعوية ما أمكنه؛ لأن العمل تحت مظلة العمل المؤسسي له نتائج مبهرة وسريعة وتكسب الداعية مهارة وحبا لما يقوم به، والعمل الجماعي من أسباب تثبيت الداعية واستمراره في دعوته، قال رسول الله (‘): ((عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ))([1]).

وتعايش الداعية مع الناس يكسبه خبرة في معرفة طبقات الناس ومن عرف طبقاتهم ودرجات أفهامهم استطاع ان يفتح مغاليق قلوبهم، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125]، وتنوع الدعوة من خلال هذه الآية الكريمة سببه تنوع طبقات الناس واختلاف تعاملهم مع الداعية؛ فكان من المناسب تنوع الدعوة بتنوعهم: وعليه فلا يصلح أن يجادل الداعية من أقبل عليه بقلبه وقالبه، والحكمة تقتضي أن يجادل الداعية بالحق من يجادله بالباطل، وأما من تردد في قراره، ونفسه تنازعه في الشهوات والشبهات، وهو بين إقبال وإدبار فالموعظة لمثله شفاء.

والداعية الناجح كالطبيب الناجح يشخص للمريض الداء ثم يعطيه الدواء بقدره؛ ذلك: أن زيادة الدواء تقتله، ونقصه لا يشفيه. ومن يشفي نفسا تنعم في الدارين خير ممن يشفي نفسا تنعم بدار فانية.

عمر العبد الله
 23 جمادى الأولى 1441ه





([1]) سنن الترمذي ت بشار 4/35 ح(2165)

القبيلة ومصيدة الشيطان




دار بنا الزمان حتى عاد الى الجاهلية الأولى: يتفاخرون بالأنساب ويتمادحون بالأحساب سلفهم في ذلك أبو جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وغيرهم. وقد نسي هؤلاء أو تناسوا أنّ أجدادهم ما رُفعوا ووضعت أمامهم الأمم الا بالإسلام كما قال الفاروق عمر (¢): "إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَمَهْمَا نَطْلُبُ الْعِزَّةَ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِهِ أَذَلَّنَا اللَّهُ"([1]).

وهؤلاء عقدوا الولاء والبراء للدم دون الإسلام: تراهم إذا أهينت قبيلتهم يزبدون ويرعدون، وإذا أهين الإسلام خارت قواهم، ووهنت حميّتهم، وتفرقوا ولسان حالهم يقول: للبيت ربٌ يحميه.

وركوب موجة القبلية كوَرِك على ضِلَع، وبلية عظيمة لابستهم ولابسوها، وفتنة عمياء صماء سودت قلوبهم ومنها تمكنت. وجهل هؤلاء أن من جعل ولاءه للإسلام دون ولاءه للقبيلة فهو الى النفاق أقرب منه الى الإيمان!

وأين تلك القبائل التي يفخرون بأمجادها ويرخصون لها الدماء؛ بالإسلام اندثرت حتى غدت أمة واحدة قوية ومتماسكة: أطفأت نار المجوس، وحطّمت صليب الصليبيين، وامتدت دولتهم حتى بلغت حدود الصين شرقا وجنوب فرنسا غربا، وفتحت أفريقية، والمغرب، والأندلس، وجنوب الغال، والسند، وبلاد ما وراء النهر!

ولم يمكّن لهم هذا التمكين لأنهم أبناء هذه القبيلة أو تلك؛ بل مكّن لهم لأنهم أبناء الإسلام عقيدة ومنهجا وسلوكا.

ومن يعتزّ بقبيلته دون الإسلام، أو يفخر بها دونه: فهو أهون على الله من الجعلان قال رسول الله (‘): ((لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلَانِ([2]) الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ))([3]).

وما جعلنا الله شعوبا وقبائل الا لنتعارف ونتعاون لا لنتفاخر ويهلك بعضنا بعضا.

ولسان حال أكثر المسلمين اليوم يحاكي قول الشاعر الجاهلي:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد.
وقد أبطل الله هذه الدعوة وأمر بخير منها فقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]: وحبل الله هو ما نلوذ به ونعتصم، وأما بقية الحبال فحبال الشيطان نبرأ الى الله ونعوذ به منها.

ونختم بدعوة النبي (‘) حيث قال: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ([4]) الجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلَانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ))([5]).


عمر العبد الله

 21 جمادى الأولى 1441ه




([1]) المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 130).
([2]) دويبة سوداء تدير الخراء بأنفها.
([3]) سنن الترمذي ت شاكر (5/ 389).
([4]) أي فخرها وتكبرها ونخوتها.
([5]) السابق.

