الأربعاء، 10 مارس 2021

مختصر الموسوعة الفقهية الكويتية كتاب النكاح


 بسم الله الرحمن الرحيم

 

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين أما بعد:

هذا مختصر نافع لكتاب النكاح من الموسوعة الفقهية الكويتية اقتصرت فيه على مذهبي الحنفية والشافعية عملته للمنتفعين بهذين المذهبين في بلادنا وكذلك من ينتشر عندهم هذان المذهبان واقتصرت فيه على المعتمد فيهما وذكر التعليلات النافعة.

وذكرت كذلك المسائل المتفق عليها بين جميع المذاهب وان ذكرت الجمهور فالحنفية والشافعية من ضمنهم ومن الله التوفيق.

عمر العبد الله

21 رجب 1442ه

 

كتاب النكاح

مشروعية النكاح وحكمته:

ثبتت مشروعية النكاح بالكتاب والسنة والإجماع:

فمن الكتاب قول الله (¸): ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾ [النساء: 3]، ومن السنة قول النبي (‘): «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»[1].

 

 وأجمع المسلمون على أن النكاح مشروع، ونص بعض الفقهاء على أن النكاح شرع من عهد آدم (’)، واستمرت مشروعيته، بل هو مستمر في الجنة.

 

حكمة مشروعية النكاح:

 

قال السرخسي: يتعلق بهذا العقد أنواع من المصالح الدينية والدنيوية، من ذلك حفظ النساء والقيام عليهن والإنفاق، وصيانة النفس عن الزنا، وتكثير عباد الله تعالى وأمة محمد (‘)، وتحقيق مباهاة الرسول (‘) كما قال: " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة "، وقد روي عن عمر (¢) - كما قال القرطبي - أنه كان يقول: إني لأتزوج المرأة وما لي فيها حاجة، وأطؤها وما أشتهيها، قيل له: وما يحملك على هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: حبي أن يخرج الله مني من يكاثر به النبي (‘) النبيين يوم القيامة.

 

وأضاف السرخسي قوله: وسببه تعلق البقاء المقدور به إلى وقته، فإن الله تعالى حكم ببقاء العالم إلى قيام الساعة، وبالتناسل يكون هذا البقاء، وهذا التناسل يحصل عادة بالوطء، فجعل الشرع طريق ذلك الوطء النكاح؛ لأن في التغالب فسادا، وفي الإقدام بغير ملك اشتباه الأنساب وهو سبب لضياع النسل، وهذا الملك على ما عليه أصل الآدمي من الحرية لا يثبت إلا بطريق النكاح، فهذا معنى أنه تعلق به البقاء المقدور إلى وقته".

 

الحكم التكليفي:

ذهب الفقهاء إلى أن النكاح تجري عليه الأحكام التكليفية، ولهم في ذلك تفصيل:

أولا: الوجوب:

قال الحنفية: النكاح يكون واجبا عند التوقان، أي شدة الاشتياق بحيث يخاف الوقوع في الزنا لو لم يتزوج؛ إذ لا يلزم من الاشتياق إلى الجماع الخوف المذكور، قال ابن عابدين: وكذا فيما يظهر لو كان لا يمكنه منع نفسه عن النظر المحرم أو عن الاستمناء بالكف، فيجب التزوج وإن لم يخف الوقوع في الزنا.

 

ويكون النكاح فرضا إن تيقن الزنا إلا به، بأن كان لا يمكنه الاحتراز عن الزنا إلا به؛ لأن ما لا يتوصل إلى ترك الحرام إلا به يكون فرضا.

ويشترط لوجوب النكاح أو فرضه أن يملك من قامت به حالة الوجوب أو الفرض المهر والنفقة، قال ابن عابدين: وزاد في البحر شرطا آخر فيهما وهو: عدم الجور أي الظلم، فإن وجدت الشروط كان الحكم، وإلا فلا إثم بترك النكاح.

 

وقال الشافعية: يجب النكاح لو خاف العنت وتعين طريقا لدفعه مع قدرته، وتلحق المرأة بالرجل في هذا الحكم فيجب النكاح على المرأة التي لا يندفع عنها الفجرة إلا بالنكاح.

 

ثانيا: الندب:

قال الحنفية: النكاح سنة مؤكدة في الأصح - وهو محمل القول بالاستحباب - فيأثم بتركه، لأن الصحيح أن ترك السنة المؤكدة مؤثم، ويثاب إن نوى ولدا وتحصينا، أي منع نفسه ونفسها عن الحرام، وكذا لو نوى مجرد الاتباع وامتثال الأمر، بخلاف ما لو نوى مجرد قضاء الشهوة واللذة، وهذا الحكم في حال الاعتدال، أي القدرة على وطء ومهر ونفقة، وأما حال الاعتدال في التوقان فذلك بأن لا يكون بالمعنى المار في الواجب والفرض وهو شدة الاشتياق، وأن لا يكون في غاية الفتور كالعنين، بل يكون بين الفتور والشوق، وأما القدرة على المهر والنفقة فلأن العجز عنهما يسقط الفرض فيسقط السنية بالأولى.

وقال الشافعية: النكاح مستحب لمحتاج إليه، أي تائق له، بأن تتوق نفسه إلى الوطء، ولو خصيا كما اقتضاه كلام الإحياء، يجد أهبته من مهر، وكسوة فصل التمكين، ونفقة يومه، وإن كان متعبدا، تحصينا لدينه، ولما فيه من بقاء النسل وحفظ النسب، وللاستعانة على المصالح.

 

ثالثا: الكراهة:

 قال الحنفية: يكون النكاح مكروها -أي تحريما - لخوف الجور، فإن تعارض خوف الوقوع في الزنا لو لم يتزوج وخوف الجور لو تزوج قدم الثاني، فلا افتراض بل يكره، لأن الجور معصية متعلقة بالعباد، والمنع من الزنا من حقوق الله تعالى، وحق العبد مقدم عند التعارض لاحتياجه وغنى المولى تعالى.

 

وقال الشافعية: من لم يحتج للنكاح بأن لم تتق نفسه له من أصل الخلقة، أو لعارض كمرض أو عجز. . كره له إن فقد الأهبة، لما فيه من التزام ما لا يقدر على القيام به من غير حاجة.

 

رابعا: الحرمة:

قال الحنفية: يكون النكاح حراما إن تيقن الجور، لأن النكاح إنما شرع لمصلحة تحصين النفس وتحصيل الثواب بالولد الذي يعبد الله تعالى ويوحده، وبالجور يأثم ويرتكب المحرمات، فتنعدم المصالح لرجحان هذه المفاسد.

 

وقال الشافعية: من لا يصح نكاحه مع عدم الحاجة إليه كالسفيه فإنه يحرم عليه.

وقالوا: من لا تحتاج من النساء إلى النكاح وعلمت من نفسها عدم القيام بحاجة الزوج المتعلقة بالنكاح حرم عليها.

 

خامسا: الإباحة:

قال الحنفية: يكون النكاح مباحا إن خاف العجز عن الإيفاء بموجبه خوفا غير راجح، لأن عدم الجور من واجبه، واستظهر ابن عابدين أنه إذا لم يقصد إقامة السنة، بل قصد مجرد التوصل إلى قضاء الشهوة، ولم يخف شيئا لم يثب عليه، إذ لا ثواب إلا بالنية، فيكون مباحا.

وقال الشافعية: من وجد الأهبة مع عدم حاجته إلى النكاح ولا علّة به فلا يكره له لقدرته عليه.

وصرح الشافعية أن المرأة مساوية للرجل في هذه الأحكام إلا أنه ليس لها أن تتسرى.

 

خصائص عقد النكاح:

يتميز عقد النكاح بخصائص منها:

 

أ - التأبيد:

 ذهب الفقهاء إلى أن النكاح عقد مؤبد لا يقبل التأقيت، فلا يصح توقيته، سواء أكان بلفظ المتعة أم بغيره من ألفاظ النكاح، وسواء أكان التأقيت بمدة طويلة أم قصيرة، معلومة أم مجهولة.

 

ب - اللزوم:

النكاح عقد لازم من جهة الزوج ومن جهة الزوجة.

ما يسن في النكاح:

ذهب الفقهاء إلى أنه تسن في النكاح أمور، اتفقوا على بعضها واختلفوا في بعضها على التفصيل التالي:

 

أ - أن لا يزيد على امرأة واحدة:

ذهب الشافعية إلى أنه يستحب أن لا يزيد الرجل في النكاح على امرأة واحدة من غير حاجة ظاهرة، إن حصل بها الإعفاف لما في الزيادة على الواحدة من التعرض للمحرم.

ويرى الحنفية إباحة تعدد الزوجات إلى أربع إذا أمن عدم الجور بينهن فإن لم يأمن اقتصر على ما يمكنه العدل بينهن، فإن لم يأمن اقتصر على واحدة.

 

ب - أن يتزوج في شوال ويدخل فيه:

نص الشافعية على أنه يسن للرجل أن يتزوج في شوال ويدخل فيه، وكان أهل الجاهلية وبعض العوام يكرهون التزوج والتزويج في شوال ويتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع.

وقال ابن عابدين نقلا عن البزازية: والبناء والنكاح بين العيدين جائز، وكره الزفاف، والمختار أنه لا يكره لأنه (‰) تزوج بالصديقة (~) في شوال وبنى بها فيه.

 

ج - أن يعقد النكاح في المسجد:

قال الحنفية والشافعية: يندب عقد النكاح في المسجد.

 

د - أن يكون في يوم الجمعة:

ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يندب عقد النكاح يوم الجمعة، قال ابن قدامة: لأن جماعة من السلف استحبوا ذلك، منهم ضمرة بن حبيب وراشد بن سعد وحبيب بن عتبة، ولأنه يوم شريف، ويوم عيد، فيه خلق آدم (’) ونص الشافعية على أنه يسن أن يكون أول النهار .

 

ç - أن يكون بعاقد رشيد وشهود عدول:

نص الحنفية على أنه يندب أن يكون النكاح بعاقد رشيد وشهود عدول، فلا ينبغي أن يعقد مع المرأة بلا أحد من عصبتها، ولا مع عصبة فاسق، ولا عند شهود غير عدول، خروجا من خلاف الإمام الشافعي الذي يرى أن الذي يجري العقد وليها.

 

وذهب الجمهور إلى أنه يندب لمن يريد نكاح امرأة أن ينظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينهما، وللأحاديث والآثار في ذلك.

 

ز - ذكر الصداق وحلوله:

ذهب الفقهاء إلى أنه يندب تسمية الصداق والإشهاد عليه عند العقد، لما فيه من اطمئنان النفس ودفع توهم الاختلاف في المستقبل.

 

ح - الاستدانة للنكاح:

نص الحنفية على أنه يندب الاستدانة للنكاح إذا لم يجد المهر والنفقة، لأن ضمان ذلك على الله تعالى.

 

ط - الخطبة قبل الخطبة والعقد:

ذهب الحنفية إلى أنه يندب في النكاح خطبة واحدة، وفصلوا:

فقال الحنفية: يندب قبل إجراء العقد تقديم خطبة، ولا تتعين بألفاظ مخصوصة، بل يجزئ الحمد والتشهد، وإن خطب بما ورد فهو أحسن.

وقال الشافعية يستحب في النكاح أربع خطب:

الأولى: خطبة قبل الخطبة من الخاطب أو نائبه تتضمن التماس النكاح.

الثانية: خطبة من الولي أو نائبه تتضمن إجابة الخاطب أو الاعتذار له.

الثالثة: قبل عقد النكاح من الولي بالإيجاب.

الرابعة: قبل تمام عقد النكاح من الزوج بالقبول.

وقالوا: الفصل بين الإيجاب والقبول بخطبة الزواج مغتفر، لأنه مقدمة القبول مع قصره، فليس أجنبيا عنه.

 

ي - إعلان النكاح:

ذهب الفقهاء إلى أنه يندب إعلان النكاح، أي إظهار عقده، حتى يشهر ويعرف ويبعد عن تهمة الزنا.

ك - الوليمة للنكاح:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوليمة - وهي طعام العرس - مستحب للقادر عليها، أو سنة مؤكدة لثبوتها عن النبي (‘) قولا وفعلا.

 

ل - الدعاء للزوجين والتهنئة:

ذهب الفقهاء إلى أنه يستحب الدعاء للزوجين أو لأحدهما بعد العقد بالبركة والسعة وحسن العشرة، ويندب تهنئة الزوجين وإدخال السرور على كل منهما، أو عليهما.

والسنة أن يقال للزوج: بارك الله لك وبارك عليك، وجمع بينكما في خير.

 

م - دعاء من زفت إليه امرأته:

قال الشافعية يستحب لمن زفت إليه امرأته أن يسأل الله تعالى خيرها، ويستعيذ به من شرها، قال النووي: ويستحب أن يسمي - الزوج - الله تعالى، ويأخذ بناصية الزوجة أول من يلقاها، ويقول: بارك الله لكل واحد منا في صاحبه.

 

ما يستحب في الزوجة من أوصاف:

ذهب الفقهاء إلى أنه يستحب لمن أراد النكاح أن يتخير المرأة التي تجتمع فيها الأوصاف التالية، أو بعضها:

 

أ - أن تكون ذات دين:

ذهب الفقهاء إلى أنه يستحب للرجل أن يتخير للنكاح المرأة ذات الدين، وفسر الشافعية ذات الدين بالتي توجد فيها صفة العدالة والحرص على الطاعات والأعمال الصالحة والعفة عن المحرمات، لا العفة عن الزنا فقط.

وقال الحنفية: يندب أن يختار الزوج من فوقه خلقا وأدبا وورعا.

 

ب - أن تكون بكرا:

ذهب الفقهاء إلى أنه يستحب اختيار البكر إلا أن الشافعية نصوا على أن الثيب أولى لمن له مصلحة أرجح في نكاح الثيب فيقدمها على البكر مراعاة للمصلحة، كالعاجز عن الافتضاض، ومن عنده عيال يحتاج إلى من تقوم عليهنّ.

 

ج - أن تكون حسيبة:

ذهب الفقهاء إلى أنه يستحب أن يتخير الرجل لنكاحه المرأة الحسيبة النسيبة، أي طيبة الأصل، وذات الحسب هي التي يكون أصولها ذوي شرف وكرم وديانة.

لكن الحنفية قالوا: يندب أن تكون المرأة دون زوجها حسبا لتنقاد له ولا تحتقره، وإلا ترفعت عليه.

 

د - أن تكون ودودا ولودا:

ذهب الفقهاء إلى أنه يستحب أن تكون المرأة التي تختار للنكاح ودودا ولودا .

 

ç - أن تكون جميلة:

ذهب الفقهاء إلى أنه يستحب أن تختار للنكاح المرأة الحسناء ذات الجمال، ولأن جمال الزوجة أسكن لنفس الزوج وأغض لبصره وأكمل لمودته، ولذلك جاز النظر إليها قبل النكاح.

 

و أن تكون عاقلة حسنة الخلق:

ذهب الفقهاء إلى أنه يستحب أن تكون المرأة التي تختار للنكاح وافرة العقل، حسنة الخلق، لا حمقاء ولا سيئة الخلق، لأن النكاح يراد للعشرة الحسنة، ولا تصلح العشرة مع الحمقاء، ولا يطيب معها عيش، وربما تعدى ذلك إلى ولدها، وقد قيل: اجتنبوا الحمقاء فإن ولدها ضياع وصحبتها بلاء.

 

ز - أن تكون أجنبية:

ذهب الشافعية إلى أنه يستحب فيمن تختار للنكاح أن تكون أجنبية من الزوج ولا تكون ذات قرابة قريبة، وقالوا: يستحب للرجل أن لا يتزوج من عشيرته لأن ولد الأجنبية يكون أنجب، ولأنه لا يأمن الطلاق فيفضي مع القرابة إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها.

 

 

ح - أن تكون خفيفة المهر والمؤنة:

قال الجمهور: يستحب أن يتحرى الرجل فيمن ينكحها أن تكون أيسر النساء خطبة ومؤنة، وأن تكون خفيفة المهر.

 

ط - أن لا تكون ذات ولد:

نص الجمهور على أنه يستحب أن يتحرى الرجل فيمن ينكحها أن لا تكون ذات ولد من غيره إلا لمصلحة، فإن كانت مصلحة فلا قيد.

 

ي - أن لا تكون مطلقة ولا في حلها خلاف:

نص الشافعية على أنه يستحب أن لا تكون المرأة التي يراد نكاحها مطلّقة، لها إلى مطلّقها رغبة، وأن لا يكون في حلها لمن يريد نكاحها خلاف فقهي كأن زنى أو تمتع بأمها، أو بها، فرعه أو أصله، أو شك بنحو رضاع.

 

ترتيب هذه الصفات وما يسأل عنه أولا:

نص شمس الدين الرملي على أنه لو تعارضت الصفات المستحبة فيمن تختار للنكاح فالأوجه تقديم ذات الدين مطلقا، ثم العقل وحسن الخلق، ثم النسب، ثم البكارة، ثم الولادة، ثم الجمال، ثم ما المصلحة فيه أظهر بحسب اجتهاده.

 

ما يستحب في الزوج من أوصاف:

ذكر الفقهاء أوصافا تتحرى في الرجل عند إنكاحه:

قال الحنفية: تختار المرأة الزوج الدّين الحسن الخلق، الجواد الموسر، ولا تتزوج فاسقا، ولا يزوج الرجل ابنته الشابة شيخا كبيرا، ولا رجلا دميما، ويزوجها الكفء، فإن خطبها لا يؤخرها.

وقال الشافعية: يستحب أن لا يزوج الرجل ابنته إلا من بكر لم يتزوج قط. ويسن للمرأة ولوليها أن يتحرى كل منهما في الزوج الصفات التي يسن تحريها في المرأة.

 

 

المرأة التي يكره نكاحها:

نص الفقهاء على أوصاف في المرأة تجعل نكاحها مكروها، ومن ذلك:

قال الشافعية: تكره بنت الزنا والفاسق - أي يكره نكاح كل منهما - وألحق بهما اللقيطة ومن لا يعرف أبوها؛ ولأنه ربما يعير بكل منهن لدناءة أصلها، وربما اكتسبت من طباع أبيها.

 

حكم الزفاف:

الزفاف: إهداء المرأة إلى زوجها، أي نقل العروس من بيت أبويها إلى بيت زوجها، قال ابن عابدين: والمراد به اجتماع النساء لذلك، لأنه لازم له عرفا.

ونص الحنفية - في المختار عندهم - على أن الزفاف إذا لم يشتمل على مفسدة دينية فإنه يجوز ولا يكره.

 

 

أركان النكاح:

اختلف الفقهاء في أركان النكاح:

 فذهب الحنفية إلى أن ركن النكاح هو الإيجاب والقبول فقط.

وذهب الشافعية إلى أن أركانه خمسة: صيغة، وزوج، وزوجة، وشاهدان، وولي.

أولا: الصيغة في النكاح:

اتفق الفقهاء على أن النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول، وذلك باللفظ الذي يدل على ذلك، وما يقوم مقام اللفظ.

أما الإيجاب فعند الشافعية هو ما يصدر من ولي الزوجة، والقبول هو ما يصدر من الزوج أو وكيله.

ويستوي عندهم أن يتقدم القبول على الإيجاب أو يتأخر عنه ما دام قد تحدد الموجب والقابل، فلو قال الزوج للولي: زوجني أو تزوجت بنتك كان قبولا، ولو قال الولي بعد ذلك: زوجتك أو أنكحتك كان إيجابا، وانعقد النكاح بذلك.

 

وأما الحنفية فالإيجاب عندهم هو ما يصدر أولا، سواء أكان المتقدم هو كلام الزوج أم كان كلام الزوجة أو وليها، والقبول هو ما يصدر مؤخرا، سواء أكان صدوره من الزوج أم كان من الزوجة أو وليها.

وعلى هذا لو قال الزوج: زوجني أو تزوجت بنتك كان إيجابا، فلو قال الولي أو الزوجة: قبلت كان قبولا، وينعقد النكاح بذلك.

 

الألفاظ التي ينعقد بها النكاح:

يتفق الفقهاء على أن النكاح ينعقد بلفظ الإنكاح والتزويج، وهما اللفظان الصريحان في النكاح.

واقتصر الشافعية على ذلك فلا ينعقد عندهم النكاح بغير هذين اللفظين قالوا: لأن نص الكتاب ورد بهما فوجب الوقوف معهما تعبدا واحتياطا، ولأن النكاح ينزع إلى العبادات لورود الندب فيه، والأذكار في العبادات تتلقى من الشرع، والشرع إنما ورد بلفظي التزويج والإنكاح.

 

أما الحنفية فقد أجازوا عقد النكاح بما يدل عليه كناية في الجملة.

 

دلالة الصيغة على الزمان وأثرها في العقد:

ذهب الفقهاء إلى أن النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول بصيغة الماضي، كقول الولي للزوج: زوجتك ابنتي أو أنكحتك، فيقول الزوج: قبلت نكاحها، أو رضيت، لأن الماضي أدل على الثبوت والتحقيق دون المستقبل.

إلا أنه عند الشافعية لا يكفي أن يقول الزوج: قبلت فقط، أو رضيت فقط، بل لا بد أن يقول: قبلت نكاحها، أو رضيت نكاحها، فإذا لم يقل ذلك لم ينعقد النكاح على المذهب.

وعند الحنفية وقول عند الشافعية - يكفي أن يقول الزوج: قبلت أو رضيت وينعقد النكاح بذلك .

وينعقد النكاح بالإيجاب بصيغة الأمر، كقول الولي للزوج: تزوج ابنتي فيقول الزوج: تزوجتها.

 

أما لو قال الزوج للولي: زوجني ابنتك فقال الولي: زوجتك بنتي، فإن النكاح ينعقد عند الشافعية وكذلك عند الحنفية ينعقد النكاح، سواء على القول بأن قول الزوج للولي زوجني هو توكيل ضمني بالنكاح وليس إيجابا، أو على القول بأنه إيجاب، ورجح هذا في البحر.

أما لو كانت الصيغة بالمضارع فقد قال الحنفية: المضارع المبدوء بهمزة كقول الزوجة: أتزوجك - بفتح الكاف - أو أتزوجك - بكسر الكاف - والمضارع المبدوء بالنون كقول ولي الزوج: نزوجك من ابني والمضارع المبدوء بتاء كقول: تزوجيني نفسك، فإن النكاح ينعقد بهذه الصيغ، لكن يشترط أن لا يقصد في المضارع المبدوء بالتاء الاستقبال أي طلب الوعد.

 

وصرح الحنفية والشافعية بأن النكاح ينعقد بصيغة اسم الفاعل، قال الحنفية: ك ـ أنا متزوجك، أو قال: جئتك خاطبا، ونقل ابن عابدين عن الفتح: لو قال باسم الفاعل: جئتك خاطبا، فقال الأب: زوجتك فالنكاح لازم وليس للخاطب أن لا يقبل لعدم جريان المساومة فيه.

 

وأما صيغة الاستفهام فقال الحنفية: لو صرح بالاستفهام اعتبر فهم الحال، قال في شرح الطحاوي: لو قال: هل أعطيتنيها؟ فقال: أعطيت. إن كان المجلس للوعد فوعد، وإن كان للعقد فنكاح، قال الرحمتي: فعلمنا أن العبرة لما يظهر من كلامهما لا لنيتهما، ألا ترى أنه ينعقد مع الهزل، والهازل لم ينو النكاح.

 

وقال الشافعية: لو قال الولي: تتزوج ابنتي لا يجزئ لأنه استفهام لكنهم قالوا: لو قال الزوج: أتزوجني ابنتك فقال الولي: زوجتك لم ينعقد إلا أن يقول الخاطب بعده: تزوجت.

 

انعقاد النكاح بغير العربية:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن من لا يحسن العربية يصح منه عقد النكاح بلسانه لأنه عاجز عما سواه، فسقط عنه كالأخرس ويحتاج أن يأتي بالمعنى الخاص بحيث يشتمل على معنى اللفظ العربي.

 

واختلفوا أيضا فيمن يقدر على لفظ النكاح بالعربية: فذهب الحنفية والشافعية في الأصح إلى أنه ينعقد بغيرها، لأنه أتى بلفظه الخاص فانعقد به كما ينعقد بلفظ العربية.

 

ما يقوم مقام اللفظ في انعقاد النكاح: يقوم مقام اللفظ في انعقاد النكاح أشياء منها:

أ - الإشارة من الأخرس:

إشارة الأخرس معتبرة شرعا وتقوم مقام عبارة الناطق فيما لا بد فيه من العبارة.

وعلى ذلك فإنه يصح إيجاب الأخرس وقبوله النكاح بإشارته إذا كانت الإشارة مفهومة يفهمها العاقد معه ويفهمها الشهود لأن النكاح معنى لا يستفاد إلا من جهته فصح بإشارته كبقية عقوده، وهذا باتفاق الفقهاء.

 

ب - الكتابة:

الكتابة إما أن تكون من الأخرس أو من غيره.

أما الأخرس فقد ذهب الفقهاء إلى أن النكاح يصح وينعقد بالكتابة من الأخرس لأنها أولى من الإشارة.

 

أما القادر على النطق فإما أن يكون حاضرا في مجلس العقد أو غائبا عنه، أما الحاضر فلا ينعقد نكاحه بالكتابة عند الحنفية والشافعية في المذهب.

 

وأما الغائب فقد اختلف الفقهاء في انعقاد النكاح بالكتابة إليه.

فعند الحنفية ينعقد النكاح بالكتاب كما ينعقد بالخطاب وصورته أن يكتب إليها يخطبها فإذا بلغها الكتاب أحضرت الشهود وقرأته عليهم وقالت: زوجت نفسي منه أو تقول: إن فلانا كتب إلي يخطبني فاشهدوا أني زوجت نفسي منه، أما لو لم تقل بحضرتهم سوى زوجت نفسي من فلان لا ينعقد لأن سماع الشطرين شرط صحة النكاح وبإسماعهم الكتاب أو التعبير عنه منها قد سمعوا الشطرين، وهذا إذا كان الكتاب بلفظ التزوج أما إذا كان بلفظ الأمر كقوله زوجي نفسك مني فلا يشترط إعلامها الشهود بما في الكتاب لأنها تتولى طرفي العقد بحكم الوكالة.

 

وقال الشافعية: إذا كتب بالنكاح إلى غائب أو حاضر لم يصح، ولو خاطب غائبا بلسانه فقال: زوجتك بنتي، ثم كتب فبلغه الكتاب أو لم يبلغه وبلغه الخبر فقال: قبلت نكاحها لم يصح على الصحيح.

 

ج - الرسول:

ذهب الفقهاء في الجملة إلى صحة إرسال الرسول في النكاح، قال الكاساني: النكاح كما ينعقد باللفظ بطريق الأصالة ينعقد بها بطريق النيابة بالوكالة والرسالة لأن كلام الرسول كلام المرسل، فلو أرسل الرجل إلى من يريد زواجها رسولا فقبلت بحضرة شاهدين سمعا كلام الرسول جاز ذلك لاتحاد المجلس من حيث المعنى، لأن الرسول ينقل عبارة المرسل فكان سماع قول الرسول سماع قول المرسل.

 

د - المعاطاة:

صرح الحنفية بأن النكاح لا ينعقد بالتعاطي احتراما للفروج أي لخطر أمرها وشدة حرمتها فلا يصح العقد عليها إلا بلفظ صريح أو كناية.

 

 

تعليق الصيغة:

ذهب جمهور الفقهاء الى أن النكاح لا يصح تعليقه على أمر مستقبل في غير المشيئة لأنه إلزام، فلو قال الولي: إذا جاء فلان فقد زوجتك بنتي فلانة فقبل فجاء فلان فإنه لا ينعقد، ومثله: إن وضعت زوجتي بنتا فقد زوجتكها وهذا بالنسبة للتعليق على شرط مستقبل، وأما تعليقه على أمر حال فيجوز عند الحنفية.

 

قال الحنفية: وذلك كمن خطبت إليه ابنته فقال زوجتها، فلم يصدق الخاطب فقال: إن لم أكن زوجتها من فلان فقد زوجتها منك فقبل بحضرة الشهود ثم ظهر أنه لم يكن زوجها حيث ينعقد النكاح بينهما، لأن هذا تعليق بما هو موجود للحال، والتعليق بكائن للحال تحقيق وتنجيز.

 

وذهب الشافعية إلى أنه يصح تعليق عقد النكاح على الشروط الحاضرة أيضا.

وقالوا: لو بشر شخص بولد فقال لآخر: إن كانت أنثى فقد زوجتكها فقبل فالمذهب بطلان النكاح ولو كان الواقع في نفس الأمر كذلك لوجود صورة التعليق وفساد الصيغة.

 

واختلف الفقهاء في التعليق بالمشيئة:

قال الحنفية: يصح النكاح في التعليق بالمشيئة إذا أبطل من له المشيئة في المجلس، فإذا قال: تزوجتك إن شئت أو إن شاء زيد فأبطل صاحب المشيئة مشيئته في المجلس فالنكاح جائز لأن المشيئة إذا بطلت في المجلس صار نكاحا بغير مشيئة، لكن ذلك إذا بدأت المرأة، أما إذا بدأ الزوج فقال: تزوجتك إن شئت فقبلت المرأة من غير شرط صح النكاح ولا يحتاج إلى إبطال المشيئة بعد ذلك لأن القبول مشيئة.

وقال الشافعية: لو قال: زوجتك إن شاء الله وقصد التعليق أو أطلق لم يصح، وإن قصد التبرك وأن كل شيء بمشيئة الله تعالى صح.

 

إضافة الصيغة:

لا يصح إضافة صيغة النكاح إلى المستقبل كأن يقول الرجل للمرأة: تزوجتك غدا أو بعد غد أو سنة كذا أو شهر كذا، أو زوجتك ابنتي إذا جاء رأس الشهر.

 

تولي شخص طرفي عقد النكاح:

تولي صيغة عقد النكاح عن الطرفين - الزوج والزوجة - يأتي على صورتين: الأولى: أن يكون الزوج أصيلا من جانب نفسه في العقد ووليا من جانب الزوجة كابن العم إذا كان وليا على بنت عمه وأراد تزويجها من نفسه فهل يجوز له أن يتولى طرفي العقد؟

اختلف الفقهاء في ذلك.

فذهب الحنفية - غير زفر - إلى أن ولي المرأة التي يحل له نكاحها كابن العم إذا أذنت له أن يتزوجها فله أن يتولى طرفي العقد بنفسه؛ ولأن الوكيل في باب النكاح ليس بعاقد، بل هو سفير عن العاقد ومعبر عنه بدليل أن حقوق النكاح والعقد لا ترجع إلى الوكيل، وإذا كان معبرا عنه وله ولاية على الزوجين فكانت عبارته كعبارة الموكل فصار كلامه ككلام شخصين، فيعتبر إيجابه كلاما للمرأة كأنها قالت: زوجت نفسي من فلان وقبوله كلاما للزوج كأنه قال: قبلت فيقوم العقد باثنين حكما، والثابت بالحكم ملحق بالثابت حقيقة للقبول فصح كما لو وجدا من رجلين.

