الاثنين، 22 يونيو 2020

إضاءات



بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين أما بعد:

سطور استخرجتها من خاطري في أوقات الخلوات، ونظمتها من الفوائد والآداب ليتذكر الناسي ويتعلم الجاهل ويتنبه الغافل وتنبعث فينا الحياة، وقد ابتكرت فيها عناوين الموضوعات، وجملتها بالآثار والأحاديث والآيات، قصدي من كتابتها الحصول على الحسنات.

وهناك الكثير من المواضيع النفيسة، والآداب الحكيمة، والخواطر المعبرة، استغنيت عنها ولو جعلتها في هذا الكتاب؛ لطال بنا الخطاب، وخير الكلام ما قلّ ودلّ وهدى من أخذ به الى حسن المئآب.

وقد رأيت أن أجعل هذا الكتيب متواصلا في أفكاره لا أقطعه بتخريج آية أو حديث؛ حتى يبقى القاريء متواصل فيه وحثيث؛ غير أني لم أجعل فيه حديثا ضعيفا أو من وضع كاذب خبيث؛ ولان ما في الصحيح ما يغني وهو لنا من النبي (‘) مواريث؛ ذلك أنّ: الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر.

والله أسأل التوفيق والسداد.

 

 

عمر العبد الله

الموافق

25 / 4/ 2015


الروح:

منذ زمن أتسائل عن الروح هذه التي يحيا بها الإنسان وإذا ما فارقته يصبح جسدا بلا قيمة. وأنا لا أبحث عن المادة التي خُلقت منها. ولا كيف تخرج من الجسد فهذا أمر لا يعنيني ولا يمكن معرفته. وإنما أسأل عن تلك الروح التي تبتهج لشيء فتشعر انها سمت الى السماء؛ بل ارتفعت أكثر من ذلك.

قد نرى أجسادا تخالط الناس وتسير معهم ولكن أرواح هذه الأجساد مكانها السماء تسير فيها مع الأرواح الطاهرة والأنفس الزكيّة أرواح سامية لا تقبل بالدنية وليست هي من الارواح المخزية. وبالمقابل هناك أرواح لا تفارق الثرى؛ بل ترضى بدون ذلك. وتلك هي الرزية وما أعظمها من رزية.

والروح تتغذى كالجسد غير أن غذاء الروح أسمى من غذاء الجسد وأشرف في مادته وغايته. وأعظم غذاء للروح هو الوحي، والخلوة، فإن أكثر ما يفسد الروح ويذهب رونقها وسعادتها هو هجر ما أنزله الله من الوحي، وكثرة اختلاطها وخصوصا مخالطتها للنفوس المنحطة والأرواح الخبيثة. فمن أخذت نفسه هذا الغذاء وتغذت روحه عليه؛ فإن روحه لا تقبل بأقل من أن تسير في السماء وتتنقل بين اطباقها ثم تعانق تلك الأرواح النقية الطاهرة التي تطرد بطيبها كل خبيث.

وقد سمعنا كثيرا من أصحاب تلك الأرواح السامقة، والنفوس العالية ما صنعوا عند نزول البلاء عليهم وحلول المصائب بهم فمن هؤلاء: زكريا (‰) نشر بالمنشار ما بين لحمه وعظمه فقد ساومه الكفار على أن ينجو شريطة أن يترك غذاء روحه ويتخلى عنه وهو الوحي والإسلام الذي جاء به فلم يجبهم فأنساه طيب نفسه وعلو روحه ما وقع به من الألم.!

وليست قصة عروة ببعيدة عنا، ذلك العبد الصالح الذي أصابته آفة في ساقه فقال له الأطباء لا بد من بترها واستئصالها ولكن المشكلة ليس في بتر ساقه فهذا أمر لا بد منه؛ بل المشكلة عنده أن مادة التخدير في ذلك الزمن: هو شرب شيء من الخمر حتى اذا ما سكر المريض خفف عنه الم الجراحة! ولكن عروة ليس بالشخص العادي فقد بلغ من التقوى الكمال، ومن الشوق الى لقاء الله المنتهى.. فهو لا يفكر في شمّه فضلا عن شربه. فقال لهم عروة الأمر سهل اذا دخلت في صلاتي فدونكم ساقي فافعلوا ما شئتم ففعلوا فأغمي عليه! الله أكبر من أي شيء خلقت هذه الأرواح فهي أرواح غير عادية أرواح التقت بحبيبها خالقها فأنساها ذلك اللقاء شدة الألم وهول الموقف.

هذه الأرواح هي التي تستحق الخلود في جنات عدن جنات النعيم: أرواح تجلت عن الصغار وارتقت عن السفال وسارت برفقة الملائكة الأطهار.

هذه الأرواح فقط من يكتب لها العزّ في الدنيا والكرامة في الآخرة. هذه الأرواح لا تزداد سموا فقط عند منزلة المكان أو شرف الزمان؛ بل هي متعلقة بالعرش في كل وقت وحين. أرواح عرفت قدر خالقها فقربها منه وزينها وزادها بسطة من روحه ونوره. انها أرواح النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. قال تعالى: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء: 87 - 89].

 

 

????

رسالة إلى إمام المسجد

قبل كل شيء نشكو الى الله من تضييع الأمانة بتوظيف أئمة ليسوا بأكفاء لما وضعوا لأجله: همهم المال وغايتهم الجاه. يلوون أعناق النصوص؛ ليكسبوا مغنما أو ينالوا أجرا..

أيها الإمام: انك بمثابة الطبيب وأن المأمومين بمثابة المرضى جاءوا اليك يستشفون من أمراض قلوبهم وأدواء أرواحهم؛ فلا تكن سببا في زيادة دائهم وأمراض قلوبهم؛ ثم ليكن تشخيصك لهم الداء بكتاب الله وسنة رسوله ثم اعطِهم الدواء من كتاب الله وسنة رسوله ولا تكن لهم كمن ألْقم الطفل لقمة الكبير فهلك؛ فيهلكوا ويضلوا.

 

????

بين يدي الساعة

زمننا هذا زمن الفتن والضياع زمن أصبح المعتدي معتدى عليه والمظلوم ظالما والصالح شريرا زمن نطق فيه الرويبضة وتسلط فيه الفجرة وهان فيه الصالحون وذلّ فيه الربانيون وعزّ فيه الفجار وارتفع فيه الساقطون.

اقتربت الساعة والناس في غيهم يعمهون وفي فسادهم مستمرون وعلى أهوائهم ثابتون قد ركبوا كل رذيلة ولقطوا كل ساقطة.

يجهلون أن صاحب القرن قد التقم الصور ينتظر أمرا من الملك الديان ليغير به نظام هذا الكون ليجازي المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته لكي يظهر فيه عدل الله بين مخلوقاته.

كيف لم نكن بين يدي الساعة والأرض ملئت ظلما وجورا والناس يزدادون تعلقا بالفانية وبعدا من الدار الباقية.

فالشام محاصرة والقدس أسيرة وحرمات الله تنتهك في أقدس بقاع الأرض.

فهذه علامات الساعة قد كثر ظهورها فنحن نراها وهي موجودة بيننا بل نحن من صنعناها فنحن نرى من أخذ أموال المسلمين وهو ينظر الى أطفالهم ونسائهم يملئون الطرق ويفترشون أبواب المساجد والأسواق بحثا عن لقمة تسد رمقهم وشراب ينهي ظمئهم وثياب يستدفئون بها من البرد وسقف يحميهم من لهيب الشمس.

نعم أزفت الآزفة وأشراطها: جثث زكية تملأ الطرقات وتحت الركام مدفونة لا يدرون بأي ذنب قُتلوا ولا لأي سبب هلكوا! ورعاء للشاء تطاولوا في البنيان بعد أن كانت بيوتهم من الوبر و الشعر ودوابهم الحمر الأهلية. ومن علاماتها النساء العاريات والقينات المغنيات اللواتي اتبعن كل موضة تصدر من البلاد الغربية حتى غدا هذا اللباس في أوساط المسلمات محل فخر وتنافس!

وحال الأمة اليوم يبكي الحجر فبعد أن كنا سادة وقادة العالم والكلمة لنا أصبحنا أذلاء ننقاد ولا نقود مثلنا ومثل عدونا كمثل الراعي يسوق غنمه!

نعم هذا زماننا الأخير فالرذيلة في كل مجتمع والزنى في كل حارة والفجور أصبح متاحا بل محميا! الربا في كل مصرف ومال السحت في كل سوق والغش والنجش والخداع أصبحا فنا وتكسبا!

نعم اشتدت الفتن وكثرت الزلازل وعظمت البلايا وشهد الناس بالزور واعتادوا الكذب وكثر القول وقلّ العمل وانتشر الفجور انتشار النار في الهشيم وتقارب الزمان حتى تضرر الحجر والشجر بفساد البشر وظهر الشرك في بلاد المسلمين بعد أن كان لا راية ولا معلم وعادت الأوثان بمسميات جديدة ورجعت عبادتها بأساليب مبتكرة خداعة فهذه بداية النهاية { بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ } [القمر: 46].

 

????

أول ليلة في القبر

لو خرجت مع أصحابك في نزهة الى البر بعيدا عن الأضواء حيث لا ماء ولا طعام ولا نور ولا بشر ولا حتى شبكة للجوال! ثم تركوك -وحيدا في أرض قفراء مظلمة- وذهبوا وأنت تعلم انهم لا يرجعون إليك.! كيف سيكون حالك؟! ما تفكيرك؟! وما الذي سيدور في خلدك؟! كل هذا وأنت في أرض تنظر فيها مدّ البصر وتطالع النجوم التي أنارت السماء وتتنفس نسيم البرّ.

إذن: كيف لو حملك الناس؛ بعد أن فارقت الحياة، وتركت الأهل والأحباب، وانتُزع منك الترف والفرح.. ثم وضعوك في حفرة تقدر بالأشبار -لا تكاد تزيد على طولك وعرضك- وأنت مكبل بأكفانك.. ثم إن أحب الناس اليك أغلق عليك القبر ولم يترك لك منه فجوة يدخل اليك منها الضوء أو الهواء! ثم لم يلبث حتى يتركك وحيدا خاليا بعملك ليذهب هو يقتسم مالك وثروتك التي جمعتها وأعطيتها كل وقتك.

أيها الغافل: ألا تفكرت في هذه اللحظة، والى أين المصير

إنها لحظة حاسمة: يتقرر فيها مصيرك ويعلم بها مكانك. ولكن إياك ثم إياك أن تكون ممن هذا حالهم: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [الأنفال: 50، 51]

 

????

جمال الإنسان في حياءه

الحياء من الصفات الجميلة في الرجل ولكنه أجمل وأروع عندما يكون صفة ملازمة للمرأة وشعارا لها وكلما تنصلت المرأة منه كلما وضح جماله وعظمت روعته بمن اتصفت به..

فنحن في زمن نشكو فيه الى الله من ذهاب هذا الخلق الكريم من أكثر الناس فنجد الوقاحة في الفعل والسفالة في القول وما ذاك إلا بسبب بعد المجتمعات الاسلامية عن أصالة دينهم وسماحة شريعتهم وكيف يكون كل هذا البعد عن محاسن الشريعة وشريعتنا ناسخة ومحكمة وأبدية..

وما ذاك الا بسبب الهجمات العظيمة والمتكررة على أفكار المسلمين هي التي أضعفت المسلمين وغيرت عقيدتهم بل سلختهم عن دينهم.. ونحن نرى أن كثيرا من فتيات وشباب المسلمين يتسكعون في الشوارع هائمون على وجوههم لا هم لهم سوى المنظر الجذاب -والاتكيت الخداع- للأسف أن مثل هؤلاء أحفاد من بذلوا دمائهم في سبيل إحياءهم بعد أن كانت قلوبهم ميتة بالكفر والشرك وفتحوا بأشلائهم البلاد. وهذا ردُّ الجميل لهم!!

واليوم نحن بحاجة الى عودة لمثل ما كان عليه أجدادنا الفاتحون من تلك القيم الجميلة والفطر السوية.. {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11].

????

استثمار شهر رمضان المبارك

يعتقد كثير من المسلمين أنهم ربحوا بمجرد ركيعات يركعها في صلاة التراويح! ثم يدع نهار وليل رمضان للهو واللعب! وقد لا يبالي إن فعل بعض المخالفات والتي درج عليها وأصبحت له سليقة وطبعا!

وعلى المؤمن أن يتحرى مواسم الخير وأن يتعرض لنفحات الله لعلّها تصيبه أو يصب منها.

وأفضل ما يعين المرء على استغلال أوقاته فيما ينفعه خصوصا في آخرته تتبع حال السلف والغوص في قصصهم وكيف كانت عبادتهم في رمضان وما يقبلون عليه وما يذرون. فلو تتبعنا مثل هذه الطريقة المثلى لانتفعنا كثيرا ولما ضيعنا كبيرا.

جاء عَنِ ابن عَبَّاسٍ، (ƒ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (‘) لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: (( اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ))([1])، ومن فاتته هذه الغنيمة فلا يتدارك شيئا خصوصا وأن الأجل مغيب ولا ندري متى تُقبض أرواحنا ونصير الى الله؛ فالبدار البدار خير على كل حال وغنيمة باردة..

قال عبد الله بن مسعود -¢-: ((إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة))([2]).

وإنّ من العلامات الفارقة بين إعراض الله عنك أو إقباله عليك هي: إقبالك عليه أو إعراضك عنه!

واعلم رحمك الله أن: ((ما مضى من الدنيا أحلام، وما بقى منها أماني والوقت ضائع بينهما))([3])؛ فاللذة التي ذهبت لم يبقَ من طعمها شيء وما لم تأتِ قد لا توفق لتحصيلها فما بقي لك إلا اللحظة التي تعيشها فأحسن استثمارها تكن أحسن الناس.

????

 

ماذا تنتظر؟ باب التوبة مفتوح

التسويف لا يجلب لصاحبه الا الهلاك، ولا يأتي له الا بالدمار، فكل من سوف فهو في غفلة عارمة، وضياع مستمر؛ بل هو حبيس قبضة الشيطان! لا يدري متى يفك أسره!! فقد لا يفيق الا بين يدي منكر ونكير!! أو في وادٍ من النار خالدا مخلدا فيها!! إذا كانت هذه النتيجة فلم التسويف؟!

نجد كثيرا من الناس يسوف لأنه اغترّ بشبابه، يحسب ان الموت لا يأتي الا على من رقّ عظمه وكثر شيبه وكبر سنه وبعظهم يتعلل بعللٍ واهية، وأعذار أوهى من بيت العنكبوت! واعلم أيها الحبيب: أنّ الله على عظم جلاله، وكمال اسمائه وصفاته، يفرح بتوبة عبده؛ من صاحب الناقة بناقته: وهو الذي أضاع ناقته وعليها طعامه وشرابه! وهو في أرض قفراء ليس فيها الا الهواء! ثم ذهب الرجل في ظل شجرة بعد أن أيس من ناقته ينتظر الموت! فإذا بناقته فوق رأسه! تخيل فرحته؛ فالله أشد فرحا بتوبة عبده من هذا الرجل بناقته!

أيها الحبيب: لا تحسب أن الامر ينتهي بمغفرة الذنوب؛ بل ان الله يعفو عن التائبين {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70]

أيها الحبيب: هل وجدت بابا أوسع من باب التوبة؟! فلم تتركه؟ وتقتحم الابواب الضيقة التي تنتهي بك الى مالا يحمد عقباه في الدنيا والاخرة!!

أيها الحبيب: من وهبك النعم. ودفع عنك النقم. لو وزنت نعمة واحدة بملك الدنيا لوزنتها! فكيف وقد أهداك كل هذه النعم! الا تستوجب منك شكرا؟ وتدفعك لتوبة!

أيها الحبيب: تذكر أن غمسة في نار جهنم تنسيك ملذات الدنيا بأسرها! وغمسة الجنة تذهب عنك كل بؤس مرّ بك!

أيها الحبيب: لا تنس أنّ حبيبك وقدوتك محمدا (‰) كان دائم الذكر للتوبة، ومستحضرا لها في اليوم مائة مرة! أليس لك فيه أسوة حسنة؟

أيها الحبيب: كيف تعيش على أرض الله؟ وتأكل من رزقه؟ وتحتمي بملائكته؟! ثم ينجيك من كل شدة، ويرفع عنك كل كرب، ثم تعصيه!! فتب وارجع الى من أسدى لك النعم، ودفع عنك المصائب، ورفع عنك البلاء{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]

{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } [النمل: 62]

ومن الاضطرار: اضطرار المظلومين، ومن السوء: سوء الظالم، والناس على اختلاف: دياناتهم، ولغاتهم، وثقافاتهم، وبلدانهم، والوانهم بالنسبة الى عدل الله سواء، فالظلم عاقبته سيئة، ومرتعه وخيم ويقتص الله من الظالم ولو كان مسلما! وينتصر الله للمظلوم ولو كان كافرا!! هذا عدله، وهذه سنته لا تتبدل ولا تتحول، وليست هي لأناس دون آخرين ) اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما(… ولا يخفى: ان الكون ما انتظم، والحياة ما استقرت الا بكمال عدل الله {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [الكهف: 49].

ومن القصص الجميلة: التي تبين قرب الله من المضطر وتنفيذ وعده فيه: أن رجلا كان يكاري على بغل له بين دمشق والزبدان كما يروي ابن كثير وجاء يوم من الأيام قاطع طريق فركب معه وذهب في الطريق وبينما هو في الطريق قال اسلك هذا الطريق فهي أيسر وأقرب قال منذ فترة وأنا أسلك هذا الطريق وأنا أعرف هذا الطريق قال هذا أقرب وأيسر فصدقه وذهب معه فجاء إلى وادٍ سحيق وإذ بهذا الوادي جثث القتلى كثير وإذا به يأتي بالناس إلى هناك فيذبحهم ثم يسرق ما بهم ظلم وأي ظلم جاء بهذا الرجل وأراد أن يقتله هرب الرجل فلحق به وأمسك به قال يا أخي خذ كل ما أملك خذ بغلتي وخذ ثيابي وخذ دراهمي وخذ كل ما تريد ودعني أرجع قال لابد من قتلك قال إن كان لابد فدعني أصلي ركعتين أودع بهما الدنيا يلجأ إلى الله (جل وعلا) قال فقمت أصلي وهو قائم عليَّ بالحربة يريد أن يقتلني قال ضيعت القرآن وأنا أرى الحربة فوق رأسي فو الله ما استحضرت آية من القرآن إلا إنني تذكرت قول الله {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } قال فكررتها وإذا بفارس من فم الوادي يخرج على فرس ومعه حربة فينطلق حتى يضربه بالحربة فيرديه قتيلا قال فتعلقت بثيابه وقلت له أسألك بالله من أنت قال أنا من جنود الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء!

فدعوة المظلوم: دعوة عزيزة عند الله مدللة لا ترد بل يرفعها الله ويكشف لها الحجب ثم يجيبها )واتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب).

ومن عجائب القصص التي تدل عليها هذه الآية ما رواه سعيد ابن عنبسة قال: بينما رجل جالس وهو يعبث بالحصى ويحذف به إذ رجعت حصاة منه عليه فصارت في أذنه، فجهدوا بكل حيلة فلم يقدروا على إخراجها، فبقيت الحصاة في أذنه مدة وهي تألمه، فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع قارئ يقرأ: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ }

فقال الرجل: يا رب أنت المجيب وأنا المضطر فأكشف عني ما أنا فيه، فنزلت الحصاة من أذنه في الحال. )

مناقشة بين ملك ورجل من رعيته. أنظر كيف انتهت!

عن الضحاك بن موسى قال: مر سليمان بن عبد الملك بالمدينة وهو يريد مكة فأقام بها أياما فقال هل بالمدينة أحد أدرك أحدا من أصحاب النبي (‘) قالوا له أبو حازم فأرسل إليه فلما دخل عليه قال له يا أبا حازم ما هذا الجفاء قال أبو حازم يا أمير المؤمنين وأي جفاء رأيت مني قال أتاني وجوه أهل المدينة ولم تأتني قال يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن ما عرفتني قبل هذا اليوم ولا أنا رأيتك قال فألتفت إلى محمد ابن شهاب الزهري فقال أصاب الشيخ وأخطأت.

قال سليمان: يا أبا حازم ما لنا نكره الموت.

قال: لأنكم أخربتم الآخرة وعمرتم الدنيا فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب.

قال: أصبت يا أبا حازم فكيف القدوم غدا على الله تعالى.

قال: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه فبكى سليمان.

وقال: ليت شعري ما لنا عند الله.

قال: أعرض عملك على كتاب الله.

قال: وأي مكان أجده.

قال: { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [الانفطار: 13، 14]

قال سليمان: فأين رحمة الله يا أبا حازم.

قال أبو حازم: رحمة الله قريب من المحسنين.

قال له سليمان: يا أبا حازم فأي عباد الله أكرم.

قال: أولو المروءة والنهي.

قال له سليمان: فأي الأعمال أفضل.

قال أبو حازم: أداء الفرائض مع اجتناب المحارم.

قال سليمان: فأي الدعاء أسمع.

قال: دعاء المحسن إليه للمحسن.

فقال: أي الصدقة أفضل.

قال: للسائل البائس وجهد المقل ليس فيها منّ ولا أذى.

قال: فأي القول أعدل.

قال: قول الحق عند من تخافه أو ترجوه.

قال: فأي المؤمنين أكيس.

قال: رجل عمل بطاعة الله ودل الناس عليها.

قال: فأي المؤمنين أحمق.

قال: رجل أنحط في هوى أخيه وهو ظالم فباع آخرته بدنيا غيره.

قال له سليمان: أصبت فما تقول فيما نحن فيه.

قال: يا أمير المؤمنين أوتعفيني.

قال له سليمان: لا ولكن نصيحة تلقيها إلىّ.

قال: يا أمير المؤمنين إن آباءك قهروا الناس بالسيف وأخذوا هذا الملك عنوة على غير

مشورة من المسلمين ولا رضاهم حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة فقد ارتحلوا عنها فلو

شعرت ما قالوه وما قيل لهم.

فقال له رجل من جلسائه: بئس ما قلت يا أبا حازم.

قال أبو حازم: كذبت إن الله أخذ ميثاق العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه.

قال له سليمان: فكيف لنا أن نصلح.

قال: تدعون الصلف وتمسكون بالمروءة وتقسمون بالسوية.

قال له سليمان: فكيف لنا بالمأخذ به.

قال أبو حازم: تأخذه من حله وتضعه في أهله.

قال له سليمان: هل لك يا أبا حازم أن تصحبنا فتصيب منا ونصيب منك

قال: أعوذ بالله.

قال له سليمان: ولم ذاك.

قال: أخشى أن أركن إليكم شيئا قليلا فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف الممات.

قال له سليمان: أرفع إلينا حوائجك.

قال: تنجيني من النار وتدخلني الجنة.

قال له سليمان: ليس ذاك إلي.

قال أبو حازم: فما لي إليك حاجة غيرها.

قال: فأدع لي.

قال أبو حازم: اللهم إن كان سليمان وليك فيسره لخير الدنيا والآخرة وإن كان عدوك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى.

قال له سليمان: قط.

قال أبو حازم: قد أوجزت وأكثرت إن كنت من أهله وإن لم تكن من أهله فما ينبغي أن أرمي عن قوس ليس لها وتر.

قال له سليمان: أوصني.

قال: سأوصيك وأوجز عظم ربك ونزهه أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك.

فلما خرج من عنده بعث إليه بمائة دينار وكتب إليه أن أنفقها ولك عندي مثلها كثير قال فردها عليه وكتب إليه يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن يكون سؤالك إياي هزلا أو ردي عليك بذلا وما أرضاها لك فكيف أرضاها لنفسي!

????

من الفراغ ما يقتل

إن سر نجاح الإنسان: المثابرة؛ بل لا يصل الى مبتغاه الا بالاجتهاد، ولا يزدهر مستقبله الا بالكد، ولا تتحقق أحلامه الا بالمكابدة، بل ولا يقطف الثمرة الا بالمواصلة والنشاط الدائم، والهمة العالية، وأخذ الامور على محمل الجد = حياة أفضل ومستقبل مشرق، وعيش رغيد.

ان الاهمال، وتضييع الاوقات: داء عضال؛ بل سمُ قاتل!

 

وصدق من قال: إن الانقطاع يثمر الضياع، وينتج العاقبة السيئة، والكسل يورث اليأس، ويقطع الرجاء و المتهاون عنصر منبوذ بين الافراد، ومدفوع في المجتمعات.

وصدق القائل: كم عزّ أقوام جنوا من وقتهم أغنى الثمار فهم به أحياء

وهناك من ماتوا بقتل زمانهم ضلوا وللعمر الكريم أساءوا

وصدق من قال: إن الفراغ والشباب والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة.

ولم يكن للأمم أن تتقدم الا بالمثابرة، والاجتهاد في البحث عن الجديد؛ لانهم تيقنوا ان الركود لا يقدم الشعوب، والكسل والفراغ لا يصنع الحضارات!

وقد نبذ الله الفراغ وحذر العباد منه؛ بل بين في كتابه انه لا يمكن للإنسان ان يكون فارغا في أي وقت من الاوقات! {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7، 8]

فالإنسان لابد له من ملء فراغه؛ اما بعمل الدنيا أو الاخرة.

ولا نستغرب اذا سمعنا ان فلانا انتحر بسبب الفراغ! لان الفراغ يورث الوساوس، ويرهق النفس، ويجهد الفكر، وينهك البدن!

وقد حذر النبي (‘) من الفراغ؛ بل بين انه من نعم الله لمن استثمرها في نفع دنياه، ومصير آخرته. وبين ان المغبون من ضيع أوقاته، وبدد ساعاته، وشتت ايامه )نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ).

ومن أعظم أسباب الفراغ الجهل بكيفية استثمار الوقت وكيفية ادارته، وبماذا يبدأ وكيف ينتهي! ولابد من معرفة هذا من الرجوع الى سيرة الاولين، وكيف استثمرها الناجحين من الاخرين.

إذا اردت النجاح؛ فاصنع من الفراغ عملا. واذا اردت الفلاح فاصنع من البطالة شغلا.

????

خطورة المواقع الإباحية

إنها تطمس البصيرة، وتمحي الفراسة، وتدرس الفطنة، وتهلك العقل، ويندثر بها الفكر، وتخلع اللب، وبها يستقر ظلام القلب بعد نوره، وينبعث ديجور النفاق بعد سنا إيمانه، ويلوح سواد الخلق بعد لمعان تأدبه، ويبدو الطيش بعد الوقار، والسخافة بعد الحشمة، والرعونة بعد الرزانة و غالب البشر لهم بصر وبصير. وأكثرهم وظفوا البصر وعطلوا البصيرة! كالذي وجد صندوقا فيه كنز؛ فأخذ الصندوق وترك الكنز! ولا تنال سعادة الدنيا والآخرة إلا بالبصيرة والتوبة، ويتوب الله على من تاب{فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المائدة: 39]

قصة مؤلمة ولكنها معبرة:

هذه قصة حقيقية واقعية سُجلت بأحد أقسام الشرطة.

اثنان من الشباب... اجتمعا على معصية الله... يؤزهم الشيطان أزّا... ويدفعهم دفعا.

والمصيبة أنهما متزوجان..

أحدهم قام يوماً من الأيام بمغامرة!

فبعد أن اتصلت عليه امرأة... ونشأت بينهما علاقة محرمة.

واعدها في يوم من الأيام أنه سوف يسهر معها.

وليخلو له الجو في بيته... اعتذر لزوجته أن لديه عمل... ولا بُد أن تذهب لأهلها.

وذهبت المسكينة.

وذهب الذئب الغادر إلى حيث واعد تلك المرأة.

قالت له: نريد أن نجلس قليلاً في الحديقة ثم نذهب إلى البيت... فوافق.

وبعد أن ذهبا إلى البيت... طلبت منه أن ضُحير العشاء والشراب أولاً..

خرج من بيته إلى أحد المطاعم وأخذ معه شيئا من الشراب..

وبينما هو في طريقه.. استوقفته سيارة المرور ((الشرطة )) قالوا له: أنت قطعت الإشارة.. أوقف سيارتك واركب معنا.

أوقف سيارته وركب معهم..

وبعد أن وصل إلى مركز الشرطة.. طلب الاتصال بصديق عزيز..

أخذ زاوية من المبنى واتصل بأعز أصدقاءه:

تكفى.. البيت فيه صيده.. والعشاء وفي السيارة والسيارة في المكان الفلاني..

خذ العشاء ورح لبيتي وأكمل المشوار.. وإذا انتهيت من الفريسة رجعها بيتها..

أخاف إن زوجتي تجي للبيت ثم تصير فضيحة.

قال صديقه: أبشر.. مادام فيه صيده!

انطلق الصديق الوفي إلى بيت صديقه العزيز!

فماذا رأى؟؟؟

وأي لطمة لُطمها؟؟؟

وأي صفعة تلقاها؟؟؟

يا لهول الفاجعة!

أتدرون من وجد؟؟؟

وجد زوجته هو.

ومع من كانت تخلوا وتسمر؟

مع أعز أصدقاءه!

صُعِق... صرخ... أنت طالق بالثلاث... بالأربع... بالألف!

وما ذا يُفيدك هذا؟؟

يداك أوكتا وفوك نفخ.

عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم

من يزن في الناس بألفي درهم في بيته يزنى بغير الدرهم

من يَزن يُزْن به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيبا فافهم

إن الزنا دين فإن أديته كان*الوفا من أهل بيتك فاعلم

ياهاتكا ستر النساء وقاطعا سبل المودة عشت غير مكرم

لو كنت حرا من سلالة ما جدما كنت هتاكا لحرمة مسلم

????

الشباب صناع الحضارات

الامم ما قامت الا بشبابها؛ فهم صناع الحياة، ورموز القوة، وركائز العزة، وعنوان الشجاعة، ونجاة المستضعفين، وأمل البائسين، وعذاب المعتدين، والسد المنيع للإمم، والمنبع الراقي للحضارات، والعملة الرائدة في المجتمعات، وصوارم الفتن المدلهمات، وهم أسود الشرى في ساحات النزال، وصقور العز في أرض القتال؛ فهم أحلاس الخيل، وسقاة الحتوف، وأباة الذل. فلنرجع الى الوراء ونتمعن في تاريخ أهل الله وخاصته؛ من الفتيان الذين غيروا مجرى التاريخ، وبدلوا الحضارات المنحرفة واستبدلوها بحضارة راقية منقطعة النظير.

فمن هؤلاء إبراهيم الخليل عليه السلام الذي دخل التاريخ من أوسع أبوابه؛ فكان صاحب العقل الحكيم، والقلب الرشيد، والبصيرة النافذة، والحجة المبهتة، والادراك السديد؛ فاستحق بهذه الصفات وغيرها أن يخلد الله ذكره في القران، ويبقي وصفه في الفرقان. (قالوا سمعنا فتىٌ يذكرهم يقال له إبراهيم )! فهي فتوة مكتملة، وحداثة سليمة، وشبيبة مسهبة.

حمل هم الدعوة وحده فثبته الله وآوآه، وجازاه فجعله أمة لوحده، وملة بمفرده. ومازال هذا الفتى يسطر البطولات تلو البطولات، ويسجل المروءات؛ حتى أقام الحجة، وأتى بالمحجة، وسعى للإصلاح، واجتهد في التثقيف؛ فقوبل بالإتلاف، وجوبه بالتسخيف؛ فما كان من الملك الظلوم الا أن يرمي الفتى المظلوم في نار تلظى؛ فصبر واحتسب؛ فجعلها الله عليه بردا وسلاما. وقد رأيت العجب العجاب من الفتى إسماعيل؛ عندما أخبره أبوه ابراهيم؛ أنه مأمور بذبحه؛ فما كان منه الا الاستسلام التام، والانقياد الكامل لإمر ربه، وطاعة أبيه؛ فأكرمه الله ونجاه، ورزقه النبوة والرسالة! جزاءً موفوراً، وثواباً جزيلاً.

والامثلة على بطولات الشباب لا تنتهي، وإقدامهم ليس له أمد، ونخوتهم لا تنقطع، وحماستهم متجددة، ونجدتهم متأصلة.

????

 

القابضون على الجمر

نحن في زمن قلّ فيه الناصر، وحُورب فيه أهل الدين، وظهر فيه الرويبضة. وغُرب فيه المسلمون عن دينهم، ونفثوا السمّ في عقيدتهم، واجتمعت ملل الكفر بشتى اصنافهم ليكيدوا على أهل الإسلام، و يجعلوا فجوة عميقة بين المسلمين وسلفهم الصالح. فملل الكفر والالحاد يزعجهم رفع راية الاسلام عالية؛ بل عملوا على اسقاط الحكومات الراشدة، ومنذ سقوطها والى الان والمسلمون في تراجع عن دينهم وانسلاخ من عقيدتهم الا ما رحم ربي، تلك العقيدة التي لو تمسكوا بها.. رجعت لهم عزتهم، وكرامتهم، وسادوا بها العالم!

ويأبى الله الا ان يتم نوره، فجعل من المؤمنين ثلّة يقومون بأمره: يردون عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، ويكشفون الزيغ الذي أدخله اعداء الدين عليه.

هذه الصفوة المباركة، والصحوة الربانية: التي ايقظت الامة من نومها، وحركتها من سباتها: هي التي نطقت بفضلها السنة النبوية؛ بل حث النبي (‰) على مناصرتها، والالتحاق بها، والدفاع عنها، وتكثير سوادها وردت بهذا الاحاديث (( ويل للعرب من شر قد اقترب فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر، أو قال على الشوك.. ))، وحديث ((يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر.. )).

ونحن الان في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن، وصد فيه عن سبيل الله. وأشاعوا عن الاسلام والمسلمين كل ما يستقبح ويستهجن فاتهموا اهل الاسلام بالرجعية والارهاب والانغلاق. حتى دخل اليأس الى قلوب كثير من المسلمين حتى صاروا لهم بوق! يتكلمون بكلامهم ويقلدون افعالهم بل حاربوا الصادقين من بني جلدتهم كما جاء في الحديث )قلت: يا رسولَ الله، بعد هذا الخير شرٌّ؟ قال: (فِتنةٌ عمياءُ صماء، عليها دُعاةٌ على أبوابِ النارِ، فإن مِتَّ يا حُذيفةُ وأنتَ عاضٌّ على جِذْلٍ، خيرٌ لكَ مِن أن تتبعَ أحداً منهم).

ومع كل هذا البلاء فان الله يثبت طائفة من امته يحيون ما امات الناس من شرعه ويأخذون على يد الظالم وينصرون المظلوم لا يضرهم من خذلهم كما ورد عنهم (لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة).

بل ذكر النبي (‰) ان القابضين على دينهم ايام الفساد والمحن وزمن الابتلاءات والفتن هم اخوانه ((تدرون أي أهل الإيمان أفضل إيمانا؟ )) قالوا يا رسول الله الملائكة؟ قال: ((هم كذلك ويحق ذلك لهم وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها بل غيرهم )) قالوا: يا رسول الله فالأنبياء الذين أكرمهم الله تعالى بالنبوة والرسالة؟ قال: ((هم كذلك ويحق لهم ذلك وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها بل غيرهم )) قال: قلنا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: ((أقوام يأتون من بعدي في أصلاب الرجال فيؤمنون بي ولم يروني ويجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا.. )).

طوبى لمن لم يجد معينا على دينه فآمن وصدق.

طوبى لمن لم يجد ناصرا لدين الله فنصره وايده.

طوبى لمن عدل في زمن الظلم وآمن في زمن النفاق.

طوبى لمن ادى الامانة في زمن الخيانة وامن الناس في زمن الغدر.

طوبى لمن اقام الشريعة في زمن خذلانها.

طوبى لمن عاش عزيزا بدينه بينما يعيش الاخرون في ذلّ الشهوات.

طوبى للقابض على دينه كالقابض على الجمر.

????

الحياة الزوجية السعيدة

اجمل حياة في الوجود هو ان يعيش الانسان مع شريكة حياته، حياة بعيدة عن الشك والريبة، والنكد والتقصير المحرم. يطغى عليها طابع الوفاء والتعاون، ويتبادلان بينهما اخلاق الاسلام العظيمة ومنها التضحية.

ولابد لكل واحد يريد ان يعيش حياته الزوجية بعيدا عن المنغصات فيها ان يختار زوجته على ضوء المعايير الشرعية والتقارب الروحي لما في هذا من السعادة التي تعود عليه في الدنيا قبل الاخرة.

ان ديننا امر بكل خلق يدعو الى حياة افضل وعيش رغيد بين الزوجين ورتب على ذلك الاجر العظيم والثواب الجسيم كما في الحديث ((خيركم خيركم لأهله وانا خيركم لأهلي )). فلا يمكن ان يحصل احدنا على الخيرية وهو يضرب زوجته ضربا مبرحا يتلف به اللحم ويكسر به العظم!

وقد امرنا بالإحسان الى الزوجة هذه المرأة التي جعلها الله اسيرة لدا الزوج ولم يمت النبي الا و قد اوصى بالإحسان اليهن ((استوصوا بالنساء خيرا )) وقد اوصانا الله ببر الصاحب بالحنب فقال تعالى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: 36] وهل هناك اكثر من مصاحبة الزوجة لزوجها اذن فيجب الاحسان اليها.

ان الحياة الزوجية حياة مقدسة ونعمة عظيمة لمن عرف قدرها واحسن استعمالها. والرابطة بين الزوج وزوجته من اعظم الروابط واوثقها قال تعالى { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22] لابد ان يكون قانون العيش بين الزوجين كما بين الله بالمودة والرحمة. لابد ان تكون هذه الحياة حياة حب وتفان؛ كيف لا وقد جعل الله الزوجين كأنهما نفس واحدة لتحصل السكينة بينهما( فحياة ليس فيها هذه الصفات حياة فاشلة لا يمكن ان تنجح أو تستقر.

ولعظمة الحياة الزوجية فقد شبه كلا الزوجين بانهما لباس للآخر{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] وكأنّ الزوج يستتر بزوجته وكذلك الزوجة تستتر بزوجها فهو ابلغ تعبير لتماسك الحياة الزوجية وعلى هذا ينبغي ان نكون.

ولنا في رسول الله اسوة حسنة فقد ضرب لإمته اروع الامثلة في كيفية التعامل مع الزوجات في جميع الجوانب وعلى اعلى المستويات في التعامل. فعَنْ عَائِشَةَ: سَأ لهاَ رَجُلٌ:

هَلْ كَانَ رَسُولُ الله (‘) يَعْمَلُ بَيْتِهِ؟.

قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ رَسُولُ الله (‘) صَخيْفُ نَعْلَهُ، و يَخيِطُ ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ بَيْتِهِ ما يَعْمَلُ أحَدُكُمْ بَيْتِهِ.! فكان لا يكلف اهله في كثير من الامور بل يعتمد فيها على نفسه. وكان لا يعنف ازواجه حتى وان اخطئن بل كان يرشدهن لما هو نافع لهن في الدنيا والاخرة. فعن أنس قال: أهدت بعض أزواج رسول الله (‘) إلى النبي (‘) طعاما في قصعة فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها فقال النبي (‘): ((طعام بطعام وإناء بإناء )) لو فعلت احدى نسائنا هذا الفعل لفعلنا بها الأفاعيل؛ ولكن الرسول (‘) اسوة حسنة ورسول مؤدب ونبي معلم فلم يتعرض لها مع هذا الفعل ولكن ارشدها الى ضمان ما كسرت واتلفت وانتهت القضية لان الرسول (‘) علم ان الحامل على هذا الشيء هو الغيرة المشوبة بالحب.

وعلى الزوج ان يعيش مع زوجته غاضا الطرف عن الاخطاء التي يمكن تجاوزها حتى يأتي الوقت المناسب لتغييرها. وللأسف ان بعض الازواج يعمل مشكلة مع كل خطأ وعلى أتفه الاسباب بل منهم من يبغض زوجته بغضا قد يفوق بغض الاعداء من اجل خلق معين لا يرضاه وهذا كله مخالف لهدي السنة المحمدية ففي الحديث )لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر( وهكذا تستمر الحياة الزوجية من دون تنغيص ولا نكد...

وينبغي التعامل مع الزوجة بحذر ورفق لأنها تختلف بطبيعتها وعاطفتها وغيرتها اضافة الى الضغوط التي تمر عليها كل دقيقة في بيتها مع اولادها وكذلك أعمال بيتها. فالطفوا بنسائكم تكونوا اقرب الناس من رسول الله مجلسا ((أكمل المؤمنين إيمانا، أحسنهم خلقا، وألطفهم بأهله... )) فإذا تعاملنا مع الزوجات بإحكام فالحياة الزوجية غير قابلة للانقسام.

????

الجزاء من جنس العمل

انه القانون الالهي والحكمة الربانية التي اخذها على نفسه سبحانه انه لا يبدلها ولا يغيرها... وحتى نستوعب خطورة الموقف لابد لنا ان نقف طويلا عند هذه العبارة وننظر في سنة الله سبحانه في خلقه ماضيهم وحاضرهم صغيرهم وكبيرهم غنيهم وفقيرهم ذكرهم وانثاهم الافراد والجماعات والمجتمعات والحضارات ثم نعتبر من حالهم وما آلوا اليه.

قال الله (¸): {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 10] انها سنة الله وجزاءه الصارم المؤذي والمعذب لمن خالفه وعصاه {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124] فليس الامر بالهين بل الامر جد فاحذر وحاذر ان تمنع فتمنع وتسيء فيساء اليك {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ: 15 - 17].

لا يحابي الله احدا فانهم لما كفروا النعمة بدل الله النعمة الى نقمة فورا. وقد قص علينا النبي (‘) قصة النفر الثلاثة الذين اختبرهم الله سبحانه وهي ((أن ثلاثة من بني إسرائيل أراد الله تعالى أن يبتليهم، فجاء مَلَكٌ في صورة إنسان إلى الرجل الأول، وقال له: أي شيء أحب إليك؟ وكان أقرع، فقال: أن يذهب عني هذا الذي قذرني الناس به ويعود إليَّ شعر حسن، فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: الإبل أو البقر، وأتى إلى الأبرص، وقال: يذهب عني هذا الذي قذرني الناس به، ويعود لي جلد حسن، وسأله أي المال احب إليك؟ قال: الإبل أو البقر، والثالث أعمى قال: أن يرد الله عليَّ بصري قال: أي المال أحب إليك؟ قال: الغنم -فذهب عنهم ما فيهم من الآفات وأعطاهم الله تعالى من المال ما أعطاهم، إذاً هذا التغيير حكمة لله تعالى- وبعد ذلك جاء هذا الملك في نفس الصورة إلى الأول، وذكَّره بحاله، وقال: أريد شيئا أتبلغ به، قال: إنما ورثت هذا كابراً عن كابر، والحقوق كثيرة، قال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت!

وجاء للثاني فرد عليه نفس الأول كذلك، وجاء للأعمى فقال: نعم! قد كنت أعمى فرد الله عليَّ بصري، وقد كنت فقيراً فأغناني الله، فخذ ما شئت ودع ما شئت، والله لا أرزؤك اليوم بشيء أخذته لله (¸)، فقال: أمسك عليك مالك، فإنما أراد الله تعالى أن يبتليكم، وقد رضي الله تعالى عنك، وسخط على صاحبيك!! )).

والجزاء كما يكون بالإساءة اذا اسأت فكذلك يكون بالإحسان اذا احسنت فالله لا يظلم احدا وانما يعامل الخلق بالعدل تارة وبالفضل تارات. (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة).

والحذر الحذر (يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه، لا تتبعوا عورات المسلمين ولا عثراتهم، فإنه من يتبع عثرات المسلمين يتبع الله عثرته، ومن يتبع الله عثرته يفضحه وإن كان في بيته).

وليستبشر بالخير من قدم الخير وأحجم عن الشر عن ابن عباس (ƒ) قال: ((كنت خلف النبي (‘) يوما فقال: يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك )) فالنبي (‘) يعلم حتى الصغار على سنن الله التي لا تتبدل فمن حفظ الله حفظه الله جزاء وفاقا.

واختم بهذه القصة:

يحكى أن رجلاً اسمه المبارك كان عبدًا رقيقًا لرجل غني اسمه نوح ابن مريم، فطلب منه سيده أن يذهب ليحرس البساتين التي يملكها فذهب. وبعد عدة شهور ذهب نوح ليتفقد أحوال البساتين ومعه مجموعة من أصحابه.

فقال للمبارك: ائتني برمان حلو وعنب حلو، فقطف له رمانات ثم قدمها إليهم، فإذا هي حامضة وكذلك العنب.

فقال له نوح: يا مبارك ألا تعرف الحلو من الحامض؟

قال: لم تأذن لي ياسيدي أن آكل منه حتى أعرف الحلو من الحامض.

فتعجب الرجل وقال: أما أكلت شيئًا وأنت هنا منذ شهور؟

قال المبارك: لا والله ما ذقت شيئًا، ووالله ما راقبتك ولكني راقبت ربي، فتعجب سيده من تلك العفة، ومن هذا الورع، وظن في البداية أنه يخدعه، فلما سأل الجيران.

قالوا: ما رأيناه يأكل شيئًا أبدًا، فتأكد من صدقه وورعه وعفته.

فقال: يا مبارك أريد أن أستشيرك في أمر عظيم، قال: ما هو يا سيدي؟

قال: إن لي ابنة واحدة وتقدم لها فلان وفلان وفلان ((من الأثرياء )) فيا ترى لمن أزوجها.

قال له المبارك: يا سيدي إن اليهود يزوجون للمال، والنصارى يزوجون للجمال، والعرب للحسب والنسب، والمسلمون يزوجون للتقوى، فمن أي الأصناف أنت؟

زوِّج ابنتك للصنف الذي أنت منه.

فقال نوح: والله لا شيء أفضل من التقوى، ووالله ما وجدت إنسانًا أتقى لله منك فقد اعتقتك لوجه الله وزوجتك ابنتي.

وسبحان الله، عف المبارك عن رمانة من البساتين، فساق الله إليه البستان وصاحبة البستان، والجزاء من جنس العمل، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، فكانت النتيجة أن هذه المرأة أنجبت من المبارك ولدًا أتدرون من هو؟ إنه شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك!

????

المنبتّ: لا ظهرا أبقى، ولا أرضا قطع

العمر قصير، والزاد قليل، والسفر طويل، والنفس ضعيفة، والمركب هزيل! والنفس ان لم ترفق بها انقطعت؛ فمن اراد أن يصل؛ فلابد له أن يقف! فكم من أناس بلغت أعمارهم الالف سنة؛ بل أزيد من ذلك! ولم يستوعبوا جميع الاعمال!

فالأعمال أكبر من الاعمار؛ فخذ من العمل ما تطيق. وخذ منه ما يوصلك الى مقصودك. ودع عنك ما تعجز عنه ويقطعك. وعليك بالرفق: فما كان الرفق في شيء الا زانه وما نزع من شيء الا شانه. وخذ من الزاد ما يكفيك ولا يثقلك. فإذا ضاق بك الوقت، وعسر عليك الحال.. فكلف نفسك الاصول ودع عنك الفروع، وما كلف احد نفسه شدة الا ونزع منه بشدة!

وليس الكمال: ان تنقطع عن الدنيا تماما، وتتفرغ للآخرة بما يضر بدنياك!! بل هذا نقص؛ لان الكمّل من الناس وعلى رأسهم محمد (‘) لم ينقطع عن الدنيا بالكلية؛ بل اخذ نصيبه منها واخذ منها ما يتقوى به على طاعة الله ونفع نفسه في الآخرة، ولم يكن يكلف نفسه ما لا تطيق وكان اعلم الناس بمداراة النفس وتجنب السامة والملل؛ فكان (‰) يصوم ويفطر، ويقوم الليل ويرقد ويتزوج النساء، ويأكل أطيب الطعام ويشرب اللذ الشراب، ويلبس احسن اللباس، ويركب افضل المراكب، من غير اسراف ولا فخر ولا تعد ولا بطر، وما اشتاقت نفس للعمل الا أبدعت فيه، وما ان كسلت عنه وابغضته الا تضررت به وضرت غيرها.

عن أَنَسَ بن مَالِكٍ (¢)، قال: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ (‘)، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ (‘)، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ (‘)؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ (‘) إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ((أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)) 

فقد حذر النبي (‘) من هذا الكمال المزعوم بل هو نقص يجلب الشقاء، والله انما خلقنا بشر ولنا طباع البشر فاذا تخلينا عن طباع البشر صار نقصا في حقنا!

وقد امرنا النبي (‘) ان ننتهي عن الاعمال في حال الملل لما فيه من المفاسد المترتبة على هذا الامر؛ كما في حديث أنس (¢) قال: دخل رسول الله (‘) فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال: ما هذا الحبل؟ قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت فقال النبي (‘): لا حلّوه، ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد، والنفس لها حق على صاحبها فلابد من مراعاته كما عَنْ عَوْنِ بن أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: آخَى النَّبِيُّ (‘) بَيْنَ سَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: ما شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ؟ قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: ما أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ: سَلْمَانُ قُمِ الآنَ، فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ (‘)، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ (‘): ((صَدَقَ سَلْمَانُ))

????

تبسمك في وجه أخيك صدقة

هناك أشياء كثيرة وجميلة تحيط بنا، ولا تكلفنا شيئاً الا فعلها. أشياء لو فعلناها عاد نفعها علينا وعلى غيرنا في الدنيا والآخرة. فمن هذه الاشياء الرائعة بل هي أروع الاشياء: الابتسامة!

الابتسامة تستقدم خير الدنيا ونعيم الآخرة! جعلها الله بوسع كل إنسان؛ لكن العجب أن كثيرا من الناس يبخلون بها! ويحرمون أنفسهم والناس منها؛ لأجل جدية مزعومة وبلاء سابق ولاحق، وبزعم كثرة الهموم، وألم النفس!

ولنعلم جميعا أن الابتسامة: لا تناقض الجدية، والبشاشة لا تبطل الرصانة، والطلاقة لا تلغي الاجتهاد والمثابرة.

الإبتسامة بهجة بلا ثمن، وجمال بلا تعب.

الابتسامة: تدل على الروح الغامرة بالسعادة، والنفس المليئة بالرحمة، والقلب الرؤوف المتواضع.

الابتسامة: لغة يفهما جميع البشر، ويدركها جميع الناس. يشترك فيها الملوك والرعية، ويملكها الاحرار والعبيد، وهي جميلة في الصغير والكبير، وليست للذكور دون الإناث؛ بل هي صفة مشروعة لكل البشر بمختلف ألوانهم واعرافهم وثقافاتهم ولغاتهم!!

وليعلم من يدعي ان الابتسامة تناقض الجد والاجتهاد؛ ان الرسول (‘) بالغ في الابتسامة حتى وصف بالضحوك؛ لأنه علم أن الابتسامة تشرح صدر المهموم، وتقلل كبت المحزون، وتزيد ألم العدو، وتبهج الصديق، وتسر الصاحب!

لماذا لا تبتسم ولم تفارق الابتسامة وجه رسولنا وأسوتنا (‰).

لماذا هذا العبوس القبيح، والاكفهرار العضال؟!

من يبخل بالابتسامة يبخل بكل شيء! من يمنع البشاشة يمنع كل جميل!

العبوس محروم من الاجر، والمكفهر محروم من ثناء الناس، والكئيب لا يصل الى مبتغاه!

ابتسم حتى يقتدي بك الأولاد، ويتأسى بك المقلدون.

ابتسم حتى يرتاح الكبير، ويطمئن الصغير.

ابتسم لتجني منها الأجور، وتتنازع فيك الحور (تبسمك في وجه اخيك صدقة )!

ابتسم حتى تأسر القلوب: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق).

????

إمام المسجد والمصلين

يوجد جمع من ائمة المصلين يتعاملون مع المصلين بطبائع مختلفة: وهذه الطبائع نتيجة البيئة التي تربى فيها امام المسجد أو من حصيلة الافكار التي اقتنع بها.

فمنهم من يتعامل مع المصلين وكأنهم في معسكر تدريبي فما عليه الا ان يأمر وعليهم الطاعة وهذا داء حب التسلط.

وهؤلاء يفسدون اكثر مما يصلحون؛ لان المصلين انما يأتون الى المساجد ليقووا صلتهم بالله وهذه الصلة يقويها ويغذيها نشاط الروح فيحتاج الى الرقائق والترغيب والترهيب الشرعي ليس فيه صبغة العسكرية المدنية وذلك لان الناس هم في الاصل يفرون من العسكرية ويكرهونها فاذا وجدوها في المساجد فروا منها ايضا!

وبعض الائمة عنده حب التملك يظن ان المسجد ملكه أو ملك ابيه! وذلك بسبب ان اباه بنى المسجد فينبغي ان نتعامل مع من يقدم الى المسجد كانه يقدم الى البيت الشخصي لا ليكرمه بل ليحاسبه وهذا مما تعم به البلوى في بلدنا وخصوصا في القرى والارياف! فهو الخطيب وهو الامام وهو المؤذن وهو الخادم وهو المسؤل عن اداريات المسجد وهذا الشيء لو انضبط وادى حق كل وظيفة على احسن وجه لما كان به بأس؛ ولكن لا يؤدون حقوق هذه الوظائف ولا يمكنون المؤهلين لها فأفسدوا أكثر مما أصلحوا، بل بعضهم اذا تشاجر مع احد المصلين فانه يمنعه من القدوم الى المسجد لإداء فريضة الصلاة بحجة ان المسجد هو من بناه!

وبعضهم يستغل المنبر لأغراضه الشخصية فاذا سرق من بيته شيئا اعلنه على مكبر الصوت. ليخبر جميع الناس من غير ان يتأنى. وبعضهم اذا تخاصم مع جاره أو احد المصلين انتهز الفرصة لينكل به على المنبر يوم الجمعة. وبعضهم يعمل دعاية لمبيعاته على المنبر وبعد الصلوات! ونسمع العجب العجاب بسبب: تقديم الجاهلين وتأخير الاكفاء من المؤمنين الصادقين.

وبعضهم يستغل بناء المسجد لأغراض تجارية فهو يريد ان يبني مسجدا بكلفة قليلة ليأخذ من الاوقاف الشيء الكثير!! أو ليوظف نفسه وابنائه في المسجد وان كانوا اسفل سافلين!

وبعضهم يبني مسجدا ليسرقه! بمعنى: هذا المسجد ستأتيه التبرعات من كل مكان من جهات رسمية وغير رسمية فينتهز صاحب المسجد هذه الفرصة ليتكسب من هذه الاموال الموقوفة على المسجد، وهذا ما يجعل اكبر فجوة بين اصحاب المسجد والمصلين.

وبعض الائمة يمنع بعض طلاب العلم من اقامة الدروس العلمية حتى لا ينصرف الناس عنه الى طلاب العلم وهذا خطر عظيم على الامام وكذلك المصليين كما جاء في الحديث (من طلب العلم ليماري به السفهاء، أو ليباهي به العلماء، أو ليصرف وجوه الناس إليه، فهو في النار ) والامامة تدخل فيه لأنه تصدر للعلم والفتوى.

????

كثّر الزاد؛ فالسفر بعيد، والعقبة كؤود

طريقنا الى الاخرة طريق عسير… ودربنا الى الجنة مليء بالأشواك. فليس شيء سهل المنال؛ فاكتساب الثمن شاق، وشراء السلعة مكلف، وسراق الثمن كُثُر، والمثبطات متنوعة ولا حل الا بالتشمير عن ساعد الجدّ، وبلوغ الغاية بالاجتهاد. فنحن اذا أردنا شيئا من امور الدنيا: سعينا اليه بكل كدّ، وتحيّنا الفرص لتحصيله، وتحيلنا من أجل إصابته، كل هذا: وأمره الى زوال، ومآله الى حطام! فلم لا ننزع عنا ثوب الكسل؟ ونخلع إزار الملل؟ ثم نلبس ثوب المبادرة.. ونتزين بزيّ العمل الصالح. كان الفاروق عمر (¢): لا ينام في الليل ولا النهار الا سويعات فقيل له في ذلك فقال: ((إذا نمت في الليل ضيعت حق ربي!! واذا نمت في النهار ضيعت حق رعيتي ))!! قال ابن مسعود (¢): ((اني لأمقت الرجل ان اراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا أو الاخرة … ))

هكذا هم سلفنا: لا يعرفون الكسل، ولا يدعون مجالا للنفس ان تفكر في حظوظها البائسة؛ عمل يتبع عملا! قال ابو الدرداء لأصحابه: ((أليس اذا أراد أحدكم سفرا يستعد له بزاد؟ قالو نعم. قال: فسفر الاخرة أبعد مما تسافرون! )).

????

من الجوال ما يقتل

لا ريب أن التقدم الصناعي مفيد؛ لكن من أساء استخدامه أهلكه، وضره! فالجوال: نعمة من نعم الله علينا به نختصر المسافات، ونوفر الاوقات، وننمي الجهد ونزيد المال، ونصل الرحم، ونصلح ذات البين، ونطمئن على اولادنا، وندير أعمالنا وغيرها من النعم الوفيرة؛ وقد تنعكس هذه النعم الى نقم إذا أسأنا الاستخدام، وأفسدنا الاستعمال، وأهملنا ما ينبغي فعله فيه، ووضعناه في غير موضعه؛ فإذا فعلنا استقدمنا ضر الدنيا، واستجلبنا سخط الله في الاخرة!

فكم سمعنا من حوادث سير، وكوارث طرق، وتحطم جماجم، وتهشيم عظام، وتضييع اموال، وهتك أعراض، وضياع أسر، وبلابل وقلاقل بسبب الجوال!! والسبب سوء اسخدامه، ووضعه بأيد غير امينة، و اعطاءه للأولاد من غير مراقبة! والسماح لهم بالانفتاح على عالم لا ينتهي، وثقافات مع الشريعة لا تنسجم، ونفوس مريضة؛ بل شريرة تدخل الافكار وتقتحم، وتبدل الفطر السليمة بأخرى مع ديننا لا تنتظم! فما يضرك أيها السائق اذا رن هاتفك أن توقف السيارة وترد، أو لا ترد أصلا.

وما يضرك ايها الاب أن تقلب هواتف أولادك ليس شكا فيهم؛ وإنما تربية لهم، وحسن إدارة.

أنظروا الى سيرة السلف الصالح نوروا الدنيا بحكمتهم، وأضاءوا لنا الطريق بحنكتهم. فإمام أهل السنة كان لا يعدل بالسلامة شيئا! وما ضرنا أن نأخذ القران تعليما لنا ومنهجا؛ بل في تركه الضرر، وبتنحيته المآسي.

????

إذا هبت رياحُك فاغتنمها

فرص الحياة قليلة جداَ، أو نادرة، ومع هذا فبعض الناس: لا يحسن استقبالها، ولايهتم لاستثمارها، والمشاهد أنّ استثمار الفرص لا يحسنه الكثيرون؛ فهو فن من أتقنه انتفع بالفرص انتفاعا عظيما، واستطاع أن يصل الى مراده بسهولة.

ولو أمعنّا النظر في سيرة الاولين لوجدنا الدروس، والعبر: في كيفية استثمار الفرص فمنها: أنّ نبي الله ابراهيم (’): استغل خلو المدينة من سكانها؛ ليكسر أصنامهم، ويحطم آلهتم؛ لكنه بفطنته، ودهائه أبقى كبيرهم؛ حتى يحجهم بالمنطق السليم، والواقع المشاهد؛ ولكي يبين لهم أن هذه الالهة التي يعبدونها من دون الله مجرد أحجار! لا تدفع عن نفسها ضرا، ولا تجلب لها نفعا؛ فكيف تنفع، وتضر غيرها؛ فأقام الحجة عليهم؛ لكن حب الدنيا، واستكبارهم حالا بينهم وبين هدايتهم.

فإذا أتت الفرصة، وأحسنت التعامل معها أثمرت، وآتت أكلها؛ كما فعل يوسف (‰) مع صاحبيه في السجن؛ فقد انتهز فرصة سؤاليهما، واستغل حاجتهما لتأويل الرؤيا، واستثمر إصغائهما له؛ فلم يجبهما عن سؤاليهما؛ حتى عرفهما حق الله من توحيده بإخلاص العبادة له وحده، وترك ما يعبد من دونه ثم أجابهما وأول لهما رؤيتيهما...

وأختم بتعامل النبي (‰) مع الفرص، وكيف يستثمرها؛ خصوصا في الظروف العصيبة؛ فبينما يحفر النبي (‰) الخندق اجتمع عليه الاحزاب من كل حدب وصوب، ونقض اليهود العهد وهم داخل المدينة فزاد الامر بلاءً فبينما هذا الحال جاء نعيم بن مسعود الى النبي (‰) مسلماَ فانتهز النبي هذه الفرصة وقال لنعيم بن مسعود ((خذل عنا ما استطعت )) ففرق نعيم بين المشركين واليهود ثم فرق الله جمعهم وهزمهم ونجى الله المؤمنين من عباده، وهكذا ينبغي أن نتعامل مع الفرصة بذكاء وأن نستثمرها بحسن تدبير.

????

 

 

العزلة

( الْعُزْلَة توفر الْعرض، وتستر الْفَاقَة، وترفع ثقل ا لمكافَأَة. ما احتنك أحد قطّ أحب ا لْخلْوَة. خير النَّاس من لم تجربه، كَ أَن خير الدّرّ ما لم تثقبه. قَالَ بَعضهم: خالطت النَّاس خمسين سنة فَ وجدت رجلا غفر لي زله، و أقالني عَثْرَة، و ستر لي عَورَة، و أمنته إِذا غضب.

الْعُزْلَة عَن النَّاس توفر الْعرض، وتبقي ا لْجلَالَة، وتستر الْفَاقَة وَنعم صومعة الرجل بَيته، يكف فِيهِ سَمعه وبصره وَلسَانه ويقل فكره.. )

قال عمر (¢): في العزلة راحة من خلطاء السوء.

وكان طاووس يجلس في البيت، فقيل له: لم تكثر الجلوس في البيت، فقال: حيف الأئمة وفساد الناس!

وعن مكحول قال: ((إن كان في الجماعة فضل فإن في العزلة سلامة. ))، وقال العتابي: ما رأيت الراحة إلا مع الخلوة، ولا الأنس إلا مع الوحشة.

فالعزلة عن الشر: فضلها لا يقدر بقدر فهي ربح لصاحبها وتعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة وهي تجلي الران الذي احاط بقلبه وترفع الغشاوة التي استولت على فؤاده وتنكشف له امور لولا العزلة لما انكشفت له وقد حبب لنبينا (‰) العزلة حتى فجأه جبريل بالوحي! فلو لم يكن في العزلة الا الاقتداء بنبينا لكفى به فضلا.

ولا ينبغي ان نفهم العزلة حتى عن الخير ومخالطة الصالحين أو الناس عموما لغرض اصلاحهم وتربيتهم ودعوتهم للخير بل من فعل هذا وصبر على اذيتهم فله الاجر مضاعف كما جاء في الحديث ((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم )) ولكن اذا علم من نفسه انه بمخالطة الناس يفتن وليس عنده علم يدفع به الشبه فهذا الافضل له العزلة.

????

الوهن خطير فاحذروه

انه حب الدنيا، وكراهية الموت: وهو سر الفشل في النصر، أو التمكين، بل هو سبب للذل والهوان: في الدنيا والاخرة، وهو السرّ في كل مطعن، وتراجع من كل تقدم، وهزيمة لكل نصر، بل هو أصل للبغضاء بين المتحابين، والبعد بين المتقاربين بل هو سبب رئيسيّ في تراجع المسلمين: عن النصر، أو التمكين، وليس حب الدنيا مذموما على الاطلاق. بل لا بأس أن تأخذ نصيبك من الدنيا.

قال الله (ولا تنس نصيبك من الدنيا(؛ لكن بشرط وعدم الافساد في الارض؛ وما عداها تخير منها ما شئت!! وانما المذموم منها: ما يمنعك عن العمل الصالح، ويبعدك عن كل خصلة حميدة، وعن كل صفة جميلة.

ومن تمكن حب الدنيا من قلبه؛ فانه ولابد أن يكره الموت؛ لان الموت هادم اللذات ومبدد الشهوات! سأل السلطان أبا حازم فقال: لماذا نحب الدنيا ونكره الموت؟

فقال: لإنكم عمرتم الدنيا، وخربتم الاخرة، وانكم تكرهون الخروج من العمران الى الخراب!!

ومن أراد العيش بعز وتمكين، والموت بفخر وشموخ؛ فليحب الموت كما يكره أن يقذف في النار!

ومن أهم الأسباب التي تعين على حب الموت، وتعمير الآخرة: هو معرفة قدر الدنيا بالنسبة الى الاخرة.

بل ان الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة ولو ساوت ((ما سقى الكافر منها شربة ماء ))!! ولم يجعل الله الدنيا الا من أجل العبور منها الى الاخرة؛ بل هي هيّنة عليه كهوان الشاة الميتة على اهلها! قال ابن عباس: مرّ النبي (‘) بشاة ميتة. فقال: للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها)!

بل ما سميت بالدنيا الا لسفالتها، وحقارتها! ((كن في الدنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل )). ومعلوم أن الغريب لا يستقر في مكان غربته. وعابر السبيل سرعان ما يرحل! بل هي اقل من هذا ((وما أنا والدنيا الا كراكب استظل تحت شجرة ثم تركها ورحل ))

????

خدعة إبليسية

الناظر في المجتمات عموما، والمجتمعات الاسلامية خصوصا: يجد أن الحقائق قد تبدلت، والواقع الشرعي قد تغير! وفي كل يوم يصبح الناس فيه ويمسون: يجدون أشياء كثيرة قد سميت بغير اسمها، وعناوين كبيرة قد حرفت، إنّ تسمية الاشياء بغير مسمياتها: خدعة شيطانية، وتمويه إبليسي! فكل من ابتدع شيئا من هذا، او ساهم فيه؛ فسلفه في ذلك إبليس اللعين، واسوته الشيطان الرجيم! فإنّ ابليس فكر في حيلة؛ ليخرج آدم من الجنة حسدا منه وبغضا له.

فرأى أن أحسن الاشياء لإغوائه: تغيير الاسماء بغير مسمياتها ونجح في ذلك!

وقد اتخذ هذه الخدعة الشيطانية، والحيلة الابليسيّة. الطغاة، والكفار، والمنافقون في كل زمان ليزينوا للناس باطلهم، ويروجوا بضاعتهم؛ فقام أتباع إبليس، وعشاق الاساليب الفرعونية! يلبسون على الناس امور دينهم: في ظل غياب التوعية الدينية، فقصدوا اصول الدين ليهدموها؛ فقلبوا الجميل من الاسماء قبيحا! فزعموا ان اثبات صفات الكمال لله تشبيها له بخلقه! وتنزيه الله تعطيلا!

ووقفوا على كبائر الذنوب لا ليعملوا بها؛ بل ليغيروا اسماءها: التي تمجها الاسماع، وتنكرها القلوب؛ بأسماء: رنانة لها صدى جميلا، ووقع على النفوس! خطوة لتبديل دين الرحمن بدين الشيطان!

فقالوا: عن الربا فائدة، وعن الزنى علاقة حميمة، وعن الخمر شراب روحي، وعن السفور والتبرج والتمايل تقدم حضاري، وعن اجتماع شريعة الشيطان مع شريعة الرحمن تقارب الاديان، وعن الرشوة هدية، وعن الاختلاط زمالة، وعن نوم المرأة مع رجل اجنبي فن! وكل من روّج هذا الضلال، أو قبله؛ فهو على خطر عظيم، وخطب جسيم؛ بل هو من الدعاة على أبواب جهنم.. ((ليشربن ناس من امتي الخمر يسمونها بغير اسمها يُعزف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الارض ويجعل منهم القردة والخنازير!!... ))

والسبب في تسلط شياطين الانس والجن على عباد الله: هو البعد عن الدين، وهجر القران المبين، وسنة سيد المرسلين عليه اتم الصلاة والتسليم، وترك التلقي من المنبع الصافي، والشعور بالتبعية لدول غربية وشرقية مقيتة، ومميتة للشرائع السماوية.

ولا تتم النجاة، ولا يستقيم البشر؛ الا بطاعة الله ورسوله((. تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك.

????

الخجل من الإسلام مضيعة

لابد قبل الإجابة على السؤال أن نعلم أنه لا يوجد شيءٌ في الوجود أعظم من الاسلام ولا انقى من هذا الدين؛ فبه تسعد الارواح، وتنعم الابدان، وتبتهج القلوب. كيف لا وخيار البشر، وأفاضل الناس انتسبوا إليه، وافتخروا به؛ بل عذبوا، وهجروا واغتصبوا، وسجنوا، وصلبوا، وقتلوا من أجله!

ألم يقل أول الرسل نوح (‰) {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 72]؟ من غير خوف ولا وجل، ولا استحياء ولا خجل.

ألم يفدي زكريا (‰): سعادة نفسه، وابتهاج قلبه، وراحة بدنه، وبحبوحة دنياه؛ من أجل إسلامه وتوحيده؟! حتى نشر بالمنشار، وضرب بالسيف البتار، وما صده هذا كله عن اتباعه للعزيز الغفار؛ لأنه استيقن أن الله هو النافع الضار.

كيف نستحي من إسلامنا؟ وهو مهد الحضارات، ومنبع القيم، ومصدر الخيرات ومصدرها.

كيف نستحي من إسلامنا؟ وهو شرع الله القويم، وحبله المتين، وصراطه المستقيم.

كيف نستحي من إسلامنا؟ وجميع الشرائع له تبع، والسابق واللاحق منه نقع، ومن خالفه أو عارضه وقع، ومن أخذ بغيره ضرٌ نفسه وما نفع.

كيف نستحي من إسلامنا؟ وجميع الناس: برهم وفاجرهم، مسلمهم وكافرهم قد أقروا له بالإحكام، ولمن اتبعه بالإقدام، ولمن عارضه من الكتب المحرفة بالإحجام.

هل عرفت الان قيمة ما تحمل، وعظمة ما تدعوا إليه، ورفعة ما نزل إليك؟

أنظروا الى من اتبع شريعة محرفة، وديناَ مصحفا، وطريقا معوجا، ومنهجا مسودا ونظاما وضعته العقول المتغيرة، والقلوب المشوهة، والاقلام المستبدة! كيف يتفاخر بحضارته المزعومة، وبأخلاقه المخرقة، وبطريقته المهترئة، وبأفكاره البالية؟!

فكل من خجل من إسلامه، واستحيا من قرآنه؛ كتب عليه الخذلان، واستحق الحرمان، وبآء بالخسران، ولا ينجو أحد الا باتباعه القرآن، وطاعة النبي صاحب الحجة والبرهان عليه الصلاة وأتم السلام.

وليعلم العالم أنني بإسلامي أحيا، وبعقيدتي أسعد، وبإيماني أنجو، وبديني أكتمل {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85].

????

 

 

من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة

لا تكاد تجد عظيما من العظماء أو عالما من العلماء أو عبقريا من العباقرة أو تاجرا كبيرا من التجار، حصل على ما اراد الا بعد البداية المحرقة فمنهم من عانى من الفقر وبعضهم كابد من المشقة والحزن وبعضهم تقطع فؤاده من الغربة ومفارقة الاهل والاوطان لكي يكون عالما أو تاجرا، اذن فلا بد من التضحية وعلى قدر اهل العزم تأتي العزائم.

وقد نضرب مثلا بابن عباس (ƒ) فقد كانت نهايته مشرقة كيف لا وهو حبر الامة وترجمان القران وقد اجتمع القاصي والداني لكي يأخذوا عنه وينعموا بعلمه قال مجاهد: (وقفنا مع ابن عباس يوم عرفة، فأخذ يفسر سورة البقرة من بعد صلاة الظهر إلى صلاة المغرب حرفاً حرفاً، آيةً آيةً، مقطعاً مقطعاً، والله ما تلعثم في حرف، ولا توقف في آية، والله لو سمعه اليهود والنصارى لأسلموا)! فمن اين أتاه كل هذا العلم انها البدايات المحرقة.. سهر الليالي.. وتعب الهواجر، والجلوس على أبواب العلماء فعن ابن عباس قال: لما توفي رسول الله (‘)، قلت لرجل من الأنصار: هلم نسأل أصحاب رسول الله (‘)، فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبا لك يا ابن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب النبي (‘) من ترى؟ فترك ذلك، وأقبلت على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه، فتسفي الريح علي التراب، فيخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله، ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك فأسألك. قال: فبقي الرجل حتى رآني، وقد اجتمع الناس علي، فقال: هذا الفتى أعقل مني. ))

وقال المهاجرون لعمر: ألا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس؟ قال: ذاكم فتى الكهول، إن له لسانا سئولا، وقلبا عقولا.

ومن الواجب على العاقل اللبيب والفطن الأريب أن يجهد نفسه حتى يحوز الكمال بتهذيب خلائقه ويكتسي حلل الجمال بدماثة شمائله وحميد طرائقه ويكد في الهواجر ويسهر الليالي إلى أن يرتقي شرفات المجد والمعالي فقد قيل من شمر عن ساق الجد وجد مفتاح الجد ومن كلام الثعالبي لا يحصل برد العيش الا بحر النصب.

????

كمال اللذة في مناجاة الله

فاقد الشيء لا يعطيه! وبالتالي فمن فقد المناجاة مع الله والانس به والتلذذ بدعائه والذل بين يديه والالحاح عليه لا يستطيع ان يصف الحال الذي يصل اليه المناجي والمستأنس بالله؛ فهذه مرتبة عالية قد وصل اليها العارفون بالله وانتهى اليها الانبياء والمرسلون؛ فالمناجاة هي السعادة بل هي افضل سعادة على الاطلاق!! قال بعض العارفين: ((والله إنه لتمر ساعات يرقص القلب فيها طرباً من طاعة الله (¸)، حتى إنني أقول: إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه فإنهم في عيش طيب!!

وقال آخر: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة!!

وهو لا يقصد بجنة الدنيا نعيمها الزائل وخضراءها الفانية وزينتها الناقصة؛ وانما يقصد لذة مناجاة الله والانس به والتقرب اليه بطاعته وتقواه والوقوف بين يديه في الصلاة.

وأقول ماذا وجد من فقد المناجاة مع الله، واي شيء فقد من ناجى ربه ومولاه. انها السعادة بلا حدود، والاجر بلا انقطاع، والذكر المتبادل بين الله ومن ناجاه.

فمن ذكر الله ذكره الله ومن تقرب الى الله باهى الله به ملائكته.

ويقول بعض الصالحين: إنَّا لفي عيش لو علم به الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليه بالسيوف!

وهذه قصة تبين لذة المناجاة عند العارفين: قال بعض الصالحين بينما أنا أسير في بعض بلاد الشام إذا أنا بعابد خارج من بعض تلك الجبال فلما نظر إلي تنحى الى أصل شجرة وتستر بها فقلت سبحان الله تبخل علي بالنظر إليك فقال هذا إني أقمت في هذا الجبل دهرا طويلا أعالج قلبي في الصبر عن الدنيا وأهلها فطال في ذلك تعبي وفني فيه عمري فسألت الله تعالى أن لا يجعل حظي من أيامي في مجاهدة قلبي فسكنه الله عن الاضطراب وألفه الوحدة والانفراد فلما نظرت إليك خفت أن أقع في الأمر الأول فإليك عني فإني أعوذ من شرك برب العارفين وحبيب القانتين ثم صاح واغماه من طول المكث في الدنيا ثم حوّل وجهه عني ثم نفض يديه وقال إليك عني يا دنيا لغيري فتزيني وأهلك فغري ثم قال سبحان من أذاق قلوب العارفين من لذة الخدمة وحلاوة الانقطاع إليه ما ألهى قلوبهم عن ذكر الجنان وعن الحور الحسان وجمع همهم في ذكره فلا شيء ألذ عندهم من مناجاته!!

آه لو طهرت قلوبنا لما انقطعت عن مناجاة الله ولما استبدلت الادنى بالذي هو خير!

قال شعيب بن حرب: دخلت على مالك بن مغول، وهو في دار بالكوفة وحده، فقلت له: أما تستوحش في هذه الدار؟ فقال: ((ما كنت أحسب أن أحدا يستوحش مع الله (¸)، لأنه إذا أحب العبد ربه فلا وحشة عليه، بل هو أنسه، ويحدثه )).. و قال مسلم بن يسار: ((ما تلذذ المتلذذون بمثل الخلوة بمناجاة الله (¸) - والأنس بمحبته. ))

ولذلك كان (‘) في ابتداء أمره يتبتل في جبل حراء وينعزل إليه حتى قوي فيه نور النبوة.

وقال إبراهيم بن أدهم: أعلى الدرجات أن تنقطع إلى ربك وتستأنس إليه بقلبك وعقلك وجميع جوارحك حتى لا ترجوا إلا ربك ولا تخاف إلا ذنبك وترسخ محبته في قلبك حتى لا تؤثر عليها شيئا فإذا كنت كذلك لم تنل في بر كنت أو في بحر أو في سهل أو في جبل وكان شوقك إلى لقاء الحبيب شوق الظمآن إلى الماء البارد وشوق الجائع إلى الطعام الطيب ويكون ذكر الله عندك أحلى من العسل وأحلى من الماء العذب عند العطشان في اليوم الصائف!

وقال السري: ((من اشتغل بمناجاة الله أورثته حلاوة ذكر الله تعالى مرارة ما يلقي إليه الشيطان. )).

????

(ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )

هذا خطاب الله لنبيه (‰) يذكره بنعمه المتلاحقة التي انعم بها عليه ومن هذه النعم بل هي اجلها ان جعله هينا لينا سهلا مع الخلق يقف مع الصغير ويصبر على اذى الكبير ويطيل النفس مع خدمه وازواجه ويصبر على سوء خلق الاعراب والجاهلين معه وما كان ان يكون كل هذا للرسول لولا ان من الله عليه برحمته وفضله.

ثم ذكره وذكرنا ان صاحب الخلق السيء الفظ الذي يأبى أن يلين الجانب للخلق وله قلب قاسي لا يرحم، لا يمكن ان يجمع الناس ولا ان يجتمعوا عليه فليس لديه مقومات النجاح في هذا المضمار؛ بل لديه أعظم المنفرات من هذا الشيء الا وهو سوء الخلق وقساوة الفؤاد!!

فالناس يطلبون صاحب الكنف الرحيم ويأوون الى ذي بشاشة سمحة وبشر دائم ويجتمعون حول من وسعهم بحلمه ولا يضيق عليهم بجهلهم بل يعفو الزلل ويتجاوز عن المسيء ولا يعبس في وجوههم ولا يكثر عتابهم.

يحتاجون الى من يكفلهم ويرعاهم ويعطيهم ولا يأخذ منهم ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء.

ففي الحديث ((ألا أخبركم بمن يحرم على النار - أو قال: تحرم عليه النار - تحرم على كل قريب هين لين سهل )) بل ان العنف مذموم حتى مع الحيوان كما في الحديث ((إن شر الرعاء الحطمة )) وهو الذي يسوق الابل بعنف حتى يحطم بعضها البعض! ومن يحرم الرفق فقد خاب وخسر وكانت بضاعته مع الخالق والمخلوق مزجاة ((من يحرم الرفق يحرم الخير كله ))!! وبما ان الرفق هي صفة الله فان الله يحب من يتصف بها ((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ))والرفق يسهل وييسر استقامة الامور لصاحبها واتمامها على احسن الوجوه ومن اراد ان يكون سيد الناس فعليه بالرفق والاناة ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه )) وقال الرسول الله (‘) لأشج عبد القيس: ((إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة )).

والمؤمن الحق هو الذي يكون مع اخوانه واهله كالجمل الانف كما في الحديث المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف إذا قيد انقاد، وإذا أنيخ على صخرة استناخ )) والمأنوف: هو الذي عقر الجساس أنفه فهو لا يمتنع على قائده للوجع الذي به!

ونجد ان اجلاف الاعراب في زمن النبي (‰) قد تأثروا بأخلاقه ولين جانبه وحسن تعامله وطلاقة وجهه حتى أثر هذا في كلامهم فعن أبي هريرة: أن أعرابيا دخل المسجد ورسول الله (‘) جالس، فصلى -قال ابن عبدة: ركعتين-، ثم قال: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا، فقال النبي (‘): ((لقد تحجرت واسعا ))، ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه، فنهاهم النبي (‘) وقال: ((إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سجلا من ماء )) أو قال: ((ذنوبا من ماء! ))

ما الذي حمله على قوله: ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا!! انه الخلق الرفيع والسماحة الراقية.. ثم ما لبث حتى ذهب في ناحية المسجد ليبول! فنهره الناس ولكن من ملك الرفق وتشبع بالسماحة نهاهم ان يزجروه وأمرهم بتنظيف المكان وكأن شيئا لم يكن!!

ونحن لا يمكن ان ننجو الا بالاقتداء بخير الناس وقدوتهم محمد (‰) فلا بد ان نرمق تعامله مع الناس حتى نتعلم منه اصول الادب وحسن الخلق.

فهذه قصة حدثت لمعاوية بن الحكم يحدثنا عنها: قال: بينما أنا أصلي مع النبي (‘) إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أماه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتوني سكت، فلما صلى رسول الله (‘)، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، والله ما قهرني ولا ضربني، ولا شتمني، قال: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير والتهليل وقراءة القرآن ))! وهكذا فلنكن.

????

 من خالف أمر الله فيك؛ فلا ترتكب نهي الله فيه!

(الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت)! الكثير من الناس يظن ان من الشطارة مغالبة الناس حتى ولو تسببت في مخالفة شرعية! وهذا سفه وقد لا نخالف في كونها شطارة؛ ولكنها شطارة تودي بصاحبها الى النار!

فينبغي على المسلم ان يكون قدوة حسنة ويعكس الاسلام الذي جاء به محمد (‘) وذلك من خلال تعامله مع الناس وبالأخص اذا اساء احد له.

ولا اجد مثالا احسن من تصرف ابي بكر الصديق (¢) مع من طعن بعرضه وبنته زوجة النبي الكريم (‘) يوم حادثة الافك فقد كان الصديق (¢) يعطي النفقة لمسطح بن أثاثه لقرابته وفقره، فلما تكلم في عائشة، قال الصديق: والله لا أعطيه النفقة بعد اليوم أبداً، فنزل قول الله (جل وعلا): {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22] فلما سمعها الصديق قال: بلى، والله إني لأحب أن يغفر الله لي، وأعطى النفقة مرة أخرى ل مسطح (¢) وغفر له، وقال الصديق: )والله لا أنزعها منه أبداً).

ولا ننسى موقف النبي (‘) عندما دخل مكة فاتحا وقد رأى منهم الوان العذاب والشتائم كان موقفا رهيبا لم يتوقعه اعداءه قال لهم }يا معشر قريش! ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخٌ كريم وابن أخ كريم، قال: فإني أقول لكم ما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم! اذهبوا فأنتم الطلقاء

ان ردات الفعل السيئة المتكررة انما هي من طبيعة تربية الغاب؛ فينبغي الترفع عنها والاخذ بشريعة رب الارباب.

????

جرب الغياب تعرف حق زوجتك

قد لا يشعر الإنسان بقيمة أنيسه، وقدر حبيبه الا إذا فقده. وقد قيل كثرة المساس تميت الاحساس! فيعقوب (‰) لما ضاع ابنه يوسف (‰) فقد عينه، واستوحش قلبه! ولان زوجتك تقضي لك حاجتك، وتأتي بأكلتك، وترتب بيتك، وتربي أولادك، وتسهر على أطفالك، وتقوم عليك إذا مرضت، وتداريك إذا سقمت، وتعينك إذا عجزت، وتسددك إذا أخطأت، وتنفر معك إذا نفرت، وتحفظ سرك إذا تكلمت أو فعلت، وتيسر لك إذا تعسرت، وتقيلك إذا عثرت، وتحفظك إذا غبت، وتتهيء لك إذا قدمت؛ فلا ينبغي لنا بعد كل هذا أن نواجه الاحسان بالإساءة، ونقابل اليسر بالعسر، ونعارض الكتمان بالفضيحة!

كيف ننسى لها السهر والتعب ونذهل عما قدمت لنا؛ حتى أصابها الضيم والنصب.

هل نسيت أنك أكلت شبابها، وابتلعت صبيتها، ونثرت بطنها، وأنهكت بدنها، وأجهدت فكرها؟ ام هل نسيت ما حصل بينكما من الافراح والاتراح؟ أم ذهلت عن ما حصل لك من الارتياح؟!

????

الحجاب المحرم!

يستحيل أن تكتمل عفة المرأة، أو يستقيم دينها، أو يتم حياءها أو تتحقق حشمتها، أو تحافظ على رزانتها، أو ترضي ربها؛ حتى يكتمل لباسها، ويستقيم حجابها؛ لإنّ الحجاب عنوان العفة، والستر باب الى الجنة؛ به ينقطع دابرُ المفسدين، وتفتر همة المغتصبين، وتنتهي عزيمة المعتدين!

الحجاب عفة ونقاء، والسفور سفه وبلاء! الحجاب سكينة ووقار والتبرج قلق واضطراب! الحجاب عملٌ صالح، والتبهرج عمل طالح!

الحجاب باب المرأة الحصين لا يستطيع فتحه من هبّ ودبّ؛ من المتشهين والمتلذذين وهو رمز المروءة للمرأة؛ بل سلاحها ضد الصيّاع، والمفسدين به ينقطع دابر الشيطان، وتنتهي وساوس الفجار من الانس والجآن.

لماذا تترك المسلمة الحجاب وهو حصنها في الدنيا، وسعادتها في الاخرة؟

لماذا تترك الحجاب وقد أمرها الله به وقد علم الله ما يصلح خلقه؛ فلا يأمرهم الا بما فيه نفعهم في الدنيا، وفلاحهم في الاخرة؟

لماذا ترفض الحجاب الذي يحصنها، ويصونها؟! وتهرع خلف كل موضة غربية، وعادة كفرية!!

إنّ ما نراه اليوم من الحجاب الذي يملأ أسواق المسلمين؛ ويسمونه حجابا شرعيا زعموا!! ما هو الا خطة كفرية، وهجمة بربرية، لإفساد المسلمات وجرهنّ الى وادي الذئاب، ومستنقع الرذيلة!

وقد حذر النبي (‰): مما وصل اليه المسلمات اليوم من التخلف عن الحجاب الشرعي، واصطناع التبرج الذي لم يكن في اوائل هذه الامة؛ بل لم يفعلنه حتى نساء المشركين!!! فقال ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها.. ))! أليس لنساء المسلمين أسوة حسنة: في بنات النبي (‰) ونساءه! فقد أمر الله نبيه أن يأمر بناته، ونساءه ونساء المسلمين بالحجاب الشرعي الذي يحبه الله ويرضاه فقال جلّ في علاه: { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [الأحزاب: 59] والحجاب الشرعي: هو ما جمع الشروط الاتية: أن يكون لباسها سابغا بحيث لا يخرج من جسمها شيئا، وألا يكون ضيقا ولا شفافا يبان الجسم من خلاله، والا يكون من لبس الكافرات والفاسقات، والا يشبه لباس الرجال، والا يكون لباس شهرة، والا يكون زينة في نفسه، والا يكون مبخرا أو مطيبا؛ فمن خالفت بلباسها هذه الشروط فقد دخلت في الحرام وصار لباسها لبسا غير شرعي وان سماه الناس لباسا إسلاميا!

????

 (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ )

السعيد من اشتغل بالقليل النافع ودفع عنه الكثير الملهي الضار، وما اكثر الملهيات في زماننا هذا وقد تكون الملهيات هي من المحرمات أو ما قد تكون وسيلة اليها؛ فقد تجد في البيت الواحد خمسة دشوش وعشرة أجهزة للهاتف الجوال وثلاث من اجهزة الكمبيوتر وتجد ان عدد افراد هذا البيت لا يتجاوز الثلاثة وقد يكون ثالثهم في المهد!

(أيها السادرون المخمورون. أيها اللاهون المتكاثرون بالأموال والأولاد وأعراض الحياة وأنتم مفارقون. أيها المخدوعون بما أنتم فيه عما يليه. أيها التاركون ما تتكاثرون فيه وتتفاخرون إلى حفرة ضيقة لا تكاثر فيها ولا تفاخر.. استيقظوا وانظروا.. فقد {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر}).

ان النبي (‘) لما ملك الدنيا وجاءته كنوزها حتى وضعت بين يديه ركلها برجله وطلقها ثلاثا حتى لا ترجع اليه. فأبي وامي لم يملك من الدنيا الا حجراته واشياء زهيدة من ضروريات البيت ولم يكن يدع مالا يأتي اليه الا ويفرقه بين المسلمين كيف لا وهو امام الزاهدين وقدوة الورعين.

والتكاثر اذا لم يكن في طاعة الله فهو مذموم على الاطلاق.

قال ابن القيم: (وأن كل ما يكاثر به العبد غيره سوى طاعة الله ورسوله وما يعود عليه بنفع معاده فهو داخل في هذا التكاثر فالتكاثر في كل شيء من مال أو جاه أو رياسة

أو نسوة أو حديث أو علم ولا سيما إذا لم يحتج إليه والتكاثر في الكتب والتصانيف وكثرة

المسائل وتفريعها وتوليدها والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره وهذا مذموم إلا فيما يقرب إلى الله فالتكاثر فيه منافسة في الخيرات ومسابقة إليها... ).

وعن مطرف، عن أبيه قال: انتهيت إلى النبي (‘) وهو يقول: {ألهاكم التكاثر}

قال: يقول ابن آدم: مالي وما لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت.. )).

ولا ينهي الادمان على التكاثر الا القناعة. ومن لم تكفه القناعة فالتراب يكفيه! فعن ابن عباس قال: جاء رجل إلى عمر فسألة، فجعل ينظر إلى رأسه مرة وإلى رجليه أخرى لما يرى عليه من البؤس، فقال له: ما مالك؟ قال: أربعون. قال: فقال ابن عباس: فقلت: صدق الله ورسوله: ((لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما الثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب. )).

????

تعظيم شعائر الله من الإيمان

نحن في زمن عُظم فيه التافه، ورُفع فيه الساقط، وبُجٌل فيه الحقير، و دُمح الذي لا يستحق، واح مُرت فيه الرويبضة، وانساق الناس فيه الى الاهواء، وبدلوا الشعائر الربانية بشعائر إبليسية!! وعادوا ووالوا عليها حتى وكأنها منزلة من السماء! واستبدلوا الادنى بالذي هو خير؛ بل استبدلوا العظيم بالحقير، والكامل بالناقص، والآجل بالعاجل، واشتروا الدنيا بالآخرة!!

وهذه الاسباب وغيرها: هي التي جعلت تعظيم شعائر الله في قلوبهم معدومة، وعلى جوارحهم مثلومة، والامة التي تقوم بها أُمة مذمومة!

الى متى تبقى هذه الغفلة، وهذا الخذلان، وذلك التراجع عن شعائر الله العظيمة واعلامه المتينة؛ ففيها الخير، وبسببها تتنزل الخيرات، وبها تنهض الامم، وليعلم الغافل عن تعظيم شعائر الدين المعظم لشعائر الملحدين؛ أن قلبه قد التقم النفاق واستفرغ الايمان، وسعدت جوارحه بالمخادعة، واطمأنت بالمداهنة! فعجل يا غافلاً بالتوبة، وعظم الشعائر؛ ففيها صلاح الحال والمآل. فلا تنال التقوى الا بتعظيم شعائر الله، ولا يحصل الايمان الا بتبجيل أوامر الله؛ فتعظيمها فيها السعادة الابدية، والراحة السرمدية، والخلود الجميل الذي لا يلحقه فناء، والبقاء السعيد الذي لا يشوبه تنغيص؛ فالبدار البدار (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).

????

الثبات على طريق الحق

كل شخص يظن ان طريق الدعوة الى الله وسبيل الحق سهل المنال ويسير الفعال فقد أبعد النجعة، فهل نسينا ما دار بين نبينا (‰) وبين ورقة بن نوفل. قال ورقة: ماذا ترى يا ابن أخي! فقص عليه النبي (‘) ما رأى، فقال ورقة: هذا والله الناموس الذي أنزله الله على موسى، ليتني فيها جذعاً -أي: شاباً صغيراً- ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك! فقال النبي (‰): )أو مخرجي هم؟! قال: نعم، ما من أحد جاء بمثل ما جئت به إلا عودي... )

وقد صدق ورقة. فعندما جاء الرسول الى قومه بشيرا ونذيرا وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا. اتهموه، وشتموه، وكادوا به حتى أخرجوه من ارضه وبيته! وهذا هو طريق من اتبعه سواء بسواء.

ومن سلك هذا الطريق فعليه بالصبر واليقين فان العاقبة للمتقين ولا يستعجل النصر وقطف الثمرة. يقول خباب (¢): شكونا إلى رسول الله (‘) وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: يا رسول الله! ألا تدعو الله لنا؟ ألا تستنصر الله لنا؟ فقعد النبي (‰) وقد احمر وجهه، وقال: ((والله لقد كان يؤتى بالرجل من قبلكم فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع في مفرق رأسه فيشق نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه ولحمه، فما يصده ذلك عن دينه، والذي نفس محمد بيده! ليتمن الله هذا الأمر-أي: هذا الدين- حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون )). هذا هو طريق الانبياء والصالحين مليء بالصعاب ولكن نتيجته طيبة فنهايته النصر والعز والتمكين. وهذا بلال رضي لله عنه لما استشعر برودة الايمان نسي حر الشمس والم الحجارة! فهو كان أحد سبعة، هم أول من أظهروا الإسلام فضايقتهم قريش، حتى لم يكن منهم أحد إلا وقد جاراهم في بعض ما يريدون، إلا بلال (¢)؛ فإنه هانت عليه نفسه في الله (¸)، فكانوا يجرونه في صحراء مكة ورمضائها، ويضعون الحصى على صدره، ويقولون: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد فيقول: أَحَدٌ أَحَدْ، أَحَدٌ أَحَدْ. وقد ورد في روايات أنه كان يقول: )والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم من هذه الكلمة لقلتها).

ولا ننسى ما حصل من ثبات وعزيمة من ذلك الصحابي الجليل عبدالله ابن حذافة فقد اعزه الله بالإسلام واعز الله به الاسلام.. فقد وجه عمر بن الخطاب (¢) جيشا إلى الروم و فيهم رجلا يقال له عبد الله بن حذافة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فأسروه الروم فذهبوا به إلى ملكهم فقالوا: إن هذا من أصحاب محمد فقال له الطاغية هل لك أن تنتصر و اشركك في ملكي و سلطاني؟

فقال له عبد الله لو أعطيتني جميع ما تملك و جميع ما ملكته العرب وفي رواية القطان و جميع مملكة العرب على أن أرجع عن دين محمد (‘) طرفة عين ما فعلت قال: إذا أقتلك قال: أنت و ذاك قال: فأمر به فصلب و قال: للرماة ارموه قريبا من يديه قريبا من رجليه و هو يعرض عليه و هو يأبى ثم أمر به فأنزل ثم دعا بقدر و صب فيها ماء حتى احترقت ثم دعا بأسيرين من المسلمين فأمر بأحدهما فألقي فيها و هو يعرض عليه النصرانية و هو يأبى ثم أمر به أن يلقى فيها فلما ذهب به بكى فقيل له: إنه بكى فظن أنه رجع فقال: ردوه فعرض عليه النصرانية فأبى قال: فما أبكاك إذا؟

قال: أبكاني أني قلت في نفسي تلقى الساعة في هذا القدر فتذهب فكنت أشتهي أن يكون بعدد كل شعرة في جسدي نفس تلقى في الله عز و جل قال له الطاغية: هل لك أن تقبل رأسي و أخلي عنك؟ قال عبد الله و عن جميع أساري المسلمين قال: و عن جميع أسارى المسلمين. قال عبد الله: فقلت في نفسي عدو من أعداء الله أقبل رأسه يخلي عني و عن أسارى المسلمين لا أبالي فدنا منه و قبل رأسه فدفع إليه الأساري فقدم بهم على عمر فأخبر عمر خبره فقال عمر: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة و أنا أبدأ فقام عمر فقبل رأسه. فاذا اردنا النصر والتمكين فلا بد من الاقتداء بأمثال هؤلاء الصالحين.

????

 

(فجاءته إحداهما تمشي على استحياء. قالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا )

نرى ان الحياء في هذا الزمان قد انتحر!! فنجد الفتاة تضاحك الشباب وتتلطف معهم في الكلام، وتلين لهم القول، وترقق لهم الصوت كل هذا منها لهم وهم ليسوا من محارمها! بل قد يكون هذا هو: البائع في السوق، أو سائق السيارة، أو الخادم، أو قريبها ممن لا يحل لها الخلوة به! للأسف كلما تقدم بنا الزمان فسد الحياء؛ بل صار الحياء شيئا غريبا، ورجعية مقيتة كما يظنون!

وفي هذه الآية قصة امرأة من التاريخ القديم قبل آلاف السنين ولان قلبها مليء حياء وجوارحها مشت باستحياء ولم تنطق الا بقدر الحاجة والضرورة لكمال عفتها ورزانتها وعظيم تربيتها وشرف اخلاقها... قص الله علينا قصتها وصور لنا مشيتها ونقل الينا كلامها. لتكون قصتها لنا عبرة ومضرب المثل بالحياء الكامل والادب العظيم والمنطق الراقي.

نتمنى بناتنا وامهاتنا يكن مثلها في هذه الصفة العظيمة المباركة. فالمرأة اذا فقدت الحياء فإنها تفقد الايمان واذا فقدت الايمان فإنها تفقد كل شيء! ففي الحديث إن الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا نزع أحدهما نزع الآخر )) وجاء ايضا ((إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء. )) وقد وصف النبي (‘) بأنه (أشد حياء من العذراء في خدرها)! فالعذراء مضرب المثل بتمام حياءها فمالها اليوم قد نزعت جلباب حياءها وارتديت برداء الوقاحة! لم تدع وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي وغيره الا وخلعت بسببه عذار حياءها! فهذه الصديقة كانت تستحي من الاموات فضلا عن الاحياء! تقول عن نفسها –واسمعي وتعجبي- تقول: كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله (‘) -لما مات دفن في غرفتها في بيتها- وأبي (¢) - أبو بكر لما مات دفن في غرفتها في بيتها- تقول: أدخل البيت واضعة ثوبي وأقول: إنما هو زوجي وأبي، تقول: فلما دفن عمر (¢)، والله ما دخلته إلا مشدودة عليَّ ثيابي حياءً من عمر (¢)، وهو ميتٌ مدفونٌ تحت التراب.! الله أكبر كم نحن بحاجة الى امثالك يا ايتها الحَصان الرَزان. و هذه هند بنت عتبة (~) تبايع النبي (‘) بيعة النساء، فأخذ عليهن في بنود البيعة: ألا يشركن بالله شيئاً، ولا يسرقن، ولا يزنين، لما سمعت كلمة يزنين، تعلمين ماذا صنعت؟ وضعت يدها على رأسها حياءً وهي تقول: وهل تزني الحرة؟ وهل تزني الحرة؟

فتقول لها عائشة: على هذا بايعنا فبايعي، وهي تقول: وهل تزني الحرة، وهل تزني الحرة؟!

فبايعت النبي (‘) وهي تتعجب هل تفعل هذا حرة من الحرائر؟

تعالين وانظرن ما يفعلن الحرائر في هذا الزمان في الشوارع وامام انظار الكبار والصغار ولا حول ولا قوة الا بالله.

????

غذاء الروح

الاعتناء بغذاء الروح افضل بكثير من الاعتناء بغذاء البدن لان عافية الروح تعود بالنفع على صاحبها في الدنيا والاخرة بعكس الاول بل ان الزيادة على المشروع في غذاء البدن يعود بالضرر على غذاء الروح بل قد يميتها وهذا حال الكافر كما وصفه النبي (‘) ((المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء. )).

قال ابن القيم (¬): ولما كان الكافر ليس في قلبه شيء من الإيمان والخير يغتذي به انصرفت قواه ونهمته كلها إلى الغذاء الحيواني البهيمي لما فقد الغذاء الروحي القلبي فتوفرت أمعاؤه وقواه على هذا الغذاء وأما المؤمن فإنه إنما فتوفرت أمعاؤه وقواه على هذا الغذاء واستفرغت أمعاؤه هذا الغذاء وامتلأت به بحسب استعدادها وقبولها كما امتلأت به العروق والمعدة وأما المؤمن فإنه إنما يأكل العلفة ليتقوى بها على ما أمر به فهمته وقواه مصروفة إلى أمور وراء الأكل فإذا أكل ما يغذيه ويقيم صلبه استغنى قلبه ونفسه وروحه بالغذاء الإيماني عن الاستكثار من الغذاء الحيواني فاشتغل معه الواحد - وهو قولان - بالغذاء فأمسكه حتى أخذت منه الأعضاء والقوى مقدار الحاجة فلم يحتج إلى أن يملأ أمعاءه كلها من الطعام وهذا أمر معلوم بالتجربة وإذا قويت مواد الإيمان ومعرفة الله وأسمائه وصفاته ومحبته والشوق إلى لقائه في القلب استغنى بها العبد عن كثير من الغذاء ووجد لها قوة تزيد على قوة الغذاء الحيواني فإن كثف طباعك عن هذا وكنت عنه بمعزل فتأمل حال الفرح والسرور يتجدد نعمة عظيمة واستغناؤك مدة عن الطعام والشراب مع وفور قوتك وظهور الدموية على بشرتك وتغذية بالسرور والفرح ولا نسبة لذلك إلى فرح القلب ونعيمه وابتهاج الروح بقربه تعالى ومحبته ومعرفته كما قيل: لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتلهيها عن الزاد).

وقد قال صلى الله عليه و سلم في الحديث المتفق على صحته ]إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني[ وصدق الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه فإن المقصود من الطعام والشراب التغذية الممسكة فإذا حصل له أعلى الغذاءين وأشرفهما وأنفعهما فيكف لا يغنيه عن الغذاء المشترك وإذا كنا نشاهد أن الغذاء الحيواني يغلب على الغذاء القلبي الروحي حتى يصير الحكم له ويضمحل هذا الغذاء بالكلية فكيف لا يضمحل غذاء البدن عند استيلاء غذاء القلب والروح ويصير الحكم له؟ وقد كان صلى الله عليه و سلم يمكث الأيام لا يطعم شيئا وله قوة ثلاثين رجلا ويطوف مع ذلك على نسائه كلهن في ليلة واحدة وهن تسع نسوة).

????

لا تكن مسمارا يدق بأي مطرقة

لقد خلق الله لكل شخص عقلا يميزه عن غيره وقدرات قد لا توجد عند غيره ومن المؤسف ان يدمر الانسان هذا العقل ويميت هذه القدرات بسبب تبعيته العمياء في كل شيء وتغيره في كل ظرف وهذا امر منكر وصفة ذميمة. فكيف بعد ان وهبنا الله شخصية مستقلة نأتي ونذيبها في شخصية اخرى وقد تكون مغايرة لشخصيتنا تماما!

فلكل انسان وجهة خاصة به وكل ميسر لما خلق له. ان الشرع الحنيف قد حذرنا غاية الحذر من ان نكون إمعة كما جاء في الاثر لا يكن أحدكم إمعة، يقول: إن أحسن الناس أحسنتُ، وإن أساءوا أسأتُ؛ ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم، فإنه لا أسوة في الشر. وهكذا ينبغي للمسلم ان يكون مستقل بشخصيته ولا باس ان يقلد الناس في الخير وينافسهم عليه ولكن عليه الا يذيب شخصيته والا يقلدهم في الشر. والإمعة هو الرجل الذي لا رأي له ولا عزم، فهو يتابع كل أحد على رأيه، ولا يثبت على شيء!! بل ان الامعة مآله الندم فهو في سقر لانه لعب مع اللاعبين وخاض مع الخائضين فاصبح من الخاسرين.

????

 لكل مقام مقال

قيل: ان لكل مقام مقالا؛ فكم من كلمة اصابت مقتلا؛ لأنها خرجت من وضيع فأصاب بها رفيع القدر جليل الوصف؛ لأنه قالها في غير موضعها، وبحق من لا يستحقها! فاللبيب يعرف بماذا يتكلم ومتى يتكلم وهل يصلح كلامه لمن قصده ام لا، واما الاحمق فلا يبالي بكلامه، ولا يداري بألفاظه بل يتهجم بحركاته ويلمز بفعاله ويهمز بأقواله.. يحرك عينيه ولسانه وشفتيه بكل ما يعيب ويشين. يقلب الحق باطلا.. لا يبالي بحرمة، ولا يحوي أزمة ولا ينصاع لنصيحة. همه ما برأسه وان قتل بحماقته أمة.

وفي الحديث (حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكذَّب الله ورسوله؟! ) فلو حدثنا انسا بكلام لا تبلغه عقولهم لصار لهم أو لبعضهم فتنة. كما ان اللقمة الكبيرة تسد رمق الكبير ولكنها تقتل الصغير!! ومن شواهد القصص على هذا قصة المسلمين الاوائل لما هاجروا الى الحبشة وكان المتحدث باسمهم جعفر (¢) وكان النجاشي وقتها كافرا ولكن جعفر لم ينقصه قدره ولم يخاطبه الا بالملك فأعطاه قدره ومقامه ولو انه اهمله لما اصغى اليه أو قضى لهم حاجتهم بل لعل خطابه الراقي للملك هو الذي اثر به حتى أسلم! ولما أخبر النبي (‘) أبا هريرة: )بأن من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، وخرج أبو هريرة ليخبر بذلك الناس، فكان أول من لقيه عمر، فأخبر عمر بذلك، فضربه عمر ضربة أسقطته على استه على الأرض، فرجع أبو هريرة مذعوراً إلى رسول الله (‘) يقص عليه نبأ ما دار بينه وبين عمر، ودخل عمر في إثره، فقال: يا رسول الله! إذن يتكلوا ويتركوا العمل يا رسول الله! فقال الرسول (‘): إذاً: فلا تخبرهم يا أبا هريرة! )

فعمر (¢) فطن ان هذه البشارة تضر الناس بان يتكلوا ويتركوا العمل فردّ ابا هريرة واقره النبي (‘)..

قال المتنبي:

وضع الندى في موضع السيف بالعلا ***مضر كوضع السيف في موضع الندى

وجاء في صحيح البخاري أن عمر (¢) وأرضاه سمع في الحج وفي آخر حجة حجها قائلاً يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة أي: أنها صدفة، ولا يصح إطلاق الصدفة؛ ولكنها جاءت مفاجأة طارئة، ما رُتِّب وما أُعِد لها، وما كان أبو بكر متهيئاً لأخذ الخلافة، فالقائل هذا قصدُه حسن، وهو لا يتهم أبا بكر، فهو أحق الناس بالخلافة (¢) وأرضاه، لكنه يريد أن يقول: إنها جاءت طارئة، ففُهِمَت فهماً آخر، فقال عمر (¢) وأرضاه: لأقومن في الحجيج هذه الليلة فأتكلم لهم عن بيعة أبي بكر، وأشرح لهم ذلك، فجاء عبد الرحمن بن عوف (¢) وأرضاه، أحد العشرة، فقال: يا أمير المؤمنين! أنت مَن أنت -أي: في عقلك- وأنت إذا تحدثت في هذا المجمع كان فيه من الغوغاء والأوباش والسواد ما لا يفهمون كلامك فيوقعونه على غير مواقعه، فينتشرون به في الآفاق وقد غوَّريه، فتكون فتنة، فأرى أن تعود إلى المدينة فإذا وصلت إليها واجتمعت بعلية الصحابة في المسجد وبالمهاجرين والأنصار أخبرتهم وأنت على تمكن.

قال: أصبت ي ابن عوف، أصاب الله بك الخير. فعاد عمر، وألقاها في المسجد في مجتمع يفهم ما يقول. والحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها فهو احق بها.

????

  

لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه

لا بد لنا أن نعلم: أنه هناك ترابط بين عمل الجوارح وعمل القلب، وتلازم بين الظاهر والباطن؛ فالعمل الظاهر نتيجة العمل الباطن، والعمل الباطن أصل: به تتحرك الجوارح سلبا وايجابا؛ فمن المحال: أن يوجد قلبٌ سليمٌ وجوارح سقيمة، أو يكون فؤاد صحيح وأركان عليلة، الا إذا وجد مانع أو سبب شرعي.

فحال القلب مع الجوارح؛ كحال الملك مع جنوده؛ بل أشد! قال أبو هريرة رضي الله عنه (القلب ملك والاعضاء جنوده؛ فإذا طاب الملك طاب جنوده وإذا خبث الملك خبث جنوده (؛ فصلاح القلب = صلاح الجوارح، وفساده = فسادها. ولا يوجد في الواقع أحد يحب الله ورسوله، ويخاف الله، ويعظمه عمره كله؛ ثم لا يسجد لله سجدة، ولا يزكي ولا يفعل أي عبادة لمن يحبه ويخافه ويعظمه! لا يقول هذا الا من أعمى الله بصره، وطمس بصيرته. وهذا المعنى يدل عليه قول الرسول (‘) (ان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله، واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب).

وهذا أصل عام. ومن فروعه العابث في صلاته لا يمكن وصفه بالخشوع؛ لان الخشوع هو السكون والعبث حركة، والحركة تنافي السكون وتناقضه. فمن أراد أن يصلح جوارحه فليسعَ لصلاح قلبه، وليعتنِ بقلبه؛ لانه محل نظر الله )ان الله لا ينظر الى أجسامكم ولا الى صوركم ولكن ينظر الى قلوبكم(. وقد أخبرنا ربنا أنه لا ينفع العبد يوم القيامة الا القلب السليم وسلامة الجوارح نتيجة حتمية للقلب السليم.

ولابد للإنسان أن يجمل ظاهره، ويطيب جوارحه، وينقي أركانه؛ وطريق هذا أعمال القلب العظيمة: من تعظيم الله، والخوف والرجاء منه، والانابة اليه، والتذلل له والخضوع بين يديه، واليقين بوعد الله ووعيده، وعدم الريب جزاءه، ولا الشك في ثوابه وعقابه؛ فهذه الاعمال الجليلة: تضمن للعبد جوارحا سليمة، وعملا ظاهرا نقي.

????

احفظ الله يحفظك

ان الله تعالى يتعامل مع خلقه بسنن ثابتة، وقوانين لا تتغير، وانظمة لا تتبدل، واقدار لا تتحول.

فمن حفظ الله حفظه، ومن اتقاه وقاه، ومن توكل عليه كفاه، وكما تدين تدان، من حفظ القران لا يصيبه الخرف! ومن عود جوارحه على الطاعات حفظه الله من التلف) بعض العلماء تجاوز المئة وهو ممتع بقوته وعقله.. فوثب يوما وثبة شديدة فتعجب الحاضرون من قوته!! فقال هذا العالم: هذه الجوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر … فحفظها الله علينا في الكبر!! من عاش تقيا عاش قويا! ( … تيقنوا ان الجزاء من جنس العمل … ((احفظ الله يحفظك )) … ارجع الى الله: يرجع الله اليك هيبتك، وكرامتك … خف الله: يخوف الله منك كل شيء … عمر الفاروق لما تجرد من خوف البشر، وجرد خوفه لله … خاف منه كل البشر؛ بل حتى الجن! لا تتعدى حدود الله: يمنع الله منك كل تعدي … اترك الدنيا تأتيك … ولا تنافس الناس عليها يحبوك. احفظ الله تجده تجاهك )) عبادة الرخاء تنفعك في الشدة … وشكر النعم يزيدها؛ بل به يدفع عنك النقم … ((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة.. ))

تذلل لملك الملوك: يعظمك الملوك … تجرد بالسؤال لله: يدفع عنك مسألة الناس… رأى بعض السلف شيخا يسأل الناس فقال: ان هذا ضعيف ضيع الله في صغره فضيعه في كبره ). بل ان كرم الله وجوده تعدى حفظ النفس الى حفظ المال، والولد وولد الولد!! قال عمر: )ما من مؤمن يموت الا حفظه الله في عقبه وعقب عقبه ).

وقد حفظ الله للغلامين كنزهما، وسخر الله لهما رجلا غريبا عنهما لا من القرابة ولا من المدينة أصلا؛ لكنها معية الله لهما{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 82]من حفظ الله في الدنيا حفظ الله له الدنيا والاخرة.

????

ونطق الرويبضة:

كنت جالسا في بعض الاماكن مع بعض الناس من العوام وهم يتكلمون في أمور الدنيا! وفجأة سأل أحدهم آخر سؤالاً دينيا، فما كان من العامي الا أن أفتاه! وكأنٌه أبو حنيفة! أيها المساكين اتقوا الله في أنفسكم، وفي الناس. هل أصبحت الفتوى بهذه الدرجة يتكلم بها من هبٌ ودبٌ! ويسطر حروفها الصغير والحقير! وينفخ بها المتزبب قبل أن يتحصرم!

وهل وصل الحال لبعضهم: الى حظيظ السذاجة، ومستنقع الجهل، ودرَك الحمق، ومنتهى السخافة؛ حتى سألوا الرويبضة، واستفتوا العامة، واستأمروا الجاهل واستشاروا الحمقى!

لماذا وصل الحال ببعضهم الى هذه الدرَكَة؟ تركوا العلماء، وهجروا الفقهاء، وأهملوا الحكماء، وتجنبوا العقلاء!! كيف تنهض الامم؟ وأفرادها وجماعاتها يتسلقون على ظهور العلماء ليظهروا الجهال!

ويسلمون الاحرار ليتسلط العبيد!! ويبعدون الحكماء ليرتقيَ السفهاء!

السائل والمسؤول أحمقان كلاهما! فالأول: رفع الوضيع، وعظم الحقير، ومجد المعيب ووقر المهان!

والثاني: صدق كلام الغافل؛ فظنٌ الجواب ربحاً! ونسي أو تناسى أن كلامه سيؤول التسفيه، وينتهي الى الزوال!! هل نسينا أن الله ذم المتكلمين بغير علم، والمفتين بغير برهان، والمطيلين ألسنتهم بغير دليل؟!

هل غفلنا عن قول الرسول (‘) ((اجرؤكم على الفتوى اجرؤكم على النار)) وتيقنوا أنٌ الامم لا تنهض، والحضارات لا تستمر وتتقدم؛ الا بتقديم العلماء، واستشارة المفكرين، وإعانة العقلاء والمصلحين

وصدق من قال:

فرجل يدري ويدري انه يدري.. فذلك عالم فاعرفوه

ورجل يدري ولايدري انه لايدري.. فذلك غافل فأيقظوه

ورجل لايدري ويدري انه لايدري.. فذلك جاهل فعلموه

ورجل لايدري ولايدري انه لايدري.. فذلك أحمق فاجتنبوه!

????

رقية الشيطان

المستوى الايماني لدى الشباب والفتيات في هذا العصر وصل الى مستويات منخفضة جدا بحيث لا يستطيع كثير منهم ان ينام الا بعد أن يسمع رقية الشيطان!

يا ترى ماهي رقية الشيطان؟! انها الغناء الماجن والطرب الفاحش والموسيقى بكل انواعها.

في الآونة الاخيرة نلحظ ان شباب الامة قد استبدلوا رقية الرحمن برقية الشيطان!!

استبدلوا الادنى والمضر بالذي هو خير وأنفع في الدنيا والاخرة!

الغناء: يثير الغرائز ويبعث النفس على ارتكاب الرذائل، وينشطها على هتك الحرمات، وينبت النفاق في القلب، وهو سبب في اسدال الحجاب بين مستمعه وبين ربه!

يقول ابن القيم: الغناء بريد الزنا ورقية الشيطان، وما داوم أحد على الغناء إلا وقع في الزنا، والعياذ بالله.

وقال الامام احمد: الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني: وقال: مالك إنما يفعله عندنا الفساق قال عبدالله: وسمعت أبي يقول: سمعت يحيى القطان يقول: لو أن رجلا عمل بكل رخصة بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل المدينة في السماع - يعني الغناء - وأهل مكة في المتعة لكان فاسقا!!

وقد زعموا ان في الموسيقى علاجا!! قد يكون علاجا آنيا ولكنه للنفوس التي ابتعدت عن الايمان وتشربت النفاق. ولو قلنا انه علاج ولا نقول به فانه يورث خبث القلب ونفاقه الى الابد اذا لم يتب صاحبه.

ومن هامت نفسه في حب الغناء وتشرب قلبه بريد الزنا فانه يخشى عليه من سوء الخاتمة وهذه القصة دليل على قولنا: فهذا أحد العاملين في أمن الطرقات يقول: حادث شنيع حدث أمام أعيننا، سيارتان مسرعتان ارتطمتا وجهاً لوجه، فانطلقنا إلى مكان الحادث.

جئنا إلى السيارة الأولى فإذا الذي فيها قد فارق الحياة، وجئنا إلى السيارة الثانية فإذا فيها ثلاثة من الشباب، والذي يظهر أنهم في ساعات احتضار، أنزلناهم من السيارة، ومددناهم على جانب الطريق، أخذ صاحبي يردد عليهم: قولوا لا إله إلا الله، قولوا لا إله إلا الله، وفجأة ارتفعت أصواتهم بالغناء، وصاحبي يردد عليهم: قولوا لا إله إلا الله، وهم يرددون ألحان الشيطان حتى خمدت أنفاسهم والعياذ بالله.

والغناء قد حرمه الله ورسوله... قال تعالى {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64]

قال المفسرون كما ذكر ابن جرير وابن كثير وغيرهما: ((صوته الغناء )) واستفزز –والخطاب للشيطان- أي: استفزز اللاغين اللاهين بصوتك الذي هو الطرب والغناء، وما صاحبه من موسيقى ووترٍ وناي وكمنجةٍ، وغيرها من المعازف، استفززهم بذلك وأزهم أزاً، وحركهم إلى المعصية، وذكرهم الفاحشة، ومرسهم على الفجور.

وقال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } [لقمان: 6] قال ابن مسعود: (أقسم بالله أن لهو الحديث لهو الغناء).

(أما مفاسده فقد ذكرها ابن تيمية وابن القيم، منها: هدم الأخلاق، وغرس النفاق، والوحشة بين العبد وبين الله، وقسوة القلب، وضياع العمر، وحرمان سماع غناء الجنة الذي هو ألذ من كل لذيذ -أسمعنا الله إياه- وهذا لمن لم يسمع الأوتار والعيدان في الدنيا(، قال ابن القيم ناظماً:

قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان

فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات بالأوزان

يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان.

????

أحب العمل إلى الله أدومه و إن قلّ

بعض الناس لا يريد ان يعمل عملا صغيرا؛ وانما يقول: اما ان اعمل عملا كبيرا، أو لا اعمل! ونسي، أو تناسى: ان الاعمال انما تعظم بالنيات فرب عمل صغير كبرته النية، ورب عمل كبير صغرته النية! ) إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى (...

وكلنا يعرف حديث صاحب البطاقة التي ادخلته الجنة واتلفت جميع سجلات سيئاته وهو لم يتذكر البطاقة اصلا؛ وانما ذكر بها لأنه قالها خالصا من قلبه قد صدق بها ربه فادخله الله الجنة وهو لم يعمل خيرا قط!

وفي الحديث: ((لا تحقرنَّ جارةٌ لجارتها ولو فرسن شاةٍ )) وفي رواية: ((ولو بظلف محرق )) وفي رواية: ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه -أي: أيسر منه- فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أمامه فلا يجد إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة ))... إنه جهد المقل، وقد (سبق درهمٌ ألف درهم ).

فالقليل الدائم خير واحب الى الله من الكثير المنقطع. لان العمل الدائم ينبيء بإخلاص صاحبه وثبات ايمانه الذي يدفعه الى العمل الصالح وان طالت مدته.

وقال النبي (‰) مرة لعبد الله: )يا عبد الله! لا تكن كفلان كان يقوم الليل فتركه( فذمه النبي (‘) لأنه لم يتم عمله وانقطع عنه، وقد يكون السبب ان بعضهم يعمل عملا ثقيلا ونفسه لا تحتمل الدوام عليه فيتركه بالكلية وقد يترك معه بعض الاعمال الاخرى التي كان يداوم عليها! اذن فلا بد من التهوين على النفس والرفق بها حتى تستطيع المداومة على العمل كما جاء في الحديث: ( إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا) فمن شدد، شدد الله عليه ومن اخذ بالقصد والاعتدال ووازن الامور وفق للخير.

ولنا في رسول الله اسوة حسنة فقد كان عمله ديمة كما قالت عائشة (~).

????



([1]) المستدرك على الصحيحين للحاكم (4/ 341)

([2]) مصنف ابن أبي شيبة (7/ 108)

([3]) الفوائد ( ص48)يم


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الآجرّوميّة