الزمن الضائع




أناملنا تشتكي الى الله من ظلمنا! ففي زماننا هذا لا راحة لها: تكدّ آناء الليل وأطراف النهار، تتنقل من جهاز الى آخر، ومن لعبة الى أخرى، بها نقلب الصفحات لا أعني صفحات القرآن؛ بل صفحات الانترنت. أنا لست ضده مطلقا بل ضد ظلم تلك الأنامل المسكينة التي لا تملك لسانا تبوح به عن ألمها!

وأما أبصارنا فأرهقتها تلك الشاشات: شاشة كبيرة وأخرى صغيرة، لا نفارقها ولا تفارقنا، ترهقنا ونرهقها غير أننا نحاسب ولا تحاسب.

أحبابي في الله: أرواحنا خلقت لننعم بها لا لنعبث بها، نريحها لا لنعذبها، ننتشلها لا لنغرقها في وحل صفحات اللهو والعبث.

أريحوا جوارحكم، غذوا أرواحكم، طهروا قلوبكم، ارحموا أنفسكم: لا تهلكوها بكثرة الصور، ولا ترهقوها بمثل أفعال الغجر. لقد الهانا العكوف على الملهيات؛ فأنسانا الاعتكاف في زوايا المسجد.

لا تظنوا بمن صنع هذه الأجهزة صنعها ليروي ظمأ قلوبكم، أو ليؤنس وحشتها؛ بل ما صنعها الا ليملأ جيبه ويشبع رغبته!

ثم إن الله أرشدنا الى فلاحنا فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]. وما استبدل قوم كتاب ربهم بغيره الا سلبهم عزهم وعاقبهم بالشقاء.
أما يستحي أحدنا أنه: لا يملّ من كلام الناس ومن كلام ربه يمل! أما يخجل أحدنا أن يقلب صفحة أو صفحتين من كتاب ربه ثم هو شغوف بحروف أصدقاءه ليله ونهاره. والله إن حالنا لا يسرنا؛ بل يسر أعداءنا، وما كنا نحذره وقعنا فيه.

والعجب أننا نجد أوقاتا للهو واللعب، ولا نجد مثله للذكر وقراءة القرآن! فهل هذا ضعف إيمان؟ لعله كذلك. قال سيدنا عثمان (¢) (لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم).

إخوتي: لهوكم اليوم هو ضياعكم، وضياعكم هو ضياع أجيالكم من بعدكم. يا ترى ماذا سيقول أبناءنا من بعدنا؟ سيقولون: الكافر يصنع الجهاز والمسلم يعبث به!

هل بعد أن كنا عظماء يخفون صبيانهم بنا! أصبحنا اليوم فاكهة مجالسهم يتضاحكون علينا، ومنا يسخرون!

إخوتي: لقد ألبسنا الله لباس الخيرية حين قال: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]، وإنكم إن خلعتم لباسكم هذا تضيعوا وتهلكوا.


عمر العبد الله
19 جمادى الأولى 1441ه

أنين المساجد



إخوتي في الله: مسجدكم هذا يتوجّع من فراقكم له؛ وصلاتكم فيه شفاء له!
أحبابي في الله: علامَ يهجر أحدكم مسجده ثم يعمر سوقه، ينشرح صدره في مكان لهوه ويضيق إذا توسط محرابه! هذه مشكلة قائمة نبحث عن حلّ لها وأعلم أنّ حلهاّ بأيديكم: بسعيكم الى مسجدكم وصلاتكم فيه واعتنائكم به..
أنا لا أقول لكم إنّ صلاتكم في المسجد -عدا صلاة الجمعة-فرضُ عينٍ عليكم –وإن قال به جماعة من فحول العلماء- ولكنّي أسألكم فأقول: هل ترضون أنّ ثمّة مسجد قائم غير أنه لا تقام فيه جماعة؟! هو ليس في البيداء ولا في أرض عدوّ؛ بل في أرض منعة يحوطه ناس كثر ولكنّهم: اعتادوا أن يعمروا الجمعة ويتركوا الجماعة!
ثم هل يستقيم لنا أن نصلي في بيوتنا ونعلم يقينا أنّ مسجدنا الذي بيننا وبينه بضعة أمتار لا يصلي فيه الا الإمام؟! أو قد يفطن له عابرُ سبيل فيلتحق به!
بل أنا على يقين أنه لو انقطع عن هؤلاء الماء أو تأخرت عنهم برمجة الكهرباء لخرجوا الى الطرق زَّرافات إثر زَّرافات يتساءلون، وعن حلِّ هذه المشكلات يبحثون. وأما المسجد فلا بواكي له –فهو لا يعنيهم ولا هم به يبالون-.
أنا لا أدعو الى المسجد: ذلك المريض العاجز ولا من يقوم على رعايته حتى أنه يخشى من هلاكه لو تركه لحظة سعيه الى المسجد.
ولا أدعو اليه: ذلك الأعمى الذي لا قائد له وهو يخشى أن يصطدم بتلك الصخرة، أو يقع في تلك الحفرة التي تتوسط طريقه الى المسجد.
ولا أدعو اليه: تلك المرأة فتترك حق زوجها وأولادها لتحيي مسجدها وصلاتها في بيتها خير لها.
ولا أدعو اليه: من ألمّ به عذر أو أحاط به أمر يثقل عليه السعي الى المسجد؛ بل أدعو: ذلك الشابّ العاقل، وذلك الرجل القادر: أن يشعروا بمحرابهم الذي يئنّ من ألم فراقهم وهجرانهم له.
وإني لأقول: بأنّ شفاء صدورنا ودواء قلوبنا في ذلك السجود الذي يحوطه المحراب. ووالله {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } [ق: 37].