 

وعند الشافعية وهو قول زفر من الحنفية أنه لا يجوز للولي الذي يريد الزواج من موليته أن يتولى طرفي العقد ولكن يوكل غيره يزوجه إياها بإذنها، قال الشافعية: يوكل من كان مساويا له في الدرجة فإن فقد فالقاضي.

 

الصورة الثانية: أن يتولى طرفي العقد ولي الزوج والزوجة وذلك في التزويج من غيره كأن يتولى جد طرفي عقد في تزويج بنت ابنه بابن ابنه الآخر.

وقد اختلف الفقهاء في ذلك:

فذهب الحنفية - غير زفر - والشافعية في الأصح أنه يجوز أن يتولى ولي الزوجين طرفي العقد إلا أن الشافعية يجعلون هذا الحق للجد فقط دون سائر الأولياء لقوة ولايته.

 

انعقاد النكاح بالنيابة:

المراد بانعقاد النكاح بالنيابة هو التوكيل في عقد النكاح إذ أن النيابة والوكالة متساويان وقيل: إن النيابة أعم لانفرادها فيما إذا ولى الحاكم أميرا أو قاضيا فهو نائب عمن ولاه وليس وكيلا.

وقال الكاساني: النكاح كما ينعقد بطريق الأصالة ينعقد بطريق النيابة بالوكالة والرسالة لأن تصرف الوكيل كتصرف الموكل.

وحكم التوكيل في النكاح أنه جائز باتفاق الفقهاء.

 

ثانيا: الولي:

اختلف الفقهاء في كون الولي ركنا من أركان النكاح أو شرطا في صحته أو شرطا في جوازه ونفاذه.

فقال الشافعية: الولي ركن من أركان عقد النكاح، فلا يصح النكاح بدون ولي بشروطه، لأنه من أركان العقد التي لا يتحقق وجوده إلا بها، والمراد بالولي من له ولاية ولو تولى العقد غيره بإذنه.

ولا يصح الشافعية تولي عقد النكاح من أنثى.

 

فلا تصح عبارة المرأة في النكاح إيجابا وقبولا، فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا بغير إذنه، ولا غيرها لا بولاية ولا بوكالة، ولا تقبل النكاح لا بولاية ولا بوكالة.

 

وقال الشافعية: ولو عدم الولي والحاكم فولت مع خاطبها أمرها رجلا مجتهدا ليزوجها منه صح لأنه محكم، والمحكم كالحاكم، وكذا لو ولت معه عدلا صح على المختار وإن لم يكن مجتهدا لشدة الحاجة إلى ذلك قال في المهمات: ولا يختص ذلك بفقد الحاكم بل يجوز مع وجوده سفرا وحضرا بناء على الصحيح في جواز التحكيم، قال الولي العراقي: ومراد المهمات ما إذا كان المحكم صالحا للقضاء، وأما الذي اختاره النووي أنه يكفي العدالة ولا يشترط أن يكون صالحا للقضاء فشرطه السفر وفقد القاضي.

 

وقال الحنفية: الولاية شرط في الركن وهي من شروط الجواز والنفاذ، فلا ينعقد إنكاح من لا ولاية له، والولي: العاقل البالغ الوارث، فخرج الصبي والمعتوه والعبد والكافر على المسلمة، وهذا عند أكثر فقهائهم، وقال الرملي وابن عابدين: التعريف خاص بالولي من جهة القرابة، إذ الحاكم ولي وليس بوارث وكذا سيد العبد.

 

والولاية في النكاح نوعان:

الأول: ولاية ندب واستحباب، وهو الولاية على البالغة العاقلة بكرا كانت أو ثيبا.

والثاني: ولاية إجبار، وهو الولاية على الصغيرة بكرا كانت أو ثيبا، وكذا الكبيرة المعتوهة والمرقوقة.

شروط الولي:

ذهب الفقهاء إلى أنه يشترط في الولي في النكاح شروط، اتفقوا على بعضها، واختلفوا في بعضها، وبيان ذلك فيما يلي:

 

الشرط الأول: العقل والبلوغ:

أن يكون الولي بالغا عاقلا عند جمهور الفقهاء.

فلا تثبت الولاية لمجنون ولا صبي لأنهما ليسا من أهل الولاية، لأن أهلية الولاية بالقدرة على تحصيل النظر في حق المولى عليه وذلك بكمال العقل والرأي ولم يوجد، ألا ترى أن لا ولاية لأي منهما على نفسه فكيف يكون على غيره.

 

والمراد بالجنون - كما قال الكمال - المطبق، وهو على ما قيل سنة، وقيل أكثر السنة، وقيل شهر، وعليه الفتوى عند الحنفية، وفي التجنيس: وأبو حنيفة لا يؤقت في الجنون المطبق شيئا كما هو دأبه في التقديرات فيفوض إلى رأي القاضي، وغير المطبق تثبت له الولاية في حالة إفاقته بالإجماع، والمعنى أنه إذا كان مطبقا تسلب ولايته فتزوج ولا تنتظر إفاقته، وغير المطبق الولاية ثابتة له فلا تزوج وتنتظر إفاقته كالنائم، ومقتضى النظر أن الكفء الخاطب إذا فات بانتظار إفاقته تزوج وإن لم يكن مطبقا، وإلا انتظر على ما اختاره المتأخرون من الحنفية.

 

الشرط الثاني: الحرية:

ذهب جمهور الفقهاء في الجملة إلى أنه يشترط في الولي أن يكون حرا، لأنه لا ولاية للمملوك على أحد لأنه ليس من أهل الولاية، ألا ترى أنه لا ولاية له على نفسه، ولأن الولاية تنبئ عن المالكية، والشخص الواحد كيف يكون مالكا ومملوكا في زمان واحد، ولأن هذه ولاية نظر ومصلحة، ومصالح النكاح لا يوقف عليها إلا بالتأمل والتدبر، والمملوك باشتغاله بخدمة مولاه لا يتفرغ للتأمل والتدبر فلا يعرف كون إنكاحه مصلحة.

 

وأضاف الشافعية أنه يجوز للرقيق أن يتوكل لغيره في قبول النكاح بإذن سيده قطعا وبغير إذنه على الأصح، ولا يصح توكيله في الإيجاب على الأصح عند جمهور الشافعية.

 

الشرط الثالث: الإسلام:

ذهب الفقهاء إلى اشتراط الإسلام في ولاية المسلم على المسلمة.

قال الحنفية: لا ولاية للكافر على المسلم، لأنه لا ميراث بينهما؛ ولأن الكافر ليس من أهل الولاية على المسلم، لأن الشرع قطع ولاية الكافرين على المسلمين؛ ولأن إثبات الولاية للكافر على المسلم تشعر بإذلال المسلم من جهة الكافر وهذا لا يجوز، ولذا صينت المسلمة عن نكاح الكافر.

 

وقالوا: لا ولاية للمرتد على أحد، ولا على مسلم ولا على كافر ولا على مرتد مثله.

 

وأما إسلام الولي فليس بشرط، لثبوت الولاية في الجملة، فيلي الكافر على الكافر لأن الكفر لا يقدح في الشفقة الباعثة في تحصيل النظر في حق المولى عليه، ولا في الوراثة فإن الكافر يرث الكافر، ولهذا كان من أهل الولاية على نفسه فكذا على غيره.

 

وقال الشافعية: لا يزوج المسلمة قريبها الكافر، ولا يزوج الكافرة قريبها المسلم، ويلي - على الأصح المنصوص - الكافر الأصلي الكافرة الأصلية، ولو كانت عتيقة مسلم، واختلف اعتقادهما فيزوج اليهودي النصرانية والنصراني اليهودية كالإرث.

 

أما المرتد فلا يلي مطلقا لا على مسلمة ولا مرتدة ولا غيرهما لانقطاع الموالاة بينه وبين غيره، ولا يزوج أمته بملك، كما لا يتزوج.

 

الشرط الرابع: العدالة:

اختلف الفقهاء في اشتراط العدالة في الولي إلى رأيين:

الأول: لا يشترط العدالة في الولي، وهو رأي الحنفية؛ ولأن الناس عن آخرهم عامهم وخاصهم من لدن رسول الله (‘) إلى يومنا هذا يزوجون بناتهم من غير نكير من أحد، ولأن هذه ولاية نظر، والفسق لا يقدح في القدرة على تحصيل النظر ولا في الداعي إليه وهو الشفقة، وكذا لا يقدح في الوراثة فلا يقدح في الولاية كالعدل، ولأن الفاسق من أهل الولاية على نفسه فيكون من أهل الولاية على غيره كالعدل ولهذا قبلنا شهادته، ولأنه من أهل أحد نوعي الولاية وهو ولاية الملك حتى يزوج أمته فيكون من أهل النوع الآخر.

 

الرأي الثاني: يرى أنه يشترط العدالة في ولاية النكاح، وهو رأي الشافعية في المذهب. وأضاف الشافعية أنه لا ولاية لفاسق، غير الإمام الأعظم، مجبرا كان أو لا، أعلن بفسقه أو لا على المذهب بل تنتقل الولاية للأبعد.

 

أما الإمام الأعظم فلا يقدح فسقه لأنه لا ينعزل به، وقد نقل الإمام الغزالي الاتفاق على أن المستور يلي، وأثبت غيرهما فيه خلافا، وقال البغوي: إذا تاب الفاسق زوج في الحال، ووجه بأن الشرط في ولي النكاح عدم الفسق لا قبول الشهادة المعتبر فيها العدالة، قال الشربيني الخطيب: وهذا هو المعتمد.

 

الشرط الخامس: الذكورة:

اختلف الفقهاء في اشتراط كون الولي في عقد النكاح ذكرا إلى رأيين:

الرأي الأول: ذهب الشافعية إلى أنه يشترط في ولي النكاح الذكورة فلا يصح من أنثى.

وفصل الشافعية وقالوا: لا تزوج المرأة نفسها بإذن من وليها ولا دون إذن منه، ولا تزوج غيرها بولاية ولا بوكالة عن الولي، ولا تقبل نكاحا لأحد، قطعا لها عن هذا الباب، إذا لا يليق بمحاسن العادات دخولها فيه، لما قصد منها من الحياء.

 

وقالوا: لو وكل الولي ابنته - مثلا - في أن توكل رجلا في مباشرة عقد نكاحها، لا عنها بل عنه أو أطلق صح، لأنها سفيرة بين الولي والوكيل، بخلاف ما لو وكلت عنها.

 

ولو ابتلينا بإمامة امرأة فإن أحكامها تنفذ للضرورة، وقياسه: تصحيح تزويجها.

ولا يعتبر إذن المرأة في نكاح غيرها إلا في ملكها أو سفيه أو مجنون هي وصية عليه.

 

الرأي الثاني: يرى أبو حنيفة وزفر والحسن وأبو يوسف في ظاهر الرواية عنه أن عبارة النساء معتبرة في النكاح حتى لو زوجت الحرة العاقلة البالغة نفسها جاز، وكذلك لو زوجت غيرها بالولاية أو الوكالة، وكذا إذا وكلت غيرها في تزويجها أو زوجها غيرها فأجازت.

الشرط السادس: الرشد:

اختلف الفقهاء في اشتراط كون الولي في عقد النكاح رشيدا إلى رأيين:

الرأي الأول: يرى الحنفية أنه لا يشترط الرشد في ولاية النكاح.

 

الرأي الثاني: يرى الشافعية أنه لا ولاية لمحجور عليه بسفه بأن بلغ غير رشيد أو بذر في ماله بعد رشده ثم حجر عليه على المذهب لأنه لا يلي أمر نفسه فغيره أولى، فإن لم يحجر عليه، قال الرافعي: فما ينبغي أن تزول ولايته وهو مقتضى كلام النووي وهو المعتمد، وجزم ابن أبي هريرة بزوال ولايته، واختاره السبكي.

 

الشرط السابع: ألا يكون محرما بحج أو عمرة:

اختلف الفقهاء في اشتراط خلو ولي النكاح من الإحرام بحج أو عمرة إلى رأيين:

الرأي الأول: يرى أنه يشترط خلوه من الإحرام بحج أو عمرة، وهو رأي الشافعية. وقالوا: وهذا الشرط عام في الولي ولو حاكما أو الزوج، أو الوكيل عن أحدهما أو الزوجة ولكن إحرام الولي لا ينقل الولاية للولي الأبعد في الأصح.

 

الرأي الثاني: يرى أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد أنه لا بأس للمحرم أن ينكح وينكح ويخطب ولكنه إن تزوج فلا ينبغي له أن يدخل حتى يحل.

 

 

 

 

الشرط الثامن: ألا يكون الولي مكرها:

اختلف الفقهاء في اشتراط أن يكون ولي النكاح غير مكره على عقده إلى رأيين:

الرأي الأول: يرى أنه لا يصح نكاح الولي الذي أكره على عقد النكاح وهو رأي الشافعية.

 

الرأي الثاني: يرى أنه يصح نكاح الولي إذا أكره على تزويج موليته وهو رأي الحنفية.

فيصح نكاح المكره، لأن النكاح مما لا يحتمل الهزل، والقاعدة عندهم أن كل ما يصح مع الهزل يصح مع الإكراه، لأن ما يصح مع الهزل لا يحتمل الفسخ، وكل ما لا يحتمل الفسخ لا يؤثر فيه الإكراه.

 

 

 

 

 

 

أنواع الولاية في النكاح:

ذهب الفقهاء إلى أن الولاية في النكاح بحسب المولى عليه نوعان:

ولاية إجبار: وهي تنفيذ القول بالإنكاح على الغير، أي أن يباشر الولي العقد فينفذ على المولى عليه شاء أو أبى.

وولاية اختيار: أو ولاية ندب واستحباب.

 

النوع الأول - ولاية الإجبار:

اتفق الفقهاء على إثبات ولاية الإجبار لبعض الأولياء على بعض المولى عليهم، ولهم في ذلك تفصيل.

قال الحنفية: ولاية الحتم والإيجاب والاستبداد " الإجبار " تكون للولي، وهو عندهم العصبة مطلقا، فله إنكاح الصغير والصغيرة، والمجنون والمجنونة.

وشرط ثبوت هذه الولاية عندهم كون المولى عليه صغيرا أو صغيرة، أو مجنونا كبيرا أو مجنونة كبيرة، سواء كانت الصغيرة بكرا أو ثيبا، فلا تثبت هذه الولاية على البالغ العاقل ولا على البالغة العاقلة، لأن هذه الولاية تدور مع الصغر وجودا وعدما في الصغير والصغيرة، وفي الكبير والكبيرة تدور مع الجنون وجودا وعدما، سواء كان الجنون أصليا بأن بلغ مجنونا، أو عارضا بأن طرأ بعد البلوغ، وقال زفر: إذا طرأ لم يجز للمولى التزويج، وعلى أصل الحنفية ينبني أن الأب والجد لا يملكان إنكاح البكر البالغة بغير رضاها عندهم.

 

وقالوا: إن إثبات ولاية الإنكاح على هؤلاء، لأن النكاح يتضمن المصالح، وذلك يكون بين المتكافئين، والكفء لا يتفق في كل وقت، فمست الحاجة إلى إثبات الولاية على الصغار تحصيلا للمصلحة، والقرابة موجبة للنظر والشفقة فينتظم الجميع، إلا أن شفقة الأب والجد أكثر.

 

وإن كان المزوج للصغير أو الصغيرة أبا أو جدا، وللمجنون أو المجنونة ابنهما، وللرقيق مالكه لزم النكاح، ولا خيار لواحد من هؤلاء المولى عليهم، ولو كان النكاح بغير كفء أو بغبن فاحش، لوفور شفقة الأولياء، وشدة حرصهم على نفع المولى عليهم فكأنهم باشروه بأنفسهم، ولأن النبي (‘) ما خير عائشة (~) حين بلغت، لكنه يشترط في الأولياء عندئذ أن لا يعرف من أي منهم سوء الاختيار مجانة وفسقا وإلا فبطل النكاح.

 

وإن كان المزوج لواحد من هؤلاء غير من ذكر من الأولياء، فلكل واحد منهم الخيار وإن كان إنكاحه من كفء وبلا غبن – إن شاء أقام على النكاح، وإن شاء فسخ، وقال أبو يوسف: لا خيار لهم كما في إنكاح الأب والجد.

وقال الشافعية: للأب ولاية الإجبار وهي تزويج ابنه الصغير العاقل وابنته البكر صغيرة أو كبيرة، عاقلة أو مجنونة بغير إذنها، ولتزويج الأب ابنته البكر بغير إذنها شروط:

 

الأول: أن لا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة، فإن كان فليس له تزويجها إلا بإذنها بخلاف غير الظاهرة لأن الولي يحتاط لموليته لخوف العار وغيره.

الثاني: أن يزوجها من كفء.

الثالث: أن يزوجها بمهر مثلها.

الرابع: أن يكون المهر من نقد البلد.

الخامس: أن لا يكون الزوج معسرا بالمهر.

السادس: أن لا يزوجها بمن تتضرر بمعاشرته كأعمى وشيخ هرم.

السابع: أن لا يكون قد وجب عليها الحج، فإن الزوج قد يمنعها لكون الحج على التراخي، ولها غرض في تعجيل براءة ذمتها.

وهذه الشروط منها ما هو معتبر لصحة النكاح بغير الإذن، ومنها ما هو معتبر لجواز الإقدام فقط.

 

فالمعتبر لصحة النكاح دون إذنها من هذه الشروط: أن لا يكون بينها وبين وليها عداوة ظاهرة، وأن يكون الزوج كفئا، وأن يكون موسرا بحال الصداق حتى لا يكون قد بخسها حقها، وما عدا ذلك من الشروط معتبر لجواز الإقدام على عقد النكاح دون إذنها.

 

وقال الشافعية: ويستحب استئذان البكر إذا كانت مكلفة لحديث: " البكر يستأمرها أبوها ". وتطييبا لخاطرها، أما غير المكلفة فلا إذن لها، ويسن استفهام المراهقة، وأن لا يزوج الصغيرة حتى تبلغ.

والمستحب في الاستئذان أن يرسل إليها نسوة ثقات ينظرن ما في نفسها، والأم أولى بذلك لأنها تطلع على ما لا يطلع عليه غيرها.

 

والجد أبو الأب وإن علا كالأب عند عدمه أو عدم أهليته فيما ذكر لأن له ولاية وعصوبة كالأب، ويزيد الجد عليه في صورة واحدة وهي تولي طرفي العقد بخلاف الأب.

ووكيل الأب والجد كالأب والجد، لكن وكيل الجد يتولى طرفي العقد.

 

ويلزم المجبر - الأب أو الجد - تزويج مجنونة أطبق جنونها بالغة محتاجة ولو ثيبا لاكتسابها المهر والنفقة، وربما كان جنونها لشدة الشبق، فإن لم يكن للمجنونة أب أو جد لم تزوج المجنونة الصغيرة حتى تبلغ، وحينئذ يزوجها السلطان في الأصح المنصوص، بمراجعة أقاربها تطييبا لقلوبهم ولأنهم أعرف بمصلحتها،

والثاني: يزوجها القريب بإذن السلطان لقيامه مقام إذنها.

وتزوج بواسطة السلطان للحاجة - إلى النكاح بظهور علامة شهوتها، أو توقع شفائها بقول عدلين من الأطباء، لأن تزوجها يقع إجبارا وغير الأب والجد لا يملك الإجبار، وإنما يصار إليه للحاجة النازلة منزلة الضرورة، ولا يزوجها لمصلحة كتوفر المؤن في الأصح.

 

وليس للجد تزويج هؤلاء بدون إذنهم لعموم الأحاديث، ولأنه قاصر عن الأب فلم يملك الإجبار كالعم.

النوع الثاني: ولاية المشاركة أو ولاية الندب والاستحباب:

هذه الولاية تفيد أن نكاح المولى عليها إنما يكون بعد أخذ إذنها ندبا واستحبابا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، أو ولاية مشتركة بين الولي والمولى عليها عند محمد من الحنفية، أي لا ينعقد نكاح الولي إلا بعد أخذ إذن المولى عليها كما نص الشافعية.

وللفقهاء في ذلك تفصيل:

فيرى أبو حنيفة وأبو يوسف في رأيه الأول أنه لا إجبار على البكر البالغة العاقلة في النكاح، وكذلك الحر البالغ العاقل والمكاتب والمكاتبة ولو صغيرين والخروج إلى محفل الرجال من النساء عيب في العادة، فكان عجزها عجز ندب واستحباب لا حقيقة، فثبتت الولاية عليها على حسب العجز، وهي ولاية ندب واستحباب لا ولاية حتم وإيجاب إثباتا للحكم على قدر العلة.

وأما طريق محمد فهو أن الثابت بعد البلوغ ولاية الشركة لا ولاية الاستبداد، فلا بد من الرضا كما في الثيب البالغة.

 

وإذا كان الرضا في نكاح البالغة العاقلة شرط الجواز فإنها إذا زوجت بغير إذنها توقف التزويج على رضاها، فإن رضيت جاز، وإن ردت بطل.

 

وفرق الحنفية - كسائر فقهاء المذاهب - بين ما يعرف به الرضا بالنكاح من الثيب، وما يعرف به من البكر البالغة العاقلة، فقالوا: إن كانت المرأة التي يراد تزويجها ثيبا فرضاها يعرف بالقول تارة وبالفعل أخرى، أما القول فهو التنصيص على الرضا وما يجرى مجراه نفسها " ، وأما الفعل نحو التمكين من نفسها، والمطالبة بالمهر والنفقة، ونحو ذلك، لأن هذا دليل الرضا، وهو يثبت بالنص مرة وبالدليل أخرى وإن كانت المرأة بكرا فيعرف رضاها بهذين الطريقين، وبثالث وهو السكوت، وهذا استحسان، والقياس أن لا يكون سكوتها رضا.

 

 

ولو استأذن الولي البكر البالغة العاقلة في النكاح فضحكت غير مستهزئة، أو تبسمت، أو بكت بلا صوت فهو إذن - في المختار للفتوى - لأنه حزن على مفارقة أهلها، وإنما يكون ذلك عند الإجازة، وعن أبي يوسف في البكاء أنه رضا لأنه لشدة الحياء، وعن محمد رد لأن وضعه لإظهار الكراهة، قال ابن الهمام بعدما سبق: والمعول عليه اعتبار قرائن الأحوال في البكاء والضحك، فإن تعارضت أو أشكل احتيط.

 

وقال الشافعية: ليس للولي المجبر تزويج ثيب بالغة وإن عادت بكارتها إلا بإذنها، لأنها عرفت مقصود النكاح فلا تجبر بخلاف البكر، فإن كانت تلك الثيب صغيرة غير مجنونة وغير أمة لم تزوج، سواء احتملت الوطء أم لا، حتى تبلغ، لأن إذن الصغيرة ليس معتبرا فامتنع تزويجها إلى البلوغ، أما المجنونة فيزوجها الأب والجد عند عدمه قبل بلوغها للمصلحة، وأما الأمة فلسيدها أن يزوجها.

 

وقالوا: وسواء في حصول الثيوبة واعتبار إذنها زوال البكارة بوطء في قبلها حلال كالنكاح أو حرام كالزنا أو بوطء لا يوصف بهما كشبهة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون في نوم أو يقظة، والوطء في الدبر لا أثر له على الصحيح، لأنها لم تمارس الرجال بالوطء في محل البكارة.

ولا أثر لزوال البكارة بلا وطء في القبل، كسقطة وحدة طمث وطول تعنيس - وهو الكبر - أو بأصبع ونحوه في الأصح كما في منهاج الطالبين، أو الصحيح كما في روضة الطالبين بل حكمها حكم الأبكار لأنها لم تمارس الرجال فهي على حالها وحيائها.

 

ترتيب الأولياء:

ذهب الفقهاء إلى أن الولي في النكاح إذا كان مجبرا فإنه يكون المقدم، لا ينازعه أحد في تلك الولاية.

وذهبوا - في الجملة - إلى أنه إذا تعددت أسباب ولاية النكاح، فإنه يقدم من كان سبب ولايته الملك، ثم من كان سبب ولايته القرابة، ثم من كان سبب ولايته الإمامة، ثم من كان سبب ولايته الولاء.

 

 

انتقال الولاية بالعضل:

ذهب الفقهاء إلى أنه إذا تحقق العضل من الولي وثبت ذلك عند الحاكم، أمر الحاكم الولي بالتزويج إن لم يكن العضل بسبب معقول، فإن امتنع وانتقلت الولاية إلى غيره.

واختلف الفقهاء فيمن تنتقل إليه الولاية حينئذ، فذهب الجمهور إلى أنها تنتقل إلى السلطان.

 

غيبة الولي:

اختلف الفقهاء في بقاء ولاية النكاح عند غيبة الولي هل تكون للحاكم أم للولي الأبعد؟

فقال الحنفية: إنما يتقدم الأقرب على الأبعد إذا كان الأقرب حاضرا أو غائبا غيبة غير منقطعة.

فأما إذا كان غائبا غيبة منقطعة فللأبعد أن يزوج في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد.

واختلف الحنفية في زوال ولاية الأقرب بالغيبة أو عدم زوالها، فقال بعضهم إنها باقية إلا إن حدثت للأبعد ولاية لغيبة الأقرب فيصير كأن لها وليين مستويين في الدرجة، كالأخوين والعمين، وقال بعضهم: تزول ولايته وتنتقل إلى الأبعد، وهو الأصح.

 

وقالت الشافعية: لو غاب الولي الأقرب نسبا أو ولاء إلى مرحلتين ولا وكيل له بالبلد أو دون مسافة القصر زوج المرأة سلطان بلدها أو نائبه، لا سلطان غير بلدها ولا الولي الأبعد على الأصح، لأن الغائب ولي والتزويج حق له فإذا تعذر استيفاؤه ناب عنه الحاكم، وقيل: يزوج الأبعد، قال الشيخان: والأولى للقاضي أن يأذن للأبعد أن يزوج أو يستأذنه فيزوج القاضي للخروج من الخلاف.

 

وإذا غاب الولي الأقرب دون مرحلتين لا يزوج إلا بإذنه في الأصح لقصر المسافة، فيراجع فيحضر أو يوكل كما لو كان مقيما.

 

ويزوج القاضي أيضا عن المفقود الذي لا يعرف مكانه ولا موته ولا حياته، لتعذر نكاح المرأة من جهته فأشبه ما إذا عضل، هذا إذا لم يحكم بموته وإلا زوجها الأبعد.

 

وللقاضي التعويل على دعواها غيبة وليها وأنها خلية عن النكاح والعدة، لأن العقود يرجع فيها إلى قول أربابها، لكن يستحب إقامة البينة بذلك، ولا يقبل فيها إلا شهادة مطلع على باطن أحوالها.

ولو زوجها الحاكم لغيبة وليها ثم قدم وقال: كنت زوجتها في الغيبة، قدم نكاح الحاكم.

 

الوكيل في النكاح:

الوكيل في النكاح إما أن يكون وكيلا عن الزوج أو الزوجة أو الولي.

 

أ - توكيل الزوج غيره في النكاح:

اتفق الفقهاء على صحة التوكيل في عقد النكاح من الرجل.

 

وللفقهاء تفصيل فيما يشترط في الوكيل:

قال الحنفية: يشترط في الوكيل أن يكون عاقلا، فلا تصح وكالة المجنون والصبي الذي لا يعقل.

وأما البلوغ والحرية فليسا بشرط لصحة الوكالة فتصح وكالة الصبي العاقل والعبد، مأذونين كانا أو محجورين.

 

وقال الشافعية: يصح أن يوكل الزوج في النكاح من يصح له أن يباشر النكاح بنفسه، فلا يصح توكيل صبي ولا مجنون ولا مغمى عليه ولا امرأة ولا محرم بحج أو عمرة لأن تصرف الشخص لنفسه أقوى من تصرفه لغيره فإن تصرفه له بطريق الأصالة، ولغيره بطريق النيابة، فإذا لم يقدر على الأقوى فلا يقدر على الأضعف بطريق الأولى.

 

ب - توكيل المرأة من يزوجها:

اختلف الفقهاء في جواز توكيل المرأة من يزوجها.

فقال الحنفية: يجوز للمرأة أن تباشر عقد الزواج، سواء أزوجت نفسها، أم زوجت غيرها، فلها أن توكل من يزوجها، لأن من شرط الموكل أن يكون ممن يملك فعل ما وكل به بنفسه، فما لا يملكه بنفسه لا يحتمل التفويض إلى غيره فلا يصح.

 

 

وقال الشافعية: ليس للمرأة أن تلي عقد الزواج بنفسها سواء زوجت نفسها أم غيرها، فليس لها أن توكل من يتولى عقد زواجها لأنها لا تملك هذا الحق، فما لا تملكه لا يصح لها أن توكل فيه.

وقد ذكر الشافعية صورا تتعلق بإذن المرأة في زواجها:

فقال الشافعية: إذا كان الولي غير مجبر أو كانت ثيبا ففي التوكيل صور:

إحداهما: قالت: زوجني ووكل، فله التزويج والتوكيل.

الثانية: نهت عن التوكيل، فلا يوكل.

الثالثة: قالت: وكل بتزويجي، واقتصرت عليه، فله التوكيل، وهل له أن يزوج بنفسه؟ وجهان، أصحهما: نعم.

الرابعة: قالت: أذنت لك في تزويجي، فله التوكيل على الأصح لأنه متصرف بالولاية.

ولو وكل من غير مراجعتها واستئذانها بالكلية لم يصح على الصحيح، لأنه لا يملك التزويج بنفسه حينئذ.

 

 

 

ج - توكيل الولي غيره في النكاح:

توكيل الولي غيره لمباشرة عقد النكاح جائز باتفاق الفقهاء إذا توافرت في الوكيل الشروط المعتبرة عند كل مذهب.

 

الوصي في النكاح:

اختلف الفقهاء في إثبات ولاية النكاح للوصي، فيرى الحنفية والشافعية أنه لا تستفاد ولاية النكاح بالوصية.

 

قال الحنفية: ليس للوصي ولاية الإنكاح، لأنه يتصرف بالأمر فلا يعدو موضع الأمر كالوكيل، وإن كان الميت قد أوصى إليه لا يملك أيضا لأنه أراد بالوصاية نقل ولاية الإنكاح إليه، وإنها لا تحتمل النقل حال الحياة كذا بعد الموت، فلو عين الموصي في حياته رجلا فزوج الوصي المرأة من ذلك الرجل في حياة الموصي فهو وكيل لا وصي، وإن زوجها منه بعد موت الموصي فقد بطلت الوكالة بالموت وانتقلت الولاية للحاكم عند عدم قريب، نعم لو كان الوصي قريبا أو حاكما فإنه يملك التزويج بالولاية إن لم يكن أحد أولى منه.

 

إنكاح اليتيم:

اختلف الفقهاء في إنكاح اليتيم - وهو الصغير أو الصغيرة الذي مات أبوه - فذهب بعضهم إلى المنع مطلقا، وأجازه غيرهم بالقرابة أو بالسبب العام للولاية، وقيد آخرون الإجازة بخيفة الفساد، في حين قيدها غيرهم ببلوغ تسع سنين فأكثر، ولهم في ذلك تفصيل:

 

فقال الحنفية: ليس للوصي من حيث هو وصي أن يزوج اليتيم - وهو يشمل الصغير والصغيرة - سواء أوصى إليه الأب بالنكاح أو لم يوص على المذهب، لأنه ليس بولي، نعم لو كان قريبا أو حاكما فإنه يملك التزويج بالولاية إن لم يكن أحد أولى منه.

 

وقال الشافعية: ومن على حاشية النسب كأخ وعم ونحوهما لا يزوج صغيرة بحال عند عدم الأب بكرا أو ثيبا، عاقلة أو مجنونة، لأنها إنما تزوج بالإذن وإذنها غير معتبر.

وكذا الصغير فلا يجوز لأحد من حاشية النسب أو الوصي أو القاضي أن يزوجه لعدم الحاجة وانتفاء كمال الشفقة.

 

نكاح السفيه:

اتفق الفقهاء على صحة نكاح السفيه المحجور عليه للسفه، ولكنهم اختلفوا في اشتراط إذن الولي لصحة نكاحه.

 

ثالثا: الإشهاد على النكاح:

اختلف الفقهاء في كون الإشهاد على النكاح: ركنا أو شرطا أو واجبا، ولهم في ذلك تفصيل:

 

فقال جمهور الفقهاء: لا يصح النكاح إلا بحضرة شاهدين غير أن الحنفية يرونه شرطا، ويرى الشافعية أنه ركن.

 

الشروط الواجب توافرها في الشاهدين:

اتفق الفقهاء على أنه يلزم توفر شروط في شاهدي النكاح، إلا أنهم اتفقوا على بعضها، واختلفوا في بعضها الآخر، تفصيلها على النحو التالي:

 

أ - الإسلام:

ذهب الفقهاء إلى أنه يشترط في شاهدي النكاح الإسلام، وذلك في الشهادة على نكاح المسلم المسلمة باتفاق بينهم، فلا ينعقد هذا النكاح بشهادة غير المسلم لأنه ليس من أهل الولاية على المسلم وأما المسلم إذا نكح ذمية فذهب الشافعية ومحمد وزفر من الحنفية إلى أنه يشترط إسلام الشاهدين على هذا النكاح، لأن شهادة الذميين على الزوجة الذمية غير مقبولة عندهم.

 

وخالف أبو حنيفة وأبو يوسف فقالا: إذا تزوج المسلم ذمية بشهادة ذميين فإنه يجوز، سواء كانا موافقين لها في الملة أو مخالفين، لعموم الأدلة من الكتاب والسنة، ولأن للكافر ولاية على الكافر.

 

ب - التكليف:

ذهب الفقهاء إلى أنه يشترط في شاهدي النكاح التكليف، أي أن يكون كل منهما عاقلا بالغا، فلا تقبل شهادة مجنون بالإجماع، ولا شهادة صبي؛ ولأن الشهادة من باب الولاية وهي نفاذ المشيئة لأنها تنفيذ القول على الغير، وكل من المجنون والصبي لا ولاية له على نفسه فكيف تكون له ولاية على غيره.

 

ج - العدالة:

اختلف الفقهاء في اشتراط العدالة في شاهدي النكاح.

فيشترط الشافعية في الأصح في شاهدي النكاح العدالة، فلا ينعقد بفاسقين، لأنه لا يثبت بهما.

ونص الشافعية في الصحيح عندهم على أنه يكفي فيهما العدالة الظاهرة، فينعقد بمستوري العدالة وهما المعروفان بها ظاهرا لا باطنا، بأن عرفت عدالتهما بالمخالطة دون التزكية عند الحاكم، لأن الظاهر من المسلمين العدالة، ولأن النكاح يجري بين أوساط الناس والعوام، فلو اعتبر فيه العدالة الباطنة لاحتاجوا إلى معرفتها ليحضروا من هو متصف بها فيطول الأمر عليهم ويشق.

وفرق الشافعية بين مستور العدالة ومستور الإسلام والحرية - والعدالة والإسلام والحرية مما يشترطونه في شاهدي النكاح - فقالوا: ينعقد النكاح بشهادة مستوري العدالة لا بمستوري الإسلام والحرية، بأن لم يعرف إسلام الشاهد ولا حريته، كأن يكون في موضع يختلط فيها مسلمون بالكفار، والأحرار بالأرقاء، ولا غالب، أو يكون ظاهره الإسلام والحرية بالدار فلا ينعقد النكاح به، بل لا بد من معرفة حال الشاهد بالإسلام والحرية باطنا، لسهولة الوقوف على ذلك، بخلاف العدالة والفسق.

 

وذهب الحنفية إلى أن عدالة الشاهدين ليست بشرط، فينعقد النكاح بحضور الفاسقين، لأن عمومات النكاح مطلقة عن شرط، واشتراط أصل الشهادة بصفاتها المجمع عليها ثبت بالدليل، فمن ادعى شرط العدالة فعليه البيان، ولأن الفسق لا يقدح في ولاية الإنكاح بنفسه.

د - العدد:

ذهب الفقهاء إلى أنه لا يصح النكاح بشاهد واحد، بل لا بد من حضور شاهدين.

وأضاف الشافعية أنه لا فرق بين حضور الشاهدين قصدا أو اتفاقا.

 

ç - الحرية:

اختلف الفقهاء في اشتراط الحرية في شاهدي النكاح.

فذهب الجمهور إلى أنه يشترط في كل واحد من شاهدي النكاح أن يكون حرا، فلا ينعقد النكاح بمن فيه رق لأنه ليس أهلا للشهادة.

و الذكورة:

يشترط الشافعية في شاهدي النكاح الذكورة، فلا ينعقد النكاح عندهم بشهادة النساء، ولا بشهادة رجل وامرأتين لأنه لا يثبت بقولهن.

وذهب الحنفية إلى أنه لا يشترط ذكورة شاهدي النكاح، فينعقد عندهم بحضور رجل وامرأتين.

 

 

 

ز - السمع:

اختلف الفقهاء في اشتراط السمع في شاهدي النكاح:

 

فيشترط الفقهاء أن يكون شاهدا النكاح سميعين ولو برفع صوت إذ المشهود عليه قول فلا بد من سماعه، أي سماع كلام المتعاقدين جميعا، حتى لو سمعا كلام أحدهما دون الآخر، أو سمع أحدهما كلام أحد المتعاقدين وسمع الآخر كلام المتعاقد الثاني لا يجوز النكاح، قال الكاساني: لأن حضور الشهود شرط ركن العقد، وهو الإيجاب والقبول، فما لم يسمعا كلامهما لا تتحقق الشهادة عند الركن فلا يوجد شرط الركن.

 

ح - البصر:

اختلف الفقهاء في اشتراط البصر في شاهدي النكاح:

 

فاشترط الشافعية في شاهدي النكاح البصر، لأن الأقوال - وهي المشهود عليه في عقد النكاح - لا تثبت إلا بالمعاينة والسماع.

ولا يشترط الحنفية في شاهدي النكاح البصر، بل يجوز أن يكونا ضريرين إذا تيقنا الصوت تيقنا لا شك فيه، كالشهادة بالاستفاضة، ولأن العمى كما يقول الكاساني لا يقدح إلا في الأداء لتعذر التمييز بين المشهود عليه وبين المشهود له، ولأنه لا يقدح في ولاية الإنكاح ولا في قبول النكاح بنفسه ولا في المنع من جواز القضاء بشهادته في الجملة، فكان من أهل أن ينعقد النكاح بحضوره.

 

ط - النطق:

اختلف الفقهاء في اشتراط النطق في شاهدي النكاح:

 

فيرى الحنفية والشافعية في الأصح أنه يشترط في شاهدي النكاح أن يكونا ناطقين، فلا ينعقد النكاح عندهم بشاهدين أخرسين، أو بشاهدين أحدهما كذلك، لأن الأخرس لا يتمكن من أداء الشهادة.

 

 

 

ي - التيقظ:

نص الشافعية على أنه يشترط في شاهدي النكاح التيقظ والضبط، فلا ينعقد النكاح عندهم بالمغفل الذي لا يضبط، وينعقد - كما قال النووي - بمن يحفظ وينسى عن قريب.

 

ك - معرفة لسان العاقدين:

نص الشافعية على أنه يشترط في شاهدي النكاح معرفة لسان العاقدين، فلا يكفي إخبار ثقة بمعنى قول العاقدين، قال الشبراملسي: أي بعد تمام الصيغة أما قبلها بأن أخبره عدل بمعناها ولم يطل الفصل فتصح.

 

ل - أن لا يكون الشاهدان ابني الزوجين:

وهذا ما يؤخذ من عموم قول الحنفية أنه لا تقبل شهادة الوالد لولده ولا الولد لوالده.

وفي المسألة عند الشافعية أوجه أصحها الانعقاد.

 

نكاح السر:

اختلف الفقهاء في ماهية نكاح السر وفي حكمه:

 

فقال الحنفية: نكاح السر ما لم يحضره شاهدان، أما ما حضره شاهدان فهو نكاح علانية لا نكاح سر، إذ السر إذا جاوز اثنين خرج من أن يكون سرا، وقد نهي عن نكاح السر.

 

رابعا: محل عقد النكاح:

محل عقد النكاح هو الزوج والزوجة معا، وهما الشافعية من أركان النكاح خلافا للحنفية، وقد سبق تفصيل هذه الأركان.

 

واتفق الفقهاء على أنه يشترط أن يكون كل من الزوجين حلا للآخر، وأن لا يقوم بواحد منهما مانع من موانع النكاح. فلا يصح نكاح محرمة عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة، ولا نكاح مجوسية، أو وثنية أو مرتدة، أو ملاعنته، ولا نكاح ذات زوج، ولا مطلقته ثلاثا، ولا المعتدة من غيره، ولا نكاح من تحرم جمعها مع زوج له.

كما يشترطون تعيين كل من الزوجين في عقد النكاح، لأن المقصود في النكاح التعيين فلا يصح بدونه، وتزوج باسمها الذي تعرف به.

كما يشترطون أن لا يكون أحد الزوجين ملكا للآخر كلا أو بعضا.

شروط النكاح:

اتفق الفقهاء على أن للنكاح شروطا لا بد منها.

وللفقهاء في ذلك تفصيل كالتالي:

قال الحنفية: شرائط ركن النكاح أنواع هي: شرائط الانعقاد، وشرائط الجواز والنفاذ، وشرائط اللزوم.

 

 

 

 

 

أ - أما شرائط الانعقاد فنوعان:

نوع يرجع إلى العاقد وهو العقل، فلا ينعقد نكاح المجنون والصبي الذي لا يعقل، لأن العقل من شرائط أهلية التصرف.

 

ونوع يرجع إلى مكان العقد وهو اتحاد المجلس إذا كان العاقدان حاضرين، وهو أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد، حتى لو اختلف المجلس لا ينعقد النكاح، بأن كانا حاضرين فأوجب أحدهما فقام الآخر عن المجلس قبل القبول، أو اشتغل بعمل يوجب اختلاف المجلس لا ينعقد، لأن انعقاده عبارة عن ارتباط أحد الشرطين بالآخر.

 

ب - وأما شرائط الجواز والنفاذ:

فمنها: أن يكون العاقد بالغا، فإن نكاح الصبي العاقل وإن كان منعقدا فهو غير نافذ، بل نفاذه يتوقف على إجازة وليه، لأن نفاذ التصرف لاشتماله على وجه المصلحة، والصبي لقلة تأمله لانشغاله باللهو واللعب لا يقف على ذلك فلا ينعقد تصرفه بل يتوقف على إجازة وليه، فلا يتوقف على بلوغه حتى ولو بلغ قبل أن يجيزه الولي لا ينفذ بالبلوغ، لأن العقد انعقد موقوفا على إجازة الولي ورضاه لسقوط اعتبار رضا الصبي شرعا، وبالبلوغ زالت ولاية الولي فلا ينفذ ما لم يجزه بنفسه بعد البلوغ.

ومنها: أن يكون حرا، فلا يجوز نكاح مملوك بالغ عاقل إلا بإذن سيده.

ومنها: الولاية في النكاح، فلا ينعقد إنكاح من لا ولاية له.

 

ج - وأما شرائط اللزوم:

 فنوعان في الأصل: نوع هو شرط وقوع النكاح لازما، ونوع هو شرط بقائه لازما.

أما النوع الأول: فمنه أن يكون الولي في إنكاح الصغير أو الصغيرة هو الأب أو الجد، فإن كان غيرهما من الأولياء كالأخ والعم لا يلزم النكاح حتى يثبت للصغير والصغيرة الخيار بعد البلوغ وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وعند أبي يوسف هذا ليس بشرط ويلزم نكاح غير الجد والأب من الأولياء حتى لا يثبت للصغير والصغيرة الخيار.

 

ومن شرائط هذا النوع: كفاءة الزوج في إنكاح المرأة الحرة البالغة العاقلة نفسها من غير رضا الأولياء بمهر مثلها، فيقع الكلام في أربعة مواضع:.

أحدها: في بيان أن الكفاءة في باب النكاح هل هي شرط لزوم النكاح في الجملة أم لا؟ .

والثاني: في بيان النكاح الذي الكفاءة من شروط لزومه.

والثالث: في بيان ما تعتبر فيه الكفاءة.

والرابع: في بيان من تعتبر له الكفاءة.

 

والنوع الثاني من شرائط اللزوم، وهو شرط بقاء النكاح لازما، فمنه ما يتعلق بالزوج في نكاح زوجته، ومنه ما يتعلق بالمولى في نكاح أمته.

أما الذي يتعلق بالزوج في نكاح زوجته، فعدم تمليكه الطلاق منها أو من غيرها، بأن يقول لامرأته: اختاري، أو أمرك بيدك ينوي الطلاق، أو طلقي نفسك، أو أنت طالق إن شئت، أو يقول لرجل: طلق امرأتي إن شئت، كذا عدم التطليق بشرط، والإضافة إلى وقت، لأنه بالتمليك جعل النكاح بحال لا يتوقف زواله على اختياره، وكذا بالتعليق والإضافة، وهذا معنى عدم بقاء النكاح لازما.

 

وأما الذي يتعلق بالمولى في نكاح أمته فهو أن لا يعتق أمته المنكوحة حتى لو أعتقها لا يبقى العقد لازما وكان لها الخيار، وهو المسمى بخيار العتاقة.

 

الشروط في عقد النكاح:

اختلف الفقهاء في الشروط في عقد النكاح، هل تبطل النكاح أو لا تبطله؟ ولهم في ذلك تفصيل:

 

يرى الحنفية أن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة فيصح النكاح ويلغو الشرط.

ومن أمثلة ذلك: أن يتزوج الرجل المرأة على ألف بشرط أن لا يتزوج عليها، فإن وفى بما شرط فلها المسمى لأنه يصلح مهرا وقد تراضيا به، وإن لم يوف فلها مهر مثلها لأنها ما رضيت بالألف - وهو دون مهر مثلها - إلا مع ما ذكر لها من المنفعة فيكمل لها مهر المثل، لأنها ما رضيت بالمسمى وحده فكأنه ما سمى.

 

ومن ذلك ما لو تزوجها على ألف وكرامتها - أي بأن يحسن إليها بشيء تسر به - فلها مهر مثلها لا ينقص عن ألف لأنه رضي بها، وإن طلقها قبل الدخول فلها نصف الألف لأنه أكثر من المتعة.

 

وإن قال: علي ألف إن أقام بها وألفين إن أخرجها، فإن أقام فلها الألف، وإن أخرجها فمهر مثلها لا يزاد على ألفين ولا ينقص عن ألف، وهذا عند أبي حنيفة. وقال الصاحبان: الشرطان جائزان.

 

ولأبي حنيفة: أن الشرط الأول صح وموجبه المسمى، والشرط الثاني ينفي موجب الأول، والتسمية متى صحت لا يجوز نفي موجبها فيبطل الشرط الثاني.

 

ولو تزوجها على ألف إن كانت قبيحة وألفين إن كانت جميلة صح الشرطان، والفرق أنه لا مخاطرة هنا لأن المرأة على صفة واحدة إلا أن الزوج يجهلها، وفي المسألة الأولى المخاطرة موجودة في التسمية الثانية، لأنه لا يدرى أن الزوج هل يفي بالشرط الأول أم لا

 

وقال الشافعية: الشرط في النكاح إن لم يتعلق به غرض فهو لغو، وإن تعلق به لكن لا يخالف مقتضى النكاح، بأن شرط أن ينفق عليها، أو يقسم لها، أو يتسرى، أو يتزوج عليها إن شاء، أو يسافر بها، أو لا تخرج إلا بإذنه فهذا لا يؤثر في النكاح.

 

وإن شرط ما يخالف مقتضاه فهو ضربان: أحدهما: ما لا يخل بالمقصود الأصلي من النكاح فيفسد الشرط، سواء كان لها بأن شرط أن لا يتزوج عليها، أو لا يتسرى، أو لا يطلقها، أو يطلق ضرتها، أو كان الشرط عليها بأن شرط أن لا يقسم لها، أو لا ينفق عليها، أو يجمع بينها وبين ضراتها في سكن واحد، ثم فساد الشرط لا يفسد النكاح على المشهور، وفي وجه أو قول حكاه الحناطي: يبطل النكاح.

 

الضرب الثاني: ما يخل بمقصود النكاح كأن شرط الزوج أن لا يطأ زوجته أصلا، أو أن لا يطأها إلا مرة واحدة مثلا في السنة، أو أن لا يطأها إلا ليلا فقط، أو إلا نهارا، أو أن يطلقها ولو بعد الوطء بطل النكاح، لأنه ينافي مقصود النكاح فأبطله.

 

قال الشربيني الخطيب: ما جرى عليه المصنف - أي النووي في المنهاج - من البطلان فيما إذا شرط عدم الوطء هو ما صححه في المحرر، وفي الشرح الصغير أنه الأشبه، والذي صححه في الروضة وأصلها وتصحيح التنبيه فيما إذا شرطه الصحة، لأنه حقه فله تركه والتمكين عليها، وهذا هو الذي عليه الجمهور كما قاله الأذرعي وغيره، وقال في البحر إنه مذهب الشافعي.

 

ولو شرط الزوج أن الزوجة لا ترثه أو أنه لا يرثها أو أنهما لا يتوارثان، أو أن النفقة على غير الزوج بطل النكاح أيضا، كما قاله في أصل الروضة عن الحناطي وجرى عليه ابن المقري، وصحح البلقيني الصحة وبطلان الشرط.

 

ولو شرط أحد الزوجين خيارا في النكاح بطل، لأن النكاح مبناه على اللزوم، فشرط ما يخالف قضيته يمنع الصحة، فإن شرط ذلك على تقدير عيب مثبت للخيار قال الزركشي: ينبغي أن يصح، لأنه تصريح بمقتضى العقد، قال الشربيني الخطيب: وهو مخالف لإطلاق الأصحاب.

ولو شرط أحد الزوجين خيارا في المهر فالأظهر صحة النكاح، لأن فساد الصداق لا يؤثر في النكاح، ولا يصح المهر في الأظهر بل يفسد ويجب مهر المثل، لأن الصداق لا يتمحض عوضا بل فيه معنى النحلة فلا يليق به الخيار، والمرأة لم ترض بالمسمى إلا بالخيار.

 

والشروط في النكاح قسمان:

القسم الأول: صحيح: وهو نوعان:

 

أحدهما: ما يقتضيه العقد، كتسليم الزوجة إلى الزوج وتمكينه من الاستمتاع بها، وتسليمها المهر وتمكينها من الانتفاع به فوجوده كعدمه، لأن العقد يقتضي ذلك.

 

والثاني: شرط ما تنتفع به المرأة مما لا ينافي العقد كزيادة معلومة في مهرها أو في نفقتها الواجبة، أو اشتراط كون مهرها من نقد معين، أو تشترط عليه أن لا ينقلها من دارها أو بلدها أو أن لا يسافر بها، أو أن لا يفرق بينها وبين أبويها أو أولادها، أو على أن ترضع ولدها الصغير، أو شرطت أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى، أو شرط لها طلاق ضرتها أو بيع أمته، فهذا النوع صحيح لازم للزوجة بمعنى ثبوت الخيار لها بعدمه ولا تلزم هذه الشروط إلا في النكاح الذي شرطت فيه، فإن بانت المشترطة منه ثم تزوجها ثانية لم تعد الشروط، لأن زوال العقد زوال لما هو متربط به.

 

ولو شرط أن لا يخرجها من منزل أبويها، فمات الأب أو الأم بطل الشرط، لأن المنزل صار لأحدهما بعد أن كان لهما، فاستحال إخراجها من منزل أبويها، فبطل الشرط. ولو تعذر سكن المنزل الذي اشترطت سكناه - بخراب وغيره - سكن بها الزوج حيث أراد، وسقط حقها من الفسخ، لأن الشرط عارض - وقد زال - فرجعنا إلى الأصل، والسكنى محض حقه.

 

والقسم الثاني: من الشروط في النكاح فاسد، وهو نوعان:

 

أحدهما: ما يبطل النكاح، وهو أربعة أشياء:

 

أحدها: نكاح الشغار، وهو أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ولا مهر بينهما.

 

الثاني: نكاح المحلل، بأن يتزوج رجل المطلقة ثلاثا بشرط أنه متى أحلها للأول طلقها، أو لا نكاح بينهما، أو اتفقا عليه وهذا النكاح حرام غير صحيح.

 

الثالث: نكاح المتعة، وهو أن يتزوج الرجل المرأة إلى مدة، أو يقول: أمتعيني نفسك فتقول: أمتعتك نفسي، لا بولي ولا شاهدين.

 

الرابع: إذا شرط نفي الحل في نكاح، بأن تزوجها على أن لا تحل له، فلا يصح النكاح لاشتراطه ما ينافيه، أو على ابتداء النكاح على شرط مستقبل غير مشيئة الله تعالى، كقوله: زوجتك ابنتي إذا جاء رأس الشهر، أو إذا رضيت أمها، أو إذا رضي فلان، لأن ذلك وقف النكاح على شرط، ولأنه عقد معاوضة فلا يصح تعليقه على شرط مستقبل كالبيع، ويصح: زوجت، وقبلت إن شاء الله تعالى، وتعليقه على شرط ماض أو حاضر.

 

والنوع الثاني من الشروط الفاسدة في النكاح: إذا شرط الزوجان أو أحدهما الخيار في النكاح أو في المهر، أو شرطا أو أحدهما عدم الوطء، أو شرطت إن جاء بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما، أو شرط الزوج عدم المهر، أو النفقة، أو قسم لها أقل من ضرتها أو أكثر، أو إن أصدقها رجع عليها بما أصدق أو ببعضه، أو يشترط أن يعزل عنها، أو شرطت أن لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة، أو لا تسلم نفسها إليه أو إلا بعد مدة معينة، أو شرطت عليه أن يسافر بها إذا أرادت انتقالا، أو أن يسكن بها حيث شاءت أو حيث شاء أبوها أو غيره، أو شرطت أن تستدعيه للجماع وقت حاجتها أو وقت إرادتها، أو شرط لها النهار دون الليل ففي هذه الصور كلها يبطل الشرط لأنه ينافي مقتضى العقد ويتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح، كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع، ويصح العقد لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره ولا يضر الجهل به فلم يبطله، ولأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض، فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد كالعتق.

 

وإن تزوج رجل امرأة على أنها مسلمة فبانت كتابية، أو قال الولي: زوجتك هذه المسلمة فبانت كافرة كتابية فله الخيار في فسخ النكاح، لأنه شرط صفة مقصودة فبانت بخلافها، فأشبه ما لو شرطها حرة فبانت أمة.

وإن شرطها كافرة فبانت مسلمة، أو أمة فبانت حرة، أو ذات نسب فبانت أشرف، أو على صفة دنية فبانت أعلى منها فلا خيار له لأن ذلك زيادة خير فيها.

 

وإن شرطها بكرا فبانت ثيبا، أو جميلة نسيبة أو بيضاء أو طويلة، أو شرط نفي العيوب التي لا يفسخ بها النكاح - كالعمى والخرس والصمم والشلل ونحوه - فبانت بخلاف ما شرط فله الخيار نصا، لأنه شرط وصفا مقصودا فبانت بخلافه، ولا يصح فسخ في خيار الشرط إلا بحكم حاكم لأنه مختلف فيه.

 

 

 

 

آثار النكاح الصحيح:

 

الآثار التي رتبها الشارع الحكيم على عقد النكاح الصحيح إما أن تكون مشتركة بين الزوجين، أو خاصة بكل منهما.

 

أولا: الحقوق المشتركة بين الزوجين:

أ - المعاشرة بالمعروف:

ذهب الشافعية إلى أن المعاشرة بالمعروف واجبة على كل واحد من الزوجين، فيلزم على كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وأن لا يماطل بحقه مع قدرته، ولا يظهر الكراهة لبذله، بل يبذله ببشر وطلاقة، ولا يتبعه منة ولا أذى، لأن هذا من المعروف المأمور به وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه.

ويسن لكل واحد منهما تحسين الخلق لصاحبه، والرفق له، واحتمال أذاه.

 

وقال الحنفية: هي أمر مندوب إليه ومستحب، قال الله تعالى ﴿وعاشروهن بالمعروف﴾ قيل: المعاشرة بالفضل والإحسان قولا وفعلا وخلقا.

 

ب - استمتاع كل من الزوجين بالآخر:

ذهب الفقهاء إلى أنه يحل لكل من الزوجين الاستمتاع بالآخر، ولهم في ذلك تفصيل:

نص الشافعية على أنه يحل لكل من الزوجين الاستمتاع بالآخر، كما يحل له النظر إلى جميع بدن صاحبه وكذا لمسه.

 

وقال الحنفية: إن من أحكام النكاح الأصلية حل وطء الزوج لزوجه إلا في حالة الحيض والنفاس والإحرام وفي الظهار قبل التكفير.

 

وللزوج أن يطالبها بالوطء متى شاء إلا عند اعتراض أسباب مانعة من الوطء كالحيض والنفاس والظهار والإحرام وغير ذلك.

 

وللزوجة أن تطالب زوجها بالوطء، لأن حله لها حقها، كما أن حلها له حقه، وإذا طالبته يجب على الزوج ويجبر عليه في الحكم مرة واحدة، والزيادة على ذلك تجب فيما بينه وبين الله تعالى من باب حسن المعاشرة واستدامة النكاح فلا يجب عليه عند بعض الحنفية، وعند بعضهم يجب عليه في الحكم.

 

وأضاف الكاساني: ومن الأحكام الأصلية للنكاح الصحيح حل النظر والمس من رأسها - أي الزوجة - إلى قدميها في حال الحياة، لأن الوطء فوق النظر والمس فكان إحلاله إحلالا للمس والنظر من طريق الأولى.

 

ج - الإرث:

من الحقوق المشتركة بين الزوجين التوارث، فيرث الزوج زوجته كما ترث الزوجة زوجها متى توافرت الشروط، وقد بين الله تعالى ميراث كل من الزوجين.

 

 

د - حرمة المصاهرة:

تحرم الزوجة على آباء الزوج وأجداده وأبنائه وفروع أبنائه وبناته، ويحرم على الزوج أمهات الزوجة وجداتها وبناتها وبنات أبنائها وإن نزلن، لأنهن من بناتها، ويحرم عليه أن يجمع بين الزوجة وأختها أو عمتها أو خالتها، كما تحرم على الرجل زوجة الأب والجد وإن علا من العصابات أو من ذوي الأرحام، وكذلك تحرم زوجة الفرع وإن سفل.

ç ثبوت نسب الولد:

يثبت نسب الولد من صاحب الفراش في الزوجية الصحيحة بعقد النكاح متى توافرت سائر شروط ثبوت النسب.

 

ثانيا: حقوق الزوج:

حقوق الزوج على زوجته أعظم من حقوقها عليه، لقول الله تعالى ﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة﴾ ، قال الجصاص: أخبر الله تعالى في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقا، وأن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه مثله.

 

أ - طاعة المرأة زوجها:

اتفق الفقهاء على أن طاعة الزوج واجبة على الزوجة، واتفقوا كذلك على أن وجوب طاعة الزوجة زوجها مقيدة بأن لا تكون في معصية لله تعالى، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

 

ب - تسليم الزوجة نفسها إلى الزوج:

من حق الزوج على زوجته أن تمكنه من الاستمتاع بها، فإذا كانت مطيقة للجماع وتسلمت معجل صداقها وطلب الزوج تسلمها وجب تسليمها إليه وتمكينه من الاستمتاع بها.

 

ج - عدم إذن الزوجة في بيت الزوج لمن يكره دخوله:

من حق الزوج على زوجته أن لا تأذن في بيته لأحد يكره دخوله.

 

 

د - عدم خروج الزوجة من البيت إلا بإذن الزوج:

من حق الزوج على زوجته ألا تخرج من بيت الزوجية إلا بإذنه، فإن خرجت بدون إذنه فقد ارتكبت معصية، لكن الفقهاء اشترطوا في ذلك أن يكون البيت صالحا للبقاء فيه، وألا يوجد سبب يجيز لها الخروج من البيت بغير إذن الزوج.

 

ç - سفر الزوج بامرأته:

ذهب الفقهاء - في الجملة - إلى أن للزوج السفر بامرأته، والانتقال بها إلى حيث ينتقل، ولهم في ذلك التفصيل:

فقد اختلف فقهاء الحنفية في الأحوال التي يحق فيها للزوج السفر بزوجته:

قال الكمال: إذا أوفاها مهرها أو كان مؤجلا نقلها إلى حيث شاء من بلاد الله، وكذا إذا وطئها برضاها عند أبي يوسف ومحمد.

 

وقال الشافعية: يجب على الزوجة السفر مع زوجها، إلا أن لها حبس نفسها لتقبض المهر المعين والحال، لا المؤجل لرضاها بالتأجيل.

 

و خدمة المرأة لزوجها:

اختلف الفقهاء في وجوب خدمة الزوجة زوجها، فذهب الشافعية إلى أنه لا يجب على الزوجة خدمة زوجها، والأولى لها فعل ما جرت به العادة.

وذهب الحنفية إلى وجوب خدمة الزوجة زوجها ديانة لا قضاء.

 

ز - تأديب الزوج امرأته:

اتفق الفقهاء على أن للزوج تأديب زوجته لنشوزها وما يتصل بالحقوق الزوجية.

 

ح - الطلاق:

 إنهاء النكاح بالطلاق حق للزوج، وهو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، والأصل فيه عند جمهور الفقهاء الإباحة، وذهب آخرون إلى أن الأصل فيه الحظر، لكنهم يتفقون على أنه تعتريه الأحكام الخمسة بحسب ما يرافقه من قرائن وأحوال.

 

ثالثا: حقوق الزوجة:

يرتب عقد النكاح الصحيح حقوقا للزوجة على زوجها هي:

 

أ - المهر:

يجب على الزوج بالنكاح الصحيح المهر للزوجة، وقد ثبت هذا الوجوب بالكتاب والسنة والإجماع:

 

ب - النفقة:

تجب للزوجة النفقة على زوجها.

 

ج - إخدام الزوجة:

من حق الزوجة على زوجها إخدامها، لأن ذلك من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله تعالى بها، ولأن هذا من كفايتها ومما تحتاج إليه على الدوام فأشبه النفقة.

 

د - القسم بين الزوجات:

اتفق الفقهاء على أنه يجب على الرجل أن يعدل في القسم بين زوجاته، وأن يسوي بينهن، لأن ذلك من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله تعالى بها وفي القسم، وما يتحقق به العدل فيه، وعماده مدته، والزوج الذي يستحق عليه، والزوجة التي تستحقه، وقضاء ما فات منه.

 

ç - البيات عند الزوجة:

اختلف الفقهاء في وجوب بيات الزوج عند زوجته، أو عدم وجوبه:

فذهب الحنفية إلى أنه يجب على الزوج أن يبيت عند زوجته، ولكنهم اختلفوا في تقديره أو عدم تقديره.

وذهب الشافعية إلى أنه لا يجب على الزوج البيات عند زوجته وإنما يسن له ذلك.

 

و إعفاف الزوجة:

من حق الزوجة على زوجها أن يقوم بإعفافها، وذلك بأن يطأها حتى تعف بالوطء الحلال عن الحرام.

لكن الفقهاء اختلفوا في وجوب وطء الرجل امرأته أو عدم وجوبه كما اختلفوا في العزل عن الزوجة الحرة.

 

آثار النكاح غير الصحيح:

عقد النكاح غير الصحيح هو الذي لم يستوف أركانه وشروط انعقاده وصحته.

والفقهاء يقسمون عقد النكاح - كغيره من العقود - إلى صحيح وغير صحيح، والقسم الثاني يشمل - عندهم - الباطل والفاسد.

 

وعقد النكاح غير الصحيح لا يترتب عليه بذاته أثر شرعي إلا إذا أعقبه دخول، فإن أعقبه دخول ترتب عليه بعض الآثار ويظهر ذلك فيما يأتي:

 

أ - وجوب المهر:

يجب المهر بالعقد في النكاح الصحيح أو بالدخول في النكاح الفاسد، لأن الدخول بالمرأة يوجب الحد أو المهر، وحيث انتفى الحد لشبهة العقد فيكون الواجب المهر.

 

ب - وجوب العدة:

ذهب الفقهاء إلى وجوب العدة على المرأة المدخول بها في النكاح الفاسد.

 

ج - ثبوت النسب:

يثبت نسب الولد بالوطء في النكاح الفاسد في الجملة، احتياطا لحق الولد في النسب، وإحياء له، ولعدم تضييعه.

 

د - ثبوت حرمة المصاهرة:

اتفق الفقهاء على أن حرمة المصاهرة تثبت بالدخول في عقد الزواج الفاسد.

 

نكاح الكفار:

اختلف الفقهاء في حكم نكاح الكفار غير المرتدين.

فذهب جمهور الفقهاء إلى أن نكاح الكفار غير المرتدين بعضهم لبعض صحيح، لقول الله (¸) ﴿وقالت امرأة فرعون﴾ سماها الله تعالى امرأته ولو كان نكاحهم فاسدا لم تكن امرأته حقيقة.

 

ولأن القول بفساد أنكحتهم يؤدي إلى أمر قبيح، وهو الطعن في نسب كثير من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأن كثيرا منهم ولد من أبوين كافرين وما أفضى إلى قبيح ثبت فساده.

 

قال الحنفية: يجوز نكاح أهل الذمة بعضهم لبعض وإن اختلفت شرائعهم، لأن الكفر كله ملة واحدة، إذ هو تكذيب الرب -´ عما يقولون علوا كبيرا - فيما أنزل على رسله صلوات الله وسلامه عليهم، واختلافهم في شرائعهم بمنزلة اختلاف كل فريق منهم فيما بينهم في بعض شرائعهم، وذا لا يمنع جواز نكاح بعضهم لبعض كذا هذا.

 

وكل نكاح جاز بين المسلمين - وهو الذي استجمع شرائط الجواز - فهو جائز بين أهل الذمة، وأما ما فسد بين المسلمين من الأنكحة فإنها منقسمة في حقهم: منها ما يصح ومنها ما يفسد.

 

وقال الشافعية: لو طلق الكافر زوجته ثلاثا ثم أسلما من غير محلل لم تحل به إلا بمحلل، لأنا إنما نعتبر حكم الإسلام، أما إذا تحللت في الكفر فيكفي في الحل.

انتهاء النكاح:

ينتهي النكاح وتنفصم عقدته بأمور: منها ما يكون فسخا لعقد النكاح يرفعه من أصله أو يمنع بقاءه واستمراره، ومنها ما يكون طلاقا أو في حكمه، ومن ذلك:

 

أ - الموت:

تنحل رابطة الزوجية إذا مات أحد الزوجين.

ولكنه مع ذلك يترتب على النكاح الذي انتهى بالموت أحكام منها: أن من بقي من الزوجين يرث من مات منهما، وأن الزوجة تحد وتعتد إن توفي الزوج، ويحل ما أجل من صداقها إن كان المتوفى أحدهما.

 

ب - الطلاق:

الطلاق هو رفع قيد النكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص أو ما يقوم مقامه، والنكاح الذي يرفعه الطلاق هو النكاح الصحيح.

وقد اتفق الفقهاء على أصل مشروعية الطلاق، واستدلوا بالكتاب وبالسنة وبالإجماع، لكنهم اختلفوا في الحكم الأصلي للطلاق هل هو الإباحة أو الحظر؟ كما بينوا مسائله بيانا وافيا.

 

ج - الخلع:

الخلع - عند جمهور الفقهاء - فرقة بعوض مقصود لجهة الزوج، بلفظ خلع أو طلاق.

 

 

 

د - الإيلاء:

إذا أصر الزوج المولي على عدم قربان زوجته بعد المدة المحددة شرعا فإن الطلاق يقع بمضي هذه المدة عند الحنفية، أما عند غيرهم فإن الطلاق لا يقع بمضي المدة، بل للزوجة أن ترفع الأمر إلى القاضي فيأمر الزوج بالفيء، فإن أبى أمره بتطليقها، فإن لم يفعل طلقها عليه القاضي.

 

ç - اللعان:

إذا تم اللعان فإنه يفرق بين الزوجين.

 

و إعسار الزوج:

إعسار الزوج قد يكون بصداق زوجته وقد يكون بنفقتها.

فإذا أعسر بالصداق فللفقهاء في التفريق بينه وبين زوجته بهذا الإعسار أقوال:

فذهب الحنفية إلى عدم جواز التفريق بذلك، وللزوجة قبل الدخول منع تسليم نفسها للزوج حتى تستوفي معجل صداقها.

 

أما إذا أعسر الزوج بنفقة زوجته، وثبت إعساره، وطلبت الزوجة التفريق بذلك فرق بينهما عند الشافعية خلافا للحنفية.

 

ز - الردة:

اتفق الفقهاء على أنه إذا ارتد أحد الزوجين حيل بينهما، فلا يقرب الزوج الزوجة ولا يخلو بها.

 

ح - غيبة الزوج:

اختلف الفقهاء في التفريق بين الزوجين بسبب غيبة الزوج:

فذهب الحنفية والشافعية إلى عدم جواز التفريق بينهما حتى يتحقق موت الزوج أو يمضي من الزمن ما لا يعيش إلى مثله غالبا.

 

ط - فوت الكفاءة:

إذا تخلفت الكفاءة عند من يشترطونها لصحة النكاح فإنه يكون عندهم باطلا أو فاسدا، أما من لا يعتبرون الكفاءة لصحة النكاح، ويرون أن الكفاءة حق للمرأة والأولياء، فإن تخلفت الكفاءة لا يبطل النكاح عندهم في الجملة، بل يجعله عرضة للفسخ.

 

ي - التحريم الطارئ بالرضاع:

الرضاع المحرم الذي يطرأ على النكاح يقطعه، كما يمنع الرضاع المحرم قبل النكاح انعقاده وابتداءه، لأن أدلة التحريم لم تفرق بين رضاع مقارن وبين طارئ عليه. ومتى ثبت الرضاع المحرم بين الزوجين وجب عليهما أن يفترقا من تلقاء نفسيهما، وإلا فرق بينهما، حيث تبين أن عقد النكاح فاسد.

وهذا الرضاع المحرم الطارئ على النكاح قد يقتضي مع قطعه حرمة مؤبدة، وقد لا يقتضي ذلك.

 

ك - العيب الذي يثبت الخيار:

إذا وجد أحد الزوجين - وقد استوفى عقد النكاح أركانه وشروطه - بصاحبه عيبا من العيوب التي تثبت الخيار في النكاح، ولم يسبق علمه بهذا العيب قبل العقد، ولم يرض بالعيب بعد اطلاعه عليه، واكتملت الشروط اللازمة للتفريق بالعيب، فإنه يجوز لهذا الزوج - في الجملة - فسخ العقد ورد النكاح بهذا العيب.

 

وقد أحصى الفقهاء العيوب التي يفرق بها وبينوها، كما فصلوا شروط التفريق بها كلها أو بعضها، ومن تكون به هذه العيوب هل هو الزوج وحده أو كل من الزوجين؟ ونوع الفرقة بالعيب، وما تقع به هذه الفرقة.

 

أنكحة منهي عنه:

النكاح المنهي عنه: هو النكاح الذي ورد من الشارع نهي عنه.

 

أنواع الأنكحة المنهي عنها وحكم كل نوع:

الأول: نكاح الرايات:

نكاح الرايات هو: أن العاهرات والبغايا في الجاهلية كن ينصبن على أبوابهن رايات وعلامات ليعلم المار بها عهرهن، فمن أرادهن دخل عليهن لا يمنعن من يجيء إليهن.

 

الثاني: نكاح الرهط:

نكاح الرهط هو أن النفر من القبيلة أو القبائل كانوا يشتركون في إصابة المرأة، ويكون ذلك عن رضا منها وتواطؤ بينهم وبينها ويكون عددهم - كما نص الحديث - ما دون العشرة، قال ابن حجر العسقلاني في تفسير الحديث: ولما كان هذا النكاح يجتمع عليه أكثر من واحد كان لا بد من ضبط العدد الزائد لئلا ينتشر. حتى إذا جاءت بولد ألحقته بمن تريد منهم، فيلحق به ولا يستطيع أن يمتنع عنه.

 

الثالث: نكاح الاستبضاع:

وقد تقدم في حديث عائشة السابق (~)، وصورته: قال ابن حجر العسقلاني: معنى استبضعي منه أي اطلبي منه المباضعة، والمباضعة: المجامعة مشتقة من البضع وهو الفرج، أي اطلبي منه الجماع اكتسابا من ماء الفحل لتحملي منه، لأنهم كانوا يطلبون ذلك من أكابرهم ورؤسائهم في الشجاعة أو الكرم أو غير ذلك.

 

الرابع: نكاح الشغار:

اتفق الفقهاء على أن نكاح الشغار منهي عنه في الإسلام والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق.

فذهب جمهور الفقهاء الشافعية إلى أن نكاح الشغار لا يصح.

وصورته المتفق عليها بينهم أن يقول الرجل لآخر: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك وبضع كل واحدة منهما صداق الأخرى، ويقبله الآخر بقوله: تزوجت بنتك وزوجتك بنتي على ما ذكرت، للأحاديث التي وردت في النهي عن نكاح الشغار.

 

وذهب الحنفية إلى صحة نكاح الشغار، وصورته عندهم: أن يزوج الرجل بنته أو أخته أو غيرهما على أن يزوج الآخر بنته أو أخته أو حريمته من غيرهما على أن يكون بضع كل منهما صداق الأخرى ولا مهر بينهما إلا هذا، فيصح النكاح ويجب مهر المثل، لأنه سمى فيه ما لا يصلح صداقا، وهو منهي عنه لخلوه عن المهر، لأن متعلق النهي عند الحنفية مسمى الشغار، فأصل الشغور الخلو، والنهي الوارد فيه إنما كان من أجل إخلائه عن تسمية المهر واكتفائه بذلك من غير أن يجب فيه شيء آخر من المال على ما كانت عليه عادتهم في الجاهلية فوجب مهر المثل لكل واحدة منهما، كما إذا تزوجها بما ليس بمال أو لا يصلح أن يكون مهرا كالخمر والميتة والدم ونحوها. فإذا وجب مهر لم يبق شغار، أو النهي محمول على الكراهة، والكراهة لا توجب الفساد.

 

أما إذا لم يخل النكاح من الصداق، أو لم يجعل بضع كل واحدة منهما صداق الأخرى بأن قال مثلا: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك فقبل الآخر أو قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن يكون بضع بنتي صداقا لبنتك فلم يقبل الآخر ذلك بل زوجه بنته ولم يجعل لها صداقا،أو سميا لكل منهما صداقا لم يكن هذا النكاح شغارا، بل نكاحا صحيحا اتفاقا.

 

 

 

الخامس: نكاح الخدن:

الخدن: هو الصديق للمرأة يزني بها سرا. وذات الخدن من النساء: هي التي تزني سرا. وقيل: ذات الخدن هي التي تزني بواحد، وكانت العرب تعيب الإعلان بالزنى ولا تعيب اتخاذ الأخدان، ثم رفع الله جميع ذلك.

 

السادس: نكاح المتعة:

نكاح المتعة هو قول الرجل للمرأة: أعطيك كذا على أن أتمتع بك يوما أو شهرا أو سنة أو نحو ذلك سواء قدر المتعة بمدة معلومة كما هو الشأن في الأمثلة السابقة، أو قدرها بمدة مجهولة كقوله: أعطيك كذا على أن أتمتع بك موسم الحج أو ما أقمت في البلد أو حتى يقدم زيد، فإذا انقضى الأجل المحدد وقعت الفرقة بغير طلاق.

ونكاح المتعة من أنكحة الجاهلية، وكانت مباحا في أول الإسلام ثم حرم.

 

 

 

صيغة نكاح المتعة:

يرى الشافعية عدم التفرقة في بطلان نكاح المتعة بين استعمال لفظ المتعة ولفظ الزواج والنكاح المؤقتين فإذا قال مثلا: أتزوجك عشرة أيام مثلا فالعقد باطل ويسمونه النكاح لأجل أو المؤقت.

 

وقال الحنفية: نكاح المتعة باطل، وهو أن يقول لامرأة خالية من الموانع: أتمتع بك كذا مدة عشرة أيام مثلا، أو يقول: أياما أو متعيني نفسك أياما أو عشرة أيام أو لم يذكر أياما بكذا من المال.

 

الآثار المترتبة على نكاح المتعة:

يترتب على بطلان عقد المتعة آثار نبينها فيما يلي:

أ - لا يقع على المرأة في نكاح المتعة طلاق ولا إيلاء ولا ظهار ولا يجري التوارث بينهما ولا لعان ولا يثبت به إحصان للرجل ولا للمرأة ولا تحصل به إباحة للزوج الأول لمن طلقها ثلاثا. وهذا باتفاق الفقهاء القائلين ببطلانه ويفرق بينهما.

 

ب - اتفق الفقهاء على أنه لا شيء على الرجل في نكاح المتعة من المهر والمتعة والنفقة ما لم يدخل بالمرأة، فإن دخل بها فلها مهر المثل وإن كان فيه مسمى عند الشافعية ورواية عن أحمد وقول عند المالكية، لأن ذكر الأجل أثر خللا في الصداق. وذهب الحنفية إلى أنه إن دخل بها فلها الأقل مما سمى لها ومن مهر مثلها إن كان ثمة مسمى، فإن لم يكن ثمة مسمى فلها مهر المثل بالغا ما بلغ.

 

ج - اتفق الفقهاء أيضا على أنه إن جاءت المرأة بولد في نكاح المتعة لحق نسبه بالواطئ سواء اعتقده نكاحا صحيحا أو لم يعتقده، لأن له شبهة العقد والمرأة تصير به فراشا. وتعتبر مدة النسب من وقت الدخول عند محمد من الحنفية وعليه الفتوى عند الحنفية.

 

 

د - واتفقوا كذلك على أنه يحصل بالدخول في نكاح المتعة حرمة المصاهرة بين كل من الرجل والمرأة وبين أصولهما وفروعهما.

 

عقوبة المتمتع:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا حد على من تعاطى نكاح المتعة سواء كان ذلك بالنسبة للرجل أو المرأة لأن الحدود تدرأ بالشبهات والشبهة هنا هي شبهة الخلاف، بل يعزر إن كان عالما بالتحريم لارتكابه معصية لا حد فيها ولا كفارة.

 

وصرح الشافعية - كما جاء في فتح المعين - بأن الحد يسقط في نكاح المتعة إذا عقد بولي وشاهدين فإن عقد بينه وبين المرأة وجب الحد إن وطئ.

 

السابع: النكاح المؤقت:

صرح الحنفية بأن النكاح المؤقت هو أن يتزوج امرأة بشهادة شاهدين عشرة أيام أو شهرا أو سنة ونحو ذلك.

 

والفرق بين نكاح المتعة والنكاح المؤقت بذكر لفظ التزوج في المؤقت دون المتعة، وكذا بالشهادة فيه دون المتعة، وفي المحيط: كل نكاح مؤقت متعة، وقال زفر: لا تكون المتعة إلا بلفظها.

 

وفرق في الحكم بين أن يكون مؤجلا إلى أجل لا يبلغانه، أو يكون إلى أجل يبلغانه. فإن كان مؤجلا إلى أجل لا يبلغانه فقد اختلف في حكمه:

فقد ذهب الحنفية إلى أنه لو أجل النكاح بأجل لا يبلغانه صح النكاح كأنه ذكر الأبد، لأن النكاح المطلق لا يزيد على ذلك والتصريح بمقتضى الإطلاق لا يضر. قال البلقيني: وفي نص الأم للإمام الشافعي ما يشهد له، وتبعه على ذلك بعض المتأخرين، وجاء في الفتاوى الهندية نقلا عن شمس الأئمة الحلواني وكثير من مشايخ الحنفية: إذا سميا ما يعلم يقينا أنهما لا يعيشان إليه كألف سنة ينعقد - أي النكاح - ويبطل الشرط، كما لو تزوجا إلى قيام الساعة أو خروج الدجال أو نزول عيسى على نبينا وعليه السلام، وقال بعض الشافعية: ليس من نكاح المتعة ما لو قال زوجتكها مدة حياتك أو حياتها لأنه مقتضى العقد بل يبقى أثره بعد الموت.

وذهب الشافعية عدا البلقيني إلى أن النكاح المؤقت إلى أجل لا يبلغانه باطل.

فإن أجل إلى أجل يبلغانه كما لو قال أتزوجك عشرة أيام أو نحو ذلك فإنه نكاح فاسد عند فقهاء الحنفية (عدا زفر) وكذا الشافعية، باعتباره عندهم من صور نكاح المتعة.

 

الثامن: النكاح بنية الطلاق:

اختلف الفقهاء في النكاح بنية الطلاق، فذهب الجمهور على أنه إذا تزوج امرأة بنية الطلاق بعد شهر أو أكثر أو أقل فالنكاح صحيح سواء علمت المرأة أو وليها بهذه النية أم لا. وذلك لخلو هذا العقد من شرط يفسده، ولا يفسد بالنية، لأنه قد ينوي ما لا يفعل ويفعل ما لا ينوي، ولأن التوقيت إنما يكون باللفظ.

 

وقال الشافعية: يكره هذا النكاح خروجا من خلاف من أبطله، ولأن كل ما صرح به أبطل كره إذا أضمره.

 

 

 

 

التاسع: النكاح بشرط الطلاق:

اختلف الفقهاء في النكاح بشرط الطلاق:

فذهب الشافعية إلى أن هذا النكاح لا يصح سواء كان الطلاق محددا بوقت معلوم كشهر أو عشرة أيام أو بمجهول كأن يشترط طلاقها إن قدم أبوها مثلا، لأنه شرط يناقض مقصود العقد فأبطله، ولأنه مانع من بقاء النكاح فأشبه نكاح المتعة.

 

وذهب الحنفية إلى أن النكاح بشرط الطلاق صحيح فلو تزوجها على أن يطلقها بعد شهر - مثلا - جاز النكاح، لأن اشتراط القاطع يدل على انعقاد النكاح مؤبدا وبطل الشرط، كما لو شرط أن لا يتزوج عليها أو أن لا يسافر بها.

 

العاشر: نكاح المحلل:

نكاح المحلل يتأتى في امرأة طلقها زوجها ثلاثا فلا تحل لزوجها الأول إلا بشروط هي:

أ - أن تنقضي عدتها منه.

ب - أن يتزوجها رجل آخر زواجا صحيحا.

ج - أن يدخل بها الزوج الجديد دخولا حقيقيا بأن تغيب حشفته أو قدرها في فرجها.

د - أن يطلقها الزوج الآخر.

ç - أن تنقضي عدتها منه

 

الآثار المترتبة على نكاح المحلل:

أولا: حل المرأة للزوج الأول:

يرى من قال بصحة نكاح المحلل حسب الصور المتقدمة أن هذا النكاح تتعلق به أحكام النكاح الصحيح من حل الاستمتاع ووجوب المهر والنفقة وثبوت الإحصان والنسب، وغير ذلك من الآثار.

 

وأما من اعتبر نكاح المحلل فاسدا في الصور التي سبق ذكرها فيثبت فيه عندهم سائر أحكام العقود الفاسدة ولا يحصل به الإحصان ولا الإباحة للزوج الأول.

 

 

ثانيا: هدم الطلقات:

اتفق الفقهاء على أن نكاح المحلل يهدم طلقات الزوج الأول الثلاث.

 

حادي عشر: نكاح المحرم

اختلف الفقهاء في صحة نكاح المحرم. فذهب الشافعية الى أن نكاح المحرم لا يصح سواء كان زوجا أو زوجة أو وليا عقد النكاح لمن يليه أو وكيلا عقد النكاح لموكله.

 

وذهب ابن عباس (ƒ) والحنفية إلى صحة نكاح المحرم بحج أو عمرة حتى وإن كان الزوجان محرمين؛ ولأنه عقد يستباح به البضع فلم يمنع منه الإحرام كالرجعة إلا أن الحنفية نصوا على أن هذا النكاح مكروه تحريما وقيل تنزيها، لأن المحرم في شغل عن مباشرة عقود الأنكحة، لأن ذلك يوجب شغل قلبه عن إحسان العبادة، لما في ذلك من خطبة ومراودات ودعوة واجتماعات، ويتضمن تنبيه النفس لطلب الجماع.

 

ثاني عشر: نكاح المريض والمريضة:

اختلف الفقهاء في نكاح المريض والمريضة:

فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجوز للمريض أن ينكح جميع ما أحل الله تعالى له أربعا وما دونهن، كما يجوز له أن يشتري، لعموم الأدلة في ذلك.

 

ثالث عشر: نكاح السر:

أ - حقيقة نكاح السر:

اختلف الفقهاء في حقيقة نكاح السر:

فذهب جمهور الفقهاء: إلى أن نكاح السر هو ما لم يحضره الشهود، أما ما حضره شاهدان فهو نكاح علانية لا نكاح السر، إذ السر إذا جاوز اثنين خرج من أن يكون سرا مفهومه انعقاد النكاح بذلك وإن لم يوجد الإظهار، ولأنه عقد معاوضة فلم يشترط إظهاره كالبيع.

 

وأخبار الإعلان عنه في أحاديث مثل: أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالدف، يراد بها الاستحباب، بدليل أمره فيها بالضرب بالدف والصوت وليس ذلك بواجب، وكذلك ما عطف عليه وهو الإعلان.

 

 أو يحمل الأمر بالإعلان في النكاح على أن يكون إعلانه بالشهادة، وكيف يكون مكتوما ما شهد به شهود، أم كيف يكون معلنا ما خلا من بينة وشهود؟

ولأن إعلان النكاح والضرب عليه بالدف إنما يكون في الغالب من عقد النكاح، ولو كان شرطا لاعتبر حالة العقد كسائر الشروط.

 

ب - حكم نكاح السر:

يرى جمهور الفقهاء بناء على حقيقة نكاح السر عندهم أنه نكاح باطل لعدم الإشهاد عليه لخبر عائشة (~): لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل.

 

قال ابن قدامة: فإن عقد النكاح بولي وشاهدين فأسروه أو تواصوا بكتمانه كره ذلك وصح النكاح.

وبصحة هذا النكاح قال الحنفية والشافعية.

 

رابع عشر: نكاح المحارم:

محرمات النكاح منها ما هو محرم حرمة مؤبدة، بسبب قرابة أو رضاع أو مصاهرة، ومنها ما هو محرم حرمة مؤقتة، كالجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها.

 

 

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

 

 

 

 

 

المحتويات

المقدمة: 3

كتاب النكاح.. 4

مشروعية النكاح وحكمته: 4

حكمة مشروعية النكاح: 5

الحكم التكليفي: 6

خصائص عقد النكاح: 10

ما يسن في النكاح: 11

أ - أن لا يزيد على امرأة واحدة: 11

ب - أن يتزوج في شوال ويدخل فيه: 11

ج - أن يعقد النكاح في المسجد: 12

د - أن يكون في يوم الجمعة: 12

ç - أن يكون بعاقد رشيد وشهود عدول: 12

ز - ذكر الصداق وحلوله: 13

ح - الاستدانة للنكاح: 13

ط - الخطبة قبل الخطبة والعقد: 13

ي - إعلان النكاح: 14

ك - الوليمة للنكاح: 15

ل - الدعاء للزوجين والتهنئة: 15

م - دعاء من زفت إليه امرأته: 15

ما يستحب في الزوجة من أوصاف: 16

أ - أن تكون ذات دين: 16

ب - أن تكون بكرا: 16

ج - أن تكون حسيبة: 17

د - أن تكون ودودا ولودا: 17

ç - أن تكون جميلة: 17

و أن تكون عاقلة حسنة الخلق: 18

ز - أن تكون أجنبية: 18

ح - أن تكون خفيفة المهر والمؤنة: 19

ط - أن لا تكون ذات ولد: 19

ي - أن لا تكون مطلقة ولا في حلها خلاف: 19

ترتيب هذه الصفات وما يسأل عنه أولا: 20

ما يستحب في الزوج من أوصاف: 20

المرأة التي يكره نكاحها: 21

حكم الزفاف: 21

أركان النكاح: 22

أولا: الصيغة في النكاح: 22

الألفاظ التي ينعقد بها النكاح: 23

دلالة الصيغة على الزمان وأثرها في العقد: 24

انعقاد النكاح بغير العربية: 26

ما يقوم مقام اللفظ في انعقاد النكاح: يقوم مقام اللفظ في انعقاد النكاح أشياء منها: 27

أ - الإشارة من الأخرس: 27

ب - الكتابة: 27

ج - الرسول: 29

د - المعاطاة: 29

تعليق الصيغة: 30

إضافة الصيغة: 31

تولي شخص طرفي عقد النكاح: 32

انعقاد النكاح بالنيابة: 33

والولاية في النكاح نوعان: 35

شروط الولي: 36

الشرط الأول: العقل والبلوغ: 36

الشرط الثاني: الحرية: 37

الشرط الثالث: الإسلام: 38

الشرط الرابع: العدالة: 39

الشرط السادس: الرشد: 42

الشرط السابع: ألا يكون محرما بحج أو عمرة: 43

الشرط الثامن: ألا يكون الولي مكرها: 44

أنواع الولاية في النكاح: 45

النوع الأول - ولاية الإجبار: 45

النوع الثاني: ولاية المشاركة أو ولاية الندب والاستحباب: 50

ترتيب الأولياء: 53

انتقال الولاية بالعضل: 54

غيبة الولي: 54

الوكيل في النكاح: 56

أ - توكيل الزوج غيره في النكاح: 56

ب - توكيل المرأة من يزوجها: 57

ج - توكيل الولي غيره في النكاح: 59

الوصي في النكاح: 59

إنكاح اليتيم: 60

نكاح السفيه: 61

ثالثا: الإشهاد على النكاح: 61

الشروط الواجب توافرها في الشاهدين: 61

أ - الإسلام: 62

ب - التكليف: 62

ج - العدالة: 63

د - العدد: 64

ç - الحرية: 65

و الذكورة: 65

ز - السمع: 66

ح - البصر: 66

ط - النطق: 67

ي - التيقظ: 68

ك - معرفة لسان العاقدين: 68

ل - أن لا يكون الشاهدان ابني الزوجين: 68

نكاح السر: 69

رابعا: محل عقد النكاح: 69

شروط النكاح: 70

أ - أما شرائط الانعقاد فنوعان: 71

ب - وأما شرائط الجواز والنفاذ: 71

ج - وأما شرائط اللزوم: 72

الشروط في عقد النكاح: 74

والشروط في النكاح قسمان: 78

آثار النكاح الصحيح: 83

أولا: الحقوق المشتركة بين الزوجين: 83

أ - المعاشرة بالمعروف: 83

ب - استمتاع كل من الزوجين بالآخر: 84

ج - الإرث: 85

د - حرمة المصاهرة: 86

ç ثبوت نسب الولد: 86

ثانيا: حقوق الزوج: 86

أ - طاعة المرأة زوجها: 87

ب - تسليم الزوجة نفسها إلى الزوج: 87

ج - عدم إذن الزوجة في بيت الزوج لمن يكره دخوله: 87

د - عدم خروج الزوجة من البيت إلا بإذن الزوج: 88

ç - سفر الزوج بامرأته: 88

و خدمة المرأة لزوجها: 89

ز - تأديب الزوج امرأته: 89

ح - الطلاق: 89

ثالثا: حقوق الزوجة: 90

أ - المهر: 90

ب - النفقة: 90

ج - إخدام الزوجة: 90

د - القسم بين الزوجات: 91

ç - البيات عند الزوجة: 91

و إعفاف الزوجة: 92

آثار النكاح غير الصحيح: 92

أ - وجوب المهر: 93

ب - وجوب العدة: 93

ج - ثبوت النسب: 93

د - ثبوت حرمة المصاهرة: 93

نكاح الكفار: 94

انتهاء النكاح: 95

أ - الموت: 95

ب - الطلاق: 96

ج - الخلع: 96

د - الإيلاء: 97

ç - اللعان: 97

و إعسار الزوج: 97

ز - الردة: 98

ح - غيبة الزوج: 98

ط - فوت الكفاءة: 98

ي - التحريم الطارئ بالرضاع: 99

ك - العيب الذي يثبت الخيار: 99

أنكحة منهي عنه: 100

الأول: نكاح الرايات: 100

الثاني: نكاح الرهط: 101

الثالث: نكاح الاستبضاع: 101

الرابع: نكاح الشغار: 102

الخامس: نكاح الخدن: 104

السادس: نكاح المتعة: 104

صيغة نكاح المتعة: 105

الآثار المترتبة على نكاح المتعة: 105

عقوبة المتمتع: 107

السابع: النكاح المؤقت: 107

الثامن: النكاح بنية الطلاق: 109

التاسع: النكاح بشرط الطلاق: 110

الآثار المترتبة على نكاح المحلل: 111

حادي عشر: نكاح المحرم. 112

ثاني عشر: نكاح المريض والمريضة: 113

ثالث عشر: نكاح السر: 113

أ - حقيقة نكاح السر: 113

ب - حكم نكاح السر: 114

رابع عشر: نكاح المحارم: 115

 

 



[1] رواه البخاري (7/ 3).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الآجرّوميّة