الاثنين، 22 يونيو 2020

لا تستهينوا بالرؤى



لا يختلف اثنان في أن زماننا هذا آخر الزمان، وأن الساعة قاب قوسين أو أدنى في مدة لا يعلم مداها الا الله، ولما ختم الله النبوة بمحمد (‘) جعل لهذه الأمة: ما يؤنسها ويقوي من عزمها ويبشرها وينذرها وذلك من خلال الرؤى الصادقة، والتي قد استهان بها أكثر الناس اليوم: إما لجهلهم بتأويلها أو لعدم تعظيمها وتصديقها! ورؤيا المؤمن لا تكذب خصوصا في آخر هذه الأمة؛ فعن أبي هريرة (¢) قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (‘): ((إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ، رُؤْيَا المُؤْمِنِ))([1]).

 

وقد عظم الله الرؤى الصادقة: فبها اختبر الله إيمان خليله إبراهيم (’) ثم قربه منه{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) } [الصافات: 102].

 

 وبها أنقذ الله على يد يوسف (’) أمة كادت تهلك من الجوع {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 46 - 49].

 

وبها شرع الله أعظم شعائر الإسلام وهو الأذان قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: ((لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ (‘) بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى، قَالَ: فَقَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ، قَالَ: وَتَقُولُ: إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (‘)، فَأَخْبَرْتُهُ، بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ: «إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ» فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ، وَيُؤَذِّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَيَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (‘): فَلِلَّهِ الْحَمْدُ))[2].

ومن خلالها تزوج النبي (‘) من عائشة (~)، فعَنْ عَائِشَةَ (~)، أَنَّ النَّبِيَّ (‘)، قَالَ لَهَا: (( أُرِيتُكِ فِي المَنَامِ مَرَّتَيْنِ، أَرَى أَنَّكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، وَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَاكْشِفْ عَنْهَا، فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ ))([3]).

 

وأول بداية النبوة كانت الرؤيا الصادقة التي كان يراها النبي (‘) في منامه فتتحقق في الواقع فعَنْ عَائِشَةَ (~)، أَنَّهَا قَالَتْ: ((أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ (‘) مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ))([4]).

 

ومن خلالها بشر الله المؤمنين بالفتوح الربانية وكسر شوكة الكفار وهدم الأوثان وإقامة الدين وتخليص الناس من العبودية { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27].

 

وقد حصر الله لنا الايام التي تقع فيها ليلة القدر رحمة بنا وتيسرا علينا وفضلا منه وكان سبب علمنا أنها في السبع الأواخر من رمضان بسبب رؤيا الصحابة فيها فعَنِ ابْنِ عُمَرَ (ƒ): أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ (‘)، أُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي المَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (‘): «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ))[5].

 

والرؤيا الصادقة رحمة الله لعباده بها يؤنَس المؤمن ويعان ويُبشَر ويُنذَر وقد يخلصه الله بها من عين أو سحر يعجز الأطباء والرقاة عنه فعَنْ عَائِشةَ قَالَتْ: ((سُحِرَ النَّبِيُّ (‘)، حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا وَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: " أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي، أَتَانِي رَجُلاَنِ: فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَالَ: فِيمَا ذَا، قَالَ: فِي مُشُطٍ وَمُشَاطةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ " فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ (‘)، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: «نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ» فَقُلْتُ اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ: «لاَ، أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا» ثُمَّ دُفِنَتِ البِئْرُ))[6].

 

وكلما كان الرائي صادقا في حديثه كانت رؤياه صادقة ومتحققة في الواقع سواء كانت بشارة أو نذارة؛ وعليه فليحرص المسلم على صدق حديثه لتصدق رؤياه وليحرص أيضا على تعبير رؤياه على عابر صادق ومحب، ويتجنب الجاهل والمبغض.

 

 

 

عمر العبد الله

 5 شعبان 1441ه



([1]) صحيح البخاري ح(7017)

[2] سنن أبي داود (1/ 135).

 

([3]) صحيح البخاري ح(3895)

([4]) صحيح البخاري ح(6982)، وصحيح مسلم ح(160)

[5] صحيح البخاري (3/ 46).

 

[6] صحيح البخاري (4/ 122).

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الآجرّوميّة