  
كتبه: عمر العبد الله
15  جمادى الأولى 1441ه

خطورة التشتت


أكثر المشتتات في الزمن القديم كانت في الخارج -أعني خارج المنزل- وكانوا قديما ينتعشون اذا رجعوا الى بيوتهم لخلاصهم من ضجيج الحياة، وكثرة ما فيها من الصخب والملهيات؛ وأما زماننا هذا فلا يشبهه زمان خصوصا: في تشتيت الذهن وفقد التركيز؛ فالمغريات في كل مكان، والملهيات لا تحصى كثرة وأغلبها غير ضروريّ. ومن أعظم الأشياء التي تفقدنا التركيز هي: مشكلة العصر: الانترنت بصفة عامة، ومواقع التواصل الاجتماعي –فيس بوك، تويتر، يوتيوب...- بصفة خاصة، والذكاء الاصطناعي، ويستر الله مما نحن عليه مقبلون، حتى أصبحنا ننتقل من جهاز الى جهاز، ومن موقع الى آخر بشغف ومن غير رويّة فخسرنا أشياءنا الثمينة وأهملنا مهماتنا العظيمة بسببها!

كان الناس في عهد ليس بالبعيد -نحن أدركناه- إذا جلسوا في مكان واحد تواصلوا مع بعضهم البعض بكل مشاعرهم: بثّوا أحزانهم، وأظهروا همومهم، وتشاركوا في أتراحهم وأفراحهم.. وأما اليوم فقد سَلبت هذه الأجهزة تلك المشاعر الجميلة؛ فترى أبدانهم مجتمعة وأرواحهم متفرقة!

ولعلّ أعداءنا نجحوا فغيبونا عن أهم غاية ركز عليها القرآن الكريم في آيات كثيرة، وهي تدعونا الى التفكر والتأمل في آيات الله الكونية والشرعية، وتحثنا على تنظيم حياتنا اليومية قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]، وقال {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105]، وغيرها من الآيات التي تصب في نفس المعنى، وكيف ننظر في آيات الله: وأبصارنا مرهقة بالنظر في أجهزتنا، وكيف نتبصّر في مخلوقات الله وعقولنا كلّت وضعفت بسبب الألعاب ومواقع التواصل!

نعم ربحنا التقنية؛ ولكنا خسرنا: أوقاتنا، حياتنا، إيماننا الكامل، ظفرنا بالسعادة الموهومة؛ ولكنا خسرنا السعادة الحقيقة، وكلّ ذلك سببه: إهمال التركيز في المهمات، وانغمارنا في اللهو.

وسر التخلّف في الدراسة أو الحياة عموما: هو تفريطنا في التركيز. لماذا أصبح العبقري عبقريا؟ لأنه ركّز في صنعته. ما الذي ميّز زيد على عمرو في دراسته حتى أصبح زيد في أعلى الدرجات، وخسرها عمرو؟ سبب ذلك بكل تأكيد هو: التركز من زيد والغفلة من عمرو.

إذا كان عندك مهمة تريد إنجازها، أو صنعة تحب إتقانها، أو تجارة ترغب في زيادتها: فتجنب الملهيات، والأمور الثانوية اجعل لها وقتا آخر: وسدّ كل باب يقضي على تركيزك، أغلق الهاتف، إن كنت جائعا فكل، وإن عطشت فروّ ظمئك، وإن بكى طفلك فحاول إسكاته، وإن نعست فارقد{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } [الشرح: 7] وباشر فيما كنت تريد إنجازه؛ فإنك إن فعلت ذلك أتقنت عملك ورضي عنك ربُّك ورضي عنك الناس.
ومن أهم ما يزيد قوة التركيز التأمل في الطبيعة بعيدا عن صخب الأسواق وضجيج المجالس، والتفكر في خلق الله: { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية: 17 - 21] وقد أفلح من تذكّر؛ فعمل لدنياه وآخرته، وآخر دعوانا {أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10].



 عمر العبد الله
21  جمادى الأولى 1441ه

الآجرّوميّة