الاثنين، 22 يونيو 2020

مختصر الموسوعة الفقهية الكويتية فقه العبادات


بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على الرحمة المهداة نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: أخرج الشيخان عن معاوية (¢) قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (‘) يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ » الحديث. وطرق التفقه في الدين متنوعة ومتباينة وكلها محمودة ومرضيّة ويجزي بها الله {الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة: 11].

ومن تلك الطرق اختصار المطولات، وتبسيط المطولات؛ لذلك وقع في نفسي أن أختصر فقه العبادات من الموسوعة الفقهية الكويتية.

وقد رأيت الاقتصار على مذهبي الحنفية والشافعية وتجريد المسائل من أدلتها والأقوال غير المعتمدة، وحذف التعليلات وما يندر وقوعه من المسائل.

وسبب اختياري هذه الطريقة في الاختصار هو عمل مختصر ينتفع به الخاصة والعامة أعني بالخاصة أولئك المرشدين الذين يختبرونهم كل عام في أبواب الطهارة والصلاة والمناسك والعامة من دونهم في العلم من عامة الناس.

وهذا المختصر بمثابة المتن على مذهب الحنفية والشافعية ولكنه مرتب وعباراته عصرية يسيرة وسهلة ينتفع بها مقلدي هذه المذاهب بل حتى عوام الناس.

وهذا المختصر لا يمكن أن يفي بحاجة الباحث أو من يروم التوسع والاطلاع على تفصيلات ودقائق المسائل ومن أراد ذلك فدونه المطولات ومنها كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية فهي من الأعمال الرائعة في هذا الزمان.

وكل ناظر في الموسوعة يعلم أنها لم تؤلف على طريقة الكتب الفقهية المعروفة؛ لذا يصعب على المرشدين والمبتدئين أن يطلعوا على كل مواضيعها وقد قربت البعيد ورتبت المبعثر من المواضيع ليسهل لهم مراجعتها وحفظ مسائلها.

والله أسأل أن يوفقنا لخدمة شريعته وأهله وخاصته وأن يجعل هذا العمل مباركا ويكتب لنا أجره إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 عمر العبد الله

22 رجب 1441 ه

الموافق/ 17/03/2020م

 


كتاب الطهارة

 

قال تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].

الطهارة في اللغة: النظافة.

وفي الشرع: هي عبارة عن غسل أعضاء مخصوصة بصفة مخصوصة.

أقسام الطهارة:

تنقسم إلى قسمين: طهارة من الحدث، وطهارة من النجس، أي: حكمية - وهي الطهارة من الحدث - وحقيقية.

تطهير النجاسات:

·                  النجاسات العينية لا تطهر بحال، إذ أن ذاتها نجسة : وهي الدم المسفوح، والميتة، والبول والعذرة من الآدمي والخنزير واختلفوا في الكلب فقال الشافعية هو نجس العين خلافا للحنفية الذين قالوا بنجاسة لحمه.

·                  التطهير من النجاسة لا يحتاج الى نية عندهم.

ما تحصل به الطهارة:

·                  اتفق الفقهاء على أن الماء المطلق رافع للحدث مزيل للخبث. وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر قالع، كالخل وماء الورد ونحوه مما إذا عصر انعصر؛ خلافا للشافعية.

·                  واتفقوا على طهارة الخمر بالاستحالة، فإذا انقلبت الخمر خلا بنفسها فإنها تطهر.

·                  واتفقوا على أن جلد الميتة يطهر بالدباغة.

·                  وعد الحنفية من المطهرات: الدلك، والفرك، والمسح، واليبس، وانقلاب العين، فيطهر الخف والنعل إذا تنجس بذي جرم بالدلك، والمني اليابس بالفرك، ويطهر الصقيل كالسيف والمرآة بالمسح، والأرض المتنجسة باليبس، والخنزير والحمار بانقلاب العين، كما لو وقعا في المملحة فصارا ملحا.

أقسام المياه:

أ‌-                الماء المطلق: هو ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد. وهو طاهر مطهر. وهو أنواع: ماء السماء والبحر والنهر والبئر وماء الثلج والبرد والماء الاجن.

·                  عند الحنفية عدا أبي يوسف: لا يجوز التطهر بالثلج قبل الإذابة ما لم يتقاطر ويسل على العضو. وقال الشافعية يجوز فقط في مسح الممسوح منه كالرأس والخف والجبيرة.

·                  يجوز رفع الحدث بماء زمزم ويكره إزالة النجس به.

ب‌-         الماء المستعمل:

·                  الماء المستعمل عند أبي حنيفة وأبي يوسف: هو الماء الذي أزيل به حدث أو استعمل في البدن على وجه القربة، كالوضوء على الوضوء بنية التقرب أو لإسقاط فرض. وعند محمد بن الحسن: هو الماء الذي استعمل لإقامة قربة.

·                  وأثر اختلافهم هذا يظهر كالتالي:

·                  إذا توضأ بنية إقامة القربة نحو الصلاة المعهودة وصلاة الجنازة ودخول المسجد ومس المصحف وقراءة القرآن ونحوها. فإن كان محدثا صار الماء مستعملا بلا خلاف لوجود السببين، وهما: إزالة الحدث وإقامة القربة. وإن كان غير محدث يصير الماء مستعملا عند الثلاثة أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد لوجود إقامة القربة.

·                  إذا توضأ أو اغتسل للتبرد، فإن كان محدثا صار الماء مستعملا عند أبي حنيفة وأبي يوسف لوجود إزالة الحدث وعند محمد: لا يصير مستعملا لعدم إقامة القربة.

·                  والماء المستعمل عند الحنفية يجوز إزالة النجاسة الحقيقية به.

·                  الماء المستعمل عند الشافعية: هو الماء القليل المستعمل في فرض الطهارة عن حدث كالغسلة الأولى فيه، أو في إزالة نجس عن البدن أو الثوب، أما نفل الطهارة كالغسلة الثانية، والثالثة فالأصح في الجديد أنه طهور. والقليل من الماء المستعمل طاهر غير طهور، فلا يرفع حدثا ولا يزيل نجسا.

ج- الماء المسخن:

·                  إذا سخن بالشمس فيكره استعماله في البدن في الطهارة وغيرها كأكل وشرب عند الشافعية خلافا للحنفية.

·                  اذا سخن بغير الشمس: فلا يكره عند الشافعية ولو سخن بنجاسة مغلظة.

د- الماء المختلط: وهو إما أن يكون مختلطا بطاهر، أو يكون مختلطا بنجس.

1-            حكم الماء المختلط بطاهر: اتفقوا على أن الماء إذا اختلط به شيء طاهر - ولم يتغير به لقلته - لم يمنع الطهارة به، كما اتفقوا على أن الماء إذا خالطه طاهر لا يمكن الاحتراز منه فتغير به يجوز التطهير به.

·                  الماء الذي خالطه طاهر يمكن الاحتراز عنه - كزعفران وصابون ونحوهما - فتغير به أحد أوصافه فهو مطهر عند الحنفية بشرط أن لا يكون التغيير عن طبخ، أو عن غلبة أجزاء المخالط حتى يصير ثخينا. وعند الشافعية غير مطهر.

2-            إذا تغير الماء بمجاورة طاهر: كالدهن والطاهرات الصلبة كالعود والكافور، إذا لم يهلك في الماء ولم يمع فيه فهو طاهر مطهر عند الحنفية وهو الأظهر عند الشافعية.

3-            الماء المختلط بنجس: الماء إذا خالطته نجاسة ولم تغير أحد أوصافه؛ فإن كان الماء قليلا ينجس، وإن كان كثيرا لا ينجس.

·                  عند الحنفية: لو حرك طرف منه يتحرك الطرف الآخر فهو قليل، وإن كان لا يتحرك فهو كثير. وعند الشافعية دون القلتين قليل والقلتين وما زاد كثير.

تطهير المياه النجسة:

·                  عند الحنفية: لا يطهر حتى يدخل الماء فيه، ويخرج منه مثل ما كان فيه ثلاث مرات، فيصير ذلك بمنزلة غسله ثلاثا. والشافعية: يفرقون بين ما إذا كان الماء المراد تطهيره دون القلتين وبين ما إذا كان وفق القلتين أو يزيد. فإن كان الماء دون القلتين: فتطهيره يكون بالمكاثرة حتى يبلغ قلتين. وإن كان الماء وفق القلتين: فإما أن يكون غير متغير بالنجاسة، وحينئذ يطهر بالمكاثرة لا غير. وإما أن يكون متغيرا بها فيطهر بأحد أمرين: بالمكاثرة إذا زال التغير، أو بتركه حتى يزول تغيره بطول مكثه. وإن كان الماء يزيد عن قلتين فله حالان: إحداهما: أن يكون نجسا بغير التغير، فلا سبيل إلى تطهيره بغير المكاثرة. والثاني: أن يكون متغيرا بالنجاسة فتطهيره بأحد أمور ثلاثة: بالمكاثرة، أو بزوال تغيره بمكثه، أو بالأخذ منه ما يزول به التغير ويبقى بعد ذلك قلتان فصاعدا.

·                  وتطهير الماء بالتراب ان زال به التغير لا يطهر على الأصح.

فرع: إذا اختلطت الأواني اختلاط مجاورة، وكان في بعضها ماء طهور، وفي البعض الآخر ماء نجس يجب عليه الاجتهاد والتحري لمعرفة الطهور منها مطلقا عند الشافعية. وعند الحنفية: إذا كان عدد أواني الماء الطهور أكثر من عدد أواني النجس يجب التحري، فإن كان عدد أواني الماء الطهور مساويا لعدد أواني النجس أو أقل لا يجوز له التحري، بل يتيمم.

فرع: ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الزرع الذي يسقى بماء نجس طاهر.

تطهير الجامدات والمائعات:

·                  اتفقوا على أنه إذا وقعت النجاسة في جامد، كالسمن الجامد ونحوه، فإن تطهيره يكون برفع النجاسة وتقوير ما حولها وطرحه، ويكون الباقي طاهرا.

·                  وإذا وقعت النجاسة في مائع فإنه ينجس، ولا يطهر عند الشافعية ومحمد. وعند الحنفية يطهر بالغلي ثلاث مرات.

تطهير ما كان أملس السطح:

·                  ذهب الشافعية إلى أنه إذا أصابت النجاسة شيئا صقيلا - كالسيف والمرآة - فإنه لا يطهر بالمسح، ولا بد من غسله. ويكفي المسح عند الحنفية.

تطهير الثوب والبدن من المني:

·                  ذهب الحنفية إلى أن تطهير محل المني يكون بغسله إن كان رطبا، وفركه إن كان يابسا. والمني طاهر عند الشافعية.

طهارة الأرض بالماء:

·                  عند الشافعية إذا تنجست الأرض بنجاسة مائعة - كالبول والخمر وغيرهما - فتطهيرها أن تغمر بالماء بحيث يذهب لون النجاسة وريحها، وما انفصل عنها غير متغير بها فهو طاهر. ويقول الحنفية: إذا أصابت النجاسة أرضا رخوة فيصب عليها الماء فتطهر، لأنها تنشف الماء، فيطهر وجه الأرض، وإن كانت صلبة يصب الماء عليها، ثم تكبس الحفيرة التي اجتمع فيها الغسالة.

ما تطهر به الأرض سوى المياه:

·                  ذهب الحنفية إلى أن الأرض إذا أصابها نجس، فجفت بالشمس أو الهواء أو غيرهما وذهب أثره طهرت وجازت الصلاة عليها. وقال الشافعية أنها لا تطهر بغير الماء.

طهارة النجاسة بالاستحالة:

·                  اتفقوا على طهارة الخمر بالاستحالة، فإذا انقلبت الخمر خلا صارت طاهرة.

·                  ذهب الشافعية إلى أنه لا يطهر نجس العين بالاستحالة؛ خلافا للحنفية.

تطهير جلد الميتة بالدباغ:

·                  ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الدباغة وسيلة لتطهير جلود الميتة، سواء أكانت مأكولة اللحم أم غير مأكولة اللحم، فيطهر بالدباغ جلد ميتة سائر الحيوانات إلا جلد الخنزير عند الجميع لنجاسة عينه.

تطهير الخف من النجاسة:

·                  ذهب الشافعية ومحمد إلى أنه إذا أصابت أسفل الخف أو النعل نجاسة فإن تطهيره يكون بغسله، ولا يجزئ لو دلكه كالثوب والبدن، ولا فرق في ذلك بين أن تكون النجاسة رطبة أو جافة. وذهب أبو حنيفة إلى أنه إذا أصاب الخف نجاسة لها جرم، كالروث والعذرة، فجفت، فدلكه بالأرض جاز، والرطب وما لا جرم له كالخمر والبول لا يجوز فيه إلا الغسل.

تطهير ما تصيبه النجاسة من ملابس النساء في الطرق:

·                  ذهب الشافعية إلى أنه إذا تنجس ذيل ثوب المرأة فإنه يجب غسله كالبدن.

التطهير من بول الغلام وبول الجارية:

·                  ذهب الشافعية إلى أنه يجزئ في التطهير من بول الغلام الذي لم يطعم الطعام النضح، ويكون برش الماء على المكان المصاب وغمره به بلا سيلان, وعند الحنفية الغسل. واتفقوا على غسل بول الجارية.

تطهير آنية الكفار وملابسهم:

·                  آنية الكفار وثيابهم طاهرة عند الحنفية. وكره الشافعية استعمال أوانيهم وثيابهم.

تطهير ما يتشرب النجاسة:

·                  ذهب الحنفية - عدا أبي يوسف - إلى أن اللحم الذي طبخ بنجس لا يمكن تطهيره. خلافا للشافعية.

·                  ذهب محمد من الحنفية -خلافا لأبي يوسف- إلى أن الفخار الذي يتشرب النجاسة لا يطهر.

·                  ونص الشافعية على أن اللبن المختلط بنجاسة جامدة - كالروث وعظام الميتة - نجس، ولا طريق إلى تطهيره لعين النجاسة.

باب الآنية

النوع الأول: آنية الذهب والفضة:

·                  يحرم استعمال آنية الذهب والفضة كيفما كان وإن توضأ منها صحت طهارته وهذا الحكم يشمل الرجال والنساء.

النوع الثاني: الآنية المفضضة والمرصعة بالفضة:

·                  عند الحنفية يجوز استعمال الآنية المفضضة والمضببة إذا كان المستعمل يتقي موضع الفضة. وذهب أبو يوسف ورواية عن محمد الى الكراهة. وعند الشافعية يحرم الإناء المضبب بضبة فضة كبيرة عرفًا لزينة؛ فإن كانت كبيرة لحاجة جاز مع الكراهة، أو صغيرة عرفا لزينة كرهت، أو لحاجة فلا تكره, أما ضبة الذهب فتحرم مطلقا.

النوع الثالث: الآنية المموهة والمغشاة بالذهب أو الفضة:

·                  ذهب الحنفية الى أن الآنية المطلية بالذهب أو الفضة جائز استعمالها، لكنهم قيدوا ذلك بما إذا كان التمويه لا يمكن تخليصه. وعند الشافعية يجوز الاستعمال إذا كان التمويه يسيرا.

النوع الرابع: الآنية النفيسة من غير الذهب والفضة:

·                  يجوز عندهم استعمال الأواني النفيسة، كالعقيق والياقوت والزبرجد.

النوع الخامس: الآنية المتخذة من الجلد المدبوغ:

·                  اتفقوا على حرمة استعمال جلد الخنزير والإنسان. وقال الشافعية كل حيوان نجس بالموت طهر جلده بالدباغ، عدا الكلب والخنزير. وعند الحنفية أن جلد الميتة، عدا الخنزير والآدمي ولو كافرا، يطهر بالدباغة.

النوع السادس: الأواني المتخذة من العظم:

·                  الآنية المتخذة من عظم حيوان مأكول اللحم مذكى يحل استعمالها إجماعا.

·                  وأما الآنية المتخذة من حيوان غير مأكول اللحم، فإن كان مذكى فالحنفية يرون أنها طاهرة، لقولهم بطهارة القرن والظفر والعظم. والشافعية يرون أنها نجسة.

النوع السابع: الأواني من غير ما سبق:

·                  الأواني من غير ما تقدم ذكره مباح استعمالها، سواء أكانت ثمينة كبعض أنواع الخشب والخزف، وكالياقوت والعقيق والصفر، أم غير ثمينة كالأواني العادية.

حكم اقتناء آنية الذهب والفضة:

·                  ذهب الحنفية، الى أنه يجوز اقتناء آنية الذهب والفضة. والأصح عند الشافعية حرمة ذلك.

 

باب الاستياك

حكمه التكليفي:

·                  الندب، وهو القاعدة العامة عند فقهاء المذاهب الأربعة، حتى حكى النووي إجماع من يعتد برأيهم من العلماء عامة على ذلك، لحديث أبي هريرة عن رسول الله (‘) أنه قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".

·                  الاستياك في الصيام بعد الزوال عند الشافعية مكروه خلافا للحنفية.

·                  السواك سنة من سنن الوضوء عند الحنفية, والأظهر عند الشافعية سنة خارجة عن الوضوء متقدمة عليه وليست منه.

·                  يستحب الاستياك عند التيمم والغسل.

·                  في قول للشافعية: يتأكد الاستياك عند كل صلاة فرضها ونفلها، وإن سلم من كل ركعتين وقرب الفصل، ولو نسيه سن له قياسا تداركه بفعل قليل. وللحنفية رأي أنه لا يسن الاستياك للصلاة.

·                  يستحب الاستياك عند قيام الليل.

·                  السواك مستحب في جميع الأوقات من ليل أو نهار، لأنه مطهرة للفم مرضاة للرب كما ورد في الحديث.

ما يستحب الاستياك به:

·                  أفضله: عود الأراك، لما فيه من طيب وريح وتشعير يخرج وينقي ما بين الأسنان.

·                  ثم جريد النخل عند الشافعية.

·                  ثم عود الزيتون.

·                  ثم بما له رائحة ذكية ولا يضر.

ما يحظر الاستياك به أو يكره:

·                  يكره الاستياك بكل عود يدمي مثل الطرفاء والآس، أو يحدث ضررا أو مرضا مثل الريحان والرمان.

·                  ويحرم الاستياك بالأعواد السامة لإهلاكها أو شدة ضررها.

·                  ولا تحصل السنة بالسواك المكروه.

صفات السواك:

·                  يستحب أن يكون الاستياك بعود متوسط في غلظ الخنصر، خال من العقد، لا رطبا يلتوي، لأنه لا يزيل القلح (وسخ الأسنان) ولا يابسا يجرح اللثة، ولا يتفتت في الفم، والمراد أن يكون لينا، لا غاية في النعومة، ولا في الخشونة.

السواك بغير عود:

·                  الحنفية، والشافعية: أجازوا استعمال الغاسول في الاستياك، وقالوا: إنه محصل للمقصود ومزيل للقلح، ويتأدى به أصل السنة.

·                  تجزئ الأصبع في الاستياك عند عدم وجود غيرها، وهو مذهب الحنفية والشافعية.

كيفية الاستياك:

·                  يندب إمساك السواك باليمنى، ثم يجعل الخنصر أسفل السواك والأصابع فوقه ويبدأ من الجانب الأيمن ويمر به عرضا أي عرض الأسنان، لأن استعماله طولا قد يجرح اللثة ثم يمر به على أطراف الأسنان العليا والسفلى ظهرا وبطنا، ثم على كراسي الأضراس، ثم على اللثة واللسان وسقف الحلق بلطف. ومن لا أسنان له يستاك على اللثة واللسان وسقف الحلق.

آداب السواك:

1-            لا يستاك بحضرة الجماعة، لأنه ينافي المروءة، ويتجنب الاستياك في المسجد، وفي المجالس الحافلة.

2-            أن يغسل سواكه بعد الاستياك لتخليصه مما علق به.

3-            يحفظ السواك بعيدا عما يستقذر.

·                  يمر السواك على أسنانه ثلاث مرات. وهو المستحب عند الحنفية، والأكمل عند الشافعية للسنة في التثليث.

باب الوضوء

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]

·                  يجب الوضوء على المحدث إذا قام الى الصلاة.

·                  نص الفقهاء على أن من أنكر وجوب الوضوء للصلاة يكفر، لإنكاره النص القطعي.

·                  نص الحنفية على أن كل من يستخف بالدين يكفر - كالصلاة بلا وضوء عمدا -. ونص الشافعية على أنه إن تعمد ترك الوضوء ثم صلى محدثا، استتيب فإن لم يتب قتل حدا لا كفرا.

ما يكون الوضوء له فرضا:

1-            الصلاة ومنها صلاة الجنازة وسجدة التلاوة.

2-            الطواف: ذهب الشافعية إلى أن الوضوء فرض للطواف فرضه ونفله, وذهب الحنفية إلى أن الوضوء للطواف واجب.

3-            مس المصحف.

ما يكون الوضوء له سنة:

·                  صرح الحنفية والشافعية غير البغوي بأن الوضوء للنوم سنة.

ما يكون الوضوء له مندوبا:

·                  لقراءة القرآن وذكر الله والأذان والإقامة والخطبة ولكن عند الشافعية شرط, ودراسة العلم الشرعي, والوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة, وزيارة النبي (‘) والوضوء على الوضوء, ووضوء الجنب عند إرادة الأكل والشرب ومعاودة الوطء والنوم, والمحافظة على الوضوء, والوضوء خروجا من الخلاف.

شروط وجوب الوضوء:

1-            العقل.

2-            البلوغ.

3-            الاسلام عند الحنفية وعند الشافعية شرط صحة.

4-            انقطاع ما ينافي الوضوء من حيض ونفاس.

5-            وجود الماء المطلق الطهور الكافي واشترط الشافعية وجود الماء المطلق، والعلم بأنه مطلق ولو ظنا عند الاشتباه.

6-            القدرة على استعمال الماء.

7-            وجود الحدث.

8-            ضيق الوقت.

شروط صحة الوضوء:

1-            عموم البشرة بالماء الطهور: ولكن عند الشافعية من شرطه أن يغسل مع المغسول جزءا يتصل بالمغسول ويحيط به، ليتحقق به استيعاب المغسول.

2-            زوال ما يمنع وصول الماء إلى الجسد كشمع وغيره.

3-            انقطاع الحدث حال التوضؤ.

4-            ذكر الشافعية - ضمن شروط الوضوء - معرفة كيفية الوضوء، بمعنى أنه لا بد للمتوضئ أن يميز فرائض الوضوء من سننه، أو يعتقد أن فيه فرضا وسنة وإن لم يميز أحدهما عن الآخر، أو يعتقد أن أفعاله كلها فرض.

5-            ذكر الشافعية دوام النية حكما: بأن لا يأتي بمناف للنية كردة أو قول: إن شاء الله لا بنية التبرك أو قطع للنية.

6-            جري الماء على العضو.

·                  يشترط الشافعية لوضوء صاحب الضرورة - وهو من حدثه دائم كسلس واستحاضة - دخول الوقت ولو ظنا.

أسباب الوضوء:

·                  يرى الحنفية والشافعية على الصحيح إلى أن سبب فريضة الوضوء إرادة الصلاة مع وجود الحدث.

فروض الوضوء:

1-            غسل الوجه: حد الوجه عرضا: ما بين الأذنين، وحده طولا: ما بين منابت شعر رأسه عاليا - أي أن ما من شأنه أن ينبت عليه الشعر المذكور - ويعبر عنه بعضهم: من مبدأ أعلى جبهته إلى أسفل الذقن. وقال الحنفية: المسترسل أي الخارج عن دائرة الوجه من الشعر لا يجب غسله و لا يجب غسل أصول شعر الحاجبين والشارب واللحية والعنفقة إذا كان هذا الشعر كثيفا؛ للحرج في إيصال الماء إلى أصول الشعر ويسن تخليل لحية غير المحرم، أما إذا كان الشعر خفيفا تبدو البشرة من خلاله فيجب غسله ظاهرا وباطنا إلى الجلدة التي نبت عليها. وقال الشافعية: الشعور الخارجة عن حد الوجه يجب غسل ظاهرها وباطنها مطلقا إن خفت، وظاهرها مطلقا إن كثفت.

·                  يدخل في غسل الوجه في الوضوء موضع الغمم من الوجه؛ لحصول المواجهة به، وموضع الغمم هو ما ينبت عليه الشعر من الجبهة.

·                  يجب غسل موضع التحذيف وهو ما ينبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة.

·                  البياض بين العذار والأذن من الوجه.

·                  يجب غسل جزء من الرأس في غسل الوجه، وزاد الشافعية: وغسل جزء من الحلق ومن تحت الحنك ومن الأذنين مع غسل الوجه في الوضوء.

·                  الصدغ وموضع الصلع والنزعتين ليست من الوجه.

·                  من غسل ظاهر شعر اللحية أو نحوها من الشعور ثم زالت عنه أو انقلعت من وجهه جلدة بعد غسلها ذهب الحنفية إلى أنه لا يلزمه غسل ما ظهر ولا يعيد وضوءه, وذهب الشافعية في الأصح الى وجوب غسلها.

فرع: لا يجب الدلك في الوضوء بل يكفي سيلان الماء على العضو.

2-            غسل اليدين إلى المرفقين: والمرفقان داخلتان.

·                  إذا قطعت اليد من المرفق فيجب غسل العظم الذي هو طرف العضد عند الحنفية والمشهور من مذهب الشافعية.

·                  قال الحنفية والشافعية: يجب غسل ظفر اليد وإن طال.

3-            مسح الرأس: والمسح هو: إمرار اليد المبتلة بالماء على الرأس بلا تسييل.

·                  مقدار المسح المجزئ ربع الرأس عند الحنفية, وعند الشافعية يجزئ مسح لبعض بشرة الرأس أو بعض شعر الرأس، ولو واحدة أو بعضها في حد الرأس بأن لا يخرج بالمد من جهة نزوله.

·                  قال الحنفية والشافعية: لا يجب مسح ما نزل عن الرأس من الشعر لعدم مشاركته الرأس في الترؤس ولا يجزئ مسحه عن الرأس سواء رده فعقده فوق رأسه أو لم يرده، وإن نزل الشعر عن منبته ولم ينزل عن محل الفرض فمسح عليه – أجزأه.

·                  لو غسل رأسه بدل المسح أجزأه عندهم ويكره.

·                  عندهم حلق شعر الرأس بعد الوضوء لا يؤثر في الوضوء.

·                  ذهب الشافعية إلى أنه يسن تثليث مسح الرأس خلافا للحنفية.

4-            غسل الرجلين والكعبان داخلان في الغسل.

5-            النية: شرط عند الشافعية, سنة عند الحنفية.

·                  رفض نية الوضوء بعد كماله لا يؤثر وكذلك في أثنائه ويستأنف النية.

6-            الترتيب في الوضوء ركن من أركانه عند الشافعية, وعند الحنفية سنة.

سنن الوضوء:

1-            التسمية أول الوضوء عند غسل الكفين قال الشافعية: أقلها بسم الله، وأكملها كمالها (بسم الله الرحمن الرحيم). ونص فقهاء الحنفية على أن من آداب الوضوء التسمية عند غسل كل عضو في الوضوء أو عند مسح ما يمسح من أعضاء الوضوء، والتسمية تكون بالصيغة الواردة وهي: بسم الله العظيم، والحمد لله على دين الإسلام، وزاد بعضهم التشهد هنا.

2-            غسل اليدين إلى الرسغين في ابتداء الوضوء.

3-            المضمضة والاستنشاق والاستنثار.

4-            مسح كل الرأس: الأظهر في كيفية مسح الرأس عند الحنفية أن يضع كفيه وأصابعه على مقدم رأسه ويمدهما إلى القفا على وجه يستوعب جميع الرأس، ثم يمسح أذنيه بإصبعيه، والأذنان عندهم من الرأس، فلا يثبت استعمال الماء قبل الانفصال. وقال الشافعية: السنة في كيفية المسح أن يضع يديه على مقدم رأسه ويلصق سبابته بالأخرى، وإبهاميه على صدغيه، ثم يذهب بهما إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي ذهب منه إذا كان له شعر ينقلب، وحينئذ يكون الذهاب والرد مسحة واحدة؛ لعدم تمام المسحة بالذهاب.

5-            مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما. ويجدد لهما ماء عند الشافعية خلافا للحنفية.

6-            تخليل اللحية وشعور الوجه.

7-            تخليل أصابع اليدين والرجلين.

8-            التثليث.

9-            الاستياك.

10-      عدم الإسراف في استعمال الماء.

11-      التيامن مستحب عند الحنفية سنة عند الشافعية.

12-      إطالة الغرة والتحجيل سنة في الأصح عند الشافعية ومن الآداب عند الحنفية.

13-      استقبال القبلة سنة عند الشافعية ومن الآداب عند الحنفية.

14-      الجلوس بمكان مرتفع سنة عند الشافعية ومن الآداب عند الحنفية.

15-      التوضؤ في مكان طاهر مستحب عند الحنفية.

16-      ترك الاستعانة سنة عند الشافعية ومن الآداب عند الحنفية.

17-      لا يسن مسح الرقبة عند الشافعية ويستحب عند الحنفية.

18-      تحريك الخاتم قال الحنفية والشافعية: من مستحبات الوضوء تحريك المتوضئ خاتمه الواسع ـ ومثله القرط ـ وكذا الضيق إن علم وصول الماء، وإلا فرض.

19-      البدء بمقدم الأعضاء سنة عند الشافعية ويستحب عند الحنفية.

20-      عدم الكلام.

21-      ذهب الحنفية وأكثر الشافعية إلى أنه يستحب قول الدعاء عند كل عضو.

22-      الدعاء بعد الوضوء.

23-      تنشيف الأعضاء من بلل ماء الوضوء عند الشافعية في الأصح أن المسنون ترك التنشيف إلا لعذر.

24-      ترك نفض اليد أو الماء.

25-      الشرب من فضل ماء الوضوء.

26-      صلاة ركعتين عقب الوضوء.

27-      عدم نقص ماء الوضوء عن مد.

28-      نص الحنفية على أن من آداب الوضوء ومستحباته عدم نفخ المتوضئ في الماء حال غسل الوجه.

29-      ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يسن ترتيب سنن الوضوء فيما بينها.

30-      التدارك وهو فعل العبادة، أو فعل جزئها إذا ترك المكلف فعل ذلك في محله المقرر شرعا ما لم يفت.

مكروهات الوضوء:

1-            نص الحنفية والشافعية على كراهة لطم الوجه أو غيره من أعضاء الوضوء بالماء.

2-            نص الحنفية على أنه يكره التقتير في التوضؤ بأن يقرب إلى حد دهن الأعضاء بالماء، ويكون التقاطر غير ظاهر، بل ينبغي أن يكون ظاهرا ليكون غسلا ـ

3-            الإسراف في التوضؤ. . بأن يستعمل من الماء فوق الحاجة الشرعية.

·                  الماء الموقوف على من يتطهر به ومن ماء المدارس فالإسراف فيه حرام؛ لأن الزيادة غير مأذون بها، لأنه إنما يوقف ويساق لمن يتوضأ الوضوء الشرعي ولم يقصد إباحتها لغير ذلك.

4-            تثليث المسح بماء جديد نص عليه الحنفية.

5-            الوضوء في مكان نجس.

6-            التوضؤ في المسجد عند الحنفية خلافا للشافعية يباح عندهم إذا لم يؤذ به أحدا، ولم يؤذ المسجد.

7-            التوضؤ بالماء المشمس عند الشافعية؛ خلافا لجمهور الحنفية.

نواقض الوضوء:

1-            الخارج من السبيلين أو خروج شيء منهما.

2-            خروج النجاسات من غير السبيلين ناقضة عند الحنفية خلافا للشافعية.

3-            زوال العقل وقد يكون بالنوم أو الجنون أو السكر أو الإغماء أو الغشي.

·                  قال الشافعية: إن النوم ينقض الوضوء كيفما كان إلا نوم المتمكن مقعده من الأرض أو غيرها، فلا ينقض وضوءه، وإن استند إلى ما لو زال لسقط لأمن خروج شيء حينئذ من دبره. وعند الحنفية ينقض اذا كان النائم مضطجعا أو متوركا, وإن كان النائم قائما أو راكعا أو ساجدا، فإنه لا ينتقض وضوءه.

4-            مس فرج الآدمي بباطن الكف تنقض عند الشافعية خلافا للحنفية.

5-            التقاء بشرتي الرجل والمرأة تنقض عند الشافعية خلافا للحنفية.

6-            الردة.

7-            القهقهة في الصلاة تنقض عند الحنفية خلافا للشافعية.

باب الاستنجاء

حكمه:

واجب عند الشافعية ومسنون عند الحنفية.

·                  حكم استنجاء من به حدث دائم يستنجي ويتحفظ، ثم يتوضأ لكل صلاة بعد دخول الوقت. فإذا فعل ذلك وخرج منه شيء لم يلزمه إعادة الاستنجاء والوضوء بسبب السلس ونحوه، ما لم يخرج الوقت على مذهب الحنفية والشافعية.

·                  الخارج غير المعتاد كالحصى والدود والشعر، لا يستنجى منه إذا خرج جافا، طاهرا كان أو نجسا.

·                  أما إذا كان به بلة ولوث المحل فيستنجى منها، فإن لم يلوث المحل فلا يستنجى منه عند الحنفية، وهو القول المقدم عند الشافعية.

·                  إن خرج الدم أو القيح من أحد السبيلين فإنه يجزئ فيه الاستجمار، وهو رأي الحنفية وقول للشافعية.

·                  المذي والودي يستنجى منهما، بالماء أو بالأحجار. ويجزئ الاستجمار أو الاستنجاء بالماء منهما. عند الحنفية وهو الأظهر عند الشافعية.

·                  الاستنجاء من الريح بدعة عند الحنفية ومكروه عند الشافعية.

·                  لا يجزئ الاستنجاء بغير الماء من المائعات على مذهب الشافعية وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه يمكن أن يتم الاستنجاء - كما في إزالة النجاسة - بكل مائع طاهر مزيل، كالخل وماء الورد، دون ما لا يزيل كالزيت.

·                  المحل يصير طاهرا بالاستجمار، وهو قول عند الحنفية.

·                  الرطوبة إذا أصابت المحل بعد الاستجمار يعفى عنها. أجمع المتأخرون - أي من الحنفية - على أنه لا ينجس المحل بالعرق، حتى لو سال العرق منه. و قال الشافعية: لا ينجس إن لم تتعد الرطوبة محل الاستجمار، وينجس إن تعدت النجاسة محل العفو.

 

النجاسة الواردة على المخرج من خارجه:

·                  إن كان النجس طارئا على المحل من خارج أجزأ فيه الاستجمار في المشهور عند الحنفية. وصرح الشافعية بأن الحجر لا يجزئ فيه، بل لا بد من غسله بالماء.

·                  الخارج إن جاوز المخرج وانتشر كثيرا لا يجزئ فيه الاستجمار، بل لا بد من غسله.

·                  عند الشافعية: يكفي في بول المرأة - إن كانت بكرا - ما يزيل عين النجاسة خرقا أو غيرها، أما الثيب فإن تحققت نزول البول إلى ظاهر المهبل، كما هو الغالب، لم يكف الاستجمار، وإلا كفى. ويستحب الغسل حينئذ. ولم يتعرض الحنفية لكيفية استجمار المرأة.

·                   

شروط ما يستجمر به:

·                  عند الحنفية: يشترط أن يكون يابسا طاهرا منقيا غير مؤذ ولا محترم. ووافقهم الشافعية.

·                  من استنجى بمحرم كاستنجائه بالطعام-فإنه يجزئ عند الحنفية خلافا للشافعية.

آداب الاستنجاء:

·                  يستنجي بشماله, ويستتر عن الناس, ولا يستنجي في محل قضاء حاجته ان خشي التلوث, ولا يستقبل القبلة أو يستدبرها عند الحنفية خلافا للشافعية.

·                  باب الغسل

أسباب وجوب الغسل:

1-            خروج المني ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة في النوم أو اليقظة.

·                  اشترك الحنفية أن يكون خروج المني عن شهوة خلافا للشافعية. واشترط أبو يوسف الدفق خلافا لأبي حنفية ومحمد.

·                  واتفقوا على أنه إن أحس بانتقال المني ونزوله، فأمسك ذكره فلم يخرج منه في الحال شيء، ولا علم خروجه بعد ذلك فلا غسل عليه.

·                  إذا اغتسل ثم خرج المني، فإن كان خروجه بعد النوم أو البول أو المشي الكثير فلا غسل عليه اتفاقا، وإن خرج المني بلا شهوة قبل النوم أو البول أو المشي فإنه يعيد الغسل عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف. وقال الشافعية: إذا أمنى واغتسل ثم خرج منه مني على القرب بعد غسله لزمه الغسل ثانيا، سواء كان ذلك قبل أن يبول بعد المني أو بعد بوله.

2-            التقاء الختانين يحصل بتغييب الحشفة في الفرج، ذلك أن ختان الرجل هو الجلد الذي يبقى بعد الختان، وختان المرأة جلدة كعرف الديك فوق الفرج فيقطع منها في الختان، فإذا غابت الحشفة في الفرج حاذى ختانه ختانها، وإذا تحاذيا فقد التقيا، وليس المراد بالتقاء الختانين التصاقهما وضم أحدهما إلى الآخر، فإنه لو وضع موضع ختانه على موضع ختانها ولم يدخله في مدخل الذكر لم يجب الغسل.

·                  ذهب الحنفية إلى اشتراط التكليف - العقل والبلوغ - في وجوب الغسل، فإن كان أحدهما مكلفا فعليه الغسل فقط دون الآخر. خلافا للشافعية.

·                  نص الحنفية على أنه لا غسل على المرأة إذا وصل المني إلى فرجها ما لم تنزل؛ لفقد الإيلاج والإنزال. فإن حبلت منه وجب الغسل.

3-            الحيض والنفاس.

4-            الموت.

5-            إذا أسلم الكافر وهو جنب وجب عليه الغسل والا فيستحب.

فرائض الغسل:

1-            النية عند الشافعية وذهب الحنفية إلى أن النية في الغسل سنة وليست بفرض.

2-            تعميم الشعر والبشرة بالماء.

·                  ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يجب نقض الضفائر في الغسل إذا كان الماء يصل إلى أصولها.

سنن الغسل:

1-            التسمية. ويستحب عند الشافعية أن يبتدئ النية مع التسمية، ومصاحبة لها عند الحنفية.

2-            غسل الكفين.

3-            إزالة الأذى قال الشافعية: أكمل الغسل إزالة القذر طاهرا كان كالمني، أو نجسا كودي استظهارا. وذهب الحنفية إلى أنه يسن بعد غسل اليدين البدء بإزالة الخبث عن جسده، سواء كان بفرج أو غيره.

4-            الوضوء كاملا مع غسل الرجلين ابتداء.

5-            الموالاة في غسل جميع أجزاء البدن.

6-            دلك الأعضاء والبدن.

7-            البدء باليمين.

8-            ذهب الشافعية إلى أنه يسن عند غسل الجسد البدء بأعلاه.

9-            تثليث الغسل.

10-      أن يكون قدر الماء المغتسل به صاعا.

11-      وقال الشافعية: من السنن استصحاب النية إلى آخر الغسل، وأن لا يغتسل في الماء الراكد ولو كثر، وأن يكون اغتساله من الجنابة بعد بول لئلا يخرج بعده مني. ويسن أن يقول بعد فراغه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأن يستقبل القبلة ويترك الاستعانة والتنشيف.

مكروهات الغسل:

1-            الإسراف في الماء.

2-            ضرب الوجه بالماء.

3-            التكلم بكلام الناس .

4-            الاستعانة بالغير من غير عذر.

5-            تنكيس الفعل.

6-            تكرار الغسل بعد الإسباغ.

7-            الغسل في الخلاء وفي مواضع الأقذار.

8-            ترك الوضوء أو المضمضة أو الاستنشاق.

9-            الاغتسال داخل ماء كثير كالبحر خشية أن يغلب عليه الموج فيغرقه.

10-      المسح على الخفين

حكمه:

·                  الأصل في المسح على الخفين الجواز، والغسل أفضل.

·                  وقد يجب المسح على الخفين كأن خاف فوت عرفة أو إنقاذ أسير أو انصب ماؤه عند غسل رجليه ووجد بردا لا يذوب يمسح به، أو ضاق الوقت ولو اشتغل بالغسل لخرج الوقت، أو خشي أن يرفع الإمام رأسه من الركوع الثاني في الجمعة، أو تعين عليه الصلاة على ميت وخيف انفجاره لو غسل أو كان لابس الخف بشرطه محدثا ودخل الوقت وعنده ما يكفي المسح فقط.

مدة المسح على الخفين في الحضر والسفر:

·                  يرى الحنفية والشافعية توقيت مدة المسح على الخفين بيوم وليلة في الحضر، وثلاثة أيام ولياليها للمسافر.

·                  إذا كان السفر سفر طاعة أو سفر معصية يترخص عند الحنفية أما الشافعية فيرون أن المسافر سفر معصية يمسح يوما وليلة فقط كالمقيم.

شروط المسح على الخفين:

1-            أن يلبس الخفين على طهارة كاملة.

·                  الحنفية يشترطون أن تكون الطهارة بالماء من وضوء أو غسل، أما الشافعية فيجوزون أن تكون الطهارة بالماء أو بالتيمم، ولكن ليس لفقد الماء مثلا، بل لعدم القدرة على استعماله.

·                  أن تكون الطهارة كاملة بأن يلبسهما بعد تمام الطهارة بالوضوء أو بالغسل عند الشافعية، بينما يرى الحنفية أن تكون الطهارة كاملة ولو لم يراع فيها الترتيب وقت الحدث بعد اللبس، فلو غسل رجليه أولا ثم مسح رأسه، وغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ثم لبس الخف فيجوز له المسح عند انتقاض وضوئه.

2-            أن يكون الخف طاهرا.

3-            أن يكون الخف ساترا للمحل المفروض غسله في الوضوء فلا يجوز المسح على خف غير ساتر للكعبين مع القدم.

4-            إمكانية متابعة المشي فيهما.

·                  يرى الحنفية إمكانية متابعة المشي المعتاد فيهما فرسخا فأكثر ، فلا يجوز المسح على الخف الرقيق الذي يتخرق من متابعة المشي في هذه المسافة، كما لا يجوز اتخاذ الخف من الخشب أو الزجاج أو الحديد، كما لا يجوز المسح على الخف الذي لا يستمسك على الرجل من غير شد. ويرى الشافعية لجواز المسح على الخفين إمكانية التردد فيهما لقضاء الحاجات مدة المسح المقررة في الحضر والسفر سواء في ذلك المتخذ من جلد أو غيره كلبد وزجاج ونحوهما.

5-            أن يكون الخف سليما من الخروق الا بمقدار ثلاث أصابع من أصغر أصابع القدم عند الحنفية. ويرى الشافعية أنه لا يجوز المسح على خف به خرق مهما كان صغيرا.

6-            أن يكون الخف ثخينا يمنع وصول الماء الى القدم.

المسح على الجرموق – شيء يلبس فوق الخف -:

يشترط الحنفية ثلاثة شروط لصحة المسح على الجرموق:

الأول: أن يكون الأعلى من الجلد، فإن كان غير جلد صح المسح عليه إن وصل الماء إلى الأسفل.

الثاني: أن يكون الأعلى صالحا للمشي فيه وحده.

الثالث: أن يلبسا على طهارة، فكما لبس الأسفل على طهارة يجب أن يلبس الأعلى على طهارة كذلك.

وعند الشافعية له أربعة أحوال:

 أحدها: أن يكون الأعلى صالحا للمسح عليه دون الأسفل، لضعفه أو لخرقه، فالمسح على الأعلى خاصة.

الثاني: عكسه، فالمسح على الأسفل خاصة، فلو مسح الأعلى فوصل البلل إلى الأسفل، فإن قصد مسح الأسفل أجزأه، وكذا إن قصدهما على الصحيح، وإن قصد الأعلى لم يجز. وإن لم يقصد واحدا، بل قصد المسح في الجملة، أجزأه على الأصح، لقصده إسقاط فرض الرجل بالمسح.

الثالث: أن لا يصلح واحد منهما فيتعذر المسح.

الرابع: أن يصلحا كلاهما، ففي المسح على الأعلى وحده قولان: القديم جوازه، والجديد منعه. قلت: الأظهر عند الجمهور الجديد. انتهى كلام النووي.

كيفية المسح على الخفين ومقداره:

·                  يرى الحنفية أن الواجب المسح بقدر ثلاث أصابع من أصغر أصابع اليد على ظاهر الخف فقط مرة واحدة.

·                  وكيفيته أن يبدأ بالمسح على الخفين من أصابع القدم خطوطا إلى جهة الساق، فيضع أصابع يده اليمنى على مقدم خف رجله اليمنى، ويضع أصابع يده اليسرى على مقدم خف رجله اليسرى، ويفرج بين أصابع يده قليلا، بحيث يعم المسح أكبر قدر ممكن من الخف، ولذلك لا يصح المسح على باطن القدم ولا على جوانبه ولا على عقبه ولا ساقه، كما لا يسن تكرار المسح.

·                  ويرى الشافعية أن المسح الواجب هو ما يصدق عليه مسمى مسح في محل الفرض، وهو مسح ظاهر الخف، فلا يمسح أسفله ولا عقبه ولا جوانبه، لإطلاق المسح بدون تقدير، فيكتفى بما يطلق عليه اسم المسح، إلا أن السنة أن يعمم المسح على ظاهر وباطن الخف خطوطا.

نواقض المسح على الخفين:

1-            كل ما ينقض الوضوء ينقض المسح على الخفين.

2-            وجود موجب للغسل كالجنابة والحيض والنفاس.

3-            نزع الخفين أو أحدهما، فإذا خرجت رجلاه أو إحداهما بنزع الخف أو بخروج قدميه أو إحداهما أو خروج أكثر القدم خارج الخف انتقض المسح ويجب غسل قدميه.

4-            مضي المدة: فإذا مضت مدة المسح وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، انتقض المسح على الخفين، ووجب نزعهما وغسل الرجلين فقط عند الحنفية والشافعية إذا ظل متوضئا ومسح على الخفين.

5-            ظهور الرجلين أو بعضهما بتخرق الخفين أو بسقوطهما عن موضوع المسح، وينتقض كذلك بظهور قدر ثلاث أصابع من أصابع أحد الرجلين كما يرى ذلك الحنفية.

6-            إصابة الماء للرجلين معا أو لأكثر إحداهما في الخف، فيعتبر ذلك ناقضا للمسح على الخفين عند الحنفية، ويجب نزعهما وغسل الرجلين إذا ظل متوضئا. خلافا للشافعية فلا يعتبرونه ناقضا.

المسح على الجوربين:

يجوز المسح على الجوربين في حالتين.

1 - أن يكون الجوربان مجلدين، يغطيهما الجلد لأنهما يقومان مقام الخف في هذه الحالة.

2 - أن يكون الجوربان منعلين، أي لهما نعل وهو يتخذ من الجلد.

وعند أبي يوسف ومحمد يجوز المسح على الجورب غير المنعل بشرطين:

الأول: أن يكون ثخينا لا يبدو منه شيء من القدم.

الثاني: أن يمكن متابعة المشي فيه وأن يثبت بنفسه من غير شد بالعرى ونحوها.

 

باب التيمم

حكمه:

·                  يجوز التيمم في السفر والحضر قال تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا}.

·                  ذهب الحنفية والشافعية إلى أن التيمم رخصة للمسافر والمريض وليس بعزيمة؛ وثمرة الخلاف: ما لو تيمم في سفر معصية لفقد الماء فإن قلنا رخصة وجب القضاء وإلا لم يجب.

شروط وجوب التيمم:

أ - البلوغ: فلا يجب التيمم على الصبي لأنه غير مكلف.

ب - القدرة على استعمال الصعيد.

ج - وجود الحدث الناقض. أما من كان على طهارة بالماء فلا يجب عليه التيمم.

شروط وجوب وصحة معا وهي:

أ - الإسلام: فلا يجب التيمم على الكافر لأنه غير مخاطب، ولا يصح منه لأنه ليس أهلا للنية.

ب - انقطاع دم الحيض والنفاس.

ج - العقل.

د - وجود الصعيد الطهور.

·                  فاقد الصعيد الطهور لا يجب عليه التيمم ولا يصح منه بغيره حتى ولو كان طاهرا فقط، كالأرض التي أصابتها نجاسة ثم جفت، فإنها تكون طاهرة تصح الصلاة عليها، ولا تكون مطهرة فلا يصح التيمم بها.

أركان التيمم:

أ‌-                ضربتان.

ب‌-         استيعاب الوجه واليدين إلى المرفقين بالمسح فقط.

ت‌-         النية عند مسح الوجه.

ث‌-         الترتيب فرض عند الشافعية ومستحب عند الحنفية.

ما ينويه بالتيمم:

·                  قال الحنفية: يشترط لصحة نية التيمم الذي تصح به الصلاة أن ينوي أحد أمور ثلاثة: إما نية الطهارة من الحدث، أو استباحة الصلاة، أو نية عبادة مقصودة لا تصح بدون طهارة كالصلاة، أو سجدة التلاوة، أو صلاة الجنازة عند فقد الماء.

·                  وذهب الشافعية إلى أنه ينوي استباحة الصلاة ونحوها مما تفتقر استباحته إلى طهارة. كطواف، وحمل مصحف، وسجود تلاوة، ولو تيمم بنية الاستباحة ظانا أن حدثه أصغر فبان أكبر أو عكسه صح؛ لأن موجبهما واحد، وإن تعمد لم يصح في الأصح لتلاعبه. فلو أجنب في سفره ونسي، وكان يتيمم وقتا، ويتوضأ وقتا، أعاد صلاة الوضوء فقط.

ولا تكفي عند هم نية رفع الحدث الأصغر، أو الأكبر، أو الطهارة عن أحدهما. ولو نوى فرض التيمم، أو فرض الطهر، أو التيمم المفروض، أو الطهارة عن الحدث أو الجنابة لم يكف في الأصح لأن التيمم ليس مقصودا في نفسه، وإنما يؤتى به عن ضرورة فلا يجعل مقصودا، بخلاف الوضوء.

نية التيمم لصلاة النفل وغيره:

·                  ذهب الشافعية إلى أن من نوى بتيممه فرضا ونفلا صلى به الفرض والنفل، وإن نوى فرضا ولم يعين فيأتي بأي فرض شاء، وإن عين فرضا جاز له فعل فرض واحد غيره، وإن نوى الفرض استباح مثله وما دونه من النوافل، وذلك لأن النفل أخف، ونية الفرض تتضمنه. أما إذا نوى نفلا أو أطلق النية كأن نوى استباحة الصلاة بلا تعيين فرض أو نفل لم يصل إلا نفلا؛ لأن الفرض أصل والنفل تابع فلا يجعل المتبوع تابعا، وكما إذا أحرم بالصلاة مطلقا بغير تعيين فإن صلاته تنعقد نفلا.

·                  وذهب الحنفية إلى جواز صلاة الفرض والنفل سواء نوى بتيممه الفرض أو النفل؛ لأن التيمم بدل مطلق عن الماء، وهو رافع للحدث أيضا عندهم.

الأعذار التي يشرع بسببها التيمم:

1-            فقد الماء: للمسافر والمقيم.

·                  من لم يجد الماء أصلا، أو وجد ماء لا يكفي للطهارة حسا جاز له التيمم، لكن يجب عند الشافعية أن يستعمل ما تيسر له منه في بعض أعضاء الطهارة ثم يتيمم عن الباقي.

·                  اختلفوا في حد البعد عن الماء الذي يبيح التيمم: فذهب الحنفية إلى أنه ميل وهو يساوي أربعة آلاف ذراع. وحدده الشافعية بأربعمائة ذراع، وهو حد الغوث وهو مقدار غلوة (رمية سهم) ، وذلك في حالة توهمه للماء أو ظنه أو شكه فيه، فإن لم يجد ماء تيمم، وكذلك الحكم عند الحنفية فأوجبوا طلب الماء إلى أربعمائة خطوة إن ظن قربه من الماء مع الأمن.

·                  وذهب الشافعية إلى أنه إن تيقن فقد الماء حوله تيمم بلا طلب، أما إذا تيقن وجود الماء حوله طلبه في حد القرب (وهو ستة آلاف خطوة) ولا يطلب الماء عند الشافعية سواء في حد القرب أو الغوث إلا إذا أمن على نفسه وماله وانقطاعه عن الرفقة.

·                  يجب على واجد الماء عند غيره أن يشتريه إذا وجده بثمن المثل أو بغبن يسير، وكان ما عنده من المال فاضلا عن حاجته. فإن لم يجده إلا بغبن فاحش أو لم يكن معه ثمن الماء تيمم.

·                  لو وهب له ماء أو أعير دلوا وجب عليه القبول، أما لو وهب ثمنه فلا يجب قبوله بالاتفاق لعظم المنة.

·                  لو نسي الماء في رحله وتيمم وصلى فإن تذكره قطع صلاته وأعادها إجماعا، أما إذا أتم صلاته ثم تذكر الماء فإنه يقضي صلاته عند الشافعية في الأظهر, وذهب الحنفية إلى أنه لا يقضي, وذهب أبو يوسف إلى أنه يعيد إذا كان هو الواضع للماء في الرحل أو غيره بعلمه سواء كان بأمره أو بغير أمره.

2-            عدم القدرة على استعمال الماء: ويتحقق ذلك بالمرض، أو خوف المرض من البرد ونحوه، أو العجز عن استعماله.

·                  المتيمم للبرد لا يعيد صلاته عند الحنفية وذهب الشافعية إلى أنه يعيد صلاته في الأظهر إن كان مسافرا وقطعوا أن المقيم يعيد.

·                  المكره على ترك الوضوء يتيمم ويعيد صلاته عند الحنفية.

التيمم للنجاسة:

·                  ذهب الشافعية إلى أنه إن كانت على بدنه نجاسة وعجز عن غسلها لعدم الماء، أو خوف الضرر باستعماله تيمم لها وصلى، وعليه القضاء.

ما يجوز به التيمم:

·                  اتفقوا على جواز التيمم بالصعيد الطاهر، وهو شرط عندهم واختلفوا في المراد بالصعيد هل هو وجه الأرض أو التراب المنبت؟ أما جواز المسح على التراب المنبت فبالإجماع، وأما غيره مما على وجه الأرض، فذهب أبو حنيفة ومحمد إلى أن المراد بالصعيد وجه الأرض، فيجوز عندهم التيمم بكل ما هو من جنس الأرض. وذهب الشافعية وأبو يوسف إلى أنه لا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر ذي غبار يعلق باليد غير محترق. وأضاف الشافعية إلى التراب الرمل الذي فيه غبار.

·                  وقال الشافعية إن ما استعمل في التيمم لا يتيمم به كالماء المستعمل.

 

سنن التيمم:

1-            التسمية.

2-            الترتيب عند الحنفية, وعند الشافعية فرض.

3-            الموالاة.

4-            ذهب الحنفية إلى سنية الضرب بباطن الكفين وإقبال اليدين بعد وضعهما في التراب وإدبارهما مبالغة في الاستيعاب، ثم نفضهما اتقاء تلويث الوجه، نقل ذلك عن أبي حنيفة. وذهبوا أيضا إلى سنية تفريج الأصابع ليصل التراب إلى ما بينها.

5-            وعند الشافعية يسن البداءة بأعلى الوجه، وتقديم اليمنى، وتفريق الأصابع في الضربة الأولى، وتخليل الأصابع بعد مسح اليدين احتياطا، وتخفيف الغبار لئلا تتشوه به خلقته. ويسن عندهم أيضا الموالاة بين التيمم والصلاة وأيضا إمرار اليد على العضو كالدلك في الوضوء، وعدم تكرار المسح، واستقبال القبلة، والشهادتان بعده كالوضوء فيهما. ويسن نزع الخاتم في الضربة الأولى باعتبار اليد فيها أداة للمسح، وفي الثانية هي محل للتطهير، وهو ركن فيجب، ويسن السواك قبله، ونقل التراب إلى أعضاء التيمم.

مكروهات التيمم:

1-            تكرار المسح.

2-            وقال الشافعية: يكره تكثير التراب وتجديد التيمم ولو بعد فعل صلاة، ومسح التراب عن أعضاء التيمم، فالأحب أن لا يفعله حتى يفرغ من الصلاة.

نواقض التيمم:

1-            كل ما ينقض الوضوء والغسل.

2-            رؤية الماء أو القدرة على استعمال الماء الكافي ولو مرة عند الحنفية، ولو لم يكف عند الشافعية وذلك قبل الصلاة لا فيها باتفاق الفقهاء، بشرط أن يكون الماء فاضلا عن حاجته الأصلية. ورؤية الماء في الصلاة فإنها تبطل التيمم عند الحنفية, ولا تبطله عند الشافعية بالنسبة للمسافر في محل لا يغلب فيه وجود الماء.

3-            زوال العذر المبيح له، كذهاب العدو والمرض والبرد.

4-            الردة تبطل التيمم عند الشافعية خلافا للحنفية.

·                  ذهب الحنفية إلى جواز تيمم العاصي بسفره أو مرضه. وذهب الشافعية في الأصح إلى أن العاصي بسفره، ومن سافر ليتعب نفسه أو دابته عبثا يلزمه أن يصلي بالتيمم ويقضي والعاصي بمرضه ليس من أهل الرخصة، فإن عصى بمرضه لم يصح تيممه حتى يتوب.

·                  ذهب الحنفية إلى جواز التيمم قبل الوقت ولأكثر من فرض ولغير الفرض أيضا خلافا للشافعية.

·                  اتفقوا في الجملة على أن تأخير الصلاة بالتيمم لآخر الوقت أفضل من تقديمه لمن كان يرجو الماء آخر الوقت، أما إذا يئس من وجوده فيستحب له تقديمه أول الوقت.

 

ما يجوز فعله بالتيمم الواحد:

·                  ذهب الحنفية إلى أن المتيمم يصلي بتيممه ما شاء من الفرائض والنوافل. وذهب الشافعية إلى أنه لا يصلي بتيمم واحد فرضين، ويتنفل ما شاء قبل المكتوبة وبعدها وكذلك يجوز صلاة الجنازة مع الفرض بتيمم واحد.

·                  ويصح عند الشافعية لمن نسي صلاة من الصلوات الخمس أن يصليها جميعا بتيمم واحد؛ لأنه لما نسي صلاة ولم يعلم عينها وجب عليه أن يصلي الخمس لتبرأ ذمته بيقين - وإنما جاز تيمم واحد لهن لأن المقصود بهن واحدة والباقي وسيلة.

ما يصح فعله بالتيمم مع وجود الماء:

·                  لا يصح عند الشافعية فعل عبادة مبنية على الطهارة بالتيمم عند وجود الماء إلا لمريض، أو مسافر وجد الماء لكنه محتاج إليه، أو عند خوف البرد, وذهب الحنفية - في المفتى به عندهم - إلى جواز التيمم لخوف فوت صلاة جنازة - أي: فوت جميع تكبيراتها - أما إذا كان يرجو أن يدرك بعض تكبيراتها فلا يتيمم لأنه يمكنه أداء الباقي وحده، سواء كان بلا وضوء، أو كان جنبا، أو حائضا، أو نفساء إذا انقطع دمها على العادة. لكنهم اشترطوا في الحائض أن يكون انقطاع دمها لأكثر الحيض. وكذلك يجوز لخوف فوت صلاة العيد كذا كل صلاة غير مفروضة خاف فوتها.

حكم فاقد الطهورين:

·                  صلاة فاقد الطهورين واجبة لحرمة الوقت ولا تسقط عنه مع وجوب إعادتها عند الحنفية والشافعية.

·                   

باب المسح على الجبيرة

حكم المسح على الجبيرة:

·                  اتفق الفقهاء على مشروعية المسح على الجبائر في حالة العذر نيابة عن الغسل أو المسح الأصلي في الوضوء أو الغسل أو التيمم.

·                  من ترك المسح عليها تفسد طهارته عند ابي يوسف ومحمد والشافعية خلافا لابي حنيفة.

شروط المسح على الجبيرة:

1-            أن يكون غسل العضو يخشى منه الضرر.

2-            ألا يكون غسل الأعضاء الصحيحة يضر بالأعضاء الجريحة فإن كان يضر بها ففرضه التيمم.

3-            قال الحنفية: إن كانت الأعضاء الصحيحة قليلة جدا كيد واحدة، أو رجل واحدة، ففرضه التيمم إذ التافه لا حكم له.

4-            اشترط الشافعية أن تكون الجبيرة موضوعة على طهارة مائية.

·                  يجب استيعاب الجبيرة بالمسح عند الحنفية والشافعية.

·                  يجب التيمم مع مسح الجبيرة عند الشافعية خلافا للحنفية.

ما ينقض المسح على الجبيرة:

1-            سقوطها أو نزعها لبرء الكسر أو الجرح.

2-            سقوط الجبيرة لا عن برء. وعند الحنفية يعيد الجبيرة إلى موضعها ولا يجب عليه إعادة المسح.

3-             

باب الحيض والنفاس والاستحاضة

حكم تعلم أحكام الحيض:

قال ابن نجيم: "ومعرفة مسائله من أعظم المهمات لما يترتب عليها مما لا يحصى من الأحكام، كالطهارة، والصلاة، وقراءة القرآن، والصوم والاعتكاف، والحج، والبلوغ، والوطء، والطلاق والعدة والاستبراء وغير ذلك من الأحكام. وكان من أعظم الواجبات، لأن عظم منزلة العلم بالشيء بحسب منزلة ضرر الجهل به، وضرر الجهل بمسائل الحيض أشد من ضرر الجهل بغيرها فيجب الاعتناء بمعرفتها" .

ركن الحيض:

·                  عند الحنفية: بروز الدم من الرحم، أي ظهور الدم بأن يخرج من الفرج الداخل إلى الفرج الخارج، فلو نزل إلى الفرج الداخل فليس بحيض وبه يفتى. وبه قال الشافعية.

 

شروط الحيض:

1-            أن يكون من رحم امرأة لا داء بها. زاد الحنفية " ولا حبل " حيث إن الحامل عندهم لا تحيض.

2-            ألا يكون بسبب الولادة، فالخارج بسبب الولادة دم نفاس لا حيض.

3-            أن يتقدمه نصاب الطهر ولو حكما. ونصاب الطهر خمسة عشر يوما عند الحنفية والشافعية.

4-            ألا ينقص الدم عن أقل الحيض.

5-            أن يكون في أوانه، وهو تسع سنين قمرية، فمتى رأت دما قبل بلوغ تلك السن لم يكن حيضا، وإذا رأت دما بعد سن الإياس لم يكن حيضا أيضا.

الصفرة والكدرة:

·                  في أيام الحيض حيض عند الحنفية خلافا للشافعية.

·                  في غير أيام الحيض ليسا بحيض عند الحنفية خلافا للشافعية إذا رأتهما المعتادة بعد عادتها، فإنها تجلس أيامهما عند الشافعية.

مدة الحيض:

·                  أقل سن تحيض له المرأة تسع سنين قمرية.

·                  وعند الشافعية إن رأت الدم قبل تمام التسع بأقل من ستة عشر يوما بلياليها فهو حيض، وإن رأته قبل تمام التسع بستة عشر يوما بلياليها أو أكثر فهو ليس بحيض.

·                  سن الإياس عند الحنفية والشافعية لا يحد بمدة.

فترة الحيض:

·                  عند الحنفية: أقل الحيض ثلاثة أيام بلياليها وأكثره عشرة أيام بلياليها. وذهب الشافعية إلى أن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما بلياليهن.

·                   

أحوال الحائض:

1-            المبتدأة:

·                  إذا رأت المبتدأة الدم وكان في زمن إمكان الحيض - أي في سن تسع سنوات فأكثر - ولم يكن الدم ناقصا عن أقل الحيض ولا زائدا على أكثره فإنه دم حيض، ويلزمها أحكام الحائض.

·                  إذا انقطع الدم للمبتدأة دون أكثر الحيض أو لأكثره ولم يجاوز ورأت الطهر، طهرت، ويكون الدم بين أول ما تراه إلى رؤية الطهر حيضا.

·                  إذا استمر دم المبتدأة وجاوز أكثر الحيض، فذهب الحنفية إلى أن حيضها أكثر فترة الحيض وطهرها ما جاوزه.

2-            المعتادة:

·                  ذهب الحنفية والشافعية إلى أن العادة تثبت بمرة في المبتدأة.

·                  اتفق الفقهاء على أنه إذا رأت المعتادة ما يوافق عادتها بأن انقطع دمها ولم ينقص أو يزد على عادتها، فأيام الدم حيض وما بعدها طهر.

·                  اتفق الفقهاء على أنه إذا انقطع دم المعتادة دون عادتها، فإنها تطهر بذلك ولا تتمم عادتها، بشرط أن لا يكون انقطاع الدم دون أقل الحيض. ومنع الحنفية وطأها حينئذ حتى تمضي عادتها وإن اغتسلت. خلافا للشافعية.

·                  إذا جاوز دم المعتادة عادتها فذهب الحنفية إلى أنه إذا رأت المعتادة ما يخالف عادتها، فإما أن تنتقل عادتها أو لا، فإن لم تنتقل ردت إلى عادتها، فيجعل المرئي فيها حيضا وما جاوز العادة استحاضة، وإن انتقلت فالكل حيض فإذا استمر دم المعتادة وزاد على أكثر الحيض فطهرها وحيضها ما اعتادت فترد إليها فيهما في جميع الأحكام إن كان طهرها أقل من ستة أشهر، فإن كان طهرها ستة أشهر فأكثر فإنه لا يقدر حينئذ بذلك، لأن الطهر بين الدمين أقل من أدنى مدة الحمل عادة فيرد إلى ستة أشهر إلا ساعة تحقيقا للتفاوت بين طهر الحيض وطهر الحمل وحيضها بحاله. وذهب الشافعية إلى أنه إن جاوز الدم عادتها ولم يعبر أكثر الحيض فالجميع حيض، لأن الأصل استمرار الحيض.

 

انتقال العادة:

·                  مذهب الحنفية: إذا رأت المعتادة ما يخالف عادتها في الحيض. فإذا لم يجاوز الدم العشرة الأيام، فالكل حيض، وانتقلت العادة عددا فقط إن طهرت بعده طهرا صحيحا خمسة عشر يوما، وإن جاوز العشرة الأيام ردت إلى عادتها، لأنه صار كالدم المتوالي. وهذا فيما إذا لم تتساو العادة والمخالفة حيث يصير الثاني عادة لها. فإن تساوت العادة والمخالفة فالعدد بحاله، سواء رأت نصابا (ثلاثة أيام) في أيام عادتها، أو قبلها، أو بعدها، أو بعضه في أيامها، وبعضه قبلها أو بعدها، لكن إن وافق زمانا وعددا فلا انتقال أصلا. وإلا فالانتقال ثابت على حسب المخالف.

فإذا جاوز الدم العشرة ووقع نصاب في زمان العادة. فالواقع في زمان العادة فقط حيض والباقي استحاضة. ثم إنه متى كان الواقع في زمان العادة مساويا لعادتها عددا، فالعادة باقية في حق العدد والزمان معا. فإن لم يكن مساويا لعادتها انتقلت العادة عددا إلى ما رأته ناقصا. وإنما قيد بالناقص لأنه لا احتمال لكون الواقع في العادة زائدا عليها.

وإذا جاوز الدم العشرة ولم يقع في زمان العادة نصاب بأن لم تر شيئا، أو رأت أقل من ثلاثة أيام انتقلت العادة زمانا، والعدد بحاله يعتبر من أول ما رأت.

·                  عند الشافعية: العادة قد تنتقل، فتتقدم أو تتأخر، أو يزيد قدر الحيض أو ينقص. فإذا كانت عادتها الأيام الخمسة الثانية من الشهر، فرأت في بعض الشهور، الأيام الخمسة الأولى دما وانقطع، فقد تقدمت عادتها، ولم يزد حيضها، ولم ينقص ولكن نقص طهرها فصار عشرين بعد أن كان خمسة وعشرين. وإن رأته في الخمسة الثالثة، أو الرابعة، أو الخامسة أو السادسة، فقد تأخرت عادتها، ولم يزد حيضها، ولم ينقص، ولكن زاد طهرها. وإن رأته في الخمسة الثانية مع الثالثة فقد زاد حيضها، وتأخرت عادتها. وإن رأته في الخمسة الأولى والثانية، فقد زاد حيضها وتقدمت عادتها. وإن رأته في الخمسة الأولى والثانية والثالثة فقد زاد حيضها، فصار خمسة عشر وتقدمت عادتها وتأخرت. وإن رأته في أربعة أيام أو ثلاثة، أو يومين، أو يوم من الخمسة المعتادة، فقد نقص حيضها ولم تنتقل عادتها.

وإن رأته في يوم أو يومين، أو ثلاثة، أو أربعة من الخمسة الأولى فقد نقص حيضها وتقدمت عادتها. وإن رأت ذلك في الخمسة الثالثة، أو الرابعة، أو ما بعد ذلك فقد نقص حيضها وتأخرت عادتها.

وقد صرح الشافعية بأن العمل بالعادة المنتقلة متفق عليه في الجملة عندهم، وانتقال العادة يثبت بمرة في الأصح. وهذا إن كانت متفقة غير مختلفة.

·                  العادة ضربان: متفقة، ومختلفة: فالمتفقة ما كانت أياما متساوية، كسبعة من كل شهر، فهذه تجلس أيام عادتها ولا تلتفت إلى ما زاد عليها. والمختلفة هي ما كانت أياما مختلفة، وهي قسمان مرتبة، بأن ترى في شهر ثلاثة، وفي الثاني أربعة، وفي الثالث خمسة، ثم تعود إلى مثل ذلك. فهذه، إذا استحيضت في شهر وعرفت نوبته عملت عليه. وإن نسيت نوبته جلست الأقل، وهو ثلاثة لأنه المتيقن.

وغير مرتبة: بأن تتقدم هذه مرة، وهذه أخرى كأن تحيض في شهر ثلاثة، وفي الثاني خمسة، وفي الثالث أربعة. فإن أمكن ضبطه بحيث لا يختلف هو، فالتي قبلها، وإن لم يمكن ضبطه ردت إلى ما قبل شهر الاستحاضة عند الشافعية بناء على ثبوت العادة بمرة.

الطهر من الحيض:

·                  أجمع الفقهاء على أنه لا حد لأكثر الطهر، لأن المرأة قد لا تحيض أصلا.

·                  ذهب الحنفية والشافعية إلى أن أقل طهر بين حيضتين خمسة عشر يوما بلياليها.

علامة الطهر:

·                  الطهر من الحيض يتحقق بأحد أمرين، إما انقطاع الدم-الجفاف-، أو رؤية القصة. وقد صرح الحنفية والشافعية بأن الغاية الانقطاع، فإذا انقطع طهرت، سواء خرجت بعده رطوبة بيضاء أم لا.

·                  ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الطهر المتخلل بين أيام الحيض حيض.

·                  ذهب الحنفية إلى أن دم الحامل دم علة وفساد، وليس بحيض. وعند الشافعية دم حيض.

فرع: صرح الحنفية والشافعية بأنه لا تصح طهارة الحائض، فإذا اغتسلت الحائض لرفع حدث الجنابة، فلا يصح غسلها.

فرع: إذا أدركت الحائض أول الوقت، بأن كانت طاهرا ثم حاضت هل تجب عليها تلك الصلاة أو لا؟ فذهب الحنفية إلى أنه إن طرأ الحيض في أثناء الوقت سقطت تلك الصلاة، ولو بعد ما افتتحت الفرض. وذهب الشافعية إلى أنه إن طرأ الحيض في أول الوقت، فإنه تجب عليها تلك الصلاة فقط إن أدركت قدر الفرض، ولا تجب معها الصلاة التي تجمع معها بعدها، ويجب الفرض الذي قبلها أيضا، إن كانت تجمع معها وأدركت قدره ولم تكن قد صلته لتمكنها من فعل ذلك.

فرع: ذهب الشافعية إلى أن الصلاة تجب على الحائض إذا طهرت وقد أدركت من آخر الوقت قدر تكبيرة، فيجب قضاؤها فقط إن لم تجمع مع التي قبلها، وقضاؤها وقضاء ما قبلها إن كانت تجمع. وعند الحنفية: إن كان انقطاع الدم لأكثر الحيض في المبتدأة، فإنه تجب عليها الصلاة لو بقي من الوقت مقدار تحريمة وإن بقي من الوقت ما يمكنها الاغتسال فيه أيضا، فإنه يجب أداء الصلاة. فإن لم يبق من الوقت هذا المقدار فلا قضاء ولا أداء. وإن كان انقطاع الدم قبل أكثر مدة الحيض بالنسبة للمبتدأة، أو كان انقطاعه في أيام عادتها أو بعدها - قبل تمام أكثر المدة - أو قبلها بالنسبة للمعتادة، فإنه يلزمها القضاء إن بقي من الوقت قدر التحريمة، والغسل أو التيمم عند العجز عن الماء.

ما يحرم بالحيض والنفاس:

1-            الصلاة.

2-            الصوم.

3-            قراءة القران.

4-            مس المصحف وحمله.

5-            دخول المسجد. واتفقوا على جواز عبورها للمسجد دون لبث في حالة الضرورة والعذر.

6-            الطواف.

7-            الاستمتاع بما بين السرة والركبة.

فرع: استحب الحنفية والشافعية أن يتصدق بدينار إن كان الجماع في أول الحيض وبنصفه إن كان في آخره.

فرع: لا يحل وطء الحائض حتى تطهر - ينقطع الدم – وتغتسل عند الشافعية. وعند الحنفية: إذا انقطع دم الحيض لأقل من عشرة أيامٍ لم يجز وطؤها حتى تغتسل، أو يمضي عليها وقت صلاةٍ كاملٌ، فإن انقطع دمها لعشرة أيامٍ جاز وطؤها قبل الغسل.

فرع: إذا انقطع دم الحيض لم يحل مما حرم غير الصوم والطلاق، ولم يبح غيرهما حتى تغتسل.

تنبيه: حكم النفاس كحكم الحيض في الجملة.

 

باب النفاس

·                  والنفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة.

·                  وأقل النفاس لا حد له، وأكثره أربعون يوماً، وما زاد على ذلك فهو استحاضةٌ. وعند الشافعية أكثره ستون يوما، وغالبه أربعون يوما.

·                  قال الحنفية: وإذا تجاوز الدم الأربعين، وقد كانت هذه المرأة ولدت قبل ذلك ولها عادةٌ في النفاس ردت إلى أيام عادتها، وإن تكن لها عادةٌ فابتداء نفاسها أربعون يوماً.

·                  ومن ولدت ولدين في بطنٍ واحدٍ. فنفاسها ما خرج من الدم عقيب الولد الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد والأصح عند الشافعية: نفاسها ما خرج من الدم عقيب الولد الثاني.

أحكام المستحاضة:

·                  دم الاستحاضة حكمه كالرعاف الدائم، أو كسلس البول.

·                  يجب رد دم الاستحاضة، أو تخفيفه إذا تعذر رده بالكلية، وذلك برباط أو حشو أو بالقيام أو بالقعود، كما إذا سال أثناء السجود ولم يسل بدونه، فتومئ من قيام أو من قعود، وكذا لو سال الدم عند القيام صلت من قعود؛ لأن ترك السجود أو القيام أو القعود أهون من الصلاة مع الحدث.

ويستثنى من وجوب الشد أو الاحتشاء أمران:

الأول: أن تتضرر المستحاضة من الشد أو الاحتشاء.

الثاني: أن تكون صائمة فتترك الاحتشاء نهارا لئلا يفسد صومها.

فرع: قال الحنفية: إذا أصاب الثوب من الدم مقدار مقعر الكف فأكثر وجب عند الحنفية غسله، إذا كان الغسل مفيدا، بأن كان لا يصيبه مرة بعد أخرى، حتى لو لم تغسل وصلت لا يجوز، وإن لم يكن مفيدا لا يجب ما دام العذر قائما. وقال الشافعية إذا تحفظت لم يضر خروج الدم، ولو لوث ملبوسها في تلك الصلاة خاصة.

فرع: قال الشافعي: تتوضأ المستحاضة لكل فرض وتصلي ما شاءت من النوافل. وعند الحنفية: تتوضأ المستحاضة وأمثالها من المعذورين لوقت كل صلاة مفروضة، وتصلي به في الوقت ما شاءت من الفرائض والنذور والنوافل والواجبات.

فرع: قال الحنفية: فلو توضأت مع الانقطاع ثم سال الدم انتقض الوضوء. ولو توضأت من حدث آخر - غير العذر - في فترة انقطاع العذر، ثم سال الدم انتقض الوضوء أيضا. وكذا لو توضأت من عذر الدم، ثم أحدثت حدثا آخر انتقض الوضوء.

فرع: قال أبو حنيفة ومحمد: تنتقض الطهارة عند خروج الوقت لا غير, وقال زفر: عند دخول الوقت لا غير, وقال أبو يوسف: عند كل منهما، أي للاحتياط.

وثمرة الخلاف: إذا توضأت في وقت الفجر ثم طلعت الشمس، فإن طهارتها تنتقض عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد لوجود الخروج، وعند زفر لا تنتقض لعدم دخول الوقت؛ لأن من طلوع الشمس إلى الظهر ليس بوقت صلاة، بل هو وقت مهمل.

 

برء المستحاضة وشفاؤها عند الشافعية:

إن حصل هذا خارج الصلاة:

أ - فإن كان بعد صلاتها، فقد مضت صلاتها صحيحة، وبطلت طهارتها فلا تستبيح بها بعد ذلك نافلة.

ب - وإن كان ذلك قبل الصلاة بطلت طهارتها، ولم تستبح تلك الصلاة ولا غيرها.

أما إذا حصل الانقطاع في نفس الصلاة ففيه قولان:

أحدهما: بطلان طهارتها وصلاتها.

والثاني: لا تبطل كالتيمم.

والراجح الأول.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كتاب الصلاة

 

قال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].

حكمها:

·                  أجمع العلماء على أنّ الصلوات الخمس من فروض الأعيان وأجمعوا على ردة جاحد وجوبها. و يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كفرا.

·                  ومن تركها تهاونا لا جحودا فذهب الشافعية إلى أنه يقتل حدا أي أن حكمه بعد الموت حكم المسلم فيغسل، ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين. وذهب الحنفية إلى أن تارك الصلاة تكاسلا عمدا فاسق لا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يموت أو يتوب.

·                   

مواقيت الصلاة:

1-            صلاة الصبح: لا خلاف بين الفقهاء في أن مبدأ وقت الصبح طلوع الفجر الصادق. وعلامته بياض ينتشر في الأفق عرضا. أما نهاية وقت الصبح، فعندهم: قبيل طلوع الشمس.

·                  ذهب الحنفية إلى أنه يستحب الإسفار بالفجر أي تأخيره إلى أن ينتشر الضوء. وعند الشافعية يستحب التغليس أي الصلاة أول الوقت في الظلمة.

2-            صلاة الظهر: لا خلاف بين الفقهاء في أن مبدأه من زوال الشمس عن وسط السماء تجاه الغرب، ولا يصح أداؤها قبل الزوال. وأما نهاية وقت الظهر فمذهب الشافعية، ومعهم الصاحبان، إلى أن آخر وقت الظهر بلوغ ظل الشيء مثله سوى فيء الزوال. و عند أبي حنيفة: حين يبلغ ظل الشيء مثليه سوى فيء الزوال.

·                  المراد بفيء الزوال: الظل الحاصل للأشياء حين تزول الشمس عن وسط السماء، وسمي فيئا؛ لأن الظل رجع إلى المشرق بعد أن كان في المغرب، ويختلف ظل الزوال طولا وقصرا وانعداما باختلاف الأزمنة والأمكنة. وكلما بعد المكان من خط الاستواء كلما كان فيء الزوال أطول، وهو في الشتاء أطول منه في الصيف.

·                  وقت الظهر المستحب عند الحنفية، الإبراد بظهر الصيف، والتعجيل بظهر الشتاء، إلا في يوم غيم فيؤخر. وذهب الشافعية إلى أنه إن كان يصلي وحده يعجل، وإن كان يصلي بجماعة يؤخر حتى يكون للحيطان ظل يمشي فيه طالب الجماعة، بشرط أن يكون في بلد حار كالعراق.

3-            صلاة العصر: أما مبدأ وقت العصر فهو عند الصاحبين والشافعية من حين الزيادة على المثل، وعند أبي حنيفة من حين الزيادة على المثلين. أما نهاية وقت العصر عند أبي حنيفة فيما لم تغب الشمس, وهو وقت الجواز عند الشافعية.

·                  وقت العصر المستحب: تأخيرها ما لم تتغير الشمس عند الحنفية. وتعجيلها عند الشافعية.

4-            صلاة المغرب: لا خلاف بين الفقهاء في أن مبدأ وقت المغرب من غروب الشمس. أما آخر وقتها فعند الحنفية حين يغيب الشفق وهذا الراجح عند النووي ومتأخري الشافعية.

·                  اتفقوا على استحباب تعجيل المغرب.

5-            صلاة العشاء: يبدأ وقت العشاء حين يغيب الشفق بلا خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه والشافعية؛ ولكن رجح الشافعية والصاحبان أنه الشفق الأحمر ورجح أبو حنيفة أنه البياض الذي يظهر بعد الحمرة. - والفرق بين الشفقين يقدر بثلاث درجات، وهي تعدل اثنتي عشرة دقيقة- أما نهاية وقت العشاء، فحين يطلع الفجر الصادق بلا خلاف بين أبي حنيفة وأصحابه، وهو مذهب الشافعية.

·                  عند الحنفية يستحب تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل، والتأخير إلى النصف مباح، وبعد النصف مكروه كراهة تحريمية. ويستحب تعجيلها في يوم الغيم مظنة المطر أو البرد؛ لأنهما يؤديان إلى تقليل الجماعة. وذهب الشافعية إلى أن للعشاء سبعة أوقات: وقت فضيلة وهو أوله، واختيار إلى آخر ثلث الليل الأول، وجواز بلا كراهة للفجر الأول، وبكراهة إلى الفجر الثاني.

انقسام الوقت إلى موسع ومضيق وبيان وقت الوجوب ووجوب الأداء:

·                  الوقت الموسع لكل من الفرائض هو: من أول الوقت إلى ألا يبقى من الوقت أكثر مما يسع تكبيرة الإحرام للصلاة، فإذا لم يبق من الوقت إلا ما يسع تكبيرة الإحرام للصلاة فهو وقت مضيق، يحرم التأخير عنه. وأما وقت الوجوب فهو من أول الوقت إلى ما قبل خروجه بزمن يسع تكبيرة الإحرام أو ثلاث ركعات المغرب مثلا. وأما وقت وجوب الأداء فهو الوقت الباقي الذي يسع تكبيرة الإحرام أو ثلاث ركعات المغرب. هذا مذهب الحنفية.

·                  وذهب الشافعية إلى أن وجوب الأداء يتعلق بأي جزء من أجزاء الوقت ولا يتعلق بآخر الوقت.

·                  ويظهر أثر الخلاف في مقيم سافر في آخر وقت الظهر، فعند الحنفية حين يقضي الظهر يقضيه ركعتين؛ لأن وجوب الأداء يتعلق بآخر الوقت، وهو في آخر الوقت كان مسافرا، فيقضي صلاة المسافرين. وعند الشافعية يقضي الظهر أربعا؛ لأن وجوب الأداء يتعلق بالجزء الأول من الوقت وما بعده، وهو في الجزء الأول من الوقت كان مقيما فوجب عليه قضاء صلاة المقيمين.

·      باب الاذان

·      صفته (حكمه التكليفي) :

·  اتفق الفقهاء على أن الأذان من خصائص الإسلام وشعائره الظاهرة، وأنه لو اتفق أهل بلد على تركه قوتلوا.

·       

·      وهو سنة مؤكدة وهو الراجح عند الحنفية، والأصح عند الشافعية.

·       

·      حكمة مشروعية الأذان:

·  شرع الأذان للإعلام بدخول وقت الصلاة، وإعلاء اسم الله بالتكبير، وإظهار شرعه ورفعة رسوله، ونداء الناس إلى الفلاح والنجاح.

·       

·      ألفاظ الأذان:

·  ألفاظ الأذان التي وردت في حديث عبد الله بن زيد في رؤياه التي قصها على النبي صلى الله عليه وسلم هي التي أخذ بها الحنفية:

·  الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.

·  وأخذ الشافعية بحديث أبي محذورة، وهو بنفس الألفاظ التي وردت في حديث عبد الله بن زيد، مع زيادة الترجيع.

·      الترجيع في الأذان:

·  الترجيع هو أن يخفض المؤذن صوته بالشهادتين مع إسماعه الحاضرين، ثم يعود فيرفع صوته بهما. وهو مكروه تنزيها في الراجح عند الحنفية. وهو سنة في الصحيح عند الشافعية.

·      التثويب:

·  التثويب هو أن يزيد المؤذن عبارة (الصلاة خير من النوم) مرتين بعد الحيعلتين في أذان الفجر، أو بعد الأذان كما يقول بعض الحنفية، وهو سنة عند جميع الفقهاء.

·      الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان:

·  يرى الشافعية أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من المؤذن بعد الأذان سنة، وعندهم يسن للمؤذن متابعة قوله سرا مثله كالمستمع ليجمع بين أداء الأذان والمتابعة، واعتبره الحنفية بدعة حسنة.

·       

·      النداء بالصلاة في المنازل:

·  يجوز للمؤذن أن يقول عند شدة المطر أو الريح أو البرد: ألا صلوا في رحالكم، ويكون ذلك بعد الأذان.

·      شرائط الأذان

·      يشترط في الأذان للصلاة ما يأتي:

·      دخول وقت الصلاة:

·  دخول وقت الصلاة المفروضة شرط للأذان، فلا يصح الأذان قبل دخول الوقت - إلا في الأذان لصلاة الفجر على ما سيأتي - ، وإذا أذن المؤذن قبل الوقت أعاد الأذان بعد دخول الوقت، إلا إذا صلى الناس في الوقت وكان الأذان قبله فلا يعاد.

·  والمستحب إذا دخل الوقت أن يؤذن في أوله، ليعلم الناس فيأخذوا أهبتهم للصلاة، أما بالنسبة للفجر فذهب الشافعي وأبو يوسف من الحنفية إلى أنه يجوز الأذان للفجر قبل الوقت، في النصف الأخير من الليل عند الشافعية وأبي يوسف، وعند الحنفية - غير أبي يوسف - لا يجوز الأذان لصلاة الفجر إلا عند دخول الوقت، ولا فرق بينها وبين غيرها من الصلوات.

·  وأما الجمعة فمثل باقي الصلوات لا يجوز الأذان لها قبل دخول الوقت، وللجمعة أذانان، أولهما عند دخول الوقت، وهو الذي يؤتى به من خارج المسجد - على المئذنة ونحوها - وقد أمر به سيدنا عثمان رضي الله عنه حين كثر الناس.

·  والثاني وهو الذي يؤتى به إذا صعد الإمام على المنبر، ويكون داخل المسجد بين يدي الخطيب، وهذا هو الذي كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وعمر حتى أحدث عثمان الأذان الثاني.

·       

·      أداء الأذان باللغة العربية:

·  اشترط الحنفية كون الأذان باللفظ العربي على الصحيح ولا يصح الإتيان به بأي لغة أخرى ولو علم أنه أذان.

·  أما الشافعية فعندهم إن كان يؤذن لجماعة وفيهم من يحسن العربية لم يجز الأذان بغيرها، ويجزئ إن لم يوجد من يحسنها، وإن كان يؤذن لنفسه فإن كان يحسن العربية لا يجزئه الأذان بغيرها وإن كان لا يحسنها أجزأه

·       

·      خلو الأذان من اللحن:

·  اللحن الذي يغير المعنى في الأذان كمد همزة الله أكبر أو بائه يبطل الأذان، فإن لم يغير المعنى فهو مكروه وهذا عند الشافعية، وهو مكروه عند الحنفية.

·       

·      الترتيب بين كلمات الأذان:

·  يقصد بالترتيب أن يأتي المؤذن بكلمات الأذان على نفس النظم والترتيب الوارد في السنة دون تقديم أو تأخير لكلمة أو جملة على الأخرى، ومذهب الشافعية أن الترتيب عندهم واجب فإن فعل المؤذن ذلك استأنف الأذان من أوله؛ لأن ترك الترتيب يخل بالإعلام المقصود، ولأنه ذكر يعتد به فلا يجوز الإخلال بنظمه الاستئناف أولى.

·  أما الحنفية فعندهم الترتيب سنة، فلو قدم في الأذان جملة على الأخرى أعاد ما قدم فقط ولا يستأنفه من أوله.

·      الموالاة بين ألفاظ الأذان:

·  الموالاة في الأذان هي المتابعة بين ألفاظه بدون فصل بقول أو فعل، ومن الفصل بين ألفاظه ما يحدث دون إرادة كالإغماء أو الرعاف أو الجنون. والفصل بين كلمات الأذان بأي شيء كسكوت أو نوم أو كلام أو إغماء أو غيره، إن كان يسيرا فلا يبطل الأذان ويبني على ما مضى، وهذا عند الحنفية، أما عند الشافعية فيسن استئناف الأذان في غير السكوت والكلام. هذا مع اتفاق الفقهاء على كراهة الكلام اليسير إن كان لغير سبب أو ضرورة.

·  أما إذا طال الفصل بين كلمات الأذان بكلام كثير، ولو مضطرا إليه كإنقاذ أعمى، أو نوم طويل أو إغماء أو جنون فيبطل الأذان ويجب استئنافه، وهذا عند الحنفية وهو طريقة الخراسانيين من الشافعية، قال الرافعي: والأشبه وجوب الاستئناف عند طول الفصل، وقطع العراقيون من الشافعية بعدم البطلان مع استحباب الاستئناف.

·       

·      رفع الصوت بالأذان:

·  أوجب الشافعية رفع الصوت بالأذان؛ ليحصل السماع المقصود للأذان، وهو كذلك رأي للحنفية، وهذا إذا كان الغرض إعلام غير الحاضرين بصلاة الجماعة، أما من يؤذن لنفسه أو لحاضر معه فلا يشترط رفع الصوت به إلا بقدر ما يسمع نفسه أو يسمعه الحاضر معه هذا وقد اتفق الفقهاء على أنه لا ينبغي أن يجهد المؤذن نفسه بما فوق طاقته مبالغة في رفع صوته بالأذان خشية حدوث بعض الأمراض له.

·       

·      سنن الأذان

·استقبال القبلة:

·

·      يسن استقبال القبلة حال الأذان، وهو مذهب الحنفية والشافعية وعند الحيعلتين أي قوله (حي على الصلاة، حي على الفلاح) يسن أن يلتفت المؤذن فيحول وجهه - فقط دون استدارة جسمه - يمينا ويقول: حي على الصلاة مرتين، ثم يحول وجهه شمالا وهو يقول: حي على الفلاح مرتين، هكذا كان أذان بلال وبهذا قال الحنفية والشافعية

·       

·      الترسل أو الترتيل:

·  الترسل هو التمهل والتأني، ويكون بسكتة - تسع الإجابة - بين كل جملتين من جمل الأذان، على أن يجمع بين كل تكبيرتين بصوت ويفرد باقي كلماته.

·       

·       

·       

·       

·      صفات المؤذن

·      ما يشترط فيه من الصفات:

·      الإسلام:

·      إسلام المؤذن شرط لصحته، فلا يصح أذان الكافر وهذا باتفاق، ولا يعتد بأذانه.

·       

·      الذكورة:

·  من الشروط الواجبة في المؤذن أن يكون رجلا، فلا يصح أذان المرأة؛ لأن رفع صوتها قد يوقع في الفتنة، وهذا عند الشافعية في الجملة، ولا يعتد بأذانها لو أذنت. واعتبر الحنفية الذكورة من السنن، وكرهوا أذان المرأة، واستحب الإمام أبو حنيفة إعادة الأذان لو أذنت.

·       

·      العقل:

·  يشترط في المؤذن أن يكون عاقلا، فلا يصح الأذان من مجنون وسكران لعدم تمييزهما، ويجب إعادة الأذان لو وقع منهما وهذا عند الشافعية، وكره الحنفية أذان غير العاقل.

·       

·       

·      البلوغ:

·  الصبي غير العاقل (أي غير المميز) لا يجوز أذانه باتفاق؛ لأن ما يصدر منه لا يعتد به، أما الصبي المميز فيجوز أذانه عند الحنفية (مع كراهته عند أبي حنيفة) والشافعية.

·       

·      ما يستحب أن يتصف به المؤذن:

·  يستحب أن يكون المؤذن طاهرا من الحدث الأصغر والأكبر، ويجوز أذان المحدث مع الكراهة بالنسبة للحدث الأكبر عند جميع الفقهاء، وعند الشافعية بالنسبة للحدث الأصغر كذلك.

·      ويستحب أن يكون عدلا؛ لأنه أمين على المواقيت، وليؤمن نظره إلى العورات.

·      ويستحب أن يكون صيتا، أي حسن الصوت هذا مع كراهة التمطيط والتطريب.

·    ويستحب أن يجعل أصبعيه في أذنيه حال الأذان.

·      ويستحب أن يؤذن قائما.

·      ويستحب أن يكون عالما بأوقات الصلاة؛ ليتحراها فيؤذن في أولها.

·      ويستحب أن يكون المؤذن هو المقيم.

·      ويستحب أن يؤذن محتسبا، ولا يأخذ على الأذان أجرا.

·       

·       

·      ما يشرع له الأذان من الصلوات:

·  الأصل أن الأذان شرع للصلوات المفروضة في حال الحضر والسفر والجماعة والانفراد، أداء وقضاء، وهذا باتفاق.

·       

·      الأذان للفوائت:

·  الفائتة الواحدة يؤذن لها عند الحنفية، وهو المعتمد عند الشافعية، أما إذا تعددت الفوائت فعند الحنفية: الأولى أن يؤذن ويقيم لكل صلاة، والمعتمد عند الشافعية يستحب أن يؤذن للأولى فقط ويقيم لما بعدها، وذلك جائز عند الحنفية أيضا.

·       

·      الأذان للصلاتين المجموعتين:

·  إذا جمعت صلاتان في وقت إحداهما، كجمع العصر مع الظهر في وقت الظهر بعرفة، وكجمع المغرب مع العشاء بمزدلفة، فإنه يؤذن للأولى فقط وهذا عند الحنفية ، وهو المعتمد عند الشافعية.

·       

·      الأذان في مسجد صليت فيه الجماعة:

·  لو أقيمت جماعة في مسجد فحضر قوم لم يصلوا فالصحيح عند الشافعية أنه يسن لهم الأذان دون رفع الصوت لخوف اللبس - سواء أكان المسجد مطروقا أم غير مطروق، ويفصل الحنفية فيقولون: إن كان المسجد له أهل معلومون وصلى فيه غير أهله بأذان وإقامة لا يكره لأهله أن يعيدوا الأذان والإقامة إذا صلوا، وإن صلى فيه أهله بأذان وإقامة أو بعض أهله يكره لغير أهله وللباقين من أهله أن يعيدوا الأذان والإقامة إذا صلوا، وإن كان المسجد ليس له أهل معلومون بأن كان على الطريق لا يكره تكرار الأذان والإقامة فيه.

·       

·      تعدد المؤذنين:

·

·  يجوز أن يتعدد المؤذن في المسجد الواحد، ولا يستحب الزيادة على اثنين إلا أن تدعو الحاجة إلى الزيادة عليهما فيجوز، وكيفية أذانهم أنه إذا كان الواحد يسمع الناس فالمستحب أن يؤذن واحد بعد واحد، وإذا كان الإعلام لا يحصل بواحد أذنوا بحسب ما يحتاج إليه، إما أن يؤذن كل واحد في منارة أو ناحية أو أذنوا دفعة واحدة في موضع واحد، وإن خافوا من تأذين واحد بعد الآخر فوات أول الوقت أذنوا جميعا دفعة واحدة.

·       

·      ما يعلن به عن الصلوات التي لم يشرع لها الأذان:

·  اتفق الفقهاء على أن الأذان إنما شرع للصلوات المفروضة، ولا يؤذن لصلاة غيرها كالجنازة، أما كيفية النداء لهذه الصلوات التي لا أذان لها فقد ذكر الشافعية أنه بالنسبة للعيدين والكسوف والاستسقاء والتراويح إذا صليت جماعة - وفي وجه للشافعية بالنسبة لصلاة الجنازة - فإنه ينادى لها: الصلاة جامعة، وهو مذهب الحنفية بالنسبة لصلاة الكسوف، واستحسن عياض ما استحسنه الشافعي، وهو أن ينادى لكل صلاة لا يؤذن لها: الصلاة جامعة.

·       

·      إجابة المؤذن والدعاء بعد الإجابة:

·

·  يسن لمن سمع الأذان متابعته بمثله، وهو أن يقول مثل ما يقول ويسن أن يقول عند الحيعلة: لا حول ولا قوة إلا بالله.

·  وفي التثويب وهو قول " الصلاة خير من النوم " في أذان الفجر يقول: صدقت وبررت - بكسر الراء الأولى - ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته.

·ولو سمع مؤذنا ثانيا أو ثالثا استحب له المتابعة أيضا.

·       

·      الأذان لغير الصلاة:

·  شرع الأذان أصلا للإعلام بالصلاة إلا أنه قد يسن الأذان لغير الصلاة تبركا واستئناسا أو إزالة لهم طارئ والذين توسعوا في ذكر ذلك هم فقهاء الشافعية فقالوا: يسن الأذان في أذن المولود حين يولد، وفي أذن المهموم فإنه يزيل الهم، وخلف المسافر، ووقت الحريق، وعند مزدحم الجيش، وعند تغول الغيلان وعند الضلال في السفر، وللمصروع، والغضبان، ومن ساء خلقه من إنسان أو بهيمة، وعند إنزال الميت القبر قياسا على أول خروجه إلى الدنيا. ونقل الحنفية ما ذكره الشافعي ولم يستبعدوه.

شروط وجوب الصلاة:

1-            الإسلام: واختلفوا في قضاء الصلاة على المرتد إذا رجع الى الاسلام فأوجبها الشافعية خلافا للحنفية.

2-            العقل: واختلفوا فيمن تغطى عقله أو ستر بمرض أو إغماء أو دواء مباح. فذهب الحنفية: إلى التفريق بين أن يكون زوال العقل بآفة سماوية، أو بصنع العبد. فإن كان بآفة سماوية كأن جن أو أغمي عليه ولو بفزع من سبع أو آدمي نظر، فإن كانت فترة الإغماء يوما وليلة فإنه يجب عليه قضاء الخمس، وإن زادت عن ذلك فلا قضاء عليه للحرج. وإن كان زوال العقل بصنع الآدمي كما لو زال عقله ببنج أو خمر أو دواء لزمه قضاء ما فاته وإن طالت المدة، وقال محمد: يسقط القضاء بالبنج والدواء، لأنه مباح فصار كالمريض.

وعند الشافعية: لا تجب الصلاة على من زال عقله بالجنون أو الإغماء أو العته أو السكر بلا تعد في الجميع. وسواء قل زمن ذلك أو طال. إلا إذا زالت هذه الأسباب وقد بقي من الوقت الضروري قدر زمن تكبيرة فأكثر. وهذا بخلاف السكر أو الجنون أو الإغماء المتعدى به إذا أفاق فإنه يجب عليه قضاء ما فاته من الصلوات زمن ذلك لتعديه.

قالوا: وأما الناسي للصلاة أو النائم عنها والجاهل لوجوبها فلا يجب عليهم الأداء؛ لعدم تكليفهم، ويجب عليهم القضاء. وأما من تغطى عقله بمرض أو إغماء أو دواء مباح فيجب عليه الصلوات الخمس.

3-            البلوغ.

السنن التابعة للفرائض:

حكمها: اتفقوا على استحباب المواظبة على السنن الرواتب. وصرح الحنفية أن تارك السنن الرواتب يستوجب إساءة وكراهية. وفسر ابن عابدين استيجاب الإساءة بالتضليل واللوم.

عدد ركعات السنن الرواتب:

·                  قال الشافعية: عدد ركعات السنن الرواتب عشر ركعات، وهو أدنى الكمال عند الشافعية: ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر. والأكمل في الرواتب غير الوتر ثماني عشرة ركعة: ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، وثنتان بعدها، وأربع قبل العصر، وثنتان بعد المغرب، وأربع قبل العشاء وثنتان بعدها. وأفضل الرواتب الوتر.

·                  وقال الحنفية: عدد ركعات السنن الرواتب اثنتا عشرة ركعة: ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر بتسليمة واحدة، وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء. ويرون أنه يستحب زيادة على السنن الرواتب: أربع قبل العصر، وأربع قبل العشاء وأربع بعدها، منها ركعتان مؤكدتان، وست بعد المغرب.

·                  قال الحنفية والشافعية: تسن الصلاة قبل الجمعة وبعدها، فعند الحنفية: سنة الجمعة القبلية أربع، والسنة البعدية أربع كذلك، وقال الشافعية: أقل السنة ركعتان قبلها وركعتان بعدها، والأكمل أربع قبلها وأربع بعدها.

·                  الوتر سنة راتبة عند الشافعية والصاحبين ورواية عن أبي حنيفة. وذهب أبو حنيفة في الراجح عنه إلى أن الوتر واجب.

·                  قيام رمضان من الرواتب عند الشافعية والحنفية وهو عشرون ركعة تؤدى بعد الفريضة، يسلم على رأس كل ركعتين، ويتروح كل أربع ركعات بجلسة خفيفة يذكر فيها الله تعالى، ثم تصلى الوتر جماعة بعد ذلك.

فرع: الأفضل عندهم أداء السنن والنوافل في البيت.

فرع: تكره الجماعة في النوافل عند الحنفية ولا تستحب عند الشافعية.

صلاة الرواتب في السفر:

·                  ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يستحب أداء النوافل في السفر.

حكم قضائها إذا فاتت:

·                  قال الحنفية: السنن الرواتب عموما إذا فاتت فإنها لا تقضى، إلا سنة الفجر إذا فاتت مع الفريضة فإنها تقضى معها بعد ارتفاع الشمس، أما إذا فاتته وحدها فلا يقضيها قبل طلوع الشمس وعند أبي حنيفة وأبي يوسف لا يقضيهما بعد ارتفاعها، وعند محمد بن الحسن أنه يقضيهما إلى وقت الزوال

وأما سنة الظهر القبلية إذا فاتت فإنها تؤدى بعد الفرض، وقد اختلف في تقديمها على السنة البعدية وتأخيرها عنها، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف يؤديهما بعد السنة البعدية، وعند محمد يؤديهما قبل السنة البعدية. وأما بقية السنن الرواتب إذا فاتت مع فرائضها، فقالوا: لا تقضى تبعا كما لا تقضى قصدا، وهو الأصح.

·                  وقال الشافعية في الأظهر: يستحب قضاء النوافل المؤقتة.

شروط صحة الصلاة:

1-            النية شرط عند الحنفية خلافا للشافعية.

2-            الطهارة من الخبث والحدث.

3-            ستر العورة.

4-            استقبال القبلة.

5-            العلم بدخول الوقت: وقد اتفق الفقهاء على أنه يكفي في العلم بدخول الوقت غلبة الظن.

أركان الصلاة:

1-            النية ركن عند الشافعية وشرط عند الحنفية.

2-            تكبيرة الاحرام: ركن عند الشافعية ومحمد وشرط عند الحنفية.

·                  إذا تأخرت النية عن تكبيرة الإحرام فلا تجزئ التكبيرة وتكون الصلاة باطلة.

·                  يجب أن يكبر المصلي قائما فيما يفترض له القيام ويتحقق القيام بنصب الظهر فلا يجزئ إيقاع تكبيرة الإحرام جالسا أو منحنيا والمراد بالقيام ما يعم الحكمي ليشمل القعود في نحو الفرائض لعذر.

·                  يجب على المصلي النطق بتكبيرة الإحرام بحيث يسمع نفسه، إلا أن يكون به عارض من طرش أو ما يمنعه السماع فيأتي به بحيث لو كان سميعا أو لا عارض به لسمعه.

·                  لا تجوز تكبيرة الإحرام بغير العربية لمن يحسن العربية، بهذا قال الشافعية وأبو يوسف ومحمد. وأما من لم يحسن العربية فيجوز له التكبير بلغته في الجملة عند الشافعية. وأجاز أبو حنيفة ترجمة تكبيرة الإحرام لمن يحسن العربية ولغيره، وقال لو افتتح الصلاة بالفارسية وهو يحسن العربية أجزأه.

3-            القيام للقادر في الفرض. ويسقط عن العاجز عنه حقيقة أو حكما، والعجز الحكمي هو: كما لو حصل له به ألم شديد.

4-            قراءة الفاتحة ركن عند الشافعية. وليست بركن عند الحنفية ولكن يتحقق ركن القراءة عند الحنفية بقراءة آية من القرآن، ومحلها ركعتان في الفرض وجميع ركعات النفل والوتر.

·                  أجاز أبو حنيفة القراءة بالفارسية سواء كان يحسن القراءة بالعربية أو لا يحسن. وقال أبو يوسف ومحمد: إن كان يحسن لا يجوز، وإن كان لا يحسن يجوز، وإلى قولهما رجع أبو حنيفة كما جاء في ابن عابدين.

5-            الركوع.

6-            الاعتدال: هو القيام مع الطمأنينة بعد الرفع من الركوع، وهو ركن في الفرض والنافلة عند الشافعية خلافا للحنفية.

7-            السجود في كل ركعة مرتين. وذهب الشافعية: إلى أن أقل السجود يتحقق بمباشرة بعض جبهته مكشوفة مصلاه، ويجب: أن ينال محل سجوده ثقل رأسه قالوا: ومعنى الثقل أن يتحامل بحيث لو فرض تحته قطن أو حشيش لانكبس وظهر أثره في يده لو فرضت تحت ذلك، ولا يشترط التحامل في غير الجبهة من الأعضاء. ويجب كذلك أن لا يهوي لغير السجود، فلو سقط لوجهه من الاعتدال وجب العود إلى الاعتدال ليهوي منه؛ لانتفاء الهوي في السقوط. وإن سقط من الهوي لم يلزمه العود بل يحسب ذلك سجودا. ويجب أيضا أن ترتفع أسافله - عجيزته وما حولها - على أعاليه.. فإن أمكنه السجود على وسادة بتنكيس لزمه؛ لحصول هيئة السجود بذلك، ولا يلزمه بلا تنكيس.

8-            الجلوس بين السجدتين عند الشافعية ركن خلافا للحنفية.

·                  ذهب الشافعية إلى أنه يجب أن لا يقصد برفعه غير الجلوس، كما في الركوع. فلو رفع فزعا من شيء لم يكف، ويجب أن يعود إلى السجود.

9-            الجلوس للتشهد الاخير عند الشافعية وعند الحنفية القعدة بمقدار التشهد ركن.

10-      التشهد الاخير ركن عند الشافعية خلافا للحنفية. وأقل التشهد عند الشافعية: التحيات لله. سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.

11-      الصلاة على النبي (‘) بعد التشهد الأخير: ركن عند الشافعية خلافا للحنفية. وأقل الصلاة على النبي (‘): (اللهم صل على محمد) قال الشافعية: ونحوه كصلى الله على محمد أو على رسوله أو على النبي أو عليه، وصرحوا بأنه لا بد من أن تكون الصلاة على النبي بعد التشهد، فلو صلى على النبي (‘) قبل التشهد لم تجزئه.

12-      السلام: ركن عند الشافعية خلافا للحنفية. ولفظه المجزئ عند الشافعية " السلام عليكم ". وأجازوا تقدم " عليكم " فيجزئ عندهم " عليكم السلام " مع الكراهة. قالوا: ولا يجزئ السلام عليهم، ولا تبطل به الصلاة؛ لأنه دعاء للغائب، ولا عليك ولا عليكما، ولا سلامي عليكم، ولا سلام الله عليكم. فإن تعمد ذلك مع علمه بالتحريم بطلت صلاته، ولا تجزئ - أيضا - سلام عليكم. والواجب تسليمة واحدة عند الشافعية.

13-      الطمأنينة: ركن عند الشافعية خلافا للحنفية. قال الشافعية: أقلها أن تستقر الأعضاء.

14-      ترتيب الأركان.

واجبات الصلاة عند الحنفية:

1-            قراءة الفاتحة .

2-            ضم أقصر سورة إلى الفاتحة - كسورة الكوثر - أو ما يقوم مقامها من ثلاث آيات قصار نحو قوله تعالى: {ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر} أو آية طويلة تعدل ثلاث آيات قصار، وقدروها بثلاثين حرفا. ومحل هذا الضم في الأوليين من الفرض، وجميع ركعات النفل والوتر.

3-            ويجب تعيين القراءة في الأوليين عينا من الفرض من الثلاثية والرباعية.

4-            تقديم الفاتحة على كل السورة قالوا أي الحنفية: لو قرأ حرفا من السورة ساهيا ثم تذكر يقرأ الفاتحة ثم السورة ويلزمه سجود السهو.

5-            رعاية الترتيب بين القراءة والركوع وفيما يتكرر، ومعنى كونه واجبا: أنه لو ركع قبل القراءة صح ركوع هذه الركعة؛ لأنه لا يشترط في الركوع أن يكون مترتبا على قراءة في كل ركعة.

6-            تعديل الأركان-الطمأنينة-. وعند أبي يوسف ركن.

7-            القعود الأول قدر التشهد.

8-            التشهدان: أي تشهد القعدة الأولى وتشهد الأخيرة، ويجب سجود السهو بترك بعضه.

9-            السلام.

10-      إتيان كل فرض أو واجب في محله، فلو أخره عن محله سهوا سجد للسهو. ومثال تأخير الفرض: ما لو أتم الفاتحة ثم مكث متفكرا سهوا ثم ركع. ومثال تأخير الواجب: ما لو تذكر السورة وهو راكع فضمها قائما وأعاد الركوع سجد للسهو.

11-      قراءة قنوت الوتر.

12-      تكبيرات العيدين.

13-      الجهر والإسرار فيما يجهر فيه ويسر.

سنن الصلاة:

1-            رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام.

·                  كيفية الرفع: ذهب الحنفية إلى أنه يرفع يديه حذاء أذنيه حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه، وبرءوس الأصابع فروع أذنيه، ويستقبل ببطون كفيه القبلة، وينشر أصابعه ويرفعهما، فإذا استقرتا في موضع محاذاة الإبهامين شحمتي الأذنين يكبر؛ فالرفع يكون قبل التكبير. وهذا في الرجل، أما المرأة فإنها ترفع يديها حذاء المنكبين، قالوا: ولا يطأطئ المصلي رأسه عند التكبير؛ فإنه بدعة. كما صرحوا بأنه لو اعتاد المصلي ترك رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام فإنه يأثم. وعند الشافعية يكون الرفع حذو المنكبين فإن لم يمكنه رفع إحدى يديه رفع الأخرى، وأقطع الكفين يرفع ساعديه، وأقطع المرفقين يرفع عضديه تشبيها برفع اليدين، وزمن الرفع يكون مع ابتداء التكبير في الأصح للاتباع كما في الصحيحين، سواء انتهى التكبير مع الحط أو لا.

2-            القبض (وضع اليد اليمنى على اليسرى) :

·                  كيفية القبض عند الحنفية: الرجل يأخذ بيده اليمنى رسغ اليسرى بحيث يحلق الخنصر والإبهام على الرسغ ويبسط الأصابع الثلاث. والمرأة تضع الكف على الكف. وقال الشافعية: يقبض بكفه اليمنى على كوع اليسرى والرسغ وبعض الساعد، ويبسط أصابعها في عرض المفصل أو ينشرها صوب الساعد.

·                  مكان الوضع: ذهب الحنفية إلى أن مكان وضع اليدين تحت السرة، فيسن للمصلي أن يضعهما تحت سرته. وذهب الشافعية إلى أنه يسن وضع اليدين تحت الصدر وفوق السرة.

3-            دعاء الاستفتاح والتعوذ.

4-            البسملة: مذهب الحنفية: يسن قراءة البسملة سرا للإمام والمنفرد في أول الفاتحة من كل ركعة، ولا يسن قراءتها بين الفاتحة والسورة مطلقا عند أبي حنيفة وأبي يوسف. والأظهر عند الشافعية: أنه يجب على الإمام والمأموم والمنفرد قراءة البسملة في كل ركعة من ركعات الصلاة في قيامها قبل فاتحة الكتاب، سواء أكانت الصلاة فرضا أم نفلا، سرية أو جهرية.

5-            قراءة شيء من القرآن بعد الفاتحة ولو آية واحدة عند الشافعية.

·                  اتفق الفقهاء على أنه يسن للمصلي أن يقرأ في صلاة الصبح بطوال المفصل وفي الظهر أيضا عند الحنفية وعند الشافعية تكون دون قراءة الفجر.

·                  واتفقوا على أنه يقرأ في المغرب بقصار المفصل وفي العشاء والعصر بأوساطه.

·                  اتفق الفقهاء على أن محل القراءة المسنونة هو الركعتان الأوليان من صلاة الفرض.

·                  ويسن تطويل القراءة في الركعة الأولى على الثانية في الصلوات المفروضة عند الشافعية، ومحمد بن الحسن، وذهب الحنفية إلى أنه إنما تسن إطالة الركعة الأولى على الركعة الثانية في صلاة الفجر فقط دون بقية الصلوات المفروضة.

6-            التأمين: اتفقوا على أن التأمين بعد قراءة الفاتحة سنة سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا.

·                  عند الشافعية: إن ترك المصلي التأمين حتى شرع في قراءة السورة لم يعد إليه؛ لأنه سنة فات محلها.

·                  والسنة عند الحنفية أن يأتي المصلي بالتأمين سرا سواء كان إماما أم مأموما أم منفردا؛ فالإتيان بالتأمين سنة، والإسرار بها سنة أخرى، قال الحنفية: وعلى هذا فتحصل سنية الإتيان بها ولو مع الجهر بها. وذهب الشافعية إلى أن الإمام والمأموم والمنفرد يجهرون بالتأمين في الصلاة الجهرية ويسرون به في الصلاة السرية. وصرحوا: بأنه إذا ترك الإمام التأمين، أو أسره عمدا أو سهوا أتى به المأموم ليذكره فيأتي به.

7-            تكبيرات الانتقال.

8-            هيئة الركوع المسنونة: أقل الواجب في الركوع: أن ينحني قدر بلوغ راحتيه ركبتيه، وكمال السنة فيه: أن يسوي ظهره وعنقه وعجزه، وينصب ساقيه وفخذيه، ويأخذ ركبتيه بيديه معتمدا باليدين على الركبتين، مفرقا أصابعه، ويجافي مرفقيه عن جنبيه. وزاد الحنفية: إلصاق الكعبين، ثم إنهم خصوا هذه الهيئة بالرجل، أما المرأة فتنحني في الركوع يسيرا، ولا تفرج، ولكن تضم وتضع يديها على ركبتيها وضعا، وتحني ركبتيها، ولا تجافي عضديها؛ لأن ذلك أستر لها.

9-            التسميع والتحميد:

·                  ذهب الحنفية إلى أن الإمام يسمع فقط، والمأموم يحمد فقط، والمنفرد يجمع بينهما، فلا يحمد الإمام ولا يسمع المأموم. وخالف صاحبا أبي حنيفة، فذهبا إلى أن الإمام يجمع بين التسميع والتحميد، وذهب الشافعية إلى أن التسميع والتحميد سنة للجميع: الإمام والمأموم والمنفرد.

10-      صرح الشافعية بأنه يسن للمصلي بعد التحميد أن يقول: " ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد " لما روى عبد الله بن أبي أوفى قال: كان النبي (‘) إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد.

11-      رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، والقيام للركعة الثالثة: عند الشافعية، وذهب الحنفية إلى عدم مشروعية رفع اليدين إلا عند تكبيرة الإحرام، فلا يشرع رفعهما عند الركوع أو الرفع منه، أو القيام للثالثة.

12-      ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يسن عند الهوي إلى السجود أن يضع المصلي ركبتيه أولا، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه. وعند النهوض من السجود يسن العكس عند الحنفية، وذلك بأن يرفع جبهته أولا ثم يديه ثم ركبتيه. وذهب الشافعية إلى أنه يسن أن يعتمد في قيامه من السجود على يديه.

13-      ذهب الشافعية إلى سنية التشهد الأول وقعوده. وذهب الحنفية إلى وجوبهما.

14-      الصلاة على النبي (‘) بعد التشهد الاخير (الصلاة الإبراهيمية) سنة عند الحنفية وركن عند الشافعية وقالوا: أقل الصلاة على النبي: اللهم صل على محمد وآله في التشهد الأخير.

15-      يسن للمصلي بعد التشهد الأخير أن يدعو بما شاء وصرح الحنفية بأن المصلي يدعو بالأدعية المذكورة في الكتاب والسنة ولا يدعو بما يشبه كلام الناس.

16-      كيفية الجلوس: ذهب الحنفية إلى التفريق بين الرجل والمرأة، فالرجل يسن له الافتراش، والمرأة يسن لها التورك. لا فرق في ذلك بين التشهد الأول أو الأخير، أو الجلسة بين السجدتين. وذهب الشافعية إلى أنه يسن التورك في التشهد الأخير، والافتراش في بقية جلسات الصلاة.

17-      ذهب الشافعية إلى أنه يسن بعد السجدة الثانية جلسة للاستراحة في كل ركعة يقوم منها وذهب الحنفية إلى كراهة فعلها تنزيها لمن ليس به عذر.

18-      يسن للمصلي أثناء الجلوس أن يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى بحيث تساوي رءوس أصابعه ركبتيه، وتكون أصابعه منشورة إلى القبلة. قال الحنفية: مفرجة قليلا.

19-      المشهور عند الحنفية بسط الأصابع بدون إشارة. ويرى الشافعية أن يقبض المصلي أصابع يده اليمنى ويضعها على طرف ركبته إلا المسبحة فيرسلها، ويقبض الإبهام بجنبها بحيث يكون تحتها على حرف راحته. ومحل الرفع عند الشافعية عند قوله: إلا الله، فيرفع المسبحة عند ذلك، ويميلها قليلا ويكون رفعها إلى القبلة ناويا بذلك التوحيد والإخلاص. وقال الشافعية: بكراهة الإشارة بسبابة اليسرى ولو من مقطوع اليمنى.

20-      التسليمة الثانية عند الشافعية وتجب عند الحنفية. ولفظة "بركاته" قال الشافعية لا تسن وقال الحنفية الأولى تركه.

·                  وصرح الشافعية بأنه يبتدئ السلام مستقبل القبلة، ثم يلتفت ويتم سلامه بتمام التفاته.

21-      القنوت في صلاة الفجر: من الأبعاض عند الشافعية يسجد للسهو اذا تركه. ولا يسن عند الحنفية.

 

مكروهات الصلاة:

1-            السدل في الصلاة. قال الحنفية: هو إرسال الثوب بلا لبس معتاد. وقال الشافعية: السدل: هو أن يرسل الثوب حتى يصيب الأرض.

2-            التلثم: قال الشافعية: هو تغطية الفم.

3-            صرح الحنفية بكراهة صلاة حاسر رأسه تكاسلا.

4-            صرح الحنفية الصلاة في ثياب بذلة ومهنة، إن كان له غيرها.

5-            لا خلاف بين الفقهاء في كراهة الاقتصار على الفاتحة في الركعتين الأوليين من المكتوبة. وقال الحنفية: يكره تحريما أن ينقص شيئا من القراءة الواجبة.

6-            ذهب الحنفية إلى كراهة تنكيس السور - أي أن يقرأ في الثانية سورة أعلى مما قرأ في الأولى- وذهب الشافعية إلى أن تنكيس السور خلاف الأولى.

7-            ذهب الحنفية إلى كراهة قراءة سورتين في ركعة واحدة. وقيد الحنفية الكراهة بما إذا كان بين السورتين سور أو سورة واحدة. ومحل الكراهة عندهما - الحنفية- صلاة الفرض. أما في صلاة النفل فجائز من غير كراهة.

8-            تغميض العينين عند الحنفية مكروه. واختار النووي: أنه لا يكره - أي تغميض العينين - إن لم يخف منه ضررا على نفسه، أو غيره فإن خاف منه ضررا كره.

9-            صرح الحنفية والشافعية بكراهة رفع البصر إلى السماء أثناء الصلاة. ويكره - أيضا - النظر إلى ما يلهي عن الصلاة.

10-      اتفق الفقهاء على كراهة التخصر - وهو أن يضع يده على خاصرته في القيام.

11-      اتفق الفقهاء على كراهة ما كان من العبث واللهو كفرقعة الأصابع وتشبيكها. قال ابن عابدين: وينبغي أن تكون الكراهة تحريمية للنهي المذكور.

12-      واتفق الفقهاء - أيضا - على كراهة العبث باللحية أو غيرها من جسده؛ واستثني من ذلك ما كان لحاجة: كحك بدنه لشيء أكله وأضره، وسلت عرق يؤذيه ويشغل قلبه، وهذا إذا كان العمل يسيرا.

13-      صرح الحنفية والشافعية بكراهة تقليب الحصى ومسه. ورخص الحنفية تسوية الحصى مرة للسجود التام، بأن كان لا يمكنه تمكين جبهته على وجه السنة إلا بذلك.

14-      صرح الحنفية والشافعية بكراهة تروحه - جلب نسيم الريح - بمروحة ونحوها، لأنه من العبث.

15-      صرح الشافعية بكراهة القيام على رجل واحدة، لأنه تكلف ينافي الخشوع، إلا إن كان لعذر كوجع الأخرى فلا كراهة.

16-      اتفق الفقهاء على كراهة الإقعاء في جلسات الصلاة.

17-      لا خلاف بين الفقهاء في كراهة الالتفات في الصلاة. والكراهة مقيدة بعدم الحاجة أو العذر، أما إن كانت هناك حاجة: كخوف على نفسه أو ماله لم يكره. قال الحنفية: الالتفاف بالوجه كله أو بعضه مكروه تحريما، وبالبصر - أي من غير تحويل الوجه أصلا - مكروه تنزيها.

18-      لا خلاف بين الفقهاء في كراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين.

19-      ذهب الحنفية إلى كراهة السجود على كور العمامة من حيث الجملة. وقيدوا الكراهة بما إذا كان السجود على كور العمامة بدون عذر من حر أو برد أو مرض. وذهب الشافعية إلى أنه إن حال دون الجبهة حائل متصل به ككور عمامته، أو طرف كمه، وهما يتحركان بحركته في القيام والقعود، أو غيرهما لم تصح صلاته بلا خلاف عندهم.

20-      اتفق الفقهاء على أنه يكره للمصلي أن يصلي مستقبلا لرجل أو امرأة.

21-      صرح الحنفية والشافعية بكراهة الصلاة إلى متحدث؛ لأنه يشغله عن حضور قلبه في الصلاة، لكن الحنفية قيدوا الكراهة بما إذا خيف الغلط بحديثه.

 

مبطلات الصلاة:

1-            الكلام: وهو ما انتظم منه حرفان فصاعدا، أو حرف مفهم نحو " ق " من الوقاية. وزاد الشافعية في الأصح: مدة بعد حرف وإن لم يفهم نحو " آ " لأن الممدود في الحقيقة حرفان.

·                  ولم يفرق الحنفية ببطلان الصلاة بالكلام بين أن يكون المصلي ناسيا أو نائما أو جاهلا، أو مخطئا أو مكرها، فتبطل الصلاة بكلام هؤلاء جميعا. وذهب الشافعية إلى عدم بطلان الصلاة بكلام الناسي، والجاهل بالتحريم إن قرب عهده بالإسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء، ومن سبق لسانه، إن كان الكلام يسيرا عرفا، فيعذر به.

2-            ذهب الحنفية والشافعية الى بطلان صلاة من خاطب أحدا بشيء من القرآن وهو يصلي، كقوله لمن اسمه يحيى أو موسى: {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} أو {ما تلك بيمينك يا موسى}. وقيد الشافعية بطلان الصلاة بالخطاب بالقرآن بما إذا قصد التفهيم فقط، أو لم يقصد شيئا؛ لأنه فيهما يشبه كلام الآدميين فلا يكون قرآنا إلا بالقصد، وأما إن قصد مع التفهيم القراءة لم تبطل الصلاة.

3-            ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الأنين (وهو قول: أه بالقصر) والتأوه (وهو قول: آه بالمد) والبكاء ونحوه إن ظهر به حرفان بطلت الصلاة. واستثنى الحنفية المريض الذي لا يملك نفسه فلا تبطل صلاته. ولم يفرق الشافعية بين أن يكون البكاء من خوف الآخرة أم لا في بطلان الصلاة.

4-            ذهب الحنفية والشافعية إلى أن التنحنح (هو أن يقول أح بالفتح والضم) لغير عذر مبطل للصلاة إن ظهر حرفان، فإن كان لعذر نشأ من طبعه، أو غلبه فلا تفسد صلاته.

5-            الضحك إن كان قهقهة، ولو لم تبن حروف وذهب الشافعية إلى أنه إن ظهر بالضحك حرفان بطلت الصلاة وإلا فلا، وأما التبسم فلا تبطل الصلاة به.

6-            الاكل والشرب ولو كان قليلا: قال ابن عابدين: إن المفسد: إما المضغ، أو وصول عين المأكول إلى الجوف بخلاف الطعم. واستثنى الشافعية: الناسي أنه في الصلاة، والجاهل بالتحريم لقرب عهده بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء فلا تبطل صلاته بالأكل إلا إذا كثر عرفا، ولا تبطل ما لو جرى ريقه بباقي طعام بين أسنانه وعجز عن تمييزه ومجه كما في الصوم.

7-            العمل الكثير: ويتبين العمل الكثير بما لا يشك الناظر في فاعله أنه ليس في الصلاة عند الحنفية. وبالعرف عند الشافعية.

·                  قال الشافعية: أما السهو فإن كانت الأفعال من غير جنس الصلاة فتبطل بكثيرها؛ لأن الحاجة لا تدعو إليها، أما إذا دعت الحاجة إليها كصلاة شدة الخوف فلا تضر ولو كثرت. أما إذا كانت الأفعال من جنسها - كزيادة ركوع أو سجود سهوا - فلا تبطل. وأما العمل المتفرق فلا يبطل الصلاة.

8-            تخلف شرط من شروط صحة الصلاة كالطهارة وغير ذلك فإنها تبطل.

·                  صلاة العاجز عن ثوب طاهر يصلي بالثوب النجس أو عاريا من غير إعادة، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف. وعند محمد لا تجزئه الصلاة إلا في الثوب النجس. وذهب الشافعية إلى أنه يجب عليه أن يصلي عريانا ولا إعادة عليه.

·                  وأما صلاة العاجز عن مكان طاهر فذهب الشافعية إلى أنه يجب عليه أن يصلي مع وجود النجاسة ولا يترك الصلاة وقالوا: يجب أن يتجافى عن النجاسة بيديه وركبتيه وغيرهما القدر الممكن، ويجب أن ينحني للسجود إلى القدر الذي لو زاد عليه لاقى النجاسة. وقالوا: بوجوب الإعادة عليه أبدا. وقال الحنفية: إن وجد مكانا يابسا سجد عليه وإلا فيومئ قائما.

·                  لو انكشفت العورة بلا قصد فذهب الحنفية إلى أن الصلاة تبطل لو انكشف ربع عضو قدر أداء ركن بلا صنعه. وقال الشافعية: أن مطلق الانكشاف يبطل الصلاة.

·                  اتفق الفقهاء على أن الصلاة لا تسقط عمن عدم الساتر للعورة، واختلفوا في كيفية صلاته؟ فذهب الحنفية إلى أنه مخير بين أن يصلي قاعدا أو قائما، فإن صلى قاعدا فالأفضل أن يومئ بالركوع والسجود ويكون قعوده كما في الصلاة فيفترش الرجل وتتورك المرأة. وذهب الشافعية إلى أنه يصلي قائما، ولا يجوز له أن يجلس ولا إعادة عليه.

·                  اذا وقع بعض الصلاة في الوقت وبعضها خارجه، ذهب الشافعية إلى أن صلاته صحيحة سواء صلى في الوقت ركعة أو أقل أو أكثر. ووافق الحنفية الشافعية فيما تقدم فيما سوى صلاة الصبح وحدها فإنها لا تدرك عندهم إلا بأدائها كلها قبل طلوع الشمس.

9-            ترك ركن من أركان الصلاة عمدا.

·                  وأما تركه سهوا أو جهلا فقد اتفقوا على أنه يجب عليه أن يأتي به إن أمكن تداركه، فإن لم يمكن تداركه فإن صلاته تفسد عند الحنفية، أما الشافعية فقالوا: تلغى الركعة التي ترك منها الركن فقط وذلك إذا كان الركن المتروك غير النية وتكبيرة الإحرام، فإن كانا هما استأنف الصلاة؛ لأنه غير مصل.

باب سجود السهو

حكمه:

·                  أوجبه الحنفية وهو عند الشافعية سنة.

أسباب سجود السهو:

1-            الزيادة والنقص.

2-            الشك.

·                  إذا شك المصلي في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعا، أو شك في سجدة فلم يدر أسجدها أم لا، فإن الشافعية ذهبوا إلى أنه يبني على اليقين وهو الأقل، ويأتي بما شك فيه ويسجد للسهو. وقال الحنفية اذا كان أول ما عرض له استأنف وإن كان يعرض له كثيرا بنى على أكبر رأيه وإن لم يكن له رأي بنى على اليقين.

 

الأحكام المتعلقة بسجود السهو:

·                  مذهب الحنفية: عندهم المتروك ثلاثة أنواع: فرض، وسنة، وواجب، ففي الفرض إن أمكنه التدارك بالقضاء يقضي وإلا فسدت صلاته، وفي السنة لا تفسد، لأن قيام الصلاة بأركانها وقد وجدت، ولا يجبر ترك السنة بسجدتي السهو، وفي الواجب إن ترك ساهيا يجبر بسجدتي السهو وجوبا، وإن ترك عامدا لا.

·                  وقال الشافعية: إن ترك ركنا سهوا لم يعتد بما فعله بعد المتروك حتى يأتي بما تركه، فإن تذكر السهو قبل فعل مثل المتروك اشتغل عند الذكر بالمتروك، وإن تذكر بعد فعل مثله في ركعة أخرى تمت الركعة السابقة به ولغا ما بينهما. فإن لم يعرف عين المتروك أخذ بأدنى الممكن وأتى بالباقي. وفي الأحوال كلها سجد للسهو.

موضع سجود السهو:

·                  رأى الحنفية أن موضع سجود السهو بعد التسليم مطلقا سواء في الزيادة أو النقصان، أي أنه يتشهد ثم يسلم تسليمة واحدة على الأصح ثم يسجد للسهو ثم يتشهد ثم يسلم كذلك، فإن سلم تسليمتين سقط السجود. والأظهر عند الشافعية أنه قبل السلام.

تكرار السهو في نفس الصلاة:

·                  إذا تكرر السهو للمصلي في الصلاة، لا يلزمه إلا سجدتان.

نسيان سجود السهو:

·                  ذهب الحنفية إلى أنه لا يسجد إن سلم بنية القطع مع التحول عن القبلة أو الكلام أو الخروج من المسجد، لكن إن سلم ناسيا السهو سجد ما دام في المسجد؛ لأن المسجد في حكم مكان واحد، ولذا صح الاقتداء فيه وإن كان بينهما فرجة، وأما إذا كان في الصحراء فإن تذكر قبل أن يجاوز الصفوف من خلفه أو يمينه أو يساره أو يتقدم على موضع سترته أو سجوده سجد للسهو.

·                  وقال الشافعية: إن سلم سهوا أو طال الفصل بحسب العرف فإن سجود السهو يسقط على المذهب الجديد لفوات المحل بالسلام وتعذر البناء بالطول.

·                  وإن سجد للسهو ثم شك هل سجد أم لا؟ فعند الحنفية يتحرى، ولكن لا يجب عليه السجود. وعند الشافعية وهو الأصح عندهم أنه لا يعيده.

استجابة الإمام لتنبيه المأمومين ومتابعتهم:

·                  يرى الحنفية والشافعية أن الإمام إذا زاد في صلاته وكان الإمام على يقين أو غلب على ظنه أنه مصيب، حيث إنه يرى أنه في الرابعة، والمأمومون يرون أنه في الخامسة لم يستجب لهم.

·                  أما إذا شك ولم يغلب ظنه على أمر عاد لقول المأمومين إذا كانوا ثقات أو كثر عددهم هذا عند الحنفية. وقال الشافعية: أن الإمام إذا شك أصلى ثلاثا أم أربعا أتى بركعة، لأن الأصل عدم إتيانه بها ولا يرجع لظنه ولا لقول غيره أو فعله وإن كان جمعا كثيرا، إلا أن يبلغوا حد التواتر بقرينة.

سجود الإمام للسهو:

·                  إذا سها الإمام في صلاته ثم سجد للسهو فعلى المأموم متابعته في السجود سواء سها معه أو انفرد الإمام بالسهو.

·                  أما إذا لم يسجد الإمام فذهب الحنفية إلى أنه لا يسجد المأموم لأنه يصير مخالفا. وذهب الشافعية الى أن المأموم يسجد للسهو إذا لم يسجد الإمام.

سجود المسبوق للسهو:

·                  ذهب الحنفية والشافعية إلى أن المصلي إذا أدرك مع إمامه أي ركن من أركان الصلاة قبل سجود السهو وجب عليه متابعة إمامه في سجوده للسهو، وسواء كان هذا السهو قبل الاقتداء أو بعده. وإن اقتدى به بعد السجدة الثانية من السهو فلا سجود عليه.

·                  لو اقتدى المسبوق بالإمام بعد سجدة السهو الأولى هل يقضيها أم لا؟ ذهب الحنفية إلى أنه لا قضاء عليه بل تكفيه السجدة الثانية. وذهب الشافعية إلى أنه يقضي الأولى بعد أن يسلم الإمام، يسجدها ثم يقضي ما فاته.

سهو الإمام أو المنفرد عن التشهد الأول:

·                  من سها عن التشهد الأول، فسبح له المأمومون أو تذكر قبل انتصابه قائما لزمه الرجوع، وإن استتم قائما لا يعود للتشهد لأنه تلبس بركن ويسجد للسهو.

·                  عندهم لو عاد المصلي بعد ان استتم قائما إلى التشهد الأول عالما ذاكرا بطلت صلاته.

·                  ولو عاد للتشهد بعد أن استتم قائما ناسيا أو جاهلا من غير عمد فإن صلاته لا تبطل.

باب أوقات الكراهة

عدد أوقات الكراهة:

أوقات الكراهة لأمر في الوقت:

·                  ذهب الحنفية والشافعية إلى أن عددها ثلاثة: عند طلوع الشمس إلى أن ترتفع بمقدار رمح أو رمحين، وعند استوائها في وسط السماء حتى تزول، وعند اصفرارها بحيث لا تتعب العين في رؤيتها إلى أن تغرب.

·                  وذهب الشافعية إلى أن الأوقات الثلاثة مكروهة إلا في مكة، وإلا يوم الجمعة عند الاستواء.

·                  ولا يعلم خلاف بين الفقهاء في كراهة التطوع المطلق في هذه الأوقات. أما السنن، فقد ذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى كراهتها. وأجاز الشافعية صلاة الكسوف وتحية المسجد إذا دخل المسجد لا لغرض أن يصليها، بأن دخل المسجد لقضاء حاجة، ثم صلى تحية المسجد.

·                  وأما حكم صلاة الفرض والواجب في هذه الأوقات، فقد ذهب الحنفية إلى أنه لا يجوز قضاء ما فاته في هذه الأوقات ولا تجوز صلاة الجنازة إذا حضرت في غير الوقت المكروه، ثم أخرت الصلاة عليها بدون عذر إلى الوقت المكروه. ولا تجوز سجدة تلاوة تليت آيتها أو سمعت في غير الوقت المكروه، ثم سجد لها التالي أو السامع في الوقت المكروه. أما إذا حضرت الجنازة في الوقت المكروه، ثم صلى عليها في هذا الوقت، فهي صحيحة مع الكراهة. وذهب الشافعية إلى جواز قضاء الفائتة في هذه الأوقات الثلاثة.

·                  ذهب الشافعية إلى جواز أداء كل صلاة لها سبب، كالكسوف والاستسقاء والطواف، وسواء أكانت فائتة فرضا أم نفلا.

أوقات الكراهة لأمر في غير الوقت:

·                  كراهة التنفل قبل صلاة الصبح إلا بسنة الفجر.

·                  اتفق الفقهاء على كراهة التنفل المطلق (وهو ما لا سبب له) بعد صلاة الصبح.

·                  ذهبت الحنفية والشافعية إلى كراهة التنفل المطلق بعد صلاة العصر.

·                  ذهب الحنفية إلى كراهة التنفل قبل صلاة المغرب. وقال الشافعية: صلاة ركعتين قبل المغرب سنة على الصحيح.

·                  كراهة التنفل عند خروج الخطيب إلى المنبر. واستثنى الشافعية تحية المسجد لمن دخل والإمام يخطب.

·                  ذهبت الحنفية إلى كراهة التنفل عند الإقامة للصلاة المفروضة، إلا سنة الفجر إذا لم يخف فوت الجماعة، أما إذا خاف فوتها تركها. وذهب الشافعية إلى أنه إذا أقيمت الصلاة فلا يشرع في صلاة نافلة ولو راتبة، ولو شرع فيها لا تنعقد، ويستوي في ذلك سنة الفجر وغيرها من السنن.

·                  ذهبت الحنفية إلى كراهة التنفل قبل صلاة العيد في المنزل والمسجد، وبعد الصلاة يكره التنفل في المسجد، ولا يكره في المنزل. ومذهب الشافعية أنه لا يكره التنفل قبلها ولا بعدها بعد ارتفاع الشمس لغير الإمام.

·                  كراهة التنفل بين الصلاتين المجموعتين جمع تقديم في عرفة، والمجموعتين جمع تأخير في مزدلفة.

·                  يحرم التنفل عند ضيق وقت المكتوبة.

باب صلاة الجماعة

قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43].

حكمها:

أ‌-                الجماعة في الفرائض: ذهب الحنفية - في الأصح - إلى أن صلاة الجماعة في الفرائض سنة مؤكدة للرجال، وذهب الشافعية - في الأصح عندهم -، إلى أنها فرض كفاية.

ب‌-         الجماعة في صلاة الخوف عند الشافعية أفضل من الانفراد.

ت‌-         أما بالنسبة لصلاة الجمعة فإن الجماعة شرط في صحتها، فلا تصح بغير جماعة، وهذا باتفاق الفقهاء.

ث‌-         الجماعة في صلاة الجنازة ليست بشرط، بل سنة.

حكم صلاة جماعة النساء:

·                  صلاة الجماعة للنساء: عند الشافعية يسن لهن الجماعة منفردات عن الرجال، سواء أأمهن رجل أم امرأة. وتكره عند الحنفية.

من يطالب بالجماعة:

·                  يطالب بصلاة الجماعة - سواء كان الطلب على سبيل الوجوب، أو على سبيل السنية -: الرجال الأحرار العقلاء القادرون عليها دون حرج، فلا تجب على النساء والعبيد والصبيان وذوي الأعذار.

·                   

شروط الإمامة:

أ – الإسلام. قال الشافعية: لو بان إمامه كافرا معلنا، وجبت الإعادة، لأن المأموم مقصر بترك البحث.

ب – العقل. فلا تصح إمامة السكران، ولا إمامة المجنون المطبق، ولا إمامة المجنون غير المطبق حال جنونه، وذلك لعدم صحة صلاتهم لأنفسهم فلا تبنى عليها صلاة غيرهم. أما الذي يجن ويفيق، فتصح إمامته حال إفاقته.

ج – البلوغ: الحنفية على أنه يشترط لصحة الإمامة في صلاة الفرض والنفل أن يكون الإمام بالغا، فلا تصح إمامة مميز لبالغ في فرض. وعند الشافعية: تصح إمامة المميز للبالغ عندهم مطلقا، سواء أكانت في الفرائض أم النوافل. أما إمامة المميز لمثله فجائزة في الصلوات الخمس وغيرها عند جميع الفقهاء.

د – الذكورة. أما إمامة المرأة للنساء فجائزة عند الشافعية مكروهة عند الحنفية.

ç - القدرة على القراءة: وهذا الشرط إنما يعتبر إذا كان بين المقتدين من يقدر على القراءة، فلا تصح إمامة الأمي للقارئ، ولا إمامة الأخرس للقارئ أو الأمي. أما إمامة الأمي للأمي والأخرس فجائزة، وهذا متفق عليه بين الفقهاء.

·                  وتكره إمامة الفأفاء (وهو من يكرر الفاء) والتمتام (وهو من يكرر التاء) واللاحن لحنا غير مغير للمعنى عند الشافعية. وقال الحنفية: الفأفأة، والتمتمة، واللثغة (وهي تحرك اللسان من السين إلى الثاء، أو من الراء إلى الغين ونحوه) تمنع من الإمامة.

و- السلامة من الأعذار: يشترط في الإمام إذا كان يؤم الأصحاء أن يكون سالما من الأعذار، كسلس البول وانفلات الريح والجرح السائل والرعاف، وهذا عند الحنفية. ولا يشترط في الأصح عند الشافعية.

·                  وأما إمامة صاحب العذر لمثله فجائزة باتفاق الفقهاء مطلقا، أو إن اتحد عذرهما.

ز - القدرة على توفية أركان الصلاة: إذا كان يصلي بالأصحاء عند الحنفية خلافا للشافعية.

ح - السلامة من فقد شرط من شروط الصلاة. وصرح الشافعية أنّ علم المقتدي بحدث الإمام بعد الصلاة مغتفر، وقال الحنفية: من اقتدى بإمام ثم علم أن إمامه محدث أعاد.

ط - النية: قال الحنفية: نية الرجل الإمامة شرط لصحة اقتداء النساء إن كن وحدهن، وهذا في صلاة ذات ركوع وسجود، لا في صلاة الجنازة، لما يلزم من الفساد بمحاذاة المرأة له لو حاذته، وإن لم ينو إمامة المرأة ونوت هي الاقتداء به لم تضره، فتصح صلاته ولا تصح صلاتها. ولا يشترط نية الإمام الإمامة عند الشافعية، إلا في الجمعة والصلاة المعادة والمنذورة.

 

الأحق بالإمامة:

·                  اتفق الفقهاء على أنه إذا اجتمع قوم وكان فيهم ذو سلطان، كأمير ووال وقاض فهو أولى بالإمامة من الجميع حتى من صاحب المنزل وإمام الحي ولو كان بين القوم من هو أفقه أو أقرأ منه.

·                  إن لم يكن بينهم ذو سلطان يقدم صاحب المنزل، ويقدم إمام الحي وإن كان غيره أفقه أو أقرأ أو أورع منه، إن شاء تقدم وإن شاء قدم من يريده. لكنه يستحب لصاحب المنزل أن يأذن لمن هو أفضل منه.

·                  واتفقوا كذلك على أن بناء أمر الإمامة على الفضيلة والكمال، ومن استجمع خصال العلم وقراءة القرآن والورع وكبر السن وغيرها من الفضائل كان أولى بالإمامة.

·                  ولا خلاف في تقديم الأعلم والأقرأ على سائر الناس، ولو كان في القوم من هو أفضل منه في الورع والسن وسائر الأوصاف.

·                  والأعلم بأحكام الفقه أولى بالإمامة من الأقرأ عند الحنفية والشافعية. وعند أبي يوسف الأقرأ أولى بها.

·                  بعد الاستواء في العلم والقراءة، قال الحنفية والشافعية: يقدم أورعهم أي الأكثر اتقاء للشبهات.

·                  ثم إن استووا في الورع يقدم الأقدم إسلاما، فيقدم شاب نشأ في الإسلام على شيخ أسلم حديثا. أما لو كانوا مسلمين من الأصل، أو أسلموا معا فإنه يقدم الأكبر سنا.

اختلاف صفة الإمام والمقتدي:

·                  الأصل أن الإمام إذا كان أقوى حالا من المقتدي أو مساويا له صحت إمامته اتفاقا.

·                  تجوز إمامة الماسح للغاسل وإمامة المسافر للمقيم اتفاقا، وتجوز إمامة المتيمم للمتوضئ.

 

من تكره إمامتهم:

·                  قال الحنفية: يكره تقديم العبد ، والأعرابي ، والفاسق ، والأعمى ، كما يكره إمامة ولد الزنا، والمبتدع بدعة غير مكفرة، كذلك يكره إمامة أمرد وسفيه ومفلوج وأبرص شاع برصه. ولكن إن تقدموا جاز.

·                  وقال الشافعية: يكره إمامة الفاسق والأقلف وإن كان بالغا، كما يكره إمامة المبتدع، ومن يكرهه أكثر القوم لأمر مذموم فيه شرعا، والتمتام والفأفاء، واللاحن لحنا غير مغير للمعنى.

مسألة:

إن أحس الإمام بشخص داخل وهو راكع، ينتظره يسيرا ما لم يشق على من خلفه، وهذا الأصح عند الشافعية. ويكره عند الحنفية.

العدد الذي تنعقد به الجماعة:

·                  اتفق الفقهاء على أن أقل عدد تنعقد به الجماعة اثنان، وهو أن يكون مع الإمام واحد، فيحصل لهما فضل الجماعة.

·                  لو كان الواحد مع الإمام صبيا مميزا تنعقد الجماعة وينالون فضلها.

·                  غير المميز لا تنعقد به جماعة بالاتفاق.

أفضل مكان لصلاة الجماعة:

·                  تجوز إقامة صلاة الجماعة في أي مكان طاهر، في البيت أو الصحراء أو المسجد.

·                  الجماعة للفرائض في المسجد أفضل منها في غير المسجد.

·                  الصلاة في المساجد التي يكثر فيها الناس أفضل من الصلاة في المساجد التي يقل فيها الناس.

·                  إن كان في جواره أو غير جواره مسجد لا تنعقد فيه الجماعة إلا بحضوره، ففعلها فيه أفضل وأولى من فعلها في المسجد الذي يكثر فيه الناس

·                  إذا كانت الجماعة في المسجد أفضل من إقامتها في البيت فإنه لو كان إذا ذهب الإنسان إلى المسجد، وترك أهل بيته لصلوا فرادى، أو لتهاونوا أو تهاون بعضهم في الصلاة، أو لو صلى في بيته لصلى جماعة، وإذا صلى في المسجد صلى وحده فصلاته في بيته أفضل.

·                  إن كان البلد ثغرا فالأفضل اجتماع الناس في مسجد واحد؛ ليكون أعلى للكلمة، وأوقع للهيبة.

·                  أما بالنسبة للنساء فالجماعة لهن في البيت أفضل منها في المسجد.

ما تدرك به الجماعة:

·                  عند الحنفية والصحيح عند الشافعية، تدرك فضيلة الجماعة باشتراك المأموم مع الإمام في جزء من صلاته، ولو في القعدة الأخيرة قبل السلام؛ لكن ثوابه يكون دون ثواب من أدركها من أولها.

مسائل في صلاة الجماعة:

·                  من أدى الصلاة المكتوبة منفردا ثم وجد جماعة استحب له أن يدخل مع الجماعة لتحصيل الفضل. ولكن عند الحنفية كراهة إعادة صلاة العصر والمغرب والفجر.

·                  أما بالنسبة لمن صلى المكتوبة في جماعة ثم وجد جماعة أخرى فقد ذهب الشافعية في الأصح إلى استحباب إعادة الصلاة مرة أخرى في الجماعة الثانية.

·                  يكره تكرار الجماعة في مسجد الحي الذي له إمام وجماعة معلومون. وقال الشافعية -بعد كراهتهم لتكرار الجماعة إذا لم يأذن الامام- ومن حضر ولم يجد إلا من صلى استحب لبعض من حضر أن يصلي معه؛ ليحصل له فضل الجماعة.

·                  المسجد الذي في سوق، أو في الطرق وممر الناس يجوز تكرار الجماعة فيه، ولا تكره.

·                  من كان يصلي النافلة، ثم أقيمت صلاة الجماعة فقد قال الشافعية: إن لم يخش فوات الجماعة بسلام الإمام فإنه يتم النافلة، ولا يقطعها. وعند الحنفية يجب أن يتمها.

·                  من شرع في صلاة فائتة وأقيمت الحاضرة في المسجد فإنه لا يقطع صلاته، لكنه لو خاف فوت جماعة الحاضرة قبل قضاء الفائتة، فإن كان صاحب ترتيب قضى، وإن لم يكن فالظاهر أنه يقتدي أما إذا شرع في قضاء فرض، وأقيمت الجماعة في ذلك الفرض بعينه، فإنه يقطع ويقتدي هذا مذهب الحنفية.

·                  وقال الشافعية: من كان يصلي فائتة، والجماعة تصلي الحاضرة فلا يقلب صلاته نفلا ليصليها جماعة، إذ لا تشرع فيها الجماعة حينئذ، خروجا من خلاف العلماء، فإن كانت الجماعة في تلك الفائتة بعينها جاز ذلك، لكنه لا يندب، أي جاز قطع صلاته التي هو فيها، ويقتدي بالإمام.

·                  يستحب للرجل إذا أقبل إلى الصلاة: أن يقبل بخوف ووجل وخشوع وخضوع، وعليه السكينة والوقار، وإن سمع الإقامة لم يسع إليها في عجلة.

·                  إذا انعقدت الجماعة بأقل ما تنعقد به (واحد مع الإمام) فالسنة أن يقف المأموم عن يمين الإمام إذا كان رجلا أو صبيا يعقل.

·                   فإن كانت امرأة أقامها خلفه.

·                  والاختيار في التقدم والتأخر للقائم بالعقب، وللقاعد بالألية، وللمضطجع بالجنب.

·                  ولو كان مع الإمام اثنان، فإن كانا رجلين أقامهما خلفه، وإن كانا رجلا وامرأة أقام الرجل عن يمينه والمرأة خلف الرجل.

·                  يستحب إتمام الصفوف، ولا يشرع في صف حتى يتم ما قبله، فيبدأ بإتمام الصف الأول، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه وهكذا إلى آخر الصفوف.

·                  يستحب الاعتدال في الصفوف، فإذا وقفوا في الصف لا يتقدم بعضهم بصدره أو غيره ولا يتأخر عن الباقين، ويسوي الإمام بينهم.

·                  يستحب سد الفرج، والإفساح لمن يريد الدخول في الصف.

·                  إذا صلت النساء مع الرجال جماعة واحدة، وليس بينهما حائل فأفضل صفوف النساء آخرها.

·                  يكره أن يصلي واحد منفردا خلف الصفوف دون عذر، وصلاته صحيحة مع الكراهة، وتنتفي الكراهة بوجود العذر.

·                  قال الحنفية: من لم يجد فرجة ينبغي أن ينتظر من يدخل المسجد ليصطف معه خلف الصف، فإن لم يجد أحدا وخاف فوات الركعة جذب من الصف إلى نفسه من يعرف منه علما وخلقا لكي لا يغضب عليه، ووافقهم الشافعية في الجذب.

الأعذار التي تبيح التخلف عن صلاة الجماعة:

أولا: الأعذار العامة:

أ - المطر الشديد الذي يشق معه الخروج للجماعة، والذي يحمل الناس على تغطية رءوسهم.

ب - الريح الشديدة ليلا لما في ذلك من المشقة.

ج - البرد الشديد ليلا أو نهارا، وكذلك الحر الشديد. والمراد البرد أو الحر الذي يخرج عما ألفه الناس أو ألفه أصحاب المناطق الحارة أو الباردة.

د - الوحل الشديد الذي يتأذى به الإنسان في نفسه وثيابه، ولا يؤمن معه التلوث.

ç - الظلمة الشديدة، والمراد بها كون الإنسان لا يبصر طريقه إلى المسجد.

ثانيا: الأعذار الخاصة:

أ – المرض الذي يشق معه الإتيان إلى المسجد لصلاة الجماعة.

ب – الخوف والخوف ثلاثة أنواع: خوف على النفس، وخوف على المال، وخوف على الأهل.

ج - حضور طعام تشتاقه نفسه وتنازعه إليه.

د - مدافعة أحد الأخبثين ومثلهما الريح، فإن ذلك عذر يبيح التخلف عن الجماعة.

ç - أكل ذي رائحة كريهة كبصل وثوم وكراث وفجل.

و – العري فمن لم يجد ما يستر ما بين السرة والركبة فإنه يباح له التخلف عن الجماعة.

ز - العمى: اذا لم يجد قائدا. واذا وجد فعذر عند الحنفية وليس بعذر عند الشافعية.

ح - إرادة السفر وخشي أن تفوته الرفقة.

ط - غلبة النعاس والنوم.

ي - زفاف الزوجة لكن الشافعية قيدوه بالتخلف عن الجماعة في الصلوات الليلية فقط.

ك - ذكر الحنفية من الأعذار التي تبيح التخلف عن الجماعة: الاشتغال بالفقه؛ لا بغيره من العلوم. كما ذكر الشافعية من الأعذار: السمن المفرط.

باب صلاة المريض

·                  الأصل في المصلي أن يصلي قائما غير مستند إلى شيء، فإن تعذر عليه القيام لمرض صلى قائما مستندا، ثم جالسا مستقبلا، ثم جالسا مستندا، ثم مضطجعا على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه، ثم مستلقيا على ظهره مستقبل القبلة برجليه، ثم مضطجعا على جنبه الأيسر، ويومئ بالركوع والسجود في الاضطجاع والاستلقاء.

·                  من لم يقدر على شيء وكان عقله ثابتا: فذهب الشافعية إلى أنه ينوي الصلاة بقلبه مع الإيماء بطرفه. وذهب الحنفية إلى أنه إن تعذر الإيماء برأسه تسقط عنه الصلاة اذا كانت أكثر من يوم وليلة أما لو كانت يوما وليلة أو أقل وهو يعقل فلا تسقط بل تقضى إذا صح اتفاقا، ولو مات ولم يقدر على الصلاة لم يلزمه القضاء حتى لا يلزمه الإيصاء بها.

·                  لو اشتبه على المريض أعداد الركعات والسجدات بأن وصل إلى حال لا يمكنه ضبط ذلك، فصرح الحنفية على أنه لا يلزمه الأداء، ولو أداها بتلقين غيره فينبغي أن يجزئه.

·                  وإن صلى قبل الوقت خطأ أو عمدا مخافة أن يشغله المرض عن الصلاة إذا حان الوقت، لم يجزئه، وكذلك لو صلى بغير قراءة أو بغير وضوء.

·                  وإذا كان المريض على فراش نجس إن كان لا يجد فراشا طاهرا، أو يجده لكن لا يجد أحدا يحوله إلى فراش طاهر، يصلي على الفراش النجس، وإن كان يجد أحدا يحوله، ينبغي أن يأمره بذلك، فإن لم يأمره، وصلى على الفراش النجس لا تجوز صلاته.

·                  وإن كانت تحته ثياب نجسة، وكان بحال لا يبسط شيء إلا ويتنجس من ساعته يصلي على حاله، وكذا إذا لم يتنجس الثاني لكن تلحقه زيادة مشقة بالتحويل.

·                  ومن صلى قاعدا يركع ويسجد ثم برئ بنى على صلاته قائما عند الحنفية.

·                  إن كان بعين المريض وجع، بحيث لو قعد أو سجد زاد ألم عينه يجوز له ترك القيام؛ فيجزئه أن يستلقي ويصلي بالإيماء.

·                  من لم يمكنه الركوع أومأ إليه، وقرب وجهه إلى الأرض على قدر طاقته، ويجعل الإيماء للسجود أخفض من إيماء الركوع.

·                  القادر على القيام دون الركوع يومئ من القيام. وعند الحنفية أن القيام يسقط عن المريض حال الركوع، ولو قدر على القيام مع عدم القدرة على الركوع فيصلي قاعدا يومئ إيماء، فإذا كان لا يتعقبه السجود لا يكون ركنا فيتخير، والأفضل عندهم هو الإيماء قاعدا؛ لأنه أشبه بالسجود.

·                  يرى الشافعية أن القادر على القيام فقط دون السجود والجلوس يومئ لهما من القيام، ولا يجوز له أن يضطجع ويومئ لهما من اضطجاعه، فإن اضطجع تبطل الصلاة عندهم. ويرى الحنفية أن القادر على القيام فقط دون السجود والجلوس جاز ان يومئ لهما ولا يلزمه القيام .

·                  من لم يستطع تمكين جبهته وانفه من الأرض فإن رفع شيئا كالوسادة أو الخشبة أو الحجر إلى جبهته فإن الحنفية يرون أنه لا يجزئه.

·                  وإذا لم يستطع المصلي تمكين جبهته من الأرض لعلة بها، اقتصر على الأنف عند الحنفية. وعند الشافعية:إن كان بجبهته جراحة عصبها بعصابة وسجد عليها، ولا إعادة عليه.

·                  المريض العاجز عن استقبال القبلة ولا يجد من يحوله إليها - لا متبرعا ولا بأجرة مثله وهو واجدها - فإنه يصلي على حسب حالته.

ضابط المرض الذي يعتبر عذرا في الصلاة:

·                  يكون بوجود ألم شديد أو خوف زيادة المرض أو بطئه - يصلي قاعدا بركوع وسجود. والألم الشديد كدوران رأس، أو وجع ضرس، أو شقيقة أو رمد.

·                  لو لحق المصلي نوع من المشقة فإنه لا يجوز له ترك القيام.

·                  ومثل الألم الشديد خوف لحوق الضرر من عدو آدمي أو غيره على نفسه أو ماله لو صلى قائما. وكذلك لو غلب على ظنه بتجربة سابقة، أو إخبار طبيب مسلم أنه لو قام زاد سلس بوله، أو سال جرحه، أو أبطأ برؤه، فإنه يترك القيام ويصلي قاعدا.

صلاة المريض جماعة:

·                  المريض إن قدر على الصلاة وحده قائما، ولا يقدر على ذلك مع الإمام لتطويله صلى منفردا؛ لأن القيام آكد؛ لكونه ركنا في الصلاة لا تتم إلا به. والجماعة تصح الصلاة بدونها.

العجز عن القيام والجلوس:

·                  إن تعذر على المريض القيام والجلوس في آن واحد صلى على جنبه دون تحديد للشق الأيمن أو الأيسر، وهذا مذهب الشافعية. وذهب الحنفية إلى أنه إن تعسر القعود أومأ مستلقيا على قفاه، أو على أحد جنبيه والأيمن أفضل من الأيسر، والاستلقاء على قفاه أولى من الجنب إن تيسر، والمستلقي يجعل تحت رأسه شيئا كالوسادة؛ ليصير وجهه إلى القبلة لا إلى السماء، وليتمكن من الإيماء.

·                  لو افتتح الصلاة قائما ثم عجز فقعد وأتم صلاته جاز له ذلك. وإن افتتحها قاعدا ثم قدر على القيام قام وأتم صلاته؛ لأنه يجوز أن يؤدي جميع صلاته قاعدا عند العجز.

·                  وإن افتتح الصلاة قاعدا ثم عجز اضطجع، وإن افتتحها مضطجعا ثم قدر على القيام أو القعود قام أو قعد.

الجمع بين الصلاتين للمريض:

·                  ذهب الحنفية، والشافعية، إلى أنه لا يجوز للمريض الجمع بين الصلاتين لأجل المرض.

باب صلاة المسافر

والفقهاء يقصدون بالسفر: السفر الذي تتغير به الأحكام الشرعية وهو: أن يخرج الإنسان من وطنه قاصدا مكانا يستغرق المسير إليه مسافة مقدرة عندهم.

·                  والمراد بالقصد: الإرادة المقارنة لما عزم عليه، فلو طاف الإنسان جميع العالم بلا قصد الوصول إلى مكان معين فلا يصير مسافرا.

·                  ولو أنه قصد السفر، ولم يقترن قصده بالخروج فعلا فلا يصير مسافرا.

تحديد أقل مسافة السفر بالأيام:

·                  ذهب الشافعية: إلى أن أقل مدة السفر مسيرة يومين معتدلين بلا ليلة، أو مسيرة ليلتين معتدلتين بلا يوم، أو مسيرة يوم وليلة. وذهب الحنفية إلى أن أقل مسافة السفر مسيرة ثلاثة أيام ولياليها.

·                  والعبرة بالسير هو السير الوسط، وهو سير الإبل المثقلة بالأحمال، ومشي الأقدام على ما يعتاد من ذلك، مع ما يتخلله من نزول واستراحة وأكل وصلاة.

·                  إذا كان لمكان واحد طريقان مختلفان، أحدهما يقطعه في ثلاثة أيام، والآخر يمكن أن يصل إليه في يوم واحد، فقد قال أبو حنيفة: يقصر لو سلك الطريق الأقرب؛ لأنه يعتبر مسافرا. والشافعية يجيزون القصر للعذر فقط.

·                  قال الشافعية: يقصر المسافر، ولو قطع المسافة في ساعة. وهو موافق لما قاله أبو حنيفة لأنه اعتبر أن العلة هي قطع المسافة.

·                  قال الشافعية: لو تبعت الزوجة زوجها، أو الجندي قائده في السفر، ولا يعرف كل واحد منهم مقصده فلا قصر لهم؛ لأن الشرط - وهو قصد موضع معين - لم يتحقق، وهذا قبل بلوغهم مسافة القصر، فإن قطعوها قصروا. وعند الحنفية تصير مسافرة بنية زوجها.

 

حكم القصر في السفر:

·                  ذهب الشافعية: إلى أن القصر جائز تخفيفا على المسافر. وذهب الحنفية: إلى أن فرض المسافر من ذوات الأربع ركعتان لا غير.

·                  مذهب الشافعية: أن القصر أفضل من الإتمام. ومذهب الحنفية: القصر هو الأصل في الصلاة؛ إذ الصلاة في الأصل فرضت ركعتين، في حق المقيم والمسافر جميعا.

شرائط القصر:

1-            نية السفر.

2-            مسافة السفر: وهو أن يقصد الإنسان مسيرة مسافة السفر المقدرة عند الفقهاء.

3-            الخروج من عمران بلدته.

4-            نية القصر عند كل صلاة عند الشافعية. أما الحنفية: فإن نية السفر تجعل فرض المسافر ركعتين، وهذا يكفي.

5-            العلم بجواز القصر، فلو قصر جاهلا به لم تصح صلاته؛ لتلاعبه عند الشافعية.

6-            الا يكون سفر معصية عند الشافعية. خلافا للحنفية.

اقتداء المسافر بالمقيم، وعكسه:

·                  يقول الحنفية: يصح اقتداء المسافر بالمقيم في الوقت، وينقلب فرض المسافر أربعا. وأما اقتداء المقيم بالمسافر فيصح في الوقت وخارج الوقت. وعند الشافعية: يجوز اقتداء المسافر بالمقيم، ويلزمه الإتمام. كما يجوز اقتداء المقيم بالمسافر، وفرضا الإتمام.

·                  ولا يصح اقتداء المسافر بالمقيم خارج الوقت عند الحنفية؛ لأن الصلاة خارج الوقت من باب القضاء، وهو خلف عن الأداء، والأداء لم يتغير فلا يتغير القضاء بالاقتداء بالمقيم، فبقيت صلاته ركعتين وصارت القعدة الأولى للتشهد فرضا في حقه، وهي نفل في حق الإمام فيكون هذا اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة، وكما لا يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل في جميع الصلاة، فلا يجوز في ركن منها.

قضاء فائتة السفر في الحضر وعكسه:

·                  قال الحنفية والشافعية في القديم: من فاتته صلاة في السفر قضاها في الحضر ركعتين، ومن فاتته صلاة في الحضر قضاها في السفر أربعا. والاصح عند الشافعية: من فاتته صلاة في السفر قضاها في الحضر أربعا.

أحكام المقيم. وللإقامة شرائط هي:

1-            نية الإقامة أمر لا بد منه عند الحنفية، حتى لو دخل مصرا ومكث فيه شهرا أو أكثر لانتظار قافلة، أو لحاجة أخرى يقول: أخرج اليوم أو غدا، ولم ينو الإقامة، فإنه لا يصير مقيما.

·                  أما مدة الإقامة المعتبرة: فأقلها خمسة عشرة يوما عند الحنفية.

·                  وقال الشافعية: لو نوى المسافر المستقل، ولو محاربا إقامة أربعة أيام تامة بلياليها، أو نوى الإقامة وأطلق بموضع عينه، انقطع سفره بوصوله ذلك الموضع سواء أكان مقصده أم في طريقه، أو نوى بموضع وصل إليه إقامة أربعة أيام انقطع سفره بالنية مع مكثه. ولو أقام أربعة أيام بلا نية انقطع سفره بتمامها. ولا يحسب من الأربعة يوما دخوله وخروجه إذا دخل نهارا على الصحيح عندهم.

2-            اتحاد مكان المدة المشترطة للإقامة:

·                  صرح الحنفية بأن المدة التي يقيمها المسافر ويصير بها مقيما، يشترط فيها أن تقضى في مكان واحد أو ما يشبه المكان الواحد؛ لأن الإقامة قرار والانتقال يضاده.

·                  وقالوا أيضا إذا نوى المسافر الإقامة المدة القاطعة للسفر في موضعين، فإن كانا مصرا واحدا أو قرية واحدة صار مقيما؛ لأنهما متحدان حكما، وإن كانا مصرين نحو مكة ومنى، أو الكوفة والحيرة، أو إن كانا قريتين، أو أحدهما مصرا والآخر قرية فلا يصير مقيما، ولا تزول حالة السفر؛ لأنهما مكانان متباينان حقيقة وحكما. فإن نوى المسافر أن يقيم بالليالي في أحد الموضعين ويخرج بالنهار إلى الموضع الآخر، فإن دخل أولا الموضع الذي نوى المقام فيه بالليل يصير مقيما، ثم بالخروج إلى الموضع الآخر لا يصير مسافرا؛ لأن موضع إقامة الرجل حيث يبيت فيه.

3-            صلاحية المكان للإقامة:

·                  يقول الحنفية: لا بد أن يكون المكان الذي يقيم فيه المسافر صالحا للإقامة، والمكان الصالح للإقامة: هو موضع اللبث والقرار في العادة، نحو الأمصار والقرى، وأما المفازة والجزيرة والسفينة فليست موضع الإقامة، حتى لو نوى الإقامة في هذه المواضع خمسة عشر يوما لا يصير مقيما.

·                  أما الشافعية فلا يشترطون أن يكون المكان صالحا للإقامة، فلو نوى المسافر الإقامة في مكان، ولو كان غير صالح للإقامة صحت نيته، وامتنع القصر.

·                   

جمع الصلاة:

·                  عند الحنفية يجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة، وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء بمزدلفة، فمسوغ الجمع عندهم هو الحج فقط، ولا يجوز عندهم الجمع لأي عذر آخر، كالسفر والمطر. ويجوز الجمع عند الشافعية في السفر وفي الحضر للعذر.

·                  شروط جمع التقديم ثلاثة عند الشافعية: الأول أن يبدأ بالظهر قبل العصر، وبالمغرب قبل العشاء؛ فلو عكس كأن بدأ بالعصر قبل الظهر مثلا لم يصح، ويعيدها إن أراد الجمع.

والثاني نية الجمع أولَ الصلاة الأولى، بأن تُقترَن نيةُ الجمع بتحرمها، فلا يكفي تقديمها على التحرم ولا تأخيرها عن السلام من الأولى. وتجوز في أثنائها على الأظهر.

والثالث الموالاة بين الأولى والثانية، بأن لا يطول الفصل بينهما؛ فإن طال عُرفًا ولو بعذر كنوم وجب تأخير الصلاة الثانية إلى وقتها. ولا يضر في الموالاة بينهما فصل يسير عرفا.

·                  وأما جمع التأخير فيجب فيه أن يكون نية الجمع، وتكون النية هذه في وقت الأولى. ويجوز تأخيرها إلى أن يبقى من وقت الأولى زمنٌ لو ابتُدِئت فيه كانت أداء. ولا يجب في جمع التأخير ترتيبٌ ولا موالاة ولا نية جمع على الصحيح في الثلاثة.

باب صلاة الجمعة

حكمها:

·                  صلاة الجمعة من الفرائض المعلوم فرضيتها بالضرورة، وبدلالة الكتاب والسنة؛ فيكفر جاحدها. قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].

·                  وهي فرض عين على كل مكلف قادر.

فرض وقت الجمعة:

·                  ذهب الشافعية إلى أن الجمعة فرض مستقل، فليست بدلا من الظهر، وليست ظهرا مقصورا.

·                  وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن فرض وقت الجمعة في الأصل إنما هو الظهر، إلا أن من تكاملت فيه شرائط الجمعة الآتي ذكرها فإنه مأمور بإسقاطه وإقامة الجمعة في مكانه على سبيل الحتم، أما من لم تتكامل فيه شرائطها، فيبقى على أصل الظهر إلا أنه يخاطب بأداء الجمعة في مكانها على سبيل الترخيص، أي فإذا أدى الجمعة رغم عدم تكامل شروط وجوبها عليه سقط عنه الظهر بذلك.

·                  وفائدة الخلاف تظهر فيما لو صلى الظهر في بيته وحده قبل فوات الجمعة - وهو غير معذور، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف يصح ظهره ويقع فرضا. وعند الشافعية لا تجزئه صلاة الظهر ويلزمه حضور الجمعة، فإن حضرها فذاك وإلا بأن فاتته لزمه قضاء الظهر حينئذ.

شروط صلاة الجمعة:

النوع الأول شروط الصحة والوجوب معا:

1-            اشترطه الحنفية، وهو أن يكون المكان الذي تقام فيه (مصرا) والمقصود بالمصر كل بلدة نصب فيها قاض ترفع إليه الدعاوى والخصومات. فأما الشافعية: فاكتفوا باشتراط إقامتها في خطة أبنية سواء كانت من بلدة أو قرية.

2-            اشترطه الحنفية، إذن السلطان بذلك، أو حضوره، أو حضور نائب رسمي عنه. هذا إذا كان ثمة إمام أو نائب عنه في البلدة التي تقام فيها الجمعة، فإذا لم يوجد أحدهما، لموت أو فتنة أو ما شابه ذلك، وحضر وقت الجمعة كان للناس حينئذ أن يجتمعوا على رجل منهم ليتقدمهم فيصلي بهم الجمعة. ولم يشترطه الشافعية.

3-            دخول الوقت. وهو وقت الظهر.

شروط الوجوب فقط:

1-            الإقامة بمصر فلا تجب على مسافر.

2-            (الذكورة) : فلا تجب صلاة الجمعة على النساء.

3-            (الصحة) : ويقصد بها خلو البدن عما يتعسر معه - عرفا - الخروج لشهود الجمعة في المسجد، كمرض وألم شديد.

4-            (الحرية) : فلا تجب على العبد المملوك، لانشغاله بخدمة المولى.

5-            (السلامة) : والمقصود بها سلامة المصلي من العاهات المقعدة، أو المتعبة له في الخروج إلى صلاة الجمعة، كالشيخوخة المقعدة والعمى، فإن وجد الأعمى قائدا متبرعا أو بأجرة معتدلة، وجبت عليه عند أبي يوسف ومحمد والشافعية خلافا لأبي حنيفة.

·                  فمثل هؤلاء إن حضروا الجمعة وصلوها أجزأتهم عن فرض الظهر.

·                  وأما صفة الذين تنعقد بهم الجمعة فهي: أن كل من يصلح إماما للرجال في الصلوات المكتوبة تنعقد بهم الجمعة، فيشترط صفة الذكورة والعقل والبلوغ لا غير، فتنعقد الجمعة بعبيد ومسافرين. وهذا عند الحنفية. أما الشافعية: فصححوا الإمامة من هؤلاء دون الانعقاد به. فلو أم المصلين مسافر وكان عددهم لا يتجاوز مع إمامهم المسافر أربعين رجلا، لم تنعقد صلاتهم.

·                  وتبطل صلاة الظهر بمجرد السعي الى الجمعة عند أبي حنيفة خلافا للصاحبين.

 

شروط الصحة:

1-            الخطبة: ويشترط تقدمها على الصلاة وهذا عند الحنفية. وعند الشافعية خطبتان.

·                  واعتبر الشافعية للخطبة أركانا خمسة لا بد من توافرها وهي: حمد الله، والصلاة على رسوله، والوصية بالتقوى. وهذه الثلاثة أركان في كل من الخطبتين، والرابع: قراءة آية من القرآن في إحداهما، والخامس: ما يقع عليه اسم الدعاء للمؤمنين في الخطبة الثانية.

2-            الجماعة.

·                  يشترط حضور واحد سوى الإمام - على الصحيح من مذهب الحنفية. ومذهب أبي حنيفة ومحمد ثلاثة سوى الخطيب. واشترط الشافعية أن لا يقل المجمعون عن أربعين رجلا تجب في حقهم الجمعة.

·                  يجب حضور ما لا يقل عن هذا العدد من أول الخطبة.

·                  الجماعة في صلاة الجمعة شرط أداء ولا يتحقق الأداء إلا بوجود تمام الأركان، وهي: القيام، والقراءة، والركوع، والسجود. وعلى هذا فلو تفرقت الجماعة قبل سجود الإمام بطلت الجمعة ويستأنف الظهر. وعند الصاحبين شرط انعقاد.

·                  وذهب الشافعية ومحمد بن الحسن إلى أن من أدرك مع الإمام أقل من ركعة، فإنه لا يكون مدركا للجمعة ويصليها ظهرا. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: صلاة المقتدي صحيحة على أنها جمعة إذا أدرك جزءا منها مع الإمام، وإن قل.

3-            واشترط الحنفية أن تؤدى بإذن عام يستلزم الاشتهار، وهو يحصل بإقامة الجمعة في مكان بارز معلوم لمختلف فئات الناس.

4-            أن لا تتعدد الجمعة في البلدة الواحدة كبيرة كانت أو صغيرة إلا لحاجة.

أحكام أثناء الخطبة:

·                  يحرم الكلام عند الحنفية والقول القديم للشافعي. والقول الجديد مكروه وهو المذهب. قال في تنوير الأبصار: كل ما حرم في الصلاة حرم في الخطبة، وسواء أكان الجالس في المسجد يسمع الخطبة أم لا، اللهم إلا أن يشتغل بقضاء فائتة لم يسقط الترتيب بينها وبين الصلاة الوقتية فلا تكره، بل يجب فعلها.

·                  إذا دخل الرجل والخطيب يخطب فقد ذهب الحنفية، إلى أنه يجلس ولا يصلي، شأنه في ذلك كالجالسين دون أي فرق. وذهب الشافعي إلى أنه يصلي ركعتين خفيفتين ما لم يجلس، تحية للمسجد.

الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة:

·                  ذهب الشافعية إلى أنه يسن للإمام الجهر في قراءة صلاة الجمعة، وعند الحنفية يجب الجهر فيها بالقراءة.

المستحبات من كيفية أداء الجمعة:

·                  الأذان بين يدي المنبر قبل البدء بالخطبة إذا جلس الخطيب على المنبر.

·                  أن يخطب الخطيب خطبتين قائما، يفصل بينهما بجلسة خفيفة يفتتحها بحمد الله والثناء عليه، والتشهد، والصلاة على النبي (‘) ويزيد على ذلك في الخطبة الثانية الدعاء للمؤمنين والمؤمنات.

·                  الطهارة في الخطبة، سنة في الخطبة عند الحنفية، وذهبت الشافعية إلى اعتبارها شرطا فيها.

ما يقرأ في صلاة الجمعة:

·                  اتفق الفقهاء على أنه: يستحب للإمام أن يقرأ في الركعة الأولى (سورة الجمعة) ، وفي الركعة الثانية (سورة المنافقين) .

·                  واستحب- الحنفية والشافعية- أيضا قراءة سورة {سبح اسم ربك الأعلى} في الركعة الأولى و {هل أتاك} في الركعة الثانية.

مفسدات الجمعة:

1-            خروج وقت الظهر قبل الفراغ منها فيصليها ظهرا، ويستوي في الفساد خروج الوقت قبل المباشرة بها، وخروجه بعد المباشرة بها وقبل الانتهاء منها هذا عند الحنفية، ونحوه للشافعية فإنها تنقلب ظهرا ولا تكون جمعة.

2-            انفضاض الجماعة أثناء أدائها، قبل أن تقيد الركعة الأولى بالسجدة فيصليها ظهرا.

اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد:

·                  ذهب الحنفية إلى أنه إذا وافق العيد يوم الجمعة فلا يباح لمن شهد العيد التخلف عن الجمعة.

·                  وأجاز الشافعية في اليوم الذي يوافق فيه العيد يوم الجمعة لأهل القرية الذين يبلغهم النداء لصلاة العيد: الرجوع وترك الجمعة، وذلك فيما لو حضروا لصلاة العيد ولو رجعوا إلى أهليهم فاتتهم الجمعة؛ فيرخص لهم في ترك الجمعة تخفيفا عليهم. ومن ثم لو تركوا المجيء للعيد وجب عليهم الحضور للجمعة.

آداب صلاة الجمعة ويومها:

·                  يسن له أن يغتسل، وأن يمس طيبا ويتجمل، ويلبس أحسن ثيابه.

·                   يسن التبكير في الخروج إلى الجامع والاشتغال بالعبادة إلى أن يخرج الخطيب.

·                  ما يسن تركه:أولا: أكل كل ذي ريح كريهة: كثوم وبصل ونحوهما.

·                  ثانيا: تخطي الرقاب في المسجد، وهو محرم إذا كان الخطيب قد أخذ في الخطبة، إلا أن لا يجد إلا فرجة أمامه ولا سبيل إليها إلا بتخطي الرقاب، فيرخص في ذلك للضرورة.

·                  ثالثا: تجنب الاحتباء والإمام يخطب. وهذا ما ذهب إليه الشافعية، حيث صرحوا بكراهته. قال النووي: والصحيح أنه مكروه.

·                  يحرم عند الحنفية إنشاء سفر بعد الزوال (وهو أول وقت الجمعة) من المصر الذي هو فيه، إذا كان ممن تجب عليه الجمعة، وعلم أنه لن يدرك أداءها في مصر آخر. وذهب الشافعي في الجديد: إلى أن حرمة السفر تبدأ من وقت الفجر.

باب صلاة العيدين

حكمها:

·                  صلاة العيدين واجبة على القول الصحيح المفتى به عند الحنفية. أما الشافعية: فقد ذهبوا إلى القول بأنها سنة مؤكدة.

شروط الوجوب:

·                  شروط وجوبها عند الحنفية: هي بعينها شروط وجوب صلاة الجمعة. فيشترط لوجوبها. (1) الإمام (2) المصر (3) الجماعة (4) الوقت (5) الذكورة (6) الحرية (7) صحة البدن (8) الإقامة. إلا الخطبة، فإنها سنة بعد الصلاة.

شروط الصحة:

·                  كل ما يعتبر شرطا في صحة صلاة الجمعة، فهو شرط في صحة صلاة العيدين أيضا، ما عدا الخطبة فهي هنا ليست شرطا في صحة العيدين وإنما هي سنة هذا عند الحنفية.

المرأة وصلاة العيدين:

·                  ذهب الشافعية، إلى كراهة خروج الشابات وذوات الجمال لصلاة العيدين لما في ذلك من خوف الفتنة، ولكنهم استحبوا في المقابل خروج غير ذوات الهيئات منهن واشتراكهن مع الرجال في الصلاة.

·                  عند الحنفية: الشابات من النساء وذوات الجمال منهن، لا يرخص لهن في الخروج إلى صلاة العيد ولا غيرها كصلاة الجمعة وأما العجائز فلا خلاف أنه يرخص لهن الخروج للعيد وغيره من الصلوات غير أن الأفضل على كل حال أن تصلي المرأة في بيتها.

وقت أدائها:

·                  ذهب الحنفية إلى أن وقت صلاة العيدين يبتدئ عند ارتفاع الشمس قدر رمح بحسب رؤية العين المجردة - وهو الوقت الذي تحل فيه النافلة - ويمتد وقتها إلى ابتداء الزوال. وقال الشافعية: إن وقتها ما بين طلوع الشمس وزوالها.

·                  أما الوقت المفضل لها، فهو عند ارتفاع الشمس قدر رمح، إلا أنه يستحب عدم تأخيرها عن هذا الوقت بالنسبة لعيد الأضحى، ويستحب تأخيرها قليلا عن هذا الوقت بالنسبة لعيد الفطر.

حكمها بعد خروج وقتها:

·                  الصورة الأولى: أن تؤدى صلاة العيد جماعة في وقتها من اليوم الأول ولكنها فاتت بعض الأفراد، وحكمها في هذه الصورة أنها فاتت إلى غير قضاء، فلا تقضى مهما كان العذر. وهذا عند الحنفية. وأما الشافعية: فقد أطلقوا القول بمشروعية قضائها - على القول الصحيح في المذهب - في أي وقت شاء وكيفما كان: منفردا أو جماعة.

·                  الصورة الثانية: أن لا تكون صلاة العيد قد أديت جماعة في وقتها من اليوم الأول، وذلك إما بسبب عذر: كأن غم عليهم الهلال وشهد شهود عند الإمام برؤية الهلال بعد الزوال، وإما بدون عذر.

ففي حالة العذر يجوز تأخيرها إلى اليوم الثاني سواء كان العيد عيد فطر أو أضحى. وهذا عند الحنفية والشافعية فيشرع قضاء صلاة العيد في اليوم الثاني عند تأخر الشهادة برؤية الهلال إلا أن الشافعية لا يعتبرون صلاتها في اليوم الثاني قضاء إذا تأخرت الشهادة في اليوم الذي قبله إلى ما بعد غروب الشمس. بل لا تقبل الشهادة حينئذ ويعتبر اليوم الثاني أول أيام العيد، فتكون الصلاة قد أديت في وقتها.

·                  الصورة الثالثة: أن تؤخر صلاة العيد عن وقتها بدون العذر الذي ذكرنا في الصورة الثانية. فينظر حينئذ: إن كان العيد عيد فطر سقطت أصلا ولم تقض. وإن كان عيد أضحى جاز تأخيرها إلى ثالث أيام النحر، أي يصح قضاؤها في اليوم الثاني، وإلا ففي اليوم الثالث من ارتفاع الشمس في السماء إلى أول الزوال، سواء كان ذلك لعذر أو لغير عذر ولكن تلحقه الإساءة إن كان غير معذور بذلك.

·                   

مكان أدائها:

·                  تصلى في كل مكان طاهر، يصلح أن تؤدى فيه صلاة العيد، سواء كان مسجدا أو عرصة وسط البلد أو مفازة خارجها. إلا أنه يسن الخروج لها إلى الصحراء أو إلى مفازة واسعة خارج البلد تأسيا بما كان يفعله رسول الله (‘).

·                  وإن كان المسجد الحرام واسعا لا يتزاحم فيه الناس، فالصلاة فيه أفضل؛ لأن الأئمة لم يزالوا يصلون صلاة العيد بمكة في المسجد؛ ولأن المسجد أشرف وأنظف.

كيفية أدائها:

أولا - الواجب من ذلك:

·                  صلاة العيد، لها حكم سائر الصلوات المشروعة؛ فيجب ويفرض فيها كل ما يجب ويفرض في الصلوات الأخرى.

 

ويجب فيها - زيادة على ذلك - ما يلي:

أولا: - أن تؤدى في جماعة وهو قول الحنفية.

ثانيا: - الجهر بالقراءة فيها، وذلك للنقل المستفيض عن النبي (‘).

ثالثا: أن يكبر المصلي ثلاث تكبيرات. زوائد –عند الحنفية- بين تكبيرة الإحرام والركوع في الركعة الأولى، وأن يكبر مثلها - أيضا - بين تكبيرة القيام والركوع في الركعة الثانية.

وسيان (بالنسبة لأداء الواجب) أن تؤدى هذه التكبيرات قبل القراءة أو بعدها، مع رفع اليدين أو بدونهما، ومع السكوت بين التكبيرات أو الاشتغال بتسبيح ونحوه. وعند الشافعية سبع تكبيرات في الركعة الأولى بين تكبيرة الإحرام وبدء القراءة، وخمس في الركعة الثانية بين تكبيرة القيام وبدء القراءة وهي سنة.

·                  من أدرك الإمام بعد أن كبر هذه التكبيرات: فإن كان لا يزال في القيام كبر المؤتم لنفسه بمجرد الدخول في الصلاة، وتابع الإمام. أما إذا أدركه راكعا فليركع معه، وليكبر تكبيرات الزوائد أثناء ركوعه بدل من تسبيحات الركوع.

ثانيا: المندوب من ذلك:

·                  يندب في صلاة العيدين كل ما يندب في الصلوات الأخرى: فعلا كان، أو قراءة، وتختص صلاة العيدين بمندوبات أخرى نجملها فيما يلي:

أولا - يسن أن يسكت بين كل تكبيرتين من التكبيرات الزوائد قدر ثلاث تسبيحات ولا يسن أن يشتغل بينهما بذكر أو تسبيح.

ثانيا - يسن أن يرفع يديه عند التكبيرات الزوائد إلى شحمة أذنيه، بخلاف تكبيرة الركوع فلا يرفع يديه عندها.

ثالثا - يسن أن يوالي بين القراءة في الركعتين، وذلك بأن يكبر التكبيرات الزوائد في الركعة الأولى قبل القراءة، وفي الركعة الثانية بعدها، فتكون القراءتان متصلتين على ذلك.

رابعا - يسن أن يقرأ في الركعة الأولى سورة الأعلى وفي الركعة الثانية سورة الغاشية ولا يلتزمهما دائما كي لا يترتب على ذلك هجر بقية سور القرآن.

خامسا - يسن أن يخطب بعدها خطبتين، لا يختلف في كل منهما في واجباتها وسننها عن خطبتي الجمعة. إلا أنه يستحب أن يفتتح الأولى منهما بتسع تكبيرات متتابعات والثانية بسبع مثلها.

·                  ولا يشرع لصلاة العيد أذان ولا إقامة، بل ينادى لها: الصلاة جامعة.

ولها سنن تتصل بها وهي قبل الصلاة أو بعدها نجملها فيما يلي:

أولا: أن يطعم شيئا قبل غدوه إلى الصلاة إذا كان العيد عيد فطر، ويسن أن يكون المطعوم حلوا كتمر ونحوه.

ثانيا: يسن أن يغتسل ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه.

ثالثا: يسن الخروج إلى المصلى ماشيا، فإذا عاد ندب له أن يسير من طريق أخرى غير التي أتى منها. ولا بأس أن يعود راكبا.

ثم إن كان العيد فطرا سن الخروج إلى المصلى بدون جهر بالتكبير في الأصح عند الحنفية.

رابعا: إن كان أضحى فيسن الجهر بالتكبير في الطريق إليه.

واتفقت بقية الأئمة مع الحنفية في استحباب الخروج إلى المصلى ماشيا والعود من طريق آخر، وأن يطعم شيئا يوم عيد الفطر قبل خروجه إلى الصلاة، وأن يغتسل ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه.

أما التكبير في الطريق إلى المصلى فقد خالف الحنفية في ذلك الشافعية، فذهبوا إلى أنه يندب التكبير عند الخروج إلى المصلى والجهر به في كل من عيدي الفطر والأضحى.

·                  وأما التكبير في المصلى: فقد ذهبت الشافعية في الأصح إلى أنه يسن للناس الاستمرار في التكبير إلى أن يحرم الإمام بصلاة العيد.

·                  وأما التكبيرات الزوائد في الصلاة: فقد خالف الحنفية في استحباب موالاتها، وعدم فصل أي ذكر بينها الشافعية حيث ذهبوا إلى أنه يستحب أن يفصل بينها بذكر، وأفضله أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. أو يقول: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا.

·                  وذهب الحنفية إلى أنه لا سنة لها قبلية ولا بعدية، ولا تصلى أي نافلة قبلها وقبل الفراغ من خطبتها؛ لأن الوقت وقت كراهة، فلا يصلى فيه غير العيد. أما بعد الفراغ من الخطبة فلا بأس بالصلاة.

وذهب الشافعية إلى أنه لا يكره التنفل قبلها ولا بعدها لما عدا الإمام، سواء صليت في المسجد أو المصلى.

مفسدات صلاة العيد:

لصلاة العيد مفسدات مشتركة ومفسدات خاصة.

أما مفسداتها المشتركة: فهي مفسدات سائر الصلوات.

وأما مفسداتها الخاصة بها، فتلخص في أمرين:

الأول: أن يخرج وقتها أثناء أدائها بأن يدخل وقت الزوال، فتفسد بذلك. قال ابن عابدين: أي يفسد وصفها وتنقلب نفلا، اتفاقا إن كان الزوال قبل القعود قدر التشهد، وعلى قول الإمام أبي حنيفة إن كان بعده.

الثاني: انفساخ الجماعة أثناء أدائها. وخالف الشافعية بالنسبة لانفساخ الجماعة.

ما يترتب على فسادها:

·                  إن فسدت صلاة العيد بما تفسد به سائر الصلوات من الحدث العمد وغير ذلك، يستقبل الصلاة على شرائطها، وإن فسدت بخروج الوقت، أو فاتت عن وقتها مع الإمام سقطت ولا يقضيها عند الحنفية.

·                  وسائر الأئمة متفقون على أن صلاة العيد إذا فسدت بما تفسد به سائر الصلوات الأخرى، تستأنف من جديد.

حكم التكبير ومكانه في عيد الأضحى:

·                  ذهب أبو يوسف ومحمد (وهو المعتمد في المذهب) إلى أنه يجب بعد كل فرض مطلقا ولو كان المصلي منفردا أو مسافرا أو امرأة، من فجر يوم عرفة إلى ما بعد عصر اليوم الثالث من أيام التشريق.

·                  التكبير سنة مؤكدة وليس بواجب.

·                  عند الشافعية يشرع التكبير عقب كل الصلوات فرضا كانت أم نافلة على اختلافها لأن التكبير شعار الوقت فلا يختص بنوع من الصلاة دون آخر.

من آداب العيد:

·                  الاغتسال ويدخل وقته بنصف الليل، والتطيب، والاستياك، ولبس أحسن الثياب. ويسن أن يكون ذلك قبل الصلاة، وأداء فطرته قبل الصلاة.

·                   

باب صلاة الكسوف

حكمها:

·                  الصلاة لكسوف الشمس سنة مؤكدة عند الجميع.

·                  الصلاة لخسوف القمر سنة مؤكدة عند الشافعية، وهي حسنة عند الحنفية.

وقت صلاة الكسوف:

·                  وقتها من ظهور الكسوف إلى حين زواله.

صلاة الكسوف في الأوقات التي تكره فيها الصلاة:

·                  لا تصلى عند الحنفية وتصلى عند الشافعية.

فوات صلاة الكسوف:

تفوت صلاة كسوف الشمس بأحد أمرين:

الأول: انجلاء جميعها، فإن انجلى البعض فله الشروع في الصلاة للباقي، كما لو لم ينكسف إلا ذلك القدر.

الثاني: بغروبها كاسفة.

ويفوت خسوف القمر بأحد أمرين:

الأول: الانجلاء الكامل.

الثاني: طلوع الشمس،

ولو حال سحاب، وشك في الانجلاء صلى؛ لأن الأصل بقاء الكسوف. ولو كانا تحت غمام، فظن الكسوف لم يصل حتى يستيقن.

سنن صلاة الكسوف:

يسن لمريد صلاة الكسوف:

1-            أن يغتسل لها؛ لأنها صلاة شرع لها الاجتماع.

2-            أن تصلى حيث تصلى الجمعة.

3-            أن يدعى لها: " الصلاة جامعة " وليس لها أذان ولا إقامة اتفاقا.

4-            أن يكثر ذكر الله، والاستغفار، والتكبير والصدقة، والتقرب إلى الله تعالى بما استطاع من القرب.

5-            أن يصلوا جماعة عند الشافعية. وقال أبو حنيفة: يصلى لخسوف القمر وحدانا: ركعتين، ركعتين، ولا يصلونها جماعة.

الخطبة فيها:

·                  قال أبو حنيفة: لا خطبة لصلاة الكسوف، وقال الشافعية: يسن أن يخطب لها بعد الصلاة خطبتان، كخطبتي العيد.

·                  تشرع صلاة الكسوف للمنفرد، والمسافر والنساء.

·                  يستحب للنساء غير ذوات الهيئات أن يصلين مع الإمام، وأما اللواتي تخشى الفتنة منهن فيصلين في البيوت منفردات. فإن اجتمعن فلا بأس، إلا أنهن لا يخطبن.

إذن الإمام بصلاة الكسوف:

·                  لا يشترط لإقامتها إذن الإمام، فإذا ترك الإمام صلاة الكسوف فللناس أن يصلوها علانية إن لم يخافوا فتنة، وسرا إن خافوها، إلى هذا ذهب الشافعية.

·                  وقال الحنفية في ظاهر الرواية: لا يقيمها جماعة إلا الإمام الذي يصلي بالناس الجمعة والعيدين. فإن لم يقمها الإمام صلى الناس حينئذ فرادى.

كيفية صلاة الكسوف:

·                  لا خلاف بين الفقهاء في أن صلاة الكسوف ركعتان. واختلفوا في كيفية الصلاة بها.

·                  ذهب الشافعية: إلى أنها ركعتان في كل ركعة قيامان، وقراءتان، وركوعان، وسجدتان.

·                  والخلاف بين الأئمة في الكمال لا في الإجزاء والصحة فيجزئ في أصل السنة ركعتان كسائر النوافل عند الجميع.

·                  وأدنى الكمال عندهم: أن يحرم بنية صلاة الكسوف، ويقرأ فاتحة الكتاب، ثم يركع، ثم يرفع رأسه ويطمئن، ثم يركع ثانيا، ثم يرفع ويطمئن، ثم يسجد سجدتين فهذه ركعة.

ثم يصلي ركعة أخرى كذلك. فهي ركعتان: في كل ركعة قيامان، وركوعان، وسجدتان. وباقي الصلاة من قراءة، وتشهد، وطمأنينة كغيرها من الصلوات.

·                  وأعلى الكمال: أن يحرم، ويستفتح، ويستعيذ، ويقرأ الفاتحة، سورة البقرة، أو قدرها في الطول، ثم يركع ركوعا طويلا فيسبح قدر مائة آية، ثم يرفع من ركوعه، فيسبح، ويحمد في اعتداله. ثم يقرأ الفاتحة، وسورة دون القراءة الأولى: آل عمران، أو قدرها، ثم يركع فيطيل الركوع، وهو دون الركوع الأول، ثم يرفع من الركوع، فيسبح، ويحمد، ولا يطيل الاعتدال، ثم يسجد سجدتين طويلتين، ولا يطيل الجلوس بين السجدتين. ثم يقوم إلى الركعة الثانية، فيفعل مثل ذلك المذكور في الركعة الأولى من الركوعين وغيرهما، لكن يكون دون الأول في الطول في كل ما يفعل ثم يتشهد ويسلم.

·                  وقال الحنفية: إنها ركعتان، في كل ركعة قيام واحد، وركوع واحد وسجدتان كسائر النوافل.

الجهر بالقراءة والإسرار بها:

·                  يجهر بالقراءة في خسوف القمر، ولا يجهر في صلاة كسوف الشمس.

وإلى هذا ذهب أبو حنيفة والشافعية.

اجتماع الكسوف بغيرها من الصلوات:

·                  إذا اجتمع مع الكسوف أو الخسوف غيره من الصلاة: كالجمعة، أو العيد، أو صلاة مكتوبة، أو الوتر، ولم يؤمن من الفوات، قدم الأخوف فوتا ثم الآكد، فتقدم الفريضة، ثم الجنازة، ثم العيد، ثم الكسوف. ولو اجتمع وتر وخسوف قدم الخسوف؛ لأن صلاته آكد حينئذ لخوف فوتها، وإن أمن من الفوات، تقدم الجنازة ثم الكسوف أو الخسوف، ثم الفريضة.

 

الصلاة لغير الكسوف من الآيات:

·                  قال الحنفية: تستحب الصلاة في كل فزع: كالريح الشديدة، والزلزلة، والظلمة، والمطر الدائم لكونها من الأفزاع، والأهوال.

·                  وقال الشافعية: لا يصلى لغير الكسوفين صلاة جماعة، بل يستحب أن يصلى في بيته، وأن يتضرع إلى الله بالدعاء عند رؤية هذه الآيات، وقال الإمام الشافعي -¬ -: لا آمر بصلاة جماعة في زلزلة، ولا ظلمة، ولا لصواعق، ولا ريح، ولا غير ذلك من الآيات، وآمر بالصلاة منفردين، كما يصلون منفردين سائر الصلوات.

 

 

 

باب صلاة الاستسقاء

حكم الاستسقاء:

·                  قال الشافعية، ومحمد بن الحسن من الحنفية: الاستسقاء سنة مؤكدة، سواء أكان بالدعاء والصلاة أم بالدعاء فقط، فعله رسول الله (‘) وصحابته والمسلمون من بعدهم. وأما أبو حنيفة فقال بسنية الدعاء فقط، وبجواز غيره.

أسباب الاستسقاء:

الاستسقاء يكون في أربع حالات:

الأولى: للمحل والجدب، أو للحاجة إلى الشرب لشفاههم، أو دوابهم ومواشيهم، سواء أكانوا في حضر، أم سفر في صحراء، أم سفينة في بحر مالح. وهو محل اتفاق.

الثانية: استسقاء من لم يكونوا في محل، ولا حاجة إلى الشرب، وقد أتاهم الغيث، ولكن لو اقتصروا عليه لكان دون السعة، فلهم أن يستسقوا ويسألوا الله المزيد من فضله. وهو رأي للشافعية.

الثالثة: استسقاء من كان في خصب لم كان في محل وجدب، أو حاجة إلى شرب. قال به الحنفية، والشافعية.

الرابعة: إذا استسقوا ولم يسقوا. اتفقت المذاهب الأربعة: على تكرار الاستسقاء، والإلحاح في الدعاء. إلا أن الحنفية قالوا بالخروج ثلاثة أيام فقط، وقالوا: لم ينقل أكثر من ذلك.

أنواعه وأفضله:

والاستسقاء على ثلاثة أنواع. اتفق على ذلك فقهاء المذاهب الأربعة.

وقد فضل بعض الأئمة بعض الأنواع على بعض، ورتبوها حسب أفضليتها.

فقال الشافعية: الاستسقاء ثلاثة أنواع:

النوع الأول: وهو أدناها، الدعاء بلا صلاة، ولا بعد صلاة، فرادى ومجتمعين لذلك، في المسجد أو غيره، وأحسنه ما كان من أهل الخير.

النوع الثاني: وهو أوسطها، الدعاء بعد صلاة الجمعة أو غيرها من الصلوات، وفي خطبة الجمعة ونحو ذلك.

النوع الثالث: وهو أفضلها، الاستسقاء بصلاة ركعتين وخطبتين، وتأهب لها قبل ذلك. يستوي في ذلك أهل القرى والأمصار والبوادي والمسافرون، ويسن لهم جميعا الصلاة والخطبتان، ويستحب ذلك للمنفرد إلا الخطبة.

وأما الحنفية: فأبو حنيفة يفضل الدعاء والاستغفار في الاستسقاء؛ لأنه السنة، وأما الصلاة فرادى فهي مباحة عنده، وليست بسنة، لفعل الرسول لها مرة وتركها أخرى. وأما محمد وأبو يوسف فقد قالا: الاستسقاء يكون بالدعاء، أو بالصلاة والدعاء، والكل عنده سنة، وفي مرتبة واحدة.

وقت الاستسقاء:

·                  إذا كان الاستسقاء بالدعاء فلا خلاف في أنه يكون في أي وقت.

·                  وإذا كان بالصلاة والدعاء، فالكل مجمع على منع أدائها في أوقات الكراهة.

مكان الاستسقاء:

·                  اتفقوا على أن الاستسقاء يجوز في المسجد، وخارج المسجد. إلا أن الشافعية يفضلون الخروج مطلقا.

·                  وقال الشافعية: يصلي الإمام في الصحراء، لأن النبي (‘) صلاها في الصحراء؛ ولأنه يحضرها غالب الناس والصبيان والحيض والبهائم وغيرهم، فالصحراء أوسع لهم وأرفق.

·                  وقال الحنفية بالخروج أيضا، إلا أنهم قالوا: إن أهل مكة وبيت المقدس يجتمعون في المسجدين.

الآداب السابقة على الاستسقاء:

·                  يعظ الإمام الناس، ويأمرهم بالخروج من المظالم، والتوبة من المعاصي، وأداء الحقوق؛ ليكونوا أقرب إلى الإجابة، فإن المعاصي سبب الجدب، والطاعة سبب البركة.

·                  يترك التشاحن والتباغض؛ لأنها تحمل على المعصية والبهت، وتمنع نزول الخير.

الصيام قبل الاستسقاء:

·                  قال الشافعية، والحنفية: يأمرهم الإمام بصوم ثلاثة أيام قبل الخروج، ويخرجون في اليوم الرابع وهم صيام.

الصدقة قبل الاستسقاء:

·                  قال الشافعية، والحنفية: يأمرهم الإمام بالصدقة في حدود طاقتهم.

تقديم الصلاة على الخطبة:

·                  تقدم الصلاة على الخطبة، وهو قول محمد بن الحسن، وهو الأولى عند الشافعية.

كيفية صلاة الاستسقاء:

·                  لا يعلم بين القائلين بصلاة الاستسقاء خلاف في أنها ركعتان، واختلف في صفتها على رأيين:

 الرأي الأول، وهو للشافعية، وقول لمحمد: يصليها ركعتين يكبر في الأولى سبعا، وخمسا في الثانية مثل صلاة العيد.

الرأي الثاني: وهو القول الثاني لمحمد تصلى ركعتين كصلاة النافلة والتطوع.

·                  واتفقت المذاهب على الجهر بالقراءة في الاستسقاء ويقرأ بما شاء، ولكن الأفضل أن يقرأ فيهما بما كان يقرأ في العيد، أو يقرأ بسورتي الأعلى والغاشية أو بسورتي الأعلى والشمس.

·                  وحذف التكبيرات أو بعضها أو الزيادة فيها لا تفسد الصلاة.

·                  وقال الشافعية: ولو ترك التكبيرات أو بعضها أو زاد فيهن لا يسجد للسهو.

كيفية الخطبة ومستحباتها:

·                  قال الشافعية، ومحمد بن الحسن من الحنفية: يخطب الإمام خطبتين كخطبتي العيد بأركانهما وشروطهما وهيئاتهما. وقال أبو يوسف من الحنفية: يخطب الإمام خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير.

·                  ويخطب الإمام على الأرض معتمدا على قوس أو سيف أو عصا، ويخطب مقبلا بوجهه إلى الناس.

·                  وقال الحنفية: يكبر في الخطبة كما في صلاة العيد. وقال الشافعية في الراجح عندهم: يستبدل بالتكبير الاستغفار، فيستغفر الله في أول الخطبة الأولى تسعا، وفي الثانية سبعا، يقول: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، ويختم كلامه بالاستغفار، ويكثر منه في الخطبة.

·                  وقال الحنفية، والشافعية: يستقبل الإمام الناس في الخطبة مستدبرا القبلة، حتى إذا قضى خطبته توجه بوجهه إلى القبلة يدعو.

رفع اليدين في الدعاء في الاستسقاء:

·                  استحب الأئمة رفع اليدين إلى السماء في الدعاء.

·                  وأنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه.

·                  ويدعو سرا وجهرا، فإذا دعا سرا دعا الناس سرا، فيكون أبلغ في البعد عن الرياء. وإذا دعا جهرا أمن الناس على دعاء الإمام.

تحويل الرداء في الاستسقاء:

·                  قال الشافعية: يستحب تحويل الرداء للإمام والمأموم وقال محمد بن الحسن: إن تحويل الرداء مختص بالإمام فقط دون المأموم وقال أبو حنيفة: لا يسن تقليب الرداء.

·                  قال محمد بن الحسن من الحنفية، والشافعية في الرأي الراجح: إن كان الرداء مدورا بأن كان جبة يجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن، وإن كان الرداء مربعا يجعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه.

 

باب صلاة الخوف

كيفية صلاة الخوف:

قال النووي (¬): هي أنواع

·                  الأول: يكون العدو في القبلة فيرتب الإمام القوم صفين ويصلي بهم فإذا سجد سجد معه صف سجدتيه وحرس صف فإذا قاموا سجد من حرس ولحقوه وسجد معه في الثانية من حرس أولا وحرس الآخرون فإذا جلس سجد من حرس وتشهد بالصفين وسلم ولو حرس فيهما فرقتا صف جاز وكذا فرقة في الأصح.

·                  الثاني: يكون في غيرها فيصلي مرتين كل مرة بفرقة أو تقف فرقة في وجهه ويصلي بفرقة ركعة فإذا قام للثانية فارقته وأتمت وذهبت إلى وجهه وجاء الواقفون فاقتدوا به فصلى بهم الثانية فإذا جلس للتشهد قاموا فأتموا ثانيتهم ولحقوه وسلم بهم ويقرأ الإمام في انتظاره الثانية ويتشهد وفي قول يؤخر لتلحقه فإن صلى مغربا فبفرقة ركعتين وبالثانية ركعة وهو أفضل من عكسه في الأظهر وينتظر في تشهده أو قيام الثالثة: وهو أفضل في الأصح أو رباعية فبكل ركعتين فلو صلى بكل فرقة ركعة صحت صلاة الجميع في الأظهر.

·                  وقال القدوري من الحنفية: إذا اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين: طائفةً في وجه العدو، وطائفةً خلفه، فيصلي بهذه الطائفة ركعةً وسجدتين، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية مضت هذه الطائفة إلى وجه العدو، وجاءت تلك الطائفة، فيصلي بهم الإمام ركعةً وسجدتين، وتشهد وسلم، ولم يسلموا، وذهبوا إلى وجه العدو، وجاءت الطائفة الأولى فصلوا وحداناً ركعةً وسجدتين بغير قراءةٍ وتشهدوا وسلموا ومضوا إلى وجه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلوا ركعةً وسجدتين بقراءةٍ وتشهدوا وسلموا، فإن كان الإمام مقيماً صلى بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعتين ويصلي بالطائفة الأولى ركعتين من المغرب وبالثانية ركعةً، ولا يقاتلون في حال الصلاة، فإن فعلوا ذلك بطلت صلاتهم. وإن اشتد الخوف صلوا ركباناً واحداناً يومئون بالركوع والسجود إلى أي جهةٍ شاءوا، إذا لم يقدروا على التوجه إلى القبلة.

كتاب الجنائز

 

قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]

ما ينبغي فعله بعد الموت، وما لا ينبغي فعله:

ما ينبغي فعله بعد الموت:

اتفق الفقهاء على أنه إذا مات الميت شد لحياه، وغمضت عيناه ويتولى أرفق أهله به إغماضه بأسهل ما يقدر عليه، ويشد لحياه بعصابة عريضة يشدها في لحيه الأسفل ويربطها فوق رأسه.

ويقول مغمضه: بسم الله وعلى ملة رسول الله. اللهم يسر عليه أمره، وسهل عليه ما بعده. وأسعده بلقائك، واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج منه.

ويلين مفاصله، ويرد ذراعيه إلى عضديه، ويرد أصابع كفيه، ثم يمدها، ويرد فخذيه إلى بطنه، وساقيه إلى فخذيه، ثم يمدها، وهو أيضا مما اتفق عليه.

ويستحب أن ينزع عنه ثيابه التي مات فيها، ويسجى جميع بدنه بثوب ويترك على شيء مرتفع من لوح أو سرير، لئلا تصيبه نداوة الأرض فيتغير ريحه. ويجعل على بطنه حديد، أو طين يابس، لئلا ينتفخ، وهذا متفق عليه في الجملة.

الإعلام بالموت:

يستحب أن يعلم جيران الميت وأصدقاؤه حتى يؤدوا حقه بالصلاة عليه والدعاء له وإليه ذهب الحنفية والشافعية.

فالنعي منهي عنه اتفاقا، وهو أن يركب رجل دابة يصيح في الناس أنعي فلانا، أو

أن ينادى بموته، ويشاد بمفاخره. وبه يقول الحنفية والشافعية.

تجهيز الميت:

اتفق الفقهاء على أنه إن تيقن الموت يبادر إلى التجهيز ولا يؤخر فإن مات فجأة ترك حتى يتيقن موته، وهو مفاد كلام الشافعي في الأم.

 

ما لا ينبغي فعله بعد الموت

قراءة القرآن عند الميت:

تكره عند الحنفية قراءة القرآن عند الميت حتى يغسل وخالفه بعض متأخري المحققين، فأخذ بظاهر الخبر وقال: بل يقرأ عليه بعد موته وهو مسجى، وفي المسألة خلاف عند الحنفية أيضا. قال ابن عابدين: الحاصل أن الميت إن كان محدثا فلا كراهة، وإن كان نجسا كره. والظاهر أن هذا أيضا إذا لم يكن الميت مسجى بثوب يستر جميع بدنه، وكذا ينبغي تقييد الكراهة بما إذا قرأ جهرا.

وذهب الشافعية إلى أنه لا يقرأ عند الميت قبل الدفن لئلا تشغلهم القراءة عن تعجيل تجهيزه، خلافا لابن الرفعة وبعضهم، وجوزه الرملي بحثا. أما بعد الدفن فيندب عندهم.

النوح والصياح على الميت:

يكره النوح، والصياح، وشق الجيوب، في منزل الميت، وفي الجنائز، أو في محل آخر للنهي عنه، ولا بأس بالبكاء بدمع قال الحنفية: والصبر أفضل. وأما البكاء بغير صوت فجائز.

وقال السراج: قد أجمعت الأمة على تحريم النوح، والدعوى بدعوى الجاهلية، ذكره الطحطاوي.

تغسيل الميت

الحكم التكليفي:

تغسيل الميت المسلم واجب كفاية، بحيث إذا قام به البعض سقط عن الباقين؛ لحصول المقصود بالبعض، كسائر الواجبات على سبيل الكفاية.

ما ينبغي لغاسل الميت، وما يكره له:

ينبغي أن يكون الغاسل ثقة أمينا، وعارفا بأحكام الغسل. ولا يجوز له إذا رأى من الميت شيئا مما يكره أن يذكره إلا لمصلحة وإن رأى حسنا مثل أمارات الخير من وضاءة الوجه ونحو ذلك، استحب له إظهاره ليكثر الترحم عليه، ويحصل الحث على طريقته، والتبشير بجميل سيرته. إلا إذا كان الميت مبتدعا، ورأى الغاسل منه ما يكره، فلا بأس أن يحدث الناس به، ليكون زجرا لهم عن البدعة.

كما يستحب أن يلين مفاصله إن سهلت عليه، وإن شق ذلك لقسوة الميت أو غيرها تركها؛ لأنه لا يؤمن أن تنكسر أعضاؤه. ويلف الغاسل على يده خرقة خشنة يمسحه بها، لئلا يمس عورته. ويعد لغسل السبيلين خرقة أخرى. قال الشافعية: ويكره للغاسل أن ينظر إلى شيء من بدنه إلا لحاجة، أما المعين فلا ينظر إلا لضرورة.

كما يكره له أن يقف على الدكة، ويجعل الميت بين رجليه، بل يقف على الأرض ويقلبه حين غسله، كما ينبغي له أن يشتغل بالتفكر والاعتبار، لا بالأذكار التي ابتدعوها لكل عضو ذكر يخصه، فإنها بدعة.

النية في تغسيل الميت:

ذهب الحنفية إلى: أن النية ليست شرطا لصحة الطهارة، بل شرط لإسقاط الفرض عن المكلفين، فلو غسل الميت بغير نية أجزأ لطهارته، لا لإسقاط الفرض عن المكلفين.

والأصح عند الشافعية، وظاهر نص الشافعي: عدم اشتراط النية في تغسيل الميت.

 

تجريد الميت وكيفية وضعه حالة الغسل:

ذهب الحنفية، إلى أنه يستحب تجريد الميت عند تغسيله؛ لأن المقصود من الغسل هو التطهير وحصوله بالتجريد أبلغ. والصحيح المعروف عند الشافعية أنه يغسل في قميصه.

وأما كيفية وضعه عند تغسيله، فهي أنه يوضع على سرير أو لوح هيئ له، ويكون موضع رأسه أعلى لينحدر الماء، ويكون الوضع طولا، كما في حالة المرض إذا أراد الصلاة بإيماء.

عدد الغسلات وكيفيتها:

قبل أن يبدأ الغاسل بتغسيل الميت يزيل عنه النجاسة، ويستنجيه عند أبي حنيفة ومحمد. وأما إزالة النجاسة وإنقاؤها فأبو حنيفة ومحمد يقولان به بلا إجلاس وعصر في أول الغسل، وعند الشافعية يكون إجلاس الميت وعصر بطنه في أول الغسل.

ثم يوضئه وضوءه للصلاة، ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه، وإن كان فيهما أذى أزاله بخرقة يبلها ويجعلها على أصبعه، فيمسح أسنانه وأنفه حتى ينظفهما. وهذا عند الحنفية، وأما عند الشافعية فلا يغني ذلك عن المضمضة والاستنشاق. ويميل رأس الميت حتى لا يبلغ الماء بطنه. وكذا لا يؤخر رجليه عند التوضئة.

وبعد الوضوء يجعله على شقه الأيسر فيغسل الأيمن، ثم يديره على الأيمن فيغسل الأيسر، وذلك بعد تثليث غسل رأسه ولحيته.

والواجب في غسل الميت مرة واحدة، ويستحب أن يغسل ثلاثا كل غسلة بالماء والسدر، أو ما يقوم مقامه، ويجعل في الأخيرة كافورا، أو غيره من الطيب إن أمكن. وإن رأى الغاسل أن يزيد على ثلاث - لكونه لم ينق، أو غير ذلك - غسله خمسا أو سبعا، ويستحب أن لا يقطع إلا على وتر.

وإن خرج منه شيء وهو على مغتسله، فيرى الحنفية وهو الأصح عند الشافعية،: أنه لا يعاد غسله، وإنما يغسل ذلك الموضع يستحب أن يحمل الميت إلى مكان خال مستور لا يدخله إلا الغاسل، ومن لا بد من معونته عند الغسل.

صفة ماء الغسل:

يشترط لصحة غسل الميت في الماء: الطهورية كسائر الطهارات، والإباحة كباقي الأغسال، واستحب الحنفية أن يكون الماء ساخنا لزيادة الإنقاء، ويغلى الماء بالسدر أو غيره؛ لأنه أبلغ في النظافة وهو المقصود. ويرى الشافعية عدم غسل الميت بالماء الحار في المرة الأولى، إلا لشدة البرد أو لوسخ أو غيره. واستحسن الشافعية أن يتخذ الغاسل إناءين.

ما يصنع بالميت قبل التغسيل وبعده:

استعمال البخور عند تغسيل الميت مستحب، لئلا تشم منه رائحة كريهة. ويزداد في البخور عند عصر بطنه.

وأما تسريح الشعر، وتقليم الأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط، فلا يفعل شيء من ذلك عند الحنفية، وذهب الشافعية في الجديد إلى أنه يفعل كل ذلك.

وإذا فرغ الغاسل من تغسيل الميت نشفه بثوب، لئلا تبتل أكفانه.

الحالات التي ييمم فيها الميت:

ييمم الميت في الحالات الآتية:

أ - إذا مات رجل بين نسوة أجانب، ولم توجد امرأة محرمة، أو ماتت امرأة بين رجال أجانب، ولم يوجد محرم. وهذا عند الحنفية والشافعية - في الأصح -.

وأضاف الحنفية قولهم: إذا كان بين النسوة امرأته غسلته، فإن لم تكن وكانت معهن صبية صغيرة، لم تبلغ حد الشهوة، وأطاقت الغسل، علمنها الغسل، ويخلين بينه وبينها حتى تغسله، وتكفنه؛ لأن حكم العورة في حقها غير ثابت.

وكذلك إذا ماتت امرأة بين رجال أجانب، وكان معهم صبي لم يبلغ حد الشهوة، وأطاق الغسل، علموه الغسل فيغسلها.

ب - إذا تعذر غسله لفقد ماء حقيقة أو حكما كتقطع الجسد بالماء، أو تسلخه من صبه عليه.

من يجوز لهم تغسيل الميت:

أ - الأحق بتغسيل الميت:

الأصل أنه لا يغسل الرجال إلا الرجال، ولا النساء إلا النساء؛ لأن نظر النوع إلى النوع نفسه أهون، وحرمة المس ثابتة حالة الحياة، فكذا بعد الموت. واختلفوا في الترتيب. فذهب الحنفية إلى أنه يستحب للغاسل أن يكون أقرب الناس إلى الميت، فإن لم يعلم الغسل فأهل الأمانة والورع. وعند الشافعية إن كان الميت رجلا غسله أقاربه. وهل تقدم الزوجة عليهم: الأصح: أنه يقدم من الرجال العصبات، ثم الأجانب، ثم الزوجة، ثم النساء المحارم.

وإن كان الميت امرأة قدم نساء القرابة، ثم النساء الأجانب، ثم الزوج، ثم الرجال الأقارب. وذوو المحارم من النساء الأقارب أحق من غيرهم، وهل يقدم الزوج على نساء القرابة؟ وجهان: الوجه الأول: وهو الأصح المنصوص يقدمن عليه لأنهن أليق.

وعامة الشافعية يقولون: المحارم بعد النساء أولى.

ب - تغسيل المرأة لزوجها:

 لا خلاف بين الفقهاء في أن للمرأة تغسيل زوجها، إذا لم يحدث قبل موته ما يوجب البينونة. فإن ثبتت البينونة بأن طلقها بائنا، أو ثلاثا ثم مات، لا تغسله؛ لارتفاع ملك البضع بالإبانة.

وأضاف الشافعية أنه إن طلقها رجعيا - ومات أحدهما في العدة - لم يكن للآخر غسله عندهم لتحريم النظر في الحياة.

وكذا لا تغسله إذا حدث ما يوجب البينونة بعد الموت، كما لو ارتدت بعده ثم أسلمت، لزوال النكاح؛ لأن النكاح كان قائما بعد الموت فارتفع بالردة، والمعتبر بقاء الزوجية حالة الغسل لا حالة الموت.

ج - تغسيل الزوج لزوجته:

ذهب الحنفية في الأصح، إلى أنه ليس للزوج غسلها. ويرى الشافعية، أن للزوج غسل امرأته. وأما الشافعية فقد أطلقوا الجواز. ولا يتأتى ذلك عند الحنفية؛ لأنه ليس للزوج غسلها عندهم.

د - تغسيل المسلم للكافر وعكسه:

اتفق الفقهاء على أنه لا يجب على المسلم تغسيل الكافر؛ لأن الغسل وجب كرامة وتعظيما للميت، والكافر ليس من أهل الكرامة والتعظيم.

وذهب الحنفية، إلى جواز ذلك إذا كان الكافر الميت ذا رحم محرم من المسلم، فيجوز عندهم تغسيله عند الاحتياج، بأن لم يكن هناك من يقوم به من أهل دينه وملته، فإن كان، خلى المسلم بينه وبينهم. ومذهب الشافعية جواز تغسيل المسلمين وغيرهم للكافرين، وأقاربه الكفار أحق به من أقاربه المسلمين.

وعرف من مذهب الشافعية أن للزوج غسل زوجته المسلمة والذمية، ولها غسله. وأما عند الحنفية: فالمرأة لا تمنع من تغسيل زوجها بشرط بقاء الزوجية ولو كتابية. وأما عكس ذلك فلا يتأتى عندهم في الأصح.

 ت- تغسيل الكافر للمسلم:

ذهب الحنفية إلى أنه لا يصح تغسيل الكافر للمسلم؛ لأن التغسيل عبادة، والكافر ليس من أهلها، فلا يصح تغسيله للمسلم كالمجنون. وأيضا فإن النية واجبة في الغسل والكافر ليس من أهلها. وفي الصحيح المنصوص عند الشافعية أن الكافر لو غسل مسلما فإنه يكفي.

ç - تغسيل الرجال والنساء للأطفال الصغار وعكسه:

تغسيل الرجال والنساء للأطفال الصغار:

قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة تغسل الصبي الصغير. وقيده الحنفية والشافعية بالذي لا يشتهى. أما تغسيل الرجال للصغيرة فذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا بأس للرجل أن يغسل الصبية التي لا تشتهى إذا ماتت.

 ي-تغسيل الصبي للميت:

صرح الحنفية بأنه يجوز للصبي إذا كان عاقلا أن يغسل الميت؛ لأنه تصح طهارته فصح أن يطهر غيره، وهو المتبادر من قول والشافعية.

و- تغسيل المحرم الحلال وعكسه، وكيفية تغسيل المحرم:

لا خلاف بين الفقهاء في جواز تغسيل المحرم الحلال وعكسه؛ لأن كل واحد منهما تصح طهارته وغسله، فكان له أن يغسل غيره.

وأما كيفية تغسيل المحرم فاختلف الفقهاء فيها:

ذهب الحنفية إلى أن إحرامه يبطل بالموت فيصنع به كما يصنع بالحلال. ويرى الشافعية: أن حكم إحرامه لا يبطل بموته، فيصنع في تغسيله ما يصنع بالمحرم.

ز - تغسيل الخنثى المشكل:

إذا كان الخنثى المشكل صغيرا لم يبلغ، يجوز للرجال والنساء تغسيله، كما يجوز مسه والنظر إليه. وأما إذا كان كبيرا أو مراهقا فذهب الحنفية، إلى أنه لا يغسل رجلا ولا امرأة، ولا يغسله رجل ولا امرأة، بل ييمم. والأصل عند الشافعية أن الخنثى المشكل - إن كان له محرم من الرجال أو النساء - غسله بالاتفاق، وإن لم يكن له محرم جاز للرجال والنساء غسله صغيرا.

من يغسل من الموتى ومن لا يغسل:

أ - تغسيل الشهيد:

 اتفق الفقهاء على أن الشهيد لا يغسل، وإن كان الشهيد جنبا فذهب أبو حنيفة إلى أنه يغسل. ويرى أبو يوسف ومحمد من الحنفية، والشافعية في الأصح أنه لا يغسل.

وكذلك الحكم فيمن وجب عليه الغسل بسبب سابق على الموت، كالمرأة التي تطهر من حيض أو نفاس ثم تستشهد فهي كالجنب. وأما قبل الطهارة من الحيض أو النفاس فلا يجب الغسل.

وذهب الشافعية إلى أن الشهيد البالغ وغيره سواء.

ب - تغسيل المبطون والمطعون وصاحب الهدم وأمثالهم:

الشهيد بغير قتل كالمبطون، والمطعون، ومنه الغريق، وصاحب الهدم، والنفساء، ونحوهم يغسل، وإن ورد فيه لفظ الشهادة.

ج - تغسيل من لا يدرى حاله:

لو وجد ميت أو قتيل في دار الإسلام. وكان عليه سيما المسلمين من الختان والثياب والخضاب وحلق العانة، فإنه يجب غسله ، سواء أوجد في دار الإسلام أم دار الحرب. وأما إذا لم يكن عليه ذلك فالصحيح عندهم: أنه إن وجد في دار الإسلام يغسل، وإن وجد في دار الحرب لا يغسل.

د - تغسيل موتى المسلمين عند اختلاطهم بالكفار:

لو اختلط موتى المسلمين بموتى المشركين ولم يميزوا، فيغسلون جميعا، سواء أكان المسلمون أكثر أم أقل. أو كانوا على السواء.

ه - تغسيل البغاة وقطاع الطريق:

ذهب الحنفية إلى أنه لا يغسل البغاة إذا قتلوا في الحرب؛ إهانة لهم وزجرا لغيرهم عن فعلهم. وأما إذا قتلوا بعد ثبوت يد الإمام عليهم فإنهم يغسلون. وعند الشافعية أنهم-البغاة- يغسلون.

و- تغسيل الجنين إذا استهل:

إذا خرج المولود حيا، أو حصل منه ما يدل على حياته من بكاء أو تحريك عضو أو طرف أو غير ذلك، فإنه يغسل بالإجماع، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الطفل إذا عرفت حياته واستهل، يغسل ويصلى عليه.

و لا يغسل من لم يأت له أربعة أشهر ولم يتبين خلقه.

واختلفوا في الطفل الذي ولد لأربعة أشهر أو أكثر، فالأصح عند الحنفية، وهو المذهب للشافعية أنه يغسل.

ز - تغسيل جزء من بدن الميت:

إذا بان من الميت شيء غسل وحمل معه في أكفانه بلا خلاف. وأما تغسيل بعض الميت، فذهب الحنفية إلى أنه إن وجد الأكثر غسل، وإلا فلا. وذهب الشافعية: وهو إلى أنه يغسل سواء في ذلك أكثر البدن وأقله.

دفن الميت من غير غسل:

لو دفن الميت بغير غسل، ولم يهل عليه التراب، فلا خلاف أنه يخرج ويغسل. وأما بعده، فذهب الحنفية، إلى أنه لا ينبش لأجل تغسيله لأن النبش مثلة، وقد نهي عنها، ولما فيه من الهتك. والصحيح لدى الشافعية أنه ينبش ويغسل ما لم يتغير، ويخاف عليه أن يتفسخ.

تكفين الميت

الحكم التكليفي:

 اتفق الفقهاء على أن تكفين الميت بما يستره فرض على الكفاية.

صفة الكفن:

ذهب الفقهاء إلى أن الميت يكفن - بعد طهره - بشيء من جنس ما يجوز له لبسه في حال الحياة، فيكفن في الجائز من اللباس.

ولا يجوز تكفين الرجل بالحرير، وأما المرأة فيجوز تكفينها فيه لكن مع الكراهة، لأن فيه سرفا ويشبه إضاعة المال، بخلاف لبسها إياه في الحياة، فإنه مباح شرعا.

ويستحب تحسين الكفن عند الحنفية بأن يكفن في ملبوس مثله في الجمع والأعياد ما لم يوص بأدنى منه، فتتبع وصيته، وذهب الشافعية إلى أنه يعتبر في الأكفان المباحة حال الميت، فإن كان مكثرا فمن جياد الثياب، وإن كان متوسطا فأوسطها، وإن كان مقلا فخشنها. وتجزئ جميع أنواع القماش، والخلق إذا غسل والجديد سواء.

ويشترط في الكفن ألا يصف البشرة، لأن ما يصفها غير ساتر فوجوده كعدمه، ويكره إذا كان يحكي هيئة البدن، وإن لم يصف البشرة. وتكره المغالاة في الكفن، كما يكره التكفين بمزعفر، ومعصفر، وشعر، وصوف مع القدرة على غيره، لأنه خلاف فعل السلف.

ويحرم التكفين بالجلود، ولا يكفن الميت في متنجس نجاسة لا يعفى عنها وإن جاز له لبسه خارج الصلاة مع وجود طاهر، ولو كان الطاهر حريرا.

أنواع الكفن:

ذهب الحنفية إلى أن الكفن ثلاثة أنواع:

1 - كفن السنة.

2 - كفن الكفاية.

3 - كفن الضرورة.

أ - كفن السنة: هو أكمل الأكفان، وهو للرجل ثلاثة أثواب: إزار وقميص ولفافة، والقميص من أصل العنق إلى القدمين بلا دخريص ولا أكمام. والإزار للميت من أعلى الرأس إلى القدم بخلاف إزار الحي واللفافة كذلك. وللمرأة خمسة أثواب: قميص وإزار وخمار ولفافة وخرقة تربط فوق ثدييها

ب - كفن الكفاية: هو أدنى ما يلبس حال الحياة، وهو ثوبان للرجل في الأصح.

ويكره أن يكفن في ثوب واحد. والمراهق كالرجل يكفن فيما يكفن فيه الرجل وإن كان صبيا لم يراهق، فإن كفن في خرقتين إزار ورداء فحسن، وإن كفن في إزار واحد جاز.

وأما المرأة فأقل ما تكفن فيه ثلاثة أثواب: إزار ورداء وخمار. ويكره أن تكفن المرأة في ثوبين.

وأما الصغيرة فلا بأس بأن تكفن في ثوبين، والمراهقة بمنزلة البالغة في الكفن، والسقط يلف في خرقة.

ج - الكفن الضروري للرجل والمرأة: هو مقدار ما يوجد حال الضرورة أو العجز بأن كان لا يوجد غيره، وأقله ما يعم البدن.

وقال الشافعية: أقل الكفن ثوب واحد وهو ما يستر العورة. وفي قدر الثوب الواجب وجهان: أحدهما: ما يستر العورة، وهي ما بين السرة والركبة في الرجل، وما عدا الوجه والكفين في المرأة.

والثاني: ما يستر جميع بدنه إلا رأس المحرم ووجه المحرمة.

والمستحب أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب: إزار ولفافتين بيض، ليس فيها قميص ولا عمامة والبالغ والصبي في ذلك سواء، وإن كفن في خمسة أثواب لم يكره. وأما المرأة فإنها تكفن عند الشافعية في خمسة أثواب: إزار ودرع (قميص) وخمار ولفافتين. والأفضل عند الشافعية أن يكفن الرجل في ثلاث لفائف بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم.

فإن كان في الكفن عمامة لم يكره، لكنه خلاف الأولى. وأما عند الحنفية فتكره العمامة في الأصح، والسنة أن يكون وترا، واستحسنها المتأخرون من الحنفية.

كيفية تكفين الرجل:

 ذهب الفقهاء إلى أن الأكفان تجمر أي تطيب أولا وترا قبل التكفين بها ثم المستحب أن تؤخذ أحسن اللفائف وأوسعها فتبسط أولا ليكون الظاهر للناس حسنها، فإن هذا عادة الحي يجعل الظاهر أفخر ثيابه. ويجعل عليها حنوط، ثم تبسط الثانية التي تليها في الحسن والسعة عليها، ويجعل فوقها حنوط وكافور ثم تبسط فوقهما الثالثة ويجعل فوقها حنوط وكافور، ولا يجعل على وجه العليا ولا على النعش شيء من الحنوط.

ويستحب أن يؤخذ القطن ويجعل عليه الحنوط والكافور ويترك على الفم والمنخرين والعينين والأذنين وعلى جراح نافذة إن وجدت عليه ليخفى ما يظهر من رائحته، ويجعل الحنوط والكافور على قطن ويترك على مواضع السجود.

ويستحب أن يحنط رأسه ولحيته بالكافور كما يفعل الحي إذا تطيب، ثم يلف الكفن عليه بأن يثنى من الثوب الذي يلي الميت طرفه الذي يلي شقه الأيسر على شقه الأيمن، والذي يلي الأيمن على الأيسر، كما يفعل الحي بالقباء، ثم يلف الثاني والثالث كذلك، وإذا لف الكفن عليه جمع الفاضل عند رأسه جمع العمامة، ورد على وجهه وصدره إلى حيث بلغ، وما فضل عند رجليه يجعل على القدمين والساقين، ثم تشد الأكفان عليه بشداد خيفة انتشارها عند الحمل، فإذا وضع في القبر حل الشداد، هذا عند الشافعية. أما عند الحنفية فكذلك إلا أنه يلبس القميص أولا إن كان له قميص ثم يعطف الإزار عليه بمثل ما سبق ثم تعطف اللفافة وهي الرداء كذلك.

كيفية تكفين المرأة:

وأما تكفين المرأة فقال الحنفية: تبسط لها اللفافة والإزار على ما تقدم في الرجل، ثم توضع على الإزار وتلبس الدرع، ويجعل شعرها ضفيرتين على صدرها فوق الدرع، ويسدل شعرها ما بين ثدييها من الجانبين جميعا تحت الخمار، ولا يسدل شعرها خلف ظهرها، ثم يجعل الخمار فوق ذلك، ثم يعطف الإزار واللفافة كما قالوا في الرجل: ثم الخرقة فوق ذلك تربط فوق الأكفان فوق الثديين والبطن.

وعند الشافعية على المفتى به تؤزر بإزار، ثم تلبس الدرع، ثم تخمر بخمار، ثم تدرج في ثوبين، قال الشافعي ¬: ويشد على صدرها ثوب ليضم ثيابها فلا تنتشر.

كيفية تكفين المحرم والمحرمة:

قال الشافعية: إذا مات المحرم والمحرمة حرم تطييبهما وأخذ شيء من شعرهما أو ظفرهما، وحرم ستر رأس الرجل وإلباسه مخيطا. وحرم ستر وجه المحرمة. وعند الحنفية يكفن المحرم والمحرمة، كما يكفن غير المحرم أي يغطى رأسه ووجهه ويطيب.

تكفين الشهيد:

ذهب الحنفية إلى أن شهيد المعركة - الذي قتله المشركون، أو وجد بالمعركة جريحا، أو قتله المسلمون ظلما ولم يجب فيه مال - يكفن في ثيابه غير أنه ينزع عنه الجلود والسلاح والفرو والحشو والخف والمنطقة والقلنسوة. ويجوز أن يزاد في أكفانهم أو ينقص على أن لا يخرج عن كفن السنة.

وقال الشافعية: يكفن شهيد المعركة ندبا في ثيابه، وأما شهداء غير المعركة كالغريق والحريق والمبطون والغريب فيكفن كسائر الموتى وذلك باتفاق جميع الفقهاء.

حمل الجنازة

حكم الحمل وكيفيته:

 أجمع الفقهاء على أن حمل الجنازة فرض على الكفاية، ويجوز الاستئجار على حمل الجنازة.

وأما كيفية حمل الجنازة وعدد حامليها فيسن عند الحنفية أن يحملها أربعة رجال، فإذا حملوا الميت على سرير أخذوه بقوائمه الأربع.

ثم إن في حمل الجنازة شيئين: نفس السنة، وكمالها، أما نفس السنة فهي أن تأخذ بقوائمها الأربع على طريق التعاقب بأن يحمل من كل جانب عشر خطوات.

وأما كمال السنة، فهو أن يبدأ الحامل بحمل الجنازة من جانب يمين مقدم الميت وهو يسار الجنازة فيحمله على عاتقه الأيمن، ثم المؤخر الأيمن للميت على عاتقه الأيمن، ثم المقدم الأيسر للميت على عاتقه الأيسر، ثم المؤخر الأيسر للميت على عاتقه الأيسر.

ويكره حملها بين العمودين، بأن يحملها رجلان أحدهما يحمل مقدمها والآخر مؤخرها.

وعند الشافعية الأفضل أن يجمع في حمل الجنازة بين التربيع والحمل بين العمودين فإن أراد أحدهما فالحمل بين العمودين أفضل، والتربيع أن يحملها أربعة من جوانبها الأربعة، والحمل بين العمودين أن يحملها ثلاثة رجال، أحدهم يكون في مقدمها، يضع الخشبتين الشاخصتين على عاتقيه والمعترضة بينهما على كتفيه، والآخران يحملان مؤخرها، كل واحد منهما خشبة على عاتقه، فإن عجز المتقدم عن حمل المقدم وحده أعانه رجلان خارج العمودين فيصيرون خمسة.

وذهب الحنفية إلى أنه لا بأس بأن يأخذ السرير بيده أو يضع على المنكب (يعني بعد أخذ قائمة السرير باليد لا ابتداء كما تحمل الأثقال) ، وصرح الشافعية بحرمة حمل الجنازة على هيئة مزرية، كحمله في قفة، وغرارة، ونحو ذلك، ويحرم كذلك حمله على هيئة يخاف منها سقوطه. ويكره له أن يضع نصفه على المنكب ونصفه على أصل العنق، ويكره عند الحنفية حمله على الظهر والدابة بلا عذر. أما إذا كان عذر بأن كان المحل بعيدا يشق حمل الرجال له، أو لم يكن الحامل إلا واحدا، فحمله على ظهره فلا كراهة إذن وفاقا للشافعية.

ويسرع بالميت وقت المشي بلا خبب، وحده أن يسرع به بحيث لا يضطرب الميت على الجنازة، ويكره بخبب خلف الجنازة فقال: ما دون الخبب قال الحافظ ابن حجر: نقل ابن قدامة أن الأمر فيه للاستحباب بلا خلاف بين العلماء.

وأما ما يحكى عن الشافعي أنه يكره الإسراع الشديد، فقال الحافظ ابن حجر: مال عياض إلى نفي الخلاف فقال: من استحبه أراد الزيادة على المشي المعتاد، ومن كرهه أراد الإفراط فيه كالرمل.

وكذا يستحب الإسراع بتجهيزه كله من حين موته، فلو جهز الميت صبيحة يوم الجمعة يكره تأخير الصلاة عليه ليصلي عليه الجمع العظيم، ولو خافوا فوت الجمعة بسبب دفنه يؤخر الدفن، وقال الشافعية أيضا، بالإسراع بتجهيزه إلا إذا شك في موته، ويقدم رأس الميت في حال المشي بالجنازة.

تشييع الجنازة:

 تشييع الرجال للجنازة سنة، وقال الشافعية: المشي أمام الجنازة أفضل، وأما النساء فلا ينبغي لهن عند الحنفية أن يخرجن في الجنازة، ففي الدر يكره خروجهن تحريما، وأما عند الشافعية فقال النووي: مذهب أصحابنا أنه مكروه، وليس بحرام.

 قال الحنفية: وإذا كان مع الجنازة نائحة أو صائحة زجرت، فإن لم تنزجر فلا بأس بأن يمشي معها؛ لأن اتباع الجنازة سنة فلا يتركه لبدعة من غيره (لكن يمشي أمام الجنازة كما تقدم) .

 

ما ينبغي أن يفعل مع الجنازة وما لا ينبغي:

اتباع الجنازة بمبخرة أو نار:

 اتفق الفقهاء على أن الجنازة لا تتبع بنار في مجمرة (مبخرة) ولا شمع إلا لحاجة ضوء أو نحوه.

الجلوس قبل وضع الجنازة:

 يكره لمتبع الجنازة أن يجلس قبل وضعها للنهي عن ذلك.

والمختار عند الشافعية استحباب القيام مع الجنازة حتى توضع والأفضل أن لا يجلسوا ما لم يسووا عليه التراب.

القيام للجنازة:

مذهب الحنفية لا يقوم للجنازة (إذا مرت به) إلا أن يريد أن يشهدها، وكذا إذا كان القوم في المصلى، وجيء بجنازة، قال بعضهم: لا يقومون إذا رأوها قبل أن توضع الجنازة عن الأعناق وهو الصحيح.

قال النووي: اختار المتولي من أصحابنا أن القيام مستحب وهذا هو المختار، فيكون الأمر به للندب، والقعود لبيان الجواز، ولا يصح دعوى النسخ في مثل هذا؛ لأن النسخ إنما يكون إذا تعذر الجمع ولم يتعذر. قال القليوبي من الشافعية: وهذا هو المعتمد.

الصمت في اتباع الجنازة:

ينبغي لمن تبع الجنازة أن يطيل الصمت، ويكره رفع الصوت بالذكر وقراءة القرآن وغيرهما.

وفي السراج: يستحب لمن تبع الجنازة أن يكون مشغولا بذكر الله تعالى، أو التفكر فيما يلقاه الميت، وأن هذا عاقبة أهل الدنيا، وليحذر عما لا فائدة فيه من الكلام، فإن هذا وقت ذكر وموعظة، فتقبح فيه الغفلة، فإن لم يذكر الله تعالى فيلزم الصمت، ولا يرفع صوته بالقراءة ولا بالذكر، ولا يغتر بكثرة من يفعل ذلك، وأما ما يفعله الجهال من القراءة مع الجنازة من رفع الصوت والتمطيط فيه فلا يجوز بالإجماع.

قال الحنفية: ولا ينبغي أن يرجع من يتبع جنازة حتى يصلي عليها؛ لأن الاتباع كان للصلاة عليها، فلا يرجع قبل حصول المقصود، وبعدما صلى لا يرجع إلا بإذن أهل الجنازة قبل الدفن، وبعد الدفن يسعه الرجوع بغير إذنهم.

 

الصلاة على الجنازة

حكمها:

·                  الصلاة على الجنازة فرض على الكفاية.

·                  ونص الحنفية والشافعية على أن الجماعة ليست شرطا لصحة الصلاة على الجنازة وإنما هي سنة.

أركانها:

·                  عند الحنفية: التكبيرات والقيام، فلا تصح من القاعد أو الراكب من غير عذر، فلو تعذر النزول عن الدابة لطين ونحوه جاز أن يصلي عليها راكبا استحسانا، ولو كان الولي مريضا فأم قاعدا والناس قيام أجزأهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: تجزئ الإمام فقط.

·                  وقال الشافعية: أركانها النية، والتكبيرات وقراءة الفاتحة، والصلاة على النبي، وأدنى الدعاء للميت، والتسليمة الأولى، وكذلك يجب القيام على المذهب إن قدر عليه، فلو صلوا جلوسا من غير عذر أو ركبانا أعادوا.

شروطها:

·                  يشترط لصحة صلاة الجنازة ما يشترط لبقية الصلوات من الطهارة الحقيقية بدنا وثوبا ومكانا، والحكمية، وستر العورة، واستقبال القبلة، والنية، سوى الوقت.

·                  وشرط الحنفية أيضا ما يلي:

أولها: إسلام الميت

والثاني: طهارته من نجاسة حكمية وحقيقية في البدن، فلا تصح على من لم يغسل، ولا على من عليه نجاسة، وهذا الشرط عند الإمكان.

الثالث: تقديم الميت أمام القوم فلا تصح على ميت موضوع خلفهم.

والرابع: حضوره أو حضور أكثر بدنه أو نصفه مع رأسه. خلافا للشافعية.

والخامس: وضعه على الأرض أو على الأيدي قريبا منها. خلافا للشافعية فيجوز الصلاة عندهم على المحمول على دابة، أو على أيدي الناس، أو على أعناقهم.

والسادس: ستر عورته - هذا هو المذكور في الدر المختار.

والسابع: قال صاحب الدر: بقي من الشروط بلوغ الإمام، فلو أم صبي في صلاة الجنازة ينبغي أن لا يجوز وهو الظاهر. ولكن نقل في الأحكام عن جامع الفتاوى سقوط الفرض بفعله.

والثامن: محاذاة الإمام جزءا من أجزاء الميت إذا كان الميت واحدا، وأما إذا كثرت الموتى فيجعلهم صفا ويقوم عند أفضلهم، قال ابن عابدين: الأقرب كون المحاذاة شرطا.

·                  الواجب عند الحنفية في صلاة الجنازة التسليم مرتين بعد التكبيرة الرابعة، وعند الشافعية التسليم مرة واحدة ركن.

سننها:

·                  قيام الإمام بحذاء صدر الميت ذكرا كان الميت أو أنثى سنة عند الحنفية وقال الشافعية: إنهما يقومان عند رأس الرجل، وعند عجز المرأة أو الخنثى.

·                  الثناء بعد التكبيرة الأولى سنة عند الحنفية وهو: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك. وقال الشافعية: لا استفتاح منه ولكن النقل والعادة أنهم يستفتحون بعد تكبيرة الافتتاح.

·                  من السنن عند الحنفية الصلاة على النبي (‘) بعد التكبيرة الثانية بقوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد إلى آخره. وعند الشافعية ركن.

·                  من السنن عند الحنفية دعاء المصلي للميت ولنفسه (وإذا دعا لنفسه قدم نفسه على الميت لأن من سنة الدعاء أن يبدأ فيه بنفسه) ولجماعة المسلمين، وذلك بعد التكبيرة الثالثة، ولا يتعين للدعاء شيء سوى كونه بأمور الآخرة، ولكن إن دعا بالمأثور عن النبي (‘) فهو أحسن وأبلغ لرجاء قبوله. فإن كان الميت صغيرا فعن أبي حنيفة والشافعية ينبغي أن يقول: اللهم اجعله لنا فرطا، واجعله لنا أجرا وذخرا، اللهم اجعله لنا شافعا ومشفعا مقتصرا عليه.

·                  الفرض عند الشافعية أدنى دعاء للميت.

·                  والمسنون الدعاء بما ورد، ومنه: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، وأنت على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته منا فتوفه عليهما، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النار، وافسح له في قبره ونور له فيه، وهذا الدعاء للميت الكبير ذكرا كان أو أنثى إلا أنه يؤنث الضمائر في الأنثى.

·                  وإن كان الميت صغيرا أو بلغ مجنونا واستمر على جنونه حتى مات قال في الدعاء: اللهم اجعله ذخرا لوالديه، وفرطا وأجرا، وشفيعا مجابا، اللهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم، يقال ذلك في الذكر والأنثى إلا أنه يؤنث في المؤنث.

·                  وقال الشافعية: سنتها التعوذ قبل الفاتحة، والتأمين، والإسرار بالقراءة والدعاء وسائر الأقوال فيها ولو فعلت ليلا، عدا التكبير والسلام فيجهر بها، وفعل الصلاة في جماعة، وأن يكونوا ثلاثة صفوف فأكثر إذا أمكن، وأقل الصف اثنان ولو بالإمام، ولا تكره مساواة المأموم للإمام في الوقوف، حينئذ واختيار أكمل صيغ الصلاة على النبي (‘) وهو مذكور في سنن الصلاة، والصلاة على الآل دون السلام عليهم، وعلى النبي (‰)، والتحميد قبل الصلاة على النبي (‘) والدعاء للمؤمنين والمؤمنات بعد الصلاة على النبي (‘) والدعاء المأثور في صلاة الجنازة والتسليمة الثانية، وأن يقول بعد التكبيرة الرابعة قبل السلام: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده. ثم يقرأ {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به} وأن يقف الإمام أو المنفرد عند رأس الرجل، وعند عجز الأنثى أو الخنثى، وأن يرفع يديه عند كل تكبيرة ثم يضعهما تحت صدره، وأن لا ترفع الجنازة حتى يتم المسبوق صلاته، وإن تكرر الصلاة عليه من أشخاص متغايرين، أما إعادتها ممن أقاموها أولا فمكروهة.

ومن السنن ترك دعاء الافتتاح، وترك السورة، ويكره أن يصلى عليه قبل أن يكفن.

·                  وإذا كان القوم سبعة قاموا ثلاثة صفوف يتقدم واحد ويقوم خلفه ثلاثة، وخلفهم اثنان، وخلفهما واحد، وهذا عند الحنفية.

·                  وقال الشافعية: من سننها أن يكون ثلاثة صفوف إذا أمكن، وأقل الصف اثنان ولو بالإمام، ولا تكره مساواة المأموم للإمام في الوقوف حينئذ.

·                  قال الحنفية: ولو كبر الإمام خمسا لم يتبع، ولكن ينتظر سلامه في المختار ليسلم معه على الأصح.

·                  وقال الشافعية: لو كبر الإمام خمسا لم يتابعه المأموم في الخامسة، بل يسلم أو ينتظر ليسلم معه وهذا هو الأصح.

·                  قال الحنفية: ليس في صلاة الجنازة قراءة. خلافا للشافعية.

·                  لا يجهر بما يقرأ عقب كل تكبيرة سواء في الفاتحة أو غيرها ليلا كانت الصلاة أو نهارا.

·                  ولا يرفع يديه في غير التكبيرة الأولى عند الحنفية في ظاهر الرواية. وقال الشافعية: يسن أن يرفع يديه في كل تكبيرة.

ما يفعل المسبوق في صلاة الجنازة:

·                  إذا جاء رجل وقد كبر الإمام التكبيرة الأولى ولم يكن حاضرا انتظره حتى إذا كبر الثانية كبر معه، فإذا فرغ الإمام كبر المسبوق التكبيرة التي فاتته قبل أن ترفع الجنازة، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد (ƒ)

(وقال أبو يوسف يكبر حين يحضر).

·                  وكذا إن جاء وقد كبر الإمام تكبيرتين أو ثلاثا، فإن لم ينتظر المسبوق وكبر قبل تكبير الإمام الثانية أو الثالثة أو الرابعة لم تفسد صلاته، ولكن لا يعتد بتكبيرته هذه.

·                  وإن جاء وقد كبر الإمام أربعا ولم يسلم لا يدخل معه في رواية أبي حنيفة، والأصح أنه يدخل، وعليه الفتوى، ثم يكبر ثلاثا قبل أن ترفع الجنازة متتابعا لا دعاء فيها.

·                  وأما إذا كان حاضرا مع الإمام فتغافل ولم يكبر مع الإمام أو تشاغل بالنية فأخر التكبير، فإنه يكبر ولا ينتظر تكبيرة الإمام الثانية في قولهم جميعا أي الحنفية.

·                  وقال الشافعية: إذا جاء المأموم وقد فرغ الإمام من التكبيرة الأولى أو غيرها، واشتغل بما بعدها من قراءة أو غيرها، فإنه يدخل معه ولا ينتظر الإمام حتى يكبر التكبيرة التالية، إلا أنه يسير في صلاته على نظم الصلاة لو كان منفردا، فبعد أن يكبر التكبيرة الأولى يقرأ من الفاتحة ما يمكنه قراءته قبل تكبير الإمام ويسقط عنه الباقي، ثم يصلي على النبي (‘) بعد الثانية وهكذا، فإذا فرغ الإمام أتم المأموم صلاته على النظم المذكور، ويأتي بالأذكار في مواضعها، سواء بقيت الجنازة أو رفعت، وإذا لم يمكنه قراءة شيء من الفاتحة إن كبر إمامه عقب تكبير المسبوق للإحرام كبر معه وتحمل الإمام عنه كل الفاتحة.

ترك بعض التكبيرات:

·                  ولو سلم الإمام بعد الثالثة ناسيا كبر الرابعة ويسلم.

·                  وقال الشافعية: تبطل صلاة الجميع إن كان النقص قصدا من الإمام، وإن كان سهوا تداركه الإمام والمأموم كالصلاة، ولا سجود للسهو هنا.

الصلاة على جنائز مجتمعة:

·                  اتفق الفقهاء على أنه إذا اجتمعت جنائز يجوز أن يصلى عليهم مجتمعين أو فرادى ثم اختلفوا:

·                  فقال الحنفية: فالإمام إن شاء صلى على كل واحدة على حدة، وإن شاء صلى على الكل دفعة واحدة بالنية على الجميع.

·                  والمذهب عند الشافعية: أن الإفراد أفضل من أن يصلي عليهم دفعة واحدة لأنه أكثر عملا وأرجى للقبول.

·                  قال الحنفية إن صلى عليهم دفعة فإن شاء جعلهم صفا واحدا عرضا، وإن شاء وضع واحدا بعد واحد مما يلي القبلة ليقوم بحذاء الكل.

·                  وقال الشافعية - في الأصح عندهم -: إن الجنائز توضع أمام الإمام بعضها خلف بعض.

·                  وإن وضعوا واحدا بعد واحد مما يلي القبلة ينبغي أن يكون أفضلهم مما يلي الإمام، كذا روي عن أبي حنيفة أنه يوضع أفضلهم وأسنهم مما يلي الإمام، وقال أبو يوسف: الأحسن عندي أن يكون أهل الفضل مما يلي الإمام.

·                  وقال الشافعية: يوضع بعضهم خلف بعض ليحاذي الإمام الجمع.

·                  وتوضع الرجال مما يلي الإمام، ثم الصبيان، ثم الخناثى، ثم النساء، ثم المراهقات.

·                  يرى الحنفية والشافعية أنه لو صلى النساء جماعة على جنازة قامت التي تؤم وسطهن كما في الصلاة المفروضة المعهودة.

الحدث في صلاة الجنازة:

·                  ذهب الحنفية إلى أنه إن كان الإمام على غير الطهارة تعاد الصلاة، وإن كان الإمام على طهارة والقوم على غير طهارة صحت صلاة الإمام ولا تعاد الصلاة عليه. وقال الشافعي: لو صلى الإمام غير متوضئ ومن خلفه متوضئون أجزأت صلاتهم، وإن كانوا كلهم غير متوضئين أعادوا، وإن كان فيهم ثلاثة فصاعدا متوضئون أجزأت.

 

الصلاة على القبر:

·                  لو دفن الميت قبل الصلاة أو قبل الغسل فإنه يصلى عليه وهو في قبره ما لم يعلم أنه تمزق، وهذا مذهب الحنفية. وعند الشافعية يجوز الصلاة على المقبور لكل من فاتته الصلاة عليه قلب.

الصلاة على الجنازة في المسجد:

·                  مذهب الحنفية أنه تجوز الصلاة على الجنازة في الجبانة والأمكنة والدور وهي فيها سواء، ويكره في الشارع وأراضي الناس، وكذا تكره في المسجد الذي تقام فيه الجماعة سواء كان الميت والقوم في المسجد، أو كان الميت خارج المسجد والقوم في المسجد، أو الميت في المسجد، والإمام والقوم خارج المسجد، وهو المختار.

·                  وقال الشافعية: تندب الصلاة على الميت في المسجد إذا أمن تلويثه، أما إذا خيف تلويث المسجد فلا يجوز إدخاله.

الصلاة على الجنازة في المقبرة:

·                  لا بأس بها عند الحنفية وتكره عند الشافعية.

من يصلى عليه ومن لا يصلى عليه:

·                  يرى الحنفية أنه يصلى على كل مسلم مات بعد الولادة صغيرا كان أو كبيرا، ذكرا كان أو أنثى، حرا كان أو عبدا، إلا البغاة وقطاع الطريق ومن بمثل حالهم.

·                  يصلى على الفاسق عند الحنفية والشافعية.

·                  ويرى الحنفية أن من قتل أحد أبويه لا يصلى عليه إهانة.

·                  أما الشافعية فلم يستثنوا من الصلاة على الميت إلا الكافر والمرتد.

·                  ولا يصلى على من لم يستهل بعد الولادة.

من له ولاية الصلاة على الميت:

·                  ذهب الحنفية إلى أن أولى الناس بالصلاة على الميت السلطان إن حضر ثم نائبه وهو أمير المصر، ثم القاضي، فإن لم يحضر فصاحب الشرط ثم خليفة الوالي، ثم خليفة القاضي، ثم إمام الحي.

·                  وقال الشافعية: الأولى بالصلاة عليه أبو الميت وإن علا، ثم ابنه وإن سفل، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، ثم بقية العصبة على ترتيب الميراث، فإن لم يكن فالإمام الأعظم، أو نائبه عند انتظام بيت المال، ثم ذوو الأرحام الأقرب فالأقرب. وإذا أوصى بالصلاة لغير من يستحق التقدم ممن ذكر فلا تنفذ وصيته. ولا حق للزوج حيث وجد معه غيره من الأجانب، ولا حق للزوجة حيث وجد معها ذكر، فإن لم يوجد فالزوج مقدم على الأجانب. والمرأة تصلي وتقدم بترتيب الذكور.

ما يفسد صلاة الجنازة وما يكره فيها:

·                  تفسد صلاة الجنازة عند الحنفية بما تفسد به سائر الصلوات من الحدث العمد والكلام، والعمل الكثير وغيرها من مبطلات الصلاة، إلا المحاذاة فإنها غير مفسدة في هذه الصلاة.

·                  وتكره الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وعند انتصاف النهار، والمراد بقبر الموتى الصلاة على الجنازة دون الدفن.

·                  وإنما تكره الصلاة على الجنازة كراهة تحريم عند الحنفية إذا حضرت في هذه الأوقات في ظاهر الرواية.

·                  أما إذا حضرت قبل الوقت المكروه فأخرها حتى صلى في الوقت المكروه فإنها لا تصح وتجب إعادتها.

·                  ولا يكره أن يصلى على الجنازة بعد صلاة الفجر، أو بعد صلاة العصر، وكذا بعد طلوع الفجر، وبعد الغروب قبل صلاة المغرب، لكن يبدأ بعد الغروب بصلاة المغرب أولا، ثم بالجنازة ثم بالسنة.

·                  وقال الشافعية: إذا وقع الدفن في هذه الأوقات بلا تعمد فلا يكره.

·                  والنهي عند الشافعي محمول على الصلوات التي لا سبب لها.

التعزية، والرثاء، وزيارة القبور ونحو ذلك

قال الطحطاوي: إذا فرغوا من دفن الميت يستحب الجلوس (المكث) عند قبره بقدر ما ينحر جزور ويقسم لحمه ويتلون القرآن ويدعون للميت.

والتلقين بعد الدفن لا يؤمر به وينهى عنه. وظاهر الرواية عند الحنفية يقتضي النهي عنه، واستحبه الشافعية فقالوا: والتلقين هنا أن يقول الملقن مخاطبا للميت: يا فلان بن فلانة، إن كان يعرف اسم أمه وإلا نسبه إلى حواء عليها السلام، ثم يقول بعد ذلك اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأنك رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وبالقرآن إماما، وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا.

قال كثير من متأخري الحنفية: يكره الاجتماع عند صاحب الميت حتى يأتي إليه من يعزي بل إذا رجع الناس من الدفن ليتفرقوا ويشتغلوا بأمورهم، وصاحب الميت بأمره. ويكره الجلوس على باب الدار للمصيبة، فإن ذلك عمل أهل الجاهلية، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وفي الدر المختار: لا بأس بالجلوس للتعزية في غير مسجد ثلاثة أيام.

قال ابن عابدين: استعمال لا بأس هنا على حقيقته فإنه خلاف الأولى صرح به في شرح المنية. أما في مسجد فيكره كما في البحر عن المجتبى، وجزم به في شرح المنية والفتح.

وهذا إذا لم يكن الجلوس مع ارتكاب محظور من فرش البسط، واتخاذ الأطعمة من أهل الميت، وإلا كانت بدعة مستقبحة، كما في مراقي الفلاح وحواشيه.

ونقل في النهر عن التجنيس أنه لا بأس بالجلوس لها ثلاثة أيام، وكونه على باب الدار مع فرش بسط على قوارع الطريق من أقبح القبائح.

قال ابن عابدين: الظاهر أنه لا تنتفي الكراهة بالجلوس في المسجد وقراءة القرآن، حتى إذا فرغوا قام ولي الميت وعزاه الناس كما يفعل في زماننا لكون الجلوس مقصودا للتعزية لا للقراءة، ولا سيما إذا كان هذا الاجتماع والجلوس في المصيبة ثلاثة أيام جاءت الرخصة فيه، ولا تجلس النساء قطعا.

وفرق صاحب الظهيرية بين الجلوس في البيت أو المسجد والجلوس على باب الدار، فحكم على الأول أنه لا بأس به وقال في الثاني: يكره الجلوس على باب الدار للتعزية؛ لأنه عمل أهل الجاهلية وقد نهي عنه، وما يصنع في بلاد العجم من فرش البسط، والقيام على قوارع الطريق من أقبح القبائح، ووافق الشافعية الحنفية في كراهية الجلوس للتعزية.

ويستحب التعزية للرجال والنساء اللاتي لا يفتن

صنع الطعام لأهل الميت:

ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يستحب لجيران الميت والأباعد من قرابته تهيئة طعام لأهل الميت يشبعهم يومهم وليلتهم ويلح عليهم في الأكل.

وصرح الشافعية، بأنه يحرم تهيئة الطعام لنائحات؛ لأنه إعانة على المعصية، وصرح الحنفية بأنه يكره اتخاذ الطعام في أيام متعارف عليها كاليوم الأول، والثالث، وبعد الأسبوع. ونقل الطعام إلى القبر في المواسم، واتخاذ الدعوة لقراءة القرآن، وجمع الصلحاء والقراء للختم، أو لقراءة سورتي الأنعام والإخلاص. على أنه إذا اتخذ الطعام للفقراء كان حسنا.

وصول ثواب الأعمال للغير:

ومن صام أو صلى أو تصدق وجعل ثوابه لغيره من الأموات والأحياء جاز، ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة، واستثنى الشافعي العبادات البدنية المحضة، كالصلاة والتلاوة، فلا يصل ثوابها إلى الميت عندهما، ومقتضى تحرير المتأخرين من الشافعية انتفاع الميت بالقراءة لا حصول ثوابها له.

وقال الشافعي: ما عدا الواجب والصدقة والدعاء والاستغفار لا يفعل عن الميت، ولا يصل ثوابه إليه.

 

 

 

 

كتاب الزكاة

الزكاة فريضة من فرائض الإسلام، وركن من أركان الدين. وقد دل على وجوبها الكتاب والسنة والإجماع.

فمن الكتاب قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [البقرة: 43]. وقوله: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} [التوبة: 11].

ومن السنة قول النبي (‘): ((بني الإسلام على خمس وذكر منها إيتاء الزكاة وكان النبي (‘) يرسل السعاة ليقبضوا الصدقات، وأرسل معاذا إلى أهل اليمن، وقال له: أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم))[1]. وقال (‘): ((من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك))[2].

وأما الإجماع فقد أجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبها من حيث الجملة، واتفق الصحابة على قتال مانعيها.

العقوبة لمانع الزكاة:

من منع الزكاة وهو في قبضة الإمام تؤخذ منه قهرا لقول النبي (‘): ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله))[3]. ومن حقها الزكاة، قال أبو بكر (¢) بمحضر الصحابة: ((الزكاة حق المال))([4]). وقال (¢): والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله (‘) لقاتلتهم عليه. وأقره الصحابة على ذلك.

ومانع الزكاة إذا أخذت منه قهرا لا يؤخذ معها من ماله شيء.

فأما من كان خارجا عن قبضة الإمام ومنع الزكاة، فعلى الإمام أن يقاتله؛ لأن الصحابة قاتلوا الممتنعين من أدائها، فإن ظفر به أخذها منه من غير زيادة.

وهذا فيمن كان مقرا بوجوب الزكاة لكن منعها بخلا أو تأولا، ولا يحكم بكفره، ولذا فإن مات في قتاله عليها ورثه المسلمون من أقاربه وصلي عليه.

وأما من منع الزكاة منكرا لوجوبها، فإن كان جاهلا ومثله يجهل ذلك لحداثة عهده بالإسلام، أو لأنه نشأ ببادية بعيدة عن الأمصار، أو نحو ذلك، فإنه يعرف وجوبها ولا يحكم بكفره لأنه معذور، وإن كان مسلما ناشئا ببلاد الإسلام بين أهل العلم فيحكم بكفره، ويكون مرتدا، وتجري عليه أحكام المرتد، لكونه أنكر معلوما من الدين بالضرورة.

من تجب في ماله الزكاة

اتفق الفقهاء على أن البالغ العاقل المسلم الحر العالم بكون الزكاة فريضة، رجلا كان أو امرأة تجب في ماله الزكاة إذا بلغ نصابا، وكان متمكنا من أداء الزكاة، وتمت الشروط في المال.

واختلفوا فيما عدا ذلك كما يلي:

أ - الزكاة في مال الصغير والمجنون:

ذهب الشافعية إلى أن الزكاة تجب في مال كل من الصغير والمجنون ذكرا كان أو أنثى.

وذهب أبو حنيفة إلى أن الزكاة لا تجب في مال الصغير والمجنون، إلا أنه يجب العشر في زروعهما وثمارهما، وزكاة الفطر عنهما.

ب - الزكاة في مال الكافر:

 لا تجب الزكاة في مال الكافر الأصلي اتفاقا، حربيا كان أو ذميا؛ لأنه حق لم يلتزمه؛ ولأنها وجبت طهرة للمزكي، والكافر لا طهرة له ما دام على كفره.

وقد ذهبوا إلى أن ما يؤخذ منهم يصرف في مصارف الفيء.

أما المرتد، فما وجب عليه من الزكاة في إسلامه، وذلك إذا ارتد بعد تمام الحول على النصاب لا يسقط في قول الشافعية. فيأخذه الإمام من ماله كما يأخذ الزكاة من المسلم الممتنع، فإن أسلم بعد ذلك لم يلزمه أداؤها.

وذهب الحنفية إلى أنه تسقط بالردة الزكاة التي وجبت في مال المرتد قبل الردة، حتى ما كان منها زكاة الخارج من الأرض.

وأما إذا ارتد قبل تمام الحول على النصاب فلا يثبت الوجوب عند الحنفية.

والأصح عند الشافعية أن ملكه لماله موقوف فإن عاد إلى الإسلام تبين بقاء ملكه وتجب فيه الزكاة وإلا فلا.

ج - من لم يعلم بفرضية الزكاة:

 ذهب الشافعية، وزفر من الحنفية إلى أن العلم بكون الزكاة مفروضة ليس شرطا لوجوبها، فتجب الزكاة على الحربي إذا أسلم في دار الحرب وله سوائم ومكث هناك سنين ولا علم له بالشريعة الإسلامية، ويخاطب بأدائها إذا خرج إلى دار الإسلام.

وذهب أبو حنيفة وصاحباه إلى أن العلم بكون الزكاة فريضة شرط لوجوب الزكاة فلا تجب الزكاة على الحربي في الصورة المذكورة.

د - من لم يتمكن من الأداء:

 ذهب الشافعية إلى أن التمكن من الأداء شرط لوجوب أداء الزكاة، فلو حال الحول ثم تلف المال قبل أن يتمكن صاحبه من الأداء فلا زكاة عليه.

وذهب الحنفية إلى أن التمكن من الأداء ليس شرطا لوجوبها.

 

الزكاة في الأموال المشتركة والأموال المختلفة والأموال المتفرقة:

الذي يكلف بالزكاة هو الشخص المسلم بالنسبة لماله، فإن كان ما يملكه نصابا وحال عليه الحول وتمت الشروط ففيه الزكاة، فإن كان المال شركة بينه وبين غيره، وكان المال نصابا فأكثر فلا زكاة على أحد من الشركاء عند الحنفية، حتى يكون نصيبه نصابا، ولا يستثنى من ذلك عند الحنفية شيء. ويستثنى عند الشافعية السائمة المشتركة فإنها تعامل معاملة مال رجل واحد في القدر الواجب. وذهب الشافعية على الأظهر إلى أن المال المشترك والمال المختلط يعامل معاملة مال رجل واحد في النصاب والقدر الواجب هذا إذا كان المال في بلد واحد، أما إن كان مال الرجل مفرقا بين بلدين أو أكثر، فإن كان من غير المواشي فلا أثر لتفرقه، بل يزكى زكاة مال واحد.

شروط المال الذي تجب فيه الزكاة

يشترط في المال الذي تجب فيه الزكاة من حيث الجملة شروط:

1 - كونه مملوكا لمعين.

2 - وكون مملوكيته مطلقة (أي كونه مملوكا رقبة ويدا) .

3 - وكونه ناميا.

4 - وأن يكون زائدا على الحاجات الأصلية.

5 - حولان الحول.

6 - وبلوغه نصابا، والنصاب في كل نوع من المال بحسبه.

7 - وأن يسلم من وجود المانع، والمانع أن يكون على المالك دين ينقص النصاب.

الدين الحال قسمان: دين حال مرجو الأداء، ودين حال غير مرجو الأداء.

فالدين الحال المرجو الأداء: هو ما كان على مقر به باذل له، وفيه أقوال: فمذهب الحنفية: أن زكاته تجب على صاحبه كل عام لأنه مال مملوك له، إلا أنه لا يجب عليه إخراج الزكاة منه ما لم يقبضه، فإذا قبضه زكاه لكل ما مضى من السنين.

ومذهب الشافعي في الأظهر أنه يجب إخراج زكاة الدين المرجو الأداء في نهاية كل حول، كالمال الذي هو بيده، لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه.

وأما الدين غير المرجو الأداء، فهو ما كان على معسر أو جاحد أو مماطل، وفيه مذاهب: فمذهب الحنفية فيه: أنه لا زكاة فيه لعدم تمام الملك؛ لأنه غير مقدور على الانتفاع به.

والأظهر عند الشافعية: أنه يزكيه إذا قبضه لما مضى من السنين، واستثنى الشافعية ما كان من الدين ماشية فلا زكاة فيه؛ لأن شرط الزكاة في الماشية عندهم السوم، وما في الذمة لا يتصف بالسوم.

الدين المؤجل:

الأظهر من قولي الشافعية: أن الدين المؤجل بمنزلة الدين على المعسر؛ لأن صاحبه غير متمكن من قبضه في الحال فيجب إخراج زكاته إذا قبضه عن جميع السنوات السابقة. ولم نجد عند الحنفية تفريقا بين المؤجل والحال.

الأجور المقبوضة سلفا:

فلو آجر نفسه ثلاث سنين بستين دينارا، كل سنة بعشرين، وقبض الستين معجلة ولا شيء له غيرها، فإذا مر على ذلك حول فلا زكاة عليه؛ لأن العشرين التي هي أجرة السنة الأولى لم يتحقق ملكه لها إلا بانقضائها؛ لأنها كانت عنده بمثابة الوديعة، فلم يملكها حولا كاملا، فإذا مر الحول الثاني زكى عشرين، وإذا مر الثالث زكى أربعين إلا ما أنقصته الزكاة، فإذا مر الرابع زكى الجميع.

والأظهر عند الشافعية: لا تجب إلا زكاة ما استقر؛ لأن ما لم يستقر معرض للسقوط، فتجب زكاة العشرين الأولى بتمام الحول الأول، لأن الغيب كشف أنه ملكها من أول الحول. وإذا تم الحول الثاني فعليه زكاة عشرين لسنة وهي التي زكاها في آخر السنة الأولى، وزكاة عشرين لسنتين، وهي التي استقر عليها ملكه الآن، وهكذا. ولم نجد عند الحنفية تعرضا لهذه المسألة.

ويستثنى من اشتراط الحول في الأموال الزكوية الخارج من الأرض من الغلال الزراعية، والمعادن، والركاز، فتجب الزكاة في هذين النوعين ولو لم يحل الحول، لقوله تعالى في الزروع {وآتوا حقه يوم حصاده}[الأنعام: 141] ، ولأنها نماء بنفسها فلم يشترط فيها الحول، إذ أنها تعود بعد ذلك إلى النقص، بخلاف ما يشترط فيه الحول فهو مرصد للنماء.

 

المال المستفاد أثناء الحول:

إن لم يكن عند المكلف مال فاستفاد مالا زكويا لم يبلغ نصابا فلا زكاة فيه ولا ينعقد حوله، فإن تم عنده نصاب انعقد الحول من يوم تم النصاب، وتجب عليه زكاته إن بقي إلى تمام الحول.

وإن كان عنده نصاب، وقبل أن يحول عليه الحول استفاد مالا من جنس ذلك النصاب أو مما يضم إليه، فله ثلاثة أقسام:

الأول: أن تكون الزيادة من نماء المال الأول. كربح التجارة، ونتاج السائمة، فهذا يزكى مع الأصل عند تمام الحول. قال ابن قدامة: لا نعلم في ذلك خلافا، لأنه تبع للنصاب من جنسه، فأشبه النماء المتصل.

الثاني: أن يكون المستفاد من غير جنس المال الذي عنده، كأن يكون ماله إبلا فيستفيد ذهبا أو فضة. فهذا النوع لا يزكى عند حول الأصل. بل ينعقد حوله يوم استفادته إن كان نصابا، اتفاقا.

الثالث: أن يستفيد مالا من جنس نصاب عنده قد انعقد حوله وليس المستفاد من نماء المال الأول. كأن يكون عنده عشرون مثقالا ذهبا ملكها في أول المحرم، ثم يستفيد ألف مثقال في أول ذي الحجة، فقد اختلف العلماء في ذلك:

فذهب الشافعية، إلى أنه يضم إلى الأول في النصاب دون الحول، فيزكي الأول عند حوله أي في أول المحرم في المثال المتقدم، ويزكي الثاني لحوله أي في أول ذي الحجة ولو كان أقل من نصاب، لأنه بلغ بضمه إلى الأول نصابا.

وذهب الحنفية إلى أنه يضم كل ما يأتي في الحول إلى النصاب الذي عنده فيزكيهما جميعا عند تمام حول الأول، واستثنى أبو حنيفة ما كان ثمن مال قد زكي فلا يضم، لئلا يؤدي إلى الثني –أي الزكاة أكثر من مرة-.

الوقت الذي يعتبر وجود النصاب فيه:

 ذهب الشافعية إلى أن من شرط وجوب الزكاة وجود النصاب في جميع الحول من أوله إلى آخره، فلو نقص في بعضه ولو يسيرا انقطع الحول فلم تجب الزكاة في آخره. قالوا: فلو كان له أربعون شاة فماتت في الحول واحدة ثم ولدت واحدة انقطع الحول. فإن كان الموت والنتاج في لحظة واحدة لم ينقطع، كما لو تقدم النتاج على الموت.

وذهب الحنفية إلى أن المعتبر طرفا الحول، فإن تم النصاب في أوله وآخره وجبت الزكاة ولو نقص المال عن النصاب في أثنائه، ما لم ينعدم المال كلية، فإن انعدم لم ينعقد الحول إلا عند تمام النصاب، وسواء انعدم لتلفه، أو لخروجه عن أن يكون محلا للزكاة، كما لو كان له نصاب سائمة فجعلها في الحول علوفة.

الفراغ من الدين:

وهذا الشرط معتبر من حيث الجملة عند الحنفية وهو قول الشافعي في القديم، وعبر بعضهم بأن الدين مانع من وجوب الزكاة.

فإن زاد الدين الذي على المالك عما بيده فلا زكاة عليه، وكذا إن لم يبق بيده بعدما يسد به دينه نصاب فأكثر.

وذهب الشافعي في الجديد، إلى أن الدين لا يمنع الزكاة أصلا؛ لأن الحر المسلم إذا ملك نصابا حولا وجبت عليه الزكاة فيه.

الأموال التي يمنع الدين زكاتها والتي لا يمنع:

الأظهر عند الشافعية أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة مطلقا.

وذهب الحنفية إلى أن الدين يمنع الزكاة في الأموال الباطنة وفي السوائم، أما ما وجب في الخارج من الأرض فلا يمنعه الدين، كما لا يمنع الخراج.

الديون التي تمنع وجوب الزكاة:

ذهب الحنفية إلى أن الدين الذي يمنع وجوب الزكاة هو ما كان له مطالب من جهة العباد سواء كان دينا لله كزكاة وخراج، أو كان للعباد، وسواء كان حالا أو مؤجلا، ولو صداق زوجته المؤجل للفراق، أو نفقة لزوجته، أو لقريب لزمته بقضاء أو تراض، وكذا عندهم دين الكفالة، قالوا: لأن الكفيل محتاج إلى ما بيده ليقضي عنه دفعا للملازمة أو الحبس.

أما ما لم يكن له مطالب من جهة العباد فلا يمنع وجوب الزكاة، قالوا: كدين النذر والكفارة والحج، ومثلها الأضحية، وهدي المتعة، ودين صدقة الفطر.

 

شروط إسقاط الزكاة بالدين:

القائلون بأن الدين يسقط الزكاة في قدره من المال الزكوي، اشترط أكثرهم أن لا يجد المزكي مالا يقضي منه الدين سوى ما وجبت فيه. فلو كان له مال آخر فائض عن حاجاته الأساسية، فإنه يجعله في مقابلة الدين، لكي يسلم المال الزكوي فيخرج زكاته.

زكاة المال الحرام:

المال الحرام كالمأخوذ غصبا أو سرقة أو رشوة أو ربا أو نحو ذلك ليس مملوكا لمن هو بيده، فلا تجب عليه زكاته؛ لأن الزكاة تمليك، وغير المالك لا يكون منه تمليك، قال الحنفية: لو كان المال الخبيث نصابا لا يلزم من هو بيده الزكاة؛ لأنه يجب إخراجه كله فلا يفيد إيجاب التصدق ببعضه.

وقال الشافعية كما نقله النووي عن الغزالي وأقره: إذا لم يكن في يده إلا مال حرام محض فلا حج عليه ولا زكاة، ولا تلزمه كفارة مالية.

 

الأنصبة وشروطها وما يجب فيها

أولا: زكاة الحيوان

أجمع الفقهاء على أن الإبل والبقر والغنم هي من الأصناف التي تجب فيها الزكاة

شروط وجوب الزكاة في الحيوان:

يشترط لوجوب الزكاة في الماشية تمام الحول، وكونها نصابا فأكثر، بالإضافة إلى سائر الشروط المتقدم بيانها لوجوب الزكاة في الأموال عامة على التفصيل المتقدم.

ويشترط هنا شرطان آخران:

الأول: السوم: ومعناه أن يكون غذاؤها على الرعي من نبات البر، فلو كانت معلوفة لم تجب فيها الزكاة عند الحنفية والشافعية.

ثم اختلف القائلون بهذا، فذهب الحنفية إلى أن السائمة هي التي تكتفي بالرعي في أكثر الحول، فلو علفها صاحبها نصف الحول أو أكثر كانت معلوفة ولم تجب زكاتها لأن القليل تابع للكثير؛ ولأن أصحاب السوائم لا يجدون بدا من أن يعلفوا سوائمهم في بعض الأوقات كأيام البرد والثلج.

وذهب الشافعية على الأصح إلى أن التي تجب فيها الزكاة هي التي ترعى كل الحول، وكذا إن علفت قدرا قليلا تعيش بدونه بلا ضرر بين تجب فيها الزكاة، فإن علفت أكثر من ذلك فلا زكاة فيها.

الشرط الثاني: أن لا تكون عاملة، فالإبل المعدة للحمل والركوب، والنواضح، وبقر الحرث والسقي لا زكاة فيها ولو كانت سائمة. هذا مذهب الحنفية، وهو قول الشافعية في الأصح.

أ - زكاة الإبل:

الإبل اسم جمع ليس له مفرد من لفظه وواحده الذكر: جمل، والأنثى: ناقة، والصغير حوار إلى سنة، وإذا فطم فهو فصيل، والبكر هو الفتي من الإبل والأنثى بكرة. وللعرب تسميات للإبل بحسب أسنانها ورد استعمالها في السنة واستعملها الفقهاء، كابن المخاض، وهو ما أتم سنة ودخل في الثانية، سمي بذلك لأن أمه تكون غالبا قد حملت، والأنثى بنت مخاض، وابن اللبون وهو ما أتم سنتين ودخل في الثالثة، سمي بذلك لأن أمه تكون قد ولدت بعده فهي ذات لبن، والأنثى بنت لبون، والحق ما دخل في الرابعة، والأنثى حقة، سميت بذلك لأنها استحقت أن يطرقها الفحل، والجذع هو الذي دخل في الخامسة؛ لأنه جذع أي أسقط بعض أسنانه، والأنثى جذعة.

المقادير الواجبة في زكاة الإبل:

بين النبي (‘) المقادير الواجبة في زكاة الإبل، وهي في حديث البخاري المذكور فيما يلي بكماله لكثرة الحاجة إليه في المسائل التالية:

عن أنس (¢) أن أبا بكر (¢) كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: ((بسم الله الرحمن الرحيم. هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله (‘) على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت - يعني ستا وسبعين - إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل. فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة. وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة. فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها. وفي الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها))([5]).

عدد الإبل:

القدر الواجب

من 1 - إلى 4

ليس فيها شيء.

من 5 - 9

فيها شاة واحدة.

من 10 - 14

فيها شاتان

من 15 - 19

فيها 3 شياه

من 20 - 24

فيها 4 شياه

من 25 - 35

فيها بنت مخاض (فإن لم يوجد فيها بنت مخاض يجزئ ابن لبون ذكر)

من 36 - 45

بنت لبون

من 46 - 60

حقة

من 61 - 75

فيها جذعة

من 76 - 90

فيها بنتا لبون

من 91 - 120

فيها حقتان

من 121 - 129

فيها 3 بنات لبون

من 130 - 139

فيها حقة وبنتا لبون

من 140 - 149

حقتان وبنت لبون

من 150 - 159

فيها 3 حقاق

من 160 - 169

فيها 4 بنات لبون

وهكذا في ما زاد، في كل 40 بنت لبون، وفي كل 50 حقة.

وهذا الجدول جار على مذهب الشافعية.

وذهب الحنفية إلى أن الفريضة تستأنف بعد 120، ففي كل خمس مما زاد عليها شاة بالإضافة إلى الحقتين، فإن بلغ الزائد ما فيه بنت مخاض أو بنت لبون وجبت إلى أن يبلغ الزائد ما فيه حقة فتجب، ويمثل ذلك الجدول التالي:

عدد الإبل:

القدر الواجب

121 - 124

حقتان

125 - 129

حقتان وشاة

130 - 134

حقتان وشاتان

135 - 139

حقتان و 3 شياه

140 - 144

حقتان و 4 شياه

145 - 149

حقتان وبنت مخاض

150 - 154

3 حقاق

155 - 159

3 حقاق وشاة

160 - 164

3 حقاق وشاتان

165 - 169

3 حقاق و 3 شياه

170 - 174

3 حقاق و 4 شياه

175 - 185

3 حقاق وبنت مخاض

186 - 195

3 حقاق وبنت لبون

196 - 199

4 حقاق

200 - 204

4 حقاق أو 5 بنات لبون

205 - 209

4 حقاق أو بنات لبون وشاة

وهكذا.

نصاب زكاة البقر والقدر الواجب:

تؤخذ زكاة البقر حسب الجدول التالي:

عدد البقر

القدر الواجب

1 - 29

لا شيء فيها

30 - 39

تبيع (أو تبيعة)

40 - 59

مسنة

60 - 69

تبيعان

70 - 79

تبيع ومسنة

80 - 89

تبيعان

90 - 99

3 أتبعة

100 - 109

تبيعان ومسنة

110 - 119

تبيع ومسنتان

120 - 129

4 أتبعة أو 3 مسنات.

وهكذا في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة.

وعلى هذا الحنفية والشافعية.

أخذ الذكر في زكاة البقر:

أما التبيع الذكر فيؤخذ اتفاقا، فهو بمنزلة التبيعة، للنص عليه في حديث أنس، وأما المسن الذكر فمذهب الحنفية أنه يجوز أخذه.

ومذهب الشافعية لا يؤخذ إلا المسنة الأنثى لأن النص ورد فيها.

التبيع عند الحنفية والشافعية ما تم له سنة وطعن في الثانية، والمسنة ما تم لها سنتان وطعنت في الثالثة.

 ومنها أن الوقص الذي من (41 - 59) لا شيء فيه عند الشافعية وهو المختار عند الحنفية.

زكاة الغنم:

زكاة الغنم واجبة بالسنة والإجماع، فمما ورد فيها حديث أنس المتقدم ذكره في زكاة الإبل.

وبناء على الحديث المذكور تؤخذ زكاة الغنم طبقا للجدول التالي:

عدد الغنم

القدر الواجب

1 - 39

لا شيء فيها

40 - 120

شاة

121 - 200

شاتان

201 - 399

3 شياه

400 - 499

4 شياه

500 - 599

5 شياه

وهكذا ما زاد عن ذلك في كل مائة شاة شاة مهما كان قدر الزائد.

وعلى هذا الحنفية والشافعية، وأول هذا الجدول وآخره مجمع عليه.

وفي زكاة الغنم مسائل خاصة بها.

أ - منها أن الشاة تصدق على الذكر والأنثى ومن هنا ذهب الحنفية إلى جواز إخراج الذكر في زكاة الغنم، ولأن الشاة إذا أمر بها مطلقا أجزأ فيها الذكر كالأضحية والهدي. وذهب الشافعية إلى أن الغنم إن كانت إناثا كلها أو كان فيها ذكور وإناث فيتعين إخراج الإناث.

ب - الذي يؤخذ في صدقة الغنم هو الثنية، والثني في اصطلاح الفقهاء - خلافا لما عند أهل اللغة - ما تم له سنة فما زاد، فتجزئ اتفاقا، فإن كانت أقل من ذلك لم تجزئ سواء كانت من الضأن أو المعز، وهذا قول أبي حنيفة، وذهب الشافعية إلى أن الجذعة - وهي ما تم لها ستة أشهر - إن كانت من الضأن - لا من المعز - تجزئ في الزكاة، وقال الصاحبان: يجزئ الجذع من الضأن سواء كان الجذع ذكرا أو أنثى، وهو رواية عن أبي حنيفة.

صفة المأخوذ في زكاة الماشية:

ينبغي أن يكون المأخوذ في الزكاة من الوسط، لقول النبي (‘): ((ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عام، لا يعطي الهرمة، ولا الدرنة، ولا المريضة، ولا الشرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره))[6].

زكاة سائر أصناف الحيوان:

ذهب عامة الفقهاء إلى أنه لا زكاة في سائر الحيوان غير ما تقدم، ما لم تكن للتجارة، فليس في البغال والحمير وغيرها زكاة.

أ - زكاة الذهب والفضة

زكاة الذهب والفضة واجبة من حيث الجملة بإجماع الفقهاء، لقول الله (تبارك وتعالى): {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} [التوبة: 35].

ما تجب فيه الزكاة من الذهب والفضة:

تجب الزكاة في الذهب والفضة إذا تمت الشروط العامة للزكاة المتقدم بيانها من الحول والنصاب وغيرهما في جميع أنواع الذهب والفضة سواء المضروب منها دنانير أو دراهم (وقد يسمى العين، والمسكوك) ، وفي التبر وهو غير المضروب، والسبائك، وفي المصوغ منها على شكل آنية أو غيرها.

ولا يستثنى من ذلك إلا شيئان:

الأول: الحلي من الذهب والفضة الذي يعده مالكه لاستعماله في التحلي استعمالا مباحا. قال الشافعية: ولو لإعارة أو إجارة، فلا يكون فيه زكاة، لأنه من باب المقتنى للاستعمال كالملابس الخاصة، وكالبقر العوامل.

وذهب الحنفية وهو قول مقابل للأظهر عند الشافعية: إلى وجوب الزكاة في الحلي، كغيرها من أنواع الذهب والفضة.

الثاني: الذهب والفضة المستخرجان من المعادن (من باطن الأرض) ، فيجب فيهما الزكاة بمجرد الاستخراج إذا بلغ المستخرج نصابا بدون اشتراط حول.

نصاب زكاة الذهب والفضة والقدر الواجب فيهما:

نصاب الذهب: نصاب الذهب عشرون مثقالا، فلا تجب الزكاة في أقل منها.

نصاب الفضة: نصاب الفضة مائتا درهم بالإجماع، وقد ورد فيه قول النبي (‘): ((ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة))([7]). والأوقية 40 (أربعون) درهما.

ثم الدرهم المعتبر هو الدرهم الشرعي، وما زاد عنه أو نقص فبالوزن.

المغشوش من الذهب أو الفضة، وهو المسبوك مع غيره.

ذهب الشافعية إلى أنه لا زكاة فيه حتى يبلغ خالصه نصابا فإذا بلغه أخرج الواجب خالصا أو أخرج من المغشوش ما يعلم اشتماله على خالص بقدر الواجب مع مراعاة درجة الجودة.

وقال الحنفية: إذا كان الغالب على الورق المضروب الفضة فهو في حكم الفضة، فتجب فيه الزكاة كأنه كله فضة، ولا تزكى زكاة العروض، ولو كان قد أعدها للتجارة، قالوا: لأن الدراهم لا تخلو من قليل الغش، لأنها لا تنطبع إلا به، والغلبة أن تزيد الفضة على النصف. أما إن كان الغش غالبا فلا يكون لها حكم الفضة بل حكم العروض، فلا زكاة فيها إلا إن نواها للتجارة، وبلغت نصابا بالقيمة، فإن لم ينوها للتجارة فإن كانت بحيث يخلص منها فضة تبلغ نصابا وجبت زكاتها، وإلا فلا.

القدر الواجب:

تؤخذ الزكاة مما وجبت فيه من الذهب والفضة بنسبة ربع العشر (5. 2) وهذا بالإجماع، إلا أنهم اختلفوا في الوقص.

فذهب الشافعية والصاحبان، إلى أنه لا وقص في الذهب والفضة، فلو كان عنده (210) دراهم ففي المائتين خمسة دراهم، وفي الزائد بحسابه، وهو في المثال ربع درهم.

وذهب أبو حنيفة إلى أن الزائد على النصاب عفو لا شيء فيه حتى يبلغ خمس نصاب. فإذا بلغ الزائد في الفضة أربعين درهما فيكون فيها درهم، ثم لا شيء في الزائد حتى تبلغ أربعين درهما، وهكذا، وكذا في الذهب لا شيء في الزائد على العشرين مثقالا حتى يبلغ أربعة مثاقيل.

الزكاة في الفلوس:

الفلوس ما صنع من النقود من معدن غير الذهب والفضة.

وقد ذهب الحنفية إلى أن الفلوس إن كانت أثمانا رائجة أو سلعا للتجارة تجب الزكاة في قيمتها، وإلا فلا.

زكاة المواد الثمينة الأخرى

لا زكاة في المواد الثمينة المقتناة إذا كانت من غير الذهب والفضة، وذلك كالجواهر من اللؤلؤ والمرجان والزمرد والفيروز ونحوها، وكذا ما صنع من التحف الثمينة من حديد أو نحاس أو صفر أو زجاج أو غير ذلك، وإن حسنت صنعتها وكثرت قيمتها، فإن كانت عروض تجارة ففيها الزكاة.

زكاة الأوراق النقدية (ورق النوط)

إن مما لا شك فيه أن الزكاة في الأوراق النقدية واجبة، نظرا لأنها عامة أموال الناس ورءوس أموال التجارات والشركات وغالب المدخرات، فلو قيل بعدم الزكاة فيها لأدى إلى ضياع الفقراء والمساكين، وينبغي تقدير النصاب فيها بالذهب أو الفضة.

 

ضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب، وضم عروض التجارة إليهما:

ذهب الحنفية إلى أن الذهب والفضة يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب، فلو كان عنده خمسة عشر مثقالا من الذهب، ومائة وخمسون درهما، فعليه الزكاة فيهما، وكذا إن كان عنده من أحدهما نصاب، ومن الآخر مالا يبلغ النصاب يزكيان جميعا، واستدلوا بأن نفعهما متحد، من حيث إنهما ثمنان، فمنهما القيم وأروش الجنايات، ويتخذان للتحلي.

وذهب الشافعية إلى أنه لا تجب في أحد الجنسين الزكاة حتى يكمل وحده نصابا.

أما العروض فتضم قيمتها إلى الذهب أو الفضة ويكمل بها نصاب كل منهما. قال ابن قدامة: لا نعلم في ذلك خلافا. وفي هذا المعنى العملة النقدية المتداولة.

 

ثالثا: زكاة عروض التجارة

التجارة: تقليب المال بالبيع والشراء لغرض تحصيل الربح.

والعرض بسكون الراء، هو كل مال سوى النقدين. وعروض التجارة جمع العرض بسكون الراء، وهي في اصطلاح الفقهاء كل ما أعد للتجارة كائنة ما كانت سواء من جنس تجب فيه زكاة العين كالإبل والغنم والبقر، أو لا، كالثياب والحمير والبغال.

حكم الزكاة في عروض التجارة:

المفتى به عند الحنفية والشافعية هو وجوب الزكاة في عروض التجارة.

شروط وجوب الزكاة في العروض:

الشرط الأول: أن لا يكون لزكاتها سبب آخر غير كونها عروض تجارة:

أ - السوائم التي للتجارة:

فلو كان لديه سوائم للتجارة بلغت نصابا، فلا تجتمع زكاتان إجماعا، بل يكون فيها زكاة العين عند الشافعية في الجديد، كأن كان عنده خمس من الإبل للتجارة ففيها شاة، ولا تعتبر القيمة، فإن كانت أقل من خمس فإنها تقوم فإن بلغت نصابا من الأثمان وجبت فيها زكاة القيمة.

وذهب الحنفية إلى أنها تزكى زكاة التجارة لأنها أحظ للمساكين؛ لأنها تجب فيما زاد بالحساب.

ونظير هذا عند الفقهاء غلة مال التجارة، كأن يكون ثمرا مما تجب فيه الزكاة إن كان الشجر للتجارة.

الحلي والمصنوعات الذهبية والفضية التي للتجارة:

أما المصوغات من الذهب والفضة إن كانت للتجارة فيظهر من كلام ابن عابدين أن مذهب الحنفية أن العبرة في الحلي والمصنوع من النقدين بالوزن من حيث النصاب ومن حيث قدر المخرج، وعند زفر المعتبر القيمة، وعند محمد الأنفع للفقراء.

وعند الشافعية في مصوغ الذهب والفضة الذي للتجارة هل يزكى زكاة العين أو زكاة القيمة قولان.

الأراضي الزراعية التي للتجارة وما يخرج منها:

ذهب الحنفية إلى أنه تجب الزكاة في الخارج من الأرض الزراعية من ثمر أو زرع، ولا يجب الزكاة في قيمة الأرض العشرية ولو كانت للتجارة، وهذا إن كان قد زرع الأرض العشرية فعلا ووجب فيها العشر؛ لئلا يجتمع حقان لله تعالى في مال واحد. فإن لم يزرعها تجب زكاة التجارة فيها لعدم وجوب العشر، فلم يوجد المانع، بخلاف الخراج الموظف فإنه يجب فيها ولو عطلت أي لأنه كالأجرة.

أما عند الشافعية فيجب زكاة رقبة الأرض كسائر عروض التجارة بكل حال.

الشرط الثاني: تملك العرض بمعاوضة:

يشترط أن يكون قد تملك العرض بمعاوضة كشراء بنقد أو عرض أو بدين حال أو مؤجل، وكذا لو كان مهرا أو عوض خلع.

وهذا مذهب الشافعية، ومحمد، فلو ملكه بإرث أو بهبة أو احتطاب أو استرداد بعيب واستغلال أرضه بالزراعة أو نحو ذلك فلا زكاة فيه.

وقال أبو يوسف: الشرط أن يكون قد ملكه بفعله، سواء كان بمعاوضة أو غيرها من أفعاله، كالاحتطاب وقبول الهبة، فإن دخل في ملكه بغير فعله، كالموروث، أو مضي حول التعريف في اللقطة، فلا زكاة فيه.

الشرط الثالث: نية التجارة:

اتفق الفقهاء على أنه يشترط في زكاة مال التجارة أن يكون قد نوى عند شرائه أو تملكه أنه للتجارة، والنية المعتبرة هي ما كانت مقارنة لدخوله في ملكه؛ لأن التجارة عمل فيحتاج إلى النية مع العمل، فلو ملكه للقنية ثم نواه للتجارة لم يصر لها، ولو ملك للتجارة ثم نواه للقنية وأن لا يكون للتجارة صار للقنية، وخرج عن أن يكون محلا للزكاة ولو عاد فنواه للتجارة لأن ترك التجارة، من قبيل التروك، والترك يكتفى فيه بالنية كالصوم.

واستثنى الحنفية مما يحتاج للنية ما يشتريه المضارب، فإنه يكون للتجارة مطلقا؛ لأنه لا يملك بمال المضاربة غير المتاجرة به.

الشرط الرابع: بلوغ النصاب:

ونصاب العروض بالقيمة، ويقوم بذهب أو فضة، فلا زكاة في ما يملكه الإنسان من العروض إن كانت قيمتها أقل من نصاب الزكاة في الذهب أو الفضة، ما لم يكن عنده من الذهب أو الفضة نصاب أو تكملة نصاب.

وتضم العروض بعضها إلى بعض في تكميل النصاب وإن اختلفت أجناسها.

واختلف الفقهاء فيما تقوم به عروض التجارة: بالذهب أم بالفضة.

فذهب الحنفية، إلى أنها تقوم بالأحظ للفقراء، فإن كان إذا قومها بأحدهما لا تبلغ نصابا وبالآخر تبلغ نصابا تعين عليه التقويم بما يبلغ نصابا.

وقال الشافعية وأبو يوسف: يقومها بما اشترى به من النقدين، وإن اشتراها بعرض قومها بالنقد الغالب في البلد، وقال محمد: يقومها بالنقد الغالب على كل حال كما في المغصوب والمستهلك.

نقص قيمة التجارة في الحول عن النصاب:

ذهب الشافعية على القول المنصوص إلى أن المعتبر في وجوب الزكاة القيمة في آخر الحول، فلو كانت قيمة العروض في أول الحول أقل من نصاب ثم بلغت في آخر الحول نصابا وجبت فيها الزكاة، وهذا خلافا لزكاة العين فلا بد فيها عندهم من وجود النصاب في الحول كله.

قال الشافعية: فلو تم الحول وقيمة العرض أقل من نصاب فإنه يبطل الحول الأول ويبتدئ حول جديد. وقال الحنفية وهو قول ثان للشافعية: المعتبر طرفا الحول.

 

 

الشرط الخامس: الحول:

والمراد أن يحول الحول على عروض التجارة، فما لم يحل عليها الحول فلا زكاة فيها، وهذا إن ملكها بغير معاوضة، أو بمعاوضة غير مالية كالخلع، عند من قال بذلك، أو اشتراها بعرض قنية، أما إن اشتراها بمال من الأثمان أو بعرض تجارة آخر، فإنه يبني حول الثاني على حول الأول؛ لأن مال التجارة تتعلق الزكاة بقيمته، وقيمته هي الأثمان نفسها؛ ولأن النماء في التجارة يكون بالتقليب.

فإن أبدل عرض التجارة بعرض قنية أو بسائمة لم يقصد بها التجارة فإن حول زكاة التجارة ينقطع.

وربح التجارة في الحول يضم إلى الأصل فيزكي الأصل والربح عند آخر الحول. فإذا حال الحول وجب على المالك تقويم عروضه وإخراج زكاتها.

 

كيفية التقويم والحساب في زكاة التجارة:

أ - ما يقوم من السلع وما لا يقوم:

الذي يقوم من العروض هو ما يراد بيعه دون ما لا يعد للبيع، فالرفوف التي يضع عليها السلع لا زكاة فيها.

ومما ذكره الحنفية من ذلك أن تاجر الدواب إن اشترى لها مقاود أو براذع، فإن كان يبيع هذه الأشياء معها ففيها الزكاة، وإن كانت لحفظ الدواب بها فلا زكاة فيها. وكذلك العطار لو اشترى قوارير، فما كان من القوارير لحفظ العطر عند التاجر فلا زكاة فيها، وما كان يوضع فيها العطر للمشتري ففيها الزكاة.

ومواد الوقود كالحطب، ونحوه، ومواد التنظيف كالصابون ونحوه التي أعدها الصانع ليستهلكها في صناعته لا ليبيعها فلا زكاة فيما لديه منها، والمواد التي لتغذية دواب التجارة لا تجب فيها الزكاة.

وذكر الشافعية أن المواد التي للصباغة أو الدباغة، والدهن للجلود، فيها الزكاة، بخلاف الملح للعجين أو الصابون للغسل فلا زكاة فيهما لهلاك العين.

السعر الذي تقوم به السلع:

صرح الحنفية أن عروض التجارة يقومها المالك على أساس سعر البلد الذي فيه المال، وليس الذي فيه المالك، أو غيره ممن له بالمال علاقة، ولو كان في مفازة تعتبر قيمته في أقرب الأمصار.

وتعتبر القيمة يوم الوجوب في قول أبي حنيفة لأنه في الأصل بالخيار بين الإخراج من العين وأداء القيمة، ويجبر المصدق على قبولها، فيستند إلى وقت ثبوت الخيار وهو وقت الوجوب.

وقال الصاحبان: المعتبر القيمة يوم الأداء؛ لأن الواجب عندهما جزء من العين، وله ولاية منعها إلى القيمة، فتعتبر يوم المنع كما في الوديعة.

إخراج زكاة عروض التجارة نقدا أو من أعيان المال:

الأصل في زكاة التجارة أن يخرجها نقدا بنسبة ربع العشر من قيمتها، فإن أخرج زكاة القيمة من أحد النقدين أجزأ اتفاقا.

وإن أخرج عروضا عن العروض فقد اختلف الفقهاء في جواز ذلك.

فقال الشافعي في الجديد وعليه الفتوى: لا يجزئه ذلك، وأما عند الحنفية وهو قول ثان للشافعية قديم: يتخير المالك بين الإخراج من العرض أو من القيمة فيجزئ إخراج عرض بقيمة ما وجب عليه من زكاة العروض.

زكاة مال التجارة الذي بيد المضارب:

من أعطى ماله مضاربة لإنسان فربح فزكاة رأس المال على رب المال اتفاقا، أما الربح فقد اختلف فيه فظاهر كلام الحنفية أن على المضارب زكاة حصته من الربح إن ظهر في المال ربح وتم نصيبه نصابا.

وذهب الشافعية على الأظهر إلى أن زكاة المال وربحه كلها على صاحب المال، فإن أخرجها من مال القراض حسبت من الربح.

 

رابعا: زكاة الزروع والثمار

ما تجب فيه الزكاة من أجناس النبات:

أجمع العلماء على أن في التمر (ثمر النخل) والعنب (ثمر الكرم) من الثمار، والقمح والشعير من الزروع الزكاة إذا تمت شروطها.

ثم اختلف العلماء في ما عدا هذه الأصناف الأربعة: فذهب أبو حنيفة إلى أن الزكاة تجب في كل ما يقصد بزراعته استنماء الأرض، من الثمار والحبوب والخضراوات والأبازير وغيرها مما يقصد به استغلال الأرض، دون ما لا يقصد به ذلك عادة كالحطب والحشيش والقصب (أي القصب الفارسي بخلاف قصب السكر) والتبن وشجر القطن والباذنجان وبذر البطيخ والبذور التي للأدوية كالحلبة والشونيز، لكن لو قصد بشيء من هذه الأنواع كلها أن يشغل أرضه بها لأجل الاستنماء وجبت الزكاة، فالمدار على القصد.

وذهب صاحبا أبي حنيفة إلى أن الزكاة لا تجب إلا فيما له ثمرة باقية حولا.

وذهب الشافعية إلى أن الزكاة لا تجب في شيء من الزروع والثمار إلا ما كان قوتا. والقوت هو ما به يعيش البدن غالبا دون ما يؤكل تنعما أو تداويا، فتجب الزكاة من الثمار في العنب والتمر خاصة، ومن الحبوب في الحنطة والشعير والأرز والعدس وسائر ما يقتات اختيارا كالذرة والحمص والباقلاء، ولا تجب في السمسم والتين والجوز واللوز والرمان والتفاح ونحوها والزعفران والورس والقرطم.

شروط وجوب الزكاة في الزروع والثمار:

لا يشترط الحول في زكاة الزروع والثمار اتفاقا، لقوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده}.

ويشترط لوجوب الزكاة في الزروع والثمار ما يلي:

الشرط الأول النصاب: ونصابها خمسة أوسق عند الشافعية، وبه قال صاحبا أبي حنيفة في ما يوسق، وقال أبو حنيفة: لا يشترط نصاب لزكاة الزروع والثمار بل هي واجبة في القليل والكثير ما لم يكن أقل من نصف صاع.

ضم غلة العام الواحد بعضها إلى بعض:

لا تضم ثمرة عام إلى ثمرة عام آخر ولا الحاصل من الحب كذلك.

وأما في العام الواحد، فقد فرق الشافعية في الأظهر بين الزرع والثمر، فأما الزرع فيضم ما زرع في العام الواحد بعضه إلى بعض، كالذرة تزرع في الربيع وفي الخريف، وأما الثمر إذا اختلف إدراكه فلا يضم بعضه إلى بعض في العام الواحد، وذلك كما لو اختلف إدراكه لاختلاف أنواعه واختلاف بلاده حرارة وبرودة، وكما لو أطلع النخل في العام الواحد مرتين فلا يضم.

وذهب الشافعية إلى أن المال المشترك والمختلط يزكى زكاة مال واحد فإن بلغ مجموعه نصابا زكي، وإلا فلا.

ولا ترد هذه التفريعات كلها عند الحنفية لأن النصاب هنا غير معتبر بل تجب الزكاة عندهم في قليل الزروع وكثيرها.

نصاب ما له قشر، وما ينقص كيله باليبس:

يرى الشافعية اعتبار الأوسق الخمسة بعد التصفية في الحبوب، وبعد الجفاف في الثمار فلو كان له عشرة أوسق من العنب لا يجيء منها بعد الجفاف خمسة أوسق من الزبيب فليس عليه فيها زكاة، وذلك لأن الجفاف هو وقت وجوب الإخراج، فاعتبر النصاب بحال الثمار وقت الوجوب.

والمراد بتصفية الحب فصله من التبن ومن القشر الذي لا يؤكل معه.

وهذا إن كان الحب ييبس ويدخر.

وقت وجوب الزكاة في الحب والثمر:

اختلف الفقهاء في الوقت الذي تجب فيه زكاة الزروع والثمار.

فذهب الشافعية وأبو حنيفة إلى أنها تجب بإفراك الحب، وطيب الثمر والأمن عليه من الفساد، والمراد بإفراك الحب طيبه واستغناؤه عن السقي، وإن بقي في الأرض لتمام طيبه، وطيب الثمر نحو أن يزهي البسر، أو تظهر الحلاوة في العنب.

الأرض المستعارة والمستأجرة:

ذهب الشافعية والصاحبان إلى أن من استعار أرضا أو استأجرها فزرعها، فالزكاة على المستعير والمستأجر. وذهب أبو حنيفة إلى أن العشر على المؤجر.

قدر المأخوذ في زكاة الزروع والثمار:

يؤخذ في زكاة الزروع والثمار عشر الخارج أو نصف عشره. فالعشر اتفاقا فيما سقي بغير كلفة، كالذي يشرب بماء المطر أو بماء الأنهار سيحا، أو بالسواقي دون أن يحتاج إلى رفعه غرفا أو بآلة، أو يشرب بعروقه، وهو ما يزرع في الأرض التي ماؤها قريب من وجهها تصل إليه عروق الشجر فيستغني عن السقي.

ويجب فيما يسقى بكلفة نصف العشر، سواء سقته النواضح أو سقي بالدوالي، أو السواني أو الدواليب أو النواعير أو غير ذلك. وكذا لو مد من النهر ساقية إلى أرضه فإذا بلغها الماء احتاج إلى رفعه بالغرف أو بآلة. والضابط لذلك أن يحتاج في رفع الماء إلى وجه الأرض إلى آلة أو عمل.

ولو احتاجت الأرض إلى ساق يسقيها بماء الأنهار أو الأمطار، ويحول الماء من جهة إلى جهة، أو احتاجت إلى عمل سواق أو حفر أنهار لم يؤثر ذلك في تقليل النصاب.

وإن سقيت الأرض نصف الوقت بكلفة ونصفها بغير كلفة فالزكاة ثلاثة أرباع العشر اتفاقا، وإن سقيت بأحدهما أكثر من الآخر فيعتبر الأكثر، ويسقط حكم الأقل.

 

ما يطرح من الخارج قبل أخذ العشر أو نصفه:

ذهب الحنفية إلى أن العشر أو نصفه على التفصيل المتقدم يؤخذ من كل الخارج، فلا يطرح منه البذر الذي بذره ولا أجرة العمال أو كري الأنهار أو أجرة الحافظ ونحو ذلك بل يجب العشر في الكل.

زكاة العسل والمنتجات الحيوانية

ذهب الحنفية إلى أن العسل تؤخذ منه الزكاة، وذهب الشافعية إلى أن العسل لا زكاة فيه.

ثم ذهب الحنفية إلى أنه يشترط أمران:

الأول: أن لا يكون النحل في أرض خراجية؛ لأن الخراجية يؤخذ منها الخراج، ولا يجتمع عندهم عشر وخراج.

الثاني: إن كان النحل في أرض مفازة أو جبل غير مملوك فلا زكاة فيه إلا إن حفظه الإمام من اللصوص وقطاع الطرق، وقال أبو يوسف: لا زكاة إلا إن كانت الأرض مملوكة.

زكاة المستخرج من البحار:

ذهب الحنفية والشافعية إلى أن المستخرج من البحر من اللؤلؤ والعنبر والمرجان ونحوها لا شيء فيه من زكاة أو خمس.

القسم الثالث إخراج الزكاة

من وجبت عليه الزكاة إما أن يخرجها بإعطائها مباشرة إلى الفقراء وسائر المستحقين، وإما أن يدفعها إلى الإمام ليصرفها في مصارفها.

النية عند أداء الزكاة:

الزكاة فريضة من فرائض العبادات، كالصلاة، ولذلك فإن النية شرط فيها عند عامة العلماء.

ومعنى النية المشترطة في الزكاة أن يقصد بقلبه أن ما يخرجه هو الزكاة الواجبة عليه في ماله، وإن كان يخرج عمن تحت يده من صبي أو مجنون أن يقصد أنها الزكاة الواجبة عليهما. ويعتبر أن يكون الناوي مكلفا.

وينوي عند دفعها إلى الإمام أو إلى مستحقها، أو قبل الدفع بقليل. فإن نوى بعد الدفع لم يجزئه عند الشافعية.

أما عند الحنفية فالشرط مقارنة النية للأداء ولو حكما، كما لو دفع بلا نية ثم نوى والمال لا يزال قائما في ملك الفقير بخلاف ما إذا نوى بعدما استهلكه الفقير أو باعه فلا تجزئ عن الزكاة.

وقال الحنفية والشافعية: إن عزل الزكاة عن ماله ونوى عند العزل أنها زكاة كفى ذلك، ولو لم ينو عند الدفع، قال ابن عابدين: لأن الدفع يتفرق، فيتحرج باستحضار النية عند كل دفع، فاكتفي بذلك، للحرج.

وإن دفع الزكاة إلى وكيله ناويا أنها زكاة كفى ذلك، والأفضل أن ينوي الوكيل أيضا عند الدفع إلى المستحقين أيضا ولا تكفي نية الوكيل وحده.

ولو دفع الإنسان كل ماله إلى الفقراء تطوعا بعد ما وجبت فيه الزكاة، لم تسقط عنه الزكاة، بل تبقى في ذمته، وبهذا قال الشافعية لأنه لم ينو الفرض. وقال الحنفية: تسقط عنه الزكاة في هذه الحال استحسانا.

ولا يجب تعيين المال المخرج عنه، لكن لو عينه تعين. فلو أخرج الزكاة ونوى عن ماله الغائب الذي لا يعلم سلامته جاز، وإن تبين تلفه لم يجز أن يصرف الزكاة إلى مال آخر، وإن نوى عن مالي الغائب أو الحاضر، فتبين تلف الغائب أجزأت عن الحاضر، وإن نوى بالمخرج أن يكون زكاة المال الموروث الذي يشك في موت مورثه لم تجزئه.

ولا يشترط علم آخذ الزكاة أنها زكاة.

تعجيل الزكاة عن وقت الوجوب:

ذهب الحنفية والشافعية ، إلى أنه يجوز للمزكي تعجيل إخراج زكاة ماله قبل ميعاد وجوبها، إلا أن الشافعية قالوا: يجوز التعجيل لعام واحد ولا يجوز لعامين في الأصح لأن زكاة العام الثاني لم ينعقد حولها.

واشترطوا لجواز ذلك أن يكون النصاب موجودا، فلا يجوز تعجيل الزكاة قبل وجود النصاب، بغير خلاف، وذلك لأن النصاب سبب وجوب الزكاة، والحول شرطها ولا يقدم الواجب قبل سببه، ويجوز تقديمه قبل شرطه، كإخراج كفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث، وكفارة القتل بعد الجرح وقبل الزهوق.

وتوسع الحنفية فقالوا: إن كان مالكا لنصاب واحد جاز أن يعجل زكاة نصب كثيرة لأن اللاحق تابع للحاصل.

والشافعية أجازوا ذلك في مال التجارة لأن النصاب فيها عندهم مشترط في آخر الحول فقط لا في أوله ولا في أثنائه.

وقال الحنفية، وهو المعتمد عند الشافعية: إن قدم زكاته وزكاة ما قد ينتج منه، أو يربحه منه، أجزأه لأنه تابع لما هو مالكه الآن.

تأخير إخراج الزكاة عن وقت وجوبها:

ذهب الشافعية وهو المفتى به عند الحنفية إلى أن الزكاة متى وجبت، وجبت المبادرة بإخراجها على الفور، مع القدرة على ذلك وعدم الخشية من ضرر.

ثم قال الشافعية: ويجوز التأخير لعذر. ومما ذكره الشافعية من الأعذار: أن يكون المال غائبا فيمهل إلى مضي زمن يمكن فيه إحضاره، وأن يكون بإخراجها أمر مهم ديني أو دنيوي، وأن ينتظر بإخراجها صالحا أو جارا.

 

حكم من ترك إخراج الزكاة حتى مات:

من ترك الزكاة التي وجبت عليه، وهو متمكن من إخراجها، حتى مات ولم يوص بإخراجها أثم إجماعا.

ثم ذهب الشافعي إلى أن من مات وعليه زكاة لم يؤدها فإنها لا تسقط عنه بالموت كسائر حقوق الله تعالى المالية. ثم قال الشافعية: إذا اجتمع دين الله مع دين الآدمي يقدم دين الله.

وذهب أبو حنيفة إلى أن الزكاة تسقط بالموت بمعنى أنها لا يجب إخراجها من تركته، فإن كان قد أوصى بها فهي وصية تزاحم سائر الوصايا في الثلث، وإن لم يوص بها سقطت، لأنها عبادة من شرطها النية، فسقطت بموت من هي عليه كالصلاة والصوم، فإن أخرجها الورثة فهي صدقة تطوع منهم.

ويستثنى من هذا عند الحنفية في ظاهر الرواية عشر الخارج من الأرض، فيؤخذ من تركة الميت لأنه عندهم في معنى مئونة الأرض.

وأما زكاة عام موته فإن اعترف بحلولها وأوصى بإخراجها أخرجت من رأس المال.

تراكم الزكاة لسنين:

إذا أتى على المكلف بالزكاة سنون لم يؤد زكاته فيها وقد تمت شروط الوجوب، لم يسقط عنه منها شيء اتفاقا، ووجب عليه أن يؤدي الزكاة عن كل السنين التي مضت ولم يخرج زكاته فيها.

حكم من شك هل أدى الزكاة أم لم يؤدها:

تعرض لهذه المسألة الحنفية: فقالوا: إن من شك هل أدى زكاته أو لا يجب عليه أن يزكي.

صور إخراج الزكاة:

الزكاة إما أن تخرج من أعيان المال وهو الأصل في غير زكاة العروض التجارية وقد تقدم. وإما أن تخرج القيمة.

ذهب الشافعية إلى أن الواجب في زكاة عروض التجارة إخراج القيمة، ولا يجزئ إخراج شيء من أعيان العروض عندهم، خلافا للحنفية القائلين بالجواز.

ويجزئ إخراج الذهب عن الفضة بالقيمة وعكسه، وهو مذهب الحنفية، وأما ما عدا ذلك كزكاة المواشي والزروع وإخراج زكاة الذهب أو الفضة عن غيرهما أو العكس، فقد اختلف الفقهاء في إخراج القيمة على مذاهب:

فذهب الشافعية إلى أنه لا يجوز إخراج القيم في الزكاة، واستثنى بعض أصحاب هذا القول نحو إخراج بنت لبون عن بنت مخاض.

وذهب الحنفية إلى أن إخراج القيمة جائز.

الإخراج بإسقاط المزكي دينه عن مستحق للزكاة:

لا يجوز للدائن أن يسقط دينه عن مدينه الفقير المعسر الذي ليس عنده ما يسد به دينه ويحسبه من زكاة ماله. فإن فعل ذلك لم يجزئه عن الزكاة، وبهذا قال الحنفية وهو الأصح عند الشافعية.

فإن دفع الدائن زكاة ماله إلى مدينه فردها المدين إليه سدادا لدينه، أو استقرض المدين ما يسد به دينه فدفعه إلى الدائن فرده إليه واحتسبه من الزكاة، فإن لم يكن ذلك حيلة، أو تواطؤا، أو قصدا لإحياء ماله، جاز.

وإن كان على سبيل الحيلة جاز عند الشافعية ما لم يكن ذلك عن شرط واتفاق، بل بمجرد النية من الطرفين.

لكن صرح الحنفية بأنه لو وهب جميع الدين إلى المدين الفقير سقطت زكاة ذلك الدين ولو لم ينو الزكاة، وهذا استحسان.

التوكيل في أداء الزكاة:

يجوز للمزكي أن يوكل غيره في أداء زكاته، سواء في إيصالها للإمام أو نائبه، أو في أدائها إلى المستحق، سواء عين ذلك المستحق أو فوض تعيينه إلى الوكيل. وقد نص الشافعية على أن إخراج المزكي الزكاة بنفسه أفضل من التوكيل؛ لأنه بفعل نفسه أوثق.

تلف المال كله أو بعضه بعد وجوب الزكاة:

من وجبت عليه الزكاة فلم يخرجها ثم ضاع المال كله أو بعضه، أو تلف بغير فعل المزكي فقد اختلف الفقهاء في ذلك:

فقال الحنفية: إن تلف المال سقطت الزكاة؛ لأن الواجب جزء من النصاب فيسقط بهلاك محله.

قالوا: وإذا هلك بعض المال يسقط من الزكاة بقدره أي بنسبة ما هلك. وقالوا: إن تلف من مال الزكاة بعد الحول ما كان به الباقي أقل من نصاب قبل إمكان الأداء بلا تفريط سقطت الزكاة، فإن أمكن الأداء وفرط ضمن.

وقال الشافعية: إن كان ضياعه بتفريطه في حفظه وجبت عليه زكاة كل المال، وكذا إن فرط في الإخراج بعد التمكن، بأن وجد المستحق، سواء طلب الزكاة أم لم يطلبها، لتقصيره بحبس الحق عن مستحقه. ثم قال الشافعية: إن لم يكن فرط زكى الباقي فقط بقسطه، ولو كان أقل من نصاب، على الأظهر عندهم، فلو ملك خمسا من الإبل فتلفت واحدة منه قبل التمكن ففي الباقي 5 / 4 شاة على الأظهر، ولا شيء على الثاني.

 

القسم الخامس: مصارف الزكاة

مصارف الزكاة محصورة في ثمانية أصناف. والأصناف الثمانية قد نص عليها القرآن الكريم في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}. و " إنما " التي صدرت بها الآية أداة حصر، فلا يجوز صرف الزكاة لأحد أو في وجه غير داخل في هذه الأصناف.

بيان الأصناف الثمانية:

الصنفان الأول والثاني: الفقراء والمساكين:

الفقراء والمساكين هم أهل الحاجة الذين لا يجدون ما يكفيهم، وإذا أطلق لفظ (الفقراء) وانفرد دخل فيهم (المساكين) ، وكذلك عكسه، وإذا جمع بينهما في كلام واحد، كما في آية مصارف الزكاة، تميز كل منهما بمعنى.

وقد اختلف الفقهاء في أيهما أشد حاجة، فذهب الشافعية إلى أن الفقير أشد حاجة من المسكين. وذهب الحنفية إلى أن المسكين أشد حاجة من الفقير.

 

واختلف الفقهاء في حد كل من الصنفين:

فقال الشافعية: الفقير من لا مال له ولا كسب يقع موقعا من حاجته، كمن حاجته عشرة فلا يجد شيئا أصلا، أو يقدر بماله وكسبه وما يأتيه من غلة وغيرها على أقل من نصف كفايته. فإن كان يجد النصف أو أكثر ولا يجد كل العشرة فمسكين.

وقال الحنفية: المسكين من لا يجد شيئا أصلا فيحتاج للمسألة وتحل له.

واختلف قولهم في الفقير:

فقال الحنفية: الفقير من له أدنى شيء وهو ما دون النصاب، فإذا ملك نصابا من أي مال زكوي فهو غني لا يستحق شيئا من الزكاة، فإن ملك أقل من نصاب فهو غير مستحق، وكذا لو ملك نصابا غير نام وهو مستغرق في الحاجة الأصلية، فإن لم يكن مستغرقا منع، كمن عنده ثياب تساوي نصابا لا يحتاجها، فإن الزكاة تكون حراما عليه، ولو بلغت قيمة ما يملكه نصبا فلا يمنع ذلك كونه من المستحقين للزكاة إن كانت مستغرقة بالحاجة الأصلية كمن عنده كتب يحتاجها للتدريس، أو آلات حرفة، أو نحو ذلك.

الغنى المانع من أخذ الزكاة بوصف الفقر أو المسكنة:

الأصل أن الغني لا يجوز إعطاؤه من الزكاة، وهذا محل اتفاق. ولكن اختلف في الغنى المانع من أخذ الزكاة:

فقال الشافعية: إن الأمر معتبر بالكفاية، فمن وجد من الأثمان أو غيرها ما يكفيه ويكفي من يمونه فهو غني لا تحل له الزكاة، فإن لم يجد ذلك حلت له ولو كان ما عنده يبلغ نصبا زكوية، وعلى هذا، فلا يمتنع أن يوجد من تجب عليه الزكاة وهو مستحق للزكاة.

وقال الحنفية: هو الغنى الموجب للزكاة، فمن تجب عليه الزكاة لا يحل له أن يأخذ الزكاة.

ومن ملك نصابا من أي مال زكوي كان فهو غني، فلا يجوز أن تدفع إليه الزكاة ولو كان ما عنده لا يكفيه لعامه، ومن لم يملك نصابا كاملا فهو فقير أو مسكين، فيجوز أن تدفع إليه الزكاة، كما تقدم.

 

إعطاء الفقير والمسكين القادرين على الكسب:

من كان من الفقراء والمساكين قادرا على كسب كفايته وكفاية من يمونه، أو تمام الكفاية، لم يحل له الأخذ من الزكاة، ولا يحل للمزكي إعطاؤه منها، ولا تجزئه لو أعطاه وهو يعلم بحاله وهذا مذهب الشافعية.

وقال الحنفية: يجوز دفع الزكاة إلى من يملك أقل من نصاب، وإن كان صحيحا مكتسبا، لأنه فقير أو مسكين، وهما من مصارف الزكاة؛ ولأن حقيقة الحاجة لا يوقف عليها، فأدير الحكم على دليلها، وهو فقد النصاب.

إعطاء الزكاة لمن له مال أو كسب وامتنع عنه ماله أو كسبه:

من كان عنده مال يكفيه فلا يستحق من الزكاة، لكن إن كان ماله غائبا أو كان دينا مؤجلا، فقد صرح الشافعية بأنه لا يمنع ذلك من إعطائه ما يكفيه إلى أن يصل إلى ماله أو يحل الأجل.

والقادر على الكسب إن شغله عن الكسب طلب العلم الشرعي لم يمنع ذلك من إعطائه من الزكاة؛ لأن طلب العلم فرض كفاية بخلاف التفرغ للعبادة.

ومن كان قادرا على كسب لكن ذلك الكسب لا يليق به، أو يليق به لكن لم يجد من يستأجره، لم يمنع ذلك استحقاقه من الزكاة.

جنس الكفاية المعتبرة في استحقاق الزكاة:

الكفاية المعتبرة هي للمطعم والمشرب والمسكن وسائر ما لا بد منه على ما يليق بالحال من غير إسراف ولا تقتير، للشخص نفسه ولمن هو في نفقته.

القدر الذي يعطاه الفقير والمسكين من الزكاة:

ذهب الشافعية في قول منصوص إلى أن الفقير والمسكين يعطيان ما يخرجهما من الفاقة إلى الغنى وهو ما تحصل به الكفاية على الدوام، قالوا: فإن كان من عادته الاحتراف أعطي ما يشتري به أدوات حرفته قلت قيمتها أو كثرت بحيث يحصل له من ربحه ما يفي بكفايته غالبا تقريبا، وإن كان تاجرا أعطي بنسبة ذلك، وإن كان من أهل الضياع يشترى له ضيعة تكفيه غلتها على الدوام.

وذهب الحنفية إلى أن من لا يملك نصابا زكويا كاملا يجوز أن يدفع إليه أقل من مائتي درهم أو تمامها. ويكره أكثر من ذلك، وقال زفر لا يجوز تمام المائتين أو أكثر.

وهذا عند الحنفية لمن لم يكن له عيال ولا دين عليه، فإن كان له عيال فلكل منهم مائتا درهم، والمدين يعطى لدينه ولو فوق المائتين كما يأتي في الغارمين

إثبات الفقر:

إذا ادعى رجل صحيح قوي أنه لا يجد مكسبا يجوز أن يعطى من الزكاة إن كان مستور الحال، ويقبل قوله بغير يمين، لكن من علم كذبه بيقين لم يصدق ولم يجز إعطاؤه من الزكاة.

وإن ادعى أن له عيالا وطلب من الزكاة لأجلهم، فعند الشافعية لا يقبل قوله إلا ببينة، لأن الأصل عدم العيال، ولا تتعذر إقامة البينة على ذلك. وكذا من كان معروفا باليسار لا يعطى من الزكاة، لكن إن ادعى أن ماله تلف أو فقد كلف البينة على ذلك.

الصنف الثالث: العاملون على الزكاة:

يجوز إعطاء العاملين على الزكاة منها. ويشترط في العامل الذي يعطى من الزكاة شروط تقدم بيانها.

ولا يشترط فيمن يأخذ من العاملين من الزكاة الفقر؛ لأنه يأخذ بعمله لا لفقره.

قال الحنفية: يدفع إلى العامل بقدر عمله فيعطيه ما يسعه ويسع أعوانه غير مقدر بالثمن، ولا يزاد على نصف الزكاة التي يجمعها وإن كان عمله أكثر.

وقال الشافعية: للإمام أن يستأجر العامل إجارة صحيحة بأجر معلوم، إما على مدة معلومة، أو عمل معلوم. وقالوا: لا يعطى العامل من الزكاة أكثر من ثمن الزكاة، فإن زاد أجره على الثمن أتم له من بيت المال.

الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم:

اختلف الفقهاء في صنف المؤلفة قلوبهم: فالمعتمد عند الشافعية أن سهم المؤلفة قلوبهم باق لم يسقط. وقال الحنفية: انعقد الإجماع على سقوط سهمهم من الزكاة.

الصنف الخامس: في الرقاب:

وهم المكاتبون المسلمون.

الصنف السادس: الغارمون:

والغارمون المستحقون للزكاة ثلاثة أضرب:

الضرب الأول: من كان عليه دين لمصلحة نفسه.

وهذا متفق عليه من حيث الجملة، ويشترط لإعطائه من الزكاة ما يلي:

1 - أن يكون مسلما.

2 - أن لا يكون من آل البيت.

3 - أن لا يكون دينه في معصية، وهذا عند الشافعية، كأن يكون بسبب خمر، أو قمار، أو زنا، لكن إن تاب يجوز الدفع إليه. وعد الشافعية الإسراف في النفقة من باب المعصية التي تمنع الإعطاء من الزكاة.

4 - أن يكون الدين حالا، صرح بهذا الشرط الشافعية، قالوا: إن كان الدين مؤجلا ففي المسألة ثلاثة أقوال ثالثها: إن كان الأجل تلك السنة أعطي، وإلا فلا يعطى من صدقات تلك السنة.

الضرب الثاني: الغارم لإصلاح ذات البين:

ذهب الشافعية إلى أن هذا النوع من الغارمين يعطى من الزكاة سواء كان غنيا أو فقيرا؛ لأنه لو اشترط الفقر فيه لقلت الرغبة في هذه المكرمة، وصورتها أن يكون بين قبيلتين أو حيين فتنة، يكون فيها قتل نفس أو إتلاف مال، فيتحمله لأجل الإصلاح بينهم، فيعطى من الزكاة لتسديد حمالته.

وقال الحنفية: لا يعطى المتحمل من الزكاة إلا إن كان لا يملك نصابا فاضلا عن دينه كغيره من المدينين.

الدين على الميت:

 إن مات المدين ولا وفاء في تركته لم يجز سداد دينه من الزكاة.

الصنف السابع: في سبيل الله

وهذا الصنف ثلاثة أضرب:

الضرب الأول: الغزاة في سبيل الله تعالى، والذين ليس لهم نصيب في الديوان، بل هم متطوعون للجهاد. وهذا الضرب متفق عليه عند الفقهاء من حيث الجملة، فيجوز إعطاؤهم من الزكاة قدر ما يتجهزون به للغزو من مركب وسلاح ونفقة وسائر ما يحتاج إليه الغازي لغزوه مدة الغزو وإن طالت.

ولا يشترط عند الشافعية في الغازي أن يكون فقيرا، بل يجوز إعطاء الغني لذلك، لأنه لا يأخذ لمصلحة نفسه، بل لحاجة عامة المسلمين، فلم يشترط فيه الفقر.

وقال الحنفية: إن كان الغازي غنيا، وهو من يملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب كما تقدم في صنف الفقراء فلا يعطى من الزكاة، وإلا فيعطى، وإن كان كاسبا. وأما جنود الجيش الذين لهم نصيب في الديوان فلا يعطون من الزكاة.

الضرب الثالث: الحجاج:

ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يجوز الصرف في الحج من الزكاة.

الصنف الثامن: ابن السبيل:

سمي بذلك لملازمته الطريق، إذ ليس هو في وطنه ليأوي إلى سكن.

وهذا الصنف ضربان:

الضرب الأول: المتغرب عن وطنه الذي ليس بيده ما يرجع به إلى بلده:

وهذا الضرب متفق على أنه من أصحاب الزكاة، فيعطى ما يوصله إلى بلده.

ولا يعطى من الزكاة إلا بشروط:

الشرط الأول: أن يكون مسلما، من غير آل البيت.

الشرط الثاني: أن لا يكون بيده في الحال مال يتمكن به من الوصول إلى بلده وإن كان غنيا في بلده، فلو كان له مال مؤجل أو على غائب، أو معسر، أو جاحد، لم يمنع ذلك الأخذ من الزكاة على ما صرح به الحنفية.

الشرط الثالث: أن لا يكون سفره لمعصية، صرح بهذا الشرط الشافعية.

ولا يعطى أهل هذا الضرب من الزكاة أكثر مما يكفيه للرجوع إلى وطنه.

ثم قد قال الحنفية: من كان قادرا على السداد فالأولى له أن يستقرض ولا يأخذ من الزكاة.

الضرب الثاني: من كان في بلده ويريد أن ينشئ سفرا:

فهذا الضرب أجاز الشافعية إعطاءه لذلك بشرط أن لا يكون معه ما يحتاج إليه في سفره، وأن لا يكون في معصية، فعلى هذا يجوز إعطاء من يريد الحج من الزكاة إن كان لا يجد في البلد الذي ينشئ منه سفر الحج ما لا يحج به.

والحنفية لا يرون جواز الإعطاء في هذا الضرب، إلا أن من كان ببلده، وليس له بيده مال ينفق منه وله مال في غير بلده، لا يصل إليه، رأوا أنه ملحق بابن السبيل.

أصناف الذين لا يجوز إعطاؤهم من الزكاة

1 - آل النبي محمد (‘) لأن الزكاة والصدقة محرمتان على النبي (‘) وعلى آله، وقد تقدم بيان حكمهم.

2 – الأغنياء.

3 - الكفار ولو كانوا أهل ذمة: لا يجوز إعطاؤهم من الزكاة. نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك.

4- كل من انتسب إليه المزكي أو انتسب إلى المزكي بالولادة. ويشمل ذلك أصوله وهم أبواه وأجداده، وجداته، وارثين كانوا أو لا، وكذا أولاده وأولاد أولاده، وإن نزلوا، وهذا مذهب الحنفية.

وأما سائر الأقارب، وهم الحواشي كالإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات، وأولادهم، فلا يمتنع إعطاؤهم زكاته ولو كان بعضهم في عياله، وهذا مذهب الحنفية.

وأما عند الشافعية فإن الأقارب الذين تلزم نفقتهم المزكي لا يجوز أن يعطيهم من الزكاة.

واستثنى الحنفية في ظاهر الرواية من فرض له القاضي النفقة على المزكي، فلا يجزئ إعطاؤه الزكاة، لأنه أداء واجب في واجب آخر، على أنهم نصوا على أن يجوز أن يدفعها إلى زوجة أبيه وزوجة ابنه وزوج ابنته.

وقيد الشافعية الإعطاء الممنوع بسهم الفقراء والمساكين، أما لو أعطى والده أو ولده من سهم العاملين أو المكاتبين أو الغارمين أو الغزاة فلا بأس. وقالوا أيضا: إن كان لا يلزمه نفقته جاز إعطاؤه.

دفع الزوج زكاة ماله إلى زوجته وعكسه:

لا يجزئ الرجل إعطاء زكاة ماله إلى زوجته. قال ابن قدامة: هو إجماع. وأما إعطاء المرأة زوجها زكاة مالها فقد اختلف فيه: فذهب الشافعي وصاحبا أبي حنيفة ، إلى جواز ذلك.

وقال أبو حنيفة: لا يجزئ المرأة أن تعطي زوجها زكاتها ولو كانت في عدتها من طلاقه البائن ولو بثلاث طلقات.

5 - الفاسق والمبتدع:

 عند الحنفية يجوز إعطاء الزكاة للمنتسبين إلى الإسلام من أهل البدع إن كانوا من الأصناف الثمانية، ما لم تكن بدعتهم مكفرة مخرجة لهم عن الإسلام. على أن الأولى تقديم أهل الدين المستقيمين عليه في الاعتقاد، والعمل على من عداهم عند الإعطاء من الزكاة.

ما يراعى في قسمة الزكاة بين الأصناف الثمانية:

أ - تعميم الزكاة على الأصناف:

ذهب الحنفية إلى أنه لا يجب تعميم الزكاة على الأصناف، سواء كان الذي يؤديها إليها رب المال أو الساعي أو الإمام، وسواء كان المال كثيرا أو قليلا، بل يجوز أن تعطى لصنف واحد أو أكثر، ويجوز أن تعطى لشخص واحد إن لم تزد عن كفايته.

وذهب الشافعية، إلى أنه يجب تعميم الأصناف، وإعطاء كل صنف منهم الثمن من الزكاة المتجمعة.

 

نقل الزكاة:

إذا فاضت الزكاة في بلد عن حاجة أهلها جاز نقلها اتفاقا، بل يجب، وأما مع الحاجة فيرى الحنفية أنه يكره تنزيها نقل الزكاة من بلد إلى بلد، وإنما تفرق صدقة كل أهل بلد فيهم. واستثنى الحنفية أن ينقلها المزكي إلى قرابته، لما في إيصال الزكاة إليهم من صلة الرحم. قالوا: ويقدم الأقرب فالأقرب. واستثنوا أيضا أن ينقلها إلى قوم هم أحوج إليها من أهل بلده، وكذا لأصلح، أو أورع، أو أنفع للمسلمين، أو من دار الحرب إلى دار الإسلام، أو إلى طالب علم.

وذهب الشافعية في الأظهر إلى أنه لا يجوز نقل الزكاة إلى ما يزيد عن مسافة القصر، ثم إن نقلت الزكاة حيث لا مسوغ لنقلها مما تقدم، فقد ذهب الحنفية والشافعية، إلى أنها تجزئ عن صاحبها؛ لأنه لم يخرج عن الأصناف الثمانية.

حكم من أخذ الزكاة وليس من أهلها:

لا يحل لمن ليس من أهل الزكاة أخذها وهو يعلم أنها زكاة، إجماعا. فإن أخذها فلم تسترد منه فلا تطيب له، بل يردها أو يتصدق بها؛ لأنها عليه حرام.

وعلى دافع الزكاة أن يجتهد في تعرف مستحقي الزكاة، فإن دفعها بغير اجتهاده، أو كان اجتهاده أنه من غير أهلها وأعطاه لم تجزئ عنه، إن تبين الآخذ من غير أهلها، والمراد بالاجتهاد النظر في أمارات الاستحقاق، فلو شك في كون الآخذ فقيرا فعليه الاجتهاد كذلك.

أما إن اجتهد فدفع لمن غلب على ظنه أنه من أهل الزكاة فتبين عدم كونه من أهلها فعند أبي حنيفة ومحمد: إن دفع الزكاة إلى من يظنه فقيرا ثم بان أنه غني أو هاشمي أو كافر، أو دفع في ظلمة، فبان أن الآخذ أبوه، أو ابنه فلا إعادة عليه.

وقال أبو يوسف: لا تجزئه إن تبين أن الآخذ ليس من المصارف، لظهور خطئه بيقين مع إمكان معرفة ذلك، كما لو تحرى في ثياب فبان أنه صلى في ثوب نجس.

وقال الشافعية: يجب الاسترداد، وعلى الآخذ الرد، سواء علم أنها زكاة أم لا، فإن استردت صرفت إلى المستحقين، وإن لم يمكن الاسترداد فإن كان الذي دفعها الإمام لم يضمن، وإن كان الذي دفعها المالك ضمن، وهذا هو المقدم عندهم.

 

من له حق طلب الزكاة وهو من أهلها:

فرق الحنفية بين مستحقي الزكاة من الفقراء من حيث جواز طلبهم الزكاة بالرغم من استحقاقهم، فقالوا: إن الذي يحل له طلب الزكاة هو من لا شيء له ليومه وليلته فيحتاج للسؤال لقوته، أو ما يواري بدنه، وهو في اصطلاحهم المسمى مسكينا، وكذا لا يحل السؤال لمن لا يملك قوت يومه وليلته لكنه قادر على الكسب، أما الفقير وهو في اصطلاحهم من يملك قوته ليومه وليلته، فلا يحل له سؤال الصدقة، وإن كان يحل له أخذها إن لم يكن مالكا لخمسين درهما.

زكاة الفطر

وكاة الفطر في الاصطلاح: صدقة تجب بالفطر من رمضان.

الحكم التكليفي:

 زكاة الفطر واجبة على كل مسلم.

 

شرائط وجوب أداء زكاة الفطر

 يشترط لوجوب أدائها ما يلي:

 أولا: الإسلام: وهذا عند الحنفية. وروي عن الشافعية في الأصح عندهم أنه يجب على الكافر أن يؤديها عن أقاربه المسلمين.

ثانيا: الحرية .

ثالثا: أن يكون قادرا على إخراج زكاة الفطر، وقد اختلف الفقهاء في معنى القدرة على إخراجها: فذهب الشافعية إلى عدم اشتراط ملك النصاب في وجوب زكاة الفطر. وذهب الحنفية إلى أن معنى القدرة على إخراج صدقة الفطر أن يكون مالكا للنصاب الذي تجب فيه الزكاة من أي مال كان، سواء كان من الذهب أو الفضة، أو السوائم من الإبل والبقر والغنم، أو من عروض التجارة.

وقال الشافعية: إنها تجب على من عنده فضل عن قوته وقوت من في نفقته ليلة العيد ويومه، ويشترط كونه فاضلا عن مسكن وخادم يحتاج إليه في الأصح.

واتفق جميع القائلين بعدم اشتراط ملك النصاب على أن المقدار الذي عنده إن كان محتاجا إليه لا تجب عليه زكاة الفطر، لأنه غير قادر.

من تؤدى عنه زكاة الفطر:

ذهب الحنفية إلى أن زكاة الفطر يجب أن يؤديها عن نفسه من يملك نصابا، وعن كل من تلزمه نفقته، ويلي عليه ولاية كاملة. والمراد بالولاية أن ينفذ قوله على الغير شاء أو أبى، فابنه الصغير، وابنته الصغيرة، وابنه الكبير المجنون، كل أولئك له حق التصرف في مالهم بما يعود عليهم بالنفع شاءوا أو أبوا.

ويخرجها عن أولاده الصغار إذا كانوا فقراء، أما الأغنياء منهم، بأن أهدي إليهم مال، أو ورثوا مالا، فيخرج الصدقة من مالهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لأن زكاة الفطر ليست عبادة محضة، بل فيها معنى النفقة، فتجب في مال الصبي، كما وجبت النفقة في ماله لأقاربه الفقراء، وقال محمد: تجب في مال الأب لأنها عبادة محضة، وهو ليس من أهلها؛ لأنه غير مكلف.

أما أولاده الكبار، فإن كانوا أغنياء وجب عليهم إخراج الزكاة عن أنفسهم، وعمن يلون عليهم ولاية كاملة، وإن كانوا فقراء لا يخرج الزكاة عنهم؛ لأنه وإن كانت نفقتهم واجبة عليه إلا أنه لا يلي عليهم ولاية كاملة فليس له حق التصرف في مالهم إن كان لهم مال إلا بإذنهم. وإن كان أحدهم مجنونا، فإن كان غنيا أخرج الصدقة من ماله، وإن كان فقيرا دفع عنه صدقة الفطر.

وقال الحنفية بناء على قاعدتهم المذكورة: لا تجب عن زوجته لقصور الولاية والنفقة، أما قصور الولاية، فإنه لا يلي عليها إلا في حقوق النكاح فلا تخرج إلا بإذنه، أما التصرف في مالها بدون إذنها فلا يلي عليه. وأما قصور النفقة فلأنه لا ينفق عليها إلا في الرواتب كالمأكل والمسكن والملبس. وكما لا يخرجها عن زوجته لا يخرجها عن والديه وأقاربه الفقراء إن كانوا كبارا؛ لأنه لا يلي عليهم ولاية كاملة.

وذهب الشافعية إلى أن صدقة الفطر يخرجها الشخص عن نفسه، وعن كل من تجب عليه نفقته من المسلمين، لقرابة، أو زوجية، أو ملك.

سبب الوجوب ووقته:

 ذهب الحنفية إلى أن وقت وجوب زكاة الفطر طلوع فجر يوم العيد. وذهب الشافعية في الأظهر، إلى أن الوجوب هو بغروب شمس آخر يوم من رمضان.

ويظهر أثر الخلاف فيمن مات بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان: فعند الشافعية ومن وافقهم تخرج عنه صدقة الفطر؛ لأنه كان موجودا وقت وجوبها، وعند الحنفية ومن وافقهم لا تخرج عنه صدقة الفطر لأنه لم يكن موجودا، ومن ولد بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان تخرج عنه صدقة الفطر عند الحنفية ومن وافقهم؛ لأنه وقت وجوبها كان موجودا، ولا تخرج عنه الصدقة عند الشافعية ومن وافقهم؛ لأنه كان جنينا في بطن أمه وقت وجوبها.

ومن أسلم بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان، لا تخرج عنه الصدقة عند الشافعية ومن وافقهم؛ لأنه وقت وجوبها لم يكن أهلا، وعند الحنفية ومن وافقهم تخرج عنه صدقة الفطر؛ لأنه وقت وجوبها كان أهلا.

وقت وجوب الأداء

ذهب جمهور الحنفية إلى أن وقت وجوب أداء زكاة الفطر موسع، لأن الأمر بأدائها غير مقيد بوقت، كالزكاة، فهي تجب في مطلق الوقت وإنما يتعين بتعينه، ففي أي وقت أدى كان مؤديا لا قاضيا، غير أن المستحب إخراجها قبل الذهاب إلى المصلى.

وذهب الشافعية إلى أن وقت وجوب الأداء مضيق كالأضحية، فمن أداها بعد يوم العيد بدون عذر كان آثما.

واتفق جميع الفقهاء على أنها لا تسقط بخروج وقتها؛ لأنها وجبت في ذمته لمن هي له، وهم مستحقوها، فهي دين لهم لا يسقط إلا بالأداء؛ لأنها حق للعبد، أما حق الله في التأخير عن وقتها فلا يجبر إلا بالاستغفار والندامة

إخراجها قبل وقتها:

 ذهب الشافعية إلى أنه يسن إخراجها قبل صلاة العيد ويكره تأخيرها عن الصلاة، ومحرم تأخيرها عن يوم العيد بلا عذر؛ لفوات المعنى المقصود، وهو إغناء الفقراء عن الطلب في يوم السرور، فلو أخرها بلا عذر عصى وقضى، لخروج الوقت. وذهب بعض الحنفية إلى أنه يجوز تقديمها في رمضان فقط، وهو قول مصحح للحنفية.

مقدار الواجب

اتفق الفقهاء على أن الواجب إخراجه في الفطرة صاع من جميع الأصناف التي يجوز إخراج الفطرة منها عدا القمح والزبيب، فقد اختلفوا في المقدار فيهما: فذهب الشافعية ، إلى أن الواجب إخراجه في القمح هو صاع منه.

وذهب الحنفية إلى أن الواجب إخراجه من القمح نصف صاع، وكذا دقيق القمح وسويقه، أما الزبيب فروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يجب نصف صاع كالبر، لأن الزبيب تزيد قيمته على قيمة القمح، وذهب الصاحبان - أبو يوسف ومحمد - إلى أنه يجب صاع من زبيب.

نوع الواجب:

ذهب الحنفية إلى أنه يجزئ إخراج زكاة الفطر القيمة من النقود وهو الأفضل، أو العروض، لكن إن أخرج من البر أو دقيقه أو سويقه أجزأه نصف صاع، وإن أخرج من الشعير أو التمر أو الزبيب فصاع.

ثم قال الحنفية: ما سوى هذه الأشياء الأربعة المنصوص عليها من الحبوب كالعدس والأرز، أو غير الحبوب كاللبن والجبن واللحم والعروض، فتعتبر قيمته بقيمة الأشياء المنصوص عليها، فإذا أراد المتصدق أن يخرج صدقة الفطر من العدس مثلا، فيقوم نصف صاع من بر، فإذا كانت قيمة نصف الصاع ثمانية قروش مثلا، أخرج من العدس ما قيمته ثمانية قروش مثلا، ومن الأرز واللبن والجبن وغير ذلك من الأشياء التي لم ينص عليها الشارع، يخرج من العدس ما يعادل قيمته.

وذهب الشافعية إلى أنه يخرج من جنس ما يجب فيه العشر، ولو وجدت أقوات فالواجب غالب قوت بلده، ويجزئ الأعلى من الأدنى لا العكس.

مصارف زكاة الفطر

ذهب الحنفية والشافعية الى جواز قسمتها على الأصناف الثمانية التي تصرف فيها زكاة المال.

أداء القيمة

ذهب الشافعية إلى أنه لا يجوز دفع القيمة. وذهب الحنفية إلى أنه يجوز دفع القيمة في صدقة الفطر، بل هو أولى ليتيسر للفقير أن يشتري أي شيء يريده في يوم العيد.

مكان دفع زكاة الفطر:

تفرق زكاة الفطر في البلد الذي وجبت على المكلف فيه، سواء أكان ماله فيه أم لم يكن؛ لأن الذي وجبت عليه هو سبب وجوبها، فتفرق في البلد الذي سببها فيه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كتاب الصيام

 

قال الله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].

الصوم في اللغة: الإمساك مطلقا عن الطعام والشراب والكلام والنكاح والسير.

وفي الاصطلاح: هو الإمساك عن المفطر على وجه مخصوص.

الحكم التكليفي:

أجمعت الأمة على أن صوم شهر رمضان فرض. والدليل على الفرضية الكتاب والسنة والإجماع. كما انعقد الإجماع على فرضية صوم شهر رمضان، لا يجحدها إلا كافر.

 

أنواع الصوم

ينقسم الصوم إلى صوم عين، وصوم دين.

وصوم العين: ما له وقت معين:

أ - إما بتعيين الله تعالى، كصوم رمضان، وصوم التطوع خارج رمضان.

ب - وإما بتعيين العبد، كالصوم المنذور به في وقت بعينه.

وأما صوم الدين، فما ليس له وقت معين، كصوم قضاء رمضان، وصوم كفارة القتل والظهار واليمين والإفطار في رمضان، وصوم متعة الحج، وصوم فدية الحلق، وصوم جزاء الصيد، وصوم النذر المطلق عن الوقت، وصوم اليمين، بأن قال: والله لأصومن شهرا.

 

الصوم المفروض:

ينقسم الصوم المفروض من العين والدين، إلى قسمين: منه ما هو متتابع، ومنه ما هو غير متتابع، بل صاحبه بالخيار: إن شاء تابع، وإن شاء فرق.

أولا: ما يجب فيه التتابع، ويشمل ما يلي:

أ - صوم رمضان، فقد أمر الله تعالى بصوم الشهر بقوله سبحانه: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185]، والشهر متتابع، لتتابع أيامه، فيكون صومه متتابعا ضرورة.

ب - صوم كفارة القتل الخطأ، وصوم كفارة الظهار، والصوم المنذور به في وقت بعينه، وصوم كفارة الجماع في نهار رمضان.

ثانيا: ما لا يجب فيه التتابع، ويشمل ما يلي:

أ - قضاء رمضان، فمذهب الحنفية والشافعية هو: ندب التتابع أو استحبابه للمسارعة إلى إسقاط الفرض.

ب - صوم المتعة في الحج، وصوم كفارة الحلق، وصوم جزاء الصيد، وصوم النذر المطلق، وصوم اليمين المطلقة.

الصوم المختلف في وجوبه، ويشمل ما يلي:

الأول وهو: قضاء ما أفسده من صوم النفل ذهب الحنفية إلى أن قضاء نفل الصوم إذا أفسده واجب. والحنفية لا يختلفون في وجوب القضاء إذا فسد صوم النافلة عن قصد، أو غير قصد بأن عرض الحيض للصائمة المتطوعة.

وإنما اختلفوا في الإفساد نفسه، هل يباح أو لا؟ فظاهر الرواية، أنه لا يباح إلا بعذر، وهذه الرواية الصحيحة.

والشافعية، لا يوجبون إتمام نافلة الصوم، ولا يوجبون قضاءها إن فسدت، ونصوا على أن من شرع في نافلة صوم لم يلزمه الإتمام، لكن يستحب، ولا كراهة ولا قضاء في قطع صوم التطوع مع العذر. أما مع عدم العذر فيكره، ومن العذر أن يعز على من ضيفه امتناعه من الأكل. وإذا أفطر فإنه لا يثاب على ما مضى إن أفطر بغير عذر، وإلا أثيب.

 

الصوم المكروه

أ - إفراد يوم الجمعة بالصوم:

نص على كراهته الشافعية، وذكر في الخانية أنه لا بأس بصوم يوم الجمعة عند أبي حنيفة ومحمد، وقد صرح الحصكفي بندب صومه، ولو منفردا، وقال أبو يوسف: جاء حديث في كراهة صومه، إلا أن يصوم قبله أو بعده، فكان الاحتياط في أن يضم إليه يوما آخر وتنتفي الكراهة بضم يوم آخر إليه.

ب - صوم يوم السبت وحده خصوصا:

وهو متفق على كراهته ووجه الكراهة أنه يوم تعظمه اليهود، ففي إفراده بالصوم تشبه بهم، إلا أن يوافق صومه بخصوصه يوما اعتاد صومه، كيوم عرفة أو عاشوراء.

ج - صوم يوم الأحد بخصوصه:

ذهب الحنفية والشافعية إلى أن تعمد صوم يوم الأحد بخصوصه مكروه، إلا إذا وافق يوما كان يصومه، واستظهر ابن عابدين أن صوم السبت والأحد معا ليس فيه تشبه باليهود والنصارى، لأنه لم تتفق طائفة منهم على تعظيمهما، كما لو صام الأحد مع الاثنين، فإنه تزول الكراهة.

د - إفراد يوم النيروز بالصوم:

يكره إفراد يوم النيروز، ويوم المهرجان بالصوم، وذلك لأنهما يومان يعظمهما الكفار، وهما عيدان للفرس، فيكون تخصيصهما بالصوم - دون غيرهما - موافقة لهم في تعظيمهما، فكره، كيوم السبت. وعلى قياس هذا كل عيد للكفار، أو يوم يفردونه بالتعظيم ونص ابن عابدين على أن الصائم إذا قصد بصومه التشبه، كانت الكراهة تحريمية.

ç - صوم الوصال:

ذهب الحنفية إلى كراهة صوم الوصال، وهو: أن لا يفطر بعد الغروب أصلا، حتى يتصل صوم الغد بالأمس، فلا يفطر بين يومين، وفسره بعض الحنفية بأن يصوم السنة ولا يفطر في الأيام المنهية وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها، وكذا بمجرد الشرب لانتفاء الوصال.

وعند الشافعية قولان: الأول وهو الصحيح: بأن الوصال مكروه كراهة تحريم، وهو ظاهر نص الشافعي ¬.

 

و- صوم الدهر (صوم العمر):

ذهب الحنفية على وجه العموم إلى كراهة صوم الدهر، وقال الغزالي: هو مسنون. وقال الأكثرون من الشافعية: إن خاف منه ضررا، أو فوت به حقا كره، وإلا فلا. والمراد بصوم الدهر عند الشافعية: سرد الصوم في جميع الأيام إلا الأيام التي لا يصح صومها، وهي العيدان وأيام التشريق.

الصوم المحرم

أ - صوم يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى، وأيام التشريق، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وذهب الحنفية إلى جواز الصوم فيها مع الكراهة التحريمية، وهذا هو القديم عند الشافعية، والأصح الذي اختاره النووي ما في الجديد، وهو عدم صحة الصوم فيها مطلقا.

ب - ويحرم صيام الحائض والنفساء، وصيام من يخاف على نفسه الهلاك بصومه.

 

ثبوت هلال شهر رمضان:

يجب صوم رمضان بإكمال شعبان ثلاثين يوما اتفاقا، أو رؤية الهلال ليلة الثلاثين.

صوم من رأى الهلال وحده:

 من رأى هلال رمضان وحده، وردت شهادته، لزمه الصوم وجوبا، عند الحنفية والشافعية. وإن رأى هلال شوال وحده، لم يفطر عند الحنفية، خوف التهمة وسدا للذريعة، وقال الشافعي: له أن يفطر، لأنه تيقن من شوال، فجاز له الأكل كما لو قامت بينة، لكن يفطر سرا، بحيث لا يراه أحد.

وقال الحنفية: لو أفطر من رأى الهلال وحده في الوقتين: رمضان وشوال قضى ولا كفارة عليه.

ركن الصوم:

ركن الصوم باتفاق الفقهاء هو: الإمساك عن المفطرات، وذلك من طلوع الفجر الصادق، حتى غروب الشمس.

 

شروط وجوب الصوم

 شروط وجوب الصوم، أي: اشتغال الذمة بالواجب - كما يقول الكاساني - هي شروط افتراضه والخطاب به. وهي:

أ - الإسلام، وهو شرط عام للخطاب بفروع الشريعة.

ب - العقل، إذ لا فائدة من توجه الخطاب بدونه، فلا يجب الصوم على مجنون إلا إذا أثم بزوال عقله، في شراب أو غيره، ويلزمه قضاؤه بعد الإفاقة. وعبر الحنفية بالإفاقة بدلا من العقل، أي الإفاقة من الجنون والإغماء أو النوم، وهي اليقظة.

ج - البلوغ، ولا تكليف إلا به، لأن الغرض من التكليف هو الامتثال، وذلك بالإدراك والقدرة على الفعل - كما هو معلوم في الأصول - والصبا والطفولة عجز.

ونص الفقهاء على أنه يؤمر به الصبي لسبع - كالصلاة - إن أطاقه، ويضرب على تركه لعشر.

د - العلم بالوجوب، فمن أسلم في دار الحرب، يحصل له العلم الموجب، بإخبار رجلين عدلين، أو رجل مستور وامرأتين مستورتين، أو واحد عدل، ومن كان مقيما في دار الإسلام، يحصل له العلم بنشأته في دار الإسلام، ولا عذر له بالجهل.

شروط وجوب أدائه:

شروط وجوب الأداء الذي هو تفريغ ذمة المكلف عن الواجب في وقته المعين له هي:

أ - الصحة والسلامة من المرض.

ب - الإقامة

ج - خلو المرأة من الحيض والنفاس

شروط صحة الصوم

 أ - الطهارة من الحيض والنفاس.

ب - خلوه عما يفسد الصوم بطروه عليه كالجماع.

ج - النية. وذلك لأن صوم رمضان عبادة، فلا يجوز إلا بالنية، كسائر العبادات.

والإمساك قد يكون للعادة، أو لعدم الاشتهاء، أو للمرض، أو للرياضة، فلا يتعين إلا بالنية، كالقيام إلى الصلاة والحج. قال النووي: لا يصح الصوم إلا بنية، ومحلها القلب، ولا يشترط النطق بها، بلا خلاف. وقال الحنفية: التلفظ بها سنة.

ثانيا: التعيين، والشافعية ذهبوا إلى أنه لا بد من تعيين النية في صوم رمضان، وصوم الفرض والواجب، ولا يكفي تعيين مطلق الصوم، ولا تعيين صوم معين غير رمضان.

وذهب الحنفية في التعيين إلى تقسيم الصيام إلى قسمين: القسم الأول: لا يشترط فيه التعيين، وهو: أداء رمضان، والنذر المعين زمانه، وكذا النفل، فإنه يصح بمطلق نية الصوم، من غير تعيين.

والقسم الثاني: يشترط فيه التعيين، وهو: قضاء رمضان، وقضاء ما أفسده من النفل، وصوم الكفارات بأنواعها، والنذر المطلق عن التقييد بزمان، سواء أكان معلقا بشرط، أم كان مطلقا.

ثالثا - التبييت: وهو شرط في صوم الفرض عند الشافعية، والتبييت: إيقاع النية في الليل، ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فلو قارن الغروب أو الفجر أو شك، لم يصح، كما هو قضية التبييت.

والصحيح عند الشافعية: أنه لا يشترط في التبييت النصف الآخر من الليل، والحنفية لم يشترطوا التبييت في رمضان. ولما لم يشترطوا تبييت النية في ليل رمضان، أجازوا النية بعد الفجر دفعا للحرج أيضا، حتى الضحوة الكبرى، فينوي قبلها ليكون الأكثر منويا، فيكون له حكم الكل، حتى لو نوى بعد ذلك لا يجوز، لخلو الأكثر عن النية، تغليبا للأكثر.

أما النفل فيجوز صومه عند الحنفية بنية قبل الزوال، وعند الشافعية: لا يجوز.

رابعا: تجديد النية: يجب تجديد النية في كل يوم من رمضان، من الليل أو قبل الزوال - على الخلاف السابق - وذلك لكي يتميز الإمساك عبادة عن الإمساك عادة أو حمية.

استمرار النية:

اشترط الفقهاء الدوام على النية، فلو نوى الصيام من الليل ثم رجع عن نيته قبل طلوع الفجر لا يصير صائما.

ولو نوى الإفطار في أثناء النهار فمذهب الحنفية والشافعية أنه لا يفطر، كما لو نوى التكلم في صلاته ولم يتكلم.

 

الإغماء والجنون والسكر بعد النية:

اختلف الفقهاء فيما إذا نوى الصيام من الليل، ثم طرأ عليه إغماء أو جنون أو سكر: فإن لم يفق إلا بعد غروب الشمس، فذهب الشافعية إلى عدم صحة صومه، وذهب الحنفية إلى صحة صومه.

 أما إذا أفاق أثناء النهار، فذهب الحنفية إلى تجديد النية إذا أفاق قبل الزوال، وذهب الشافعية إلى أنه إذا أفاق في أي جزء من النهار صح صومه، سواء أكان في أوله أم في آخره.

وفرق الشافعية بين الجنون والإغماء، فالمذهب: أنه لو جن في أثناء النهار بطل صومه، وقيل: هو كالإغماء.

وأما الردة بعد نية الصوم فتبطل الصوم بلا خلاف.

 

سنن الصوم ومستحباته

 سنن الصوم ومستحباته كثيرة، أهمها:

 أ – السحور.

ب - تأخير السحور، وتعجيل الفطر.

ج - ويستحب أن يكون الإفطار على رطبات، فإن لم تكن فعلى تمرات.

 د - ويستحب أن يدعو عند الإفطار.

ومن أهم ما ينبغي أن يترفع عنه الصائم ويحذره: ما يحبط صومه من المعاصي الظاهرة والباطنة، فيصون لسانه عن اللغو والهذيان والكذب، والغيبة والنميمة، والفحش والجفاء، والخصومة والمراء، ويكف جوارحه عن جميع الشهوات والمحرمات، ويشتغل بالعبادة، وذكر الله، وتلاوة القرآن.

 

مفسدات الصوم

يفسد الصوم - بوجه عام - كلما انتفى شرط من شروطه، أو اختل أحد أركانه، كالردة، وكطروء الحيض والنفاس، وكل ما ينافيه من أكل وشرب ونحوهما، ودخول شيء من خارج البدن إلى جوف الصائم.

ويشترط في فساد الصوم بما يدخل إلى الجوف ما يلي: -

أ - أن يكون الداخل إلى الجوف، من المنافذ المفتوحة كما قال الشافعية - أي: المخارق الطبيعية الأصلية في الجسم، والتي تعتبر موصلة للمادة من الخارج إلى الداخل، كالفم والأنف والأذن.

ب - أن يكون الداخل إلى الجوف مما يمكن الاحتراز عنه، كدخول المطر والثلج بنفسه حلق الصائم إذا لم يبتلعه بصنعه، فإن لم يمكن الاحتراز عنه - كالذباب يطير إلى الحلق، وغبار الطريق - لم يفطر إجماعا.

وقال الشافعية: لو فتح فاه عمدا حتى دخل الغبار في جوفه، لم يفطر على الأصح.

ج - ولا يشترط أن يكون الداخل إلى الجوف مغذيا، فيفسد الصوم بالداخل إلى الجوف، مما يغذي أو لا يغذي، كابتلاع التراب ونحوه.

د - وشرط كون الصائم قاصدا ذاكرا لصومه، أما لو كان ناسيا أنه صائم، فلا يفسد صومه.

ç - وشرط الحنفية استقرار المادة في الجوف، ولم يشترط الشافعية استقرار المادة في الجوف إذا كان باختياره.

و- وشرط الشافعية وزفر من الحنفية أن يكون الصائم مختارا فيما يتناوله، من طعام أو شراب أو دواء، فلو أوجر الماء، أو صب الدواء في حلقه مكرها، لم يفسد صومه عندهم، لأنه لم يفعل ولم يقصد.

ومذهب الحنفية: أن الإكراه على الإفطار يفسد الصوم، ويستوجب القضاء.

ما يفسد الصوم، ويوجب القضاء

وذلك يرجع إلى الإخلال بأركانه وشروطه، ويمكن حصره فيما يلي: -

1 - تناول ما لا يؤكل في العادة.

2 - قضاء الوطر قاصرا.

3 - شئون المعالجة والمداواة.

4 - التقصير في حفظ الصوم والجهل بأحكامه.

5 - الإفطار بسبب العوارض.

التقطير في الأذن:

ذهب الحنفية والشافعية إلى فساد الصوم بتقطير الدواء أو الدهن أو الماء في الأذن.

الاحتقان: صب الدواء أو إدخال نحوه في الدبر. وقد يكون بمائع أو بغيره، فالاحتقان بالمائع من الماء، وهو الغالب، أو غير الماء - يفسد الصوم ويوجب القضاء، فيما ذهب إليه الحنفية والشافعية.

أما الاحتقان بالجامد، ففيه بعض الخلاف: فذهب الشافعية إلى أن ما يدخل الى الجوف من الدبر بالحقنة يفطر، لأنه واصل إلى الجوف باختياره، فأشبه الأكل.

 وذهب الحنفية إلى أن تغييب القطن ونحوه من الجوامد الجافة يفسد الصوم، وعدم التغييب لا يفسده، كما لو بقي طرفه خارجا، لأن عدم تمام الدخول كعدم دخول شيء بالمرة، كإدخال الأصبع غير المبلولة، أما المبلولة بالماء والدهن فيفسده.

 

التقطير في الإحليل، أي الذكر:

ذهب أبو حنيفة ومحمد، إلى أنه لا يفطر، سواء أوصل إلى المثانة أم لم يصل، لأنه ليس بين باطن الذكر وبين الجوف منفذ، وإنما يمر البول رشحا، فالذي يتركه فيه لا يصل إلى الجوف، فلا يفطر، كالذي يتركه في فيه ولا يبتلعه.

والأصح عند الشافعية أنه إذا قطر فيه شيئا لم يصل إلى المثانة لم يفطر، وهذا أصحها.

التقطير في فرج المرأة:

الأصح عند الحنفية، والذي يؤخذ من مذهب الشافعية الذين نصوا على الإحليل فقط - هو فساد الصوم به.

لو تسحر أو جامع، ظانا عدم طلوع الفجر، والحال أن الفجر طالع، فإنه يفطر ويجب عليه القضاء دون الكفارة، وهذا مذهب الحنفية، والصحيح من مذهب الشافعية. وكذلك الحكم إذا أفطر بظن الغروب، والحال أن الشمس لم تغرب - عليه القضاء، ولا كفارة عليه.

أما لو فعل ما لا يظن به الفطر، كالفصد والحجامة والاكتحال واللمس والتقبيل بشهوة ونحو ذلك، فظن أنه أفطر بذلك، فأكل عمدا، فإنه يقضي في تلك الصور ويكفر لأنه ظن في غير محله.

فلو كان ظنه في محله فلا كفارة، كما لو أفتاه مفت - يعتمد على قوله ويؤخذ بفتواه في البلد - بالإفطار في الحجامة فأكل عامدا، بعدما احتجم لا يكفر.

نص الشافعية على أن من جامع عامدا، بعد الأكل ناسيا، وظن أنه أفطر به، لا كفارة عليه، وإن كان الأصح بطلان صومه بالجماع، لأنه جامع وهو يعتقد أنه غير صائم، فلم يأثم به. وأما لو قال: علمت تحريمه، وجهلت وجوب الكفارة، لزمته الكفارة بلا خلاف.

الجهل: عدم العلم بما من شأنه أن يعلم. فالحنفية والشافعية، على إعذار حديث العهد بالإسلام، إذا جهل الصوم في رمضان.

قال الحنفية: يعذر من أسلم بدار الحرب فلم يصم، ولم يصل، ولم يزك بجهله بالشرائع مدة جهله؛ لأن الخطاب إنما يلزم بالعلم به أو بدليله، ولم يوجد، إذ لا دليل عنده على فرض الصلاة والصوم.

وقال الشافعية: لو جهل تحريم الطعام أو الوطء، بأن كان قريب عهد بالإسلام، أو نشأ بعيدا عن العلماء، لم يفطر، كما لو غلب عليه القيء.

عوارض الإفطار

المراد بالعوارض: ما يبيح عدم الصوم.

وهي: المرض، والسفر، والحمل، والرضاع، والهرم، وإرهاق الجوع والعطش، والإكراه.

المرض: هو كل ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علة.

فالمريض الذي يخاف زيادة مرضه بالصوم أو إبطاء البرء أو فساد عضو، له أن يفطر، بل يسن فطره، ويكره إتمامه، لأنه قد يفضي إلى الهلاك، فيجب الاحتراز عنه، ثم إن شدة المرض تجيز الفطر للمريض.

 وقال الحنفية: إذا خاف الصحيح المرض بغلبة الظن فله الفطر، فإن خافه بمجرد الوهم، فليس له الفطر.

وقال الشافعية: إن المريض - وإن تعدى بفعل ما أمرضه - يباح له ترك الصوم، إذا وجد به ضررا شديدا، لكنهم شرطوا لجواز فطره نية الترخص وفرقوا بين المرض المطبق، وبين المرض المتقطع، فإن كان المرض مطبقا، فله ترك النية في الليل.

وإن كان يحم وينقطع؛ نظر. فإن كان محموما وقت الشروع في الصوم، فله ترك النية، وإلا فعليه أن ينوي من الليل، فإن احتاج إلى الإفطار أفطر.

ومثل ذلك الحصاد والبناء والحارس - ولو متبرعا - فتجب عليهم النية ليلا، ثم إن لحقتهم مشقة أفطروا.

قال النووي: ولا يشترط أن ينتهي إلى حالة لا يمكنه فيها الصوم، بل قال أصحابنا: شرط إباحة الفطر أن يلحقه بالصوم مشقة يشق احتمالها، وأما المرض اليسير الذي لا يلحق به مشقة ظاهره فلم يجز له الفطر، بلا خلاف عندنا، خلافا لأهل الظاهر.

ونص الشافعية على أنه إذا أصبح الصحيح صائما، ثم مرض، جاز له الفطر بلا خلاف، لأنه أبيح له الفطر للضرورة، والضرورة موجودة، فجاز له الفطر.

يشترط في السفر المرخص في الفطر ما يلي:

 أ - أن يكون السفر طويلا مما تقصر فيه الصلاة.

ب - أن لا يعزم المسافر الإقامة خلال سفره مدة أربعة أيام بلياليها عند الشافعية، ونصف شهر أو خمسة عشر يوما عند الحنفية.

ج - أن لا يكون سفره في معصية، بل في غرض صحيح عند الشافعية. والحنفية يجيزون الفطر للمسافر، ولو كان عاصيا بسفره.

د - أن يجاوز المدينة وما يتصل بها، والبناءات والأفنية والأخبية.

وذهب عامة الصحابة والفقهاء، إلى أن من أدرك هلال رمضان وهو مقيم، ثم سافر، جاز له الفطر.

وفي وقت جواز الفطر للمسافر ثلاث أحوال:

 الأولى: أن يبدأ السفر قبل الفجر، أو يطلع الفجر وهو مسافر، وينوي الفطر، فيجوز له الفطر إجماعا - كما قال ابن جزي - لأنه متصف بالسفر، عند وجود سبب الوجوب.

الثانية: أن يبدأ السفر بعد الفجر، بأن يطلع الفجر وهو مقيم ببلده، ثم يسافر بعد طلوع الفجر، أو خلال النهار، فإنه لا يحل له الفطر بإنشاء السفر بعدما أصبح صائما، ويجب عليه إتمام ذلك اليوم، وهذا مذهب الحنفية، وهو الصحيح من مذهب الشافعية، وذلك تغليبا لحكم الحضر، ومع ذلك لا كفارة عليه في إفطاره عند الحنفية، والصحيح عند الشافعية أنه يحرم عليه الفطر حتى لو أفطر بالجماع لزمته الكفارة.

الثالثة: أن يفطر قبل مغادرة بلده. وقد منع من ذلك الحنفية والشافعية، وقالوا: إن رخصة السفر لا تتحقق بدونه، كما لا تبقى بدونه، ولما يتحقق السفر بعد، بل هو مقيم وشاهد ولا يوصف بكونه مسافرا حتى يخرج من البلد، ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين، ولذلك لا يقصر الصلاة.

ويتصل بهذه المسائل في إفطار المسافر: ما لو نوى في سفره الصوم ليلا، وأصبح صائما، من غير أن ينقض عزيمته قبل الفجر، لا يحل فطره في ذلك اليوم عند الحنفية، وهو وجه محتمل عند الشافعية، ولو أفطر لا كفارة عليه للشبهة.

صحة الصوم في السفر:

ذهب الأئمة الأربعة، وجماهير الصحابة والتابعين إلى أن الصوم في السفر جائز صحيح منعقد، وإذا صام وقع صيامه وأجزأه.

ومذهب الحنفية والشافعية، أن الصوم أفضل، إذا لم يجهده الصوم ولم يضعفه، وصرحوا بأنه مندوب.

انقطاع رخصة السفر:

تسقط رخصة السفر بأمرين اتفاقا:

الأول: إذا عاد المسافر إلى بلده، ودخل وطنه، وهو محل إقامته، ولو كان دخوله بشيء نسيه، يجب عليه الصوم، كما لو قدم ليلا، أو قدم قبل نصف النهار عند الحنفية.

أما لو قدم نهارا، ولم ينو الصوم ليلا، أو قدم بعد نصف النهار - عند الحنفية، ولم يكن نوى الصوم قبلا - فإنه يمسك بقية النهار، على خلاف وتفصيل في وجوب إمساكه.

الثاني: إذا نوى المسافر الإقامة مطلقا، أو مدة الإقامة التي تقدمت في شروط جواز فطر المسافر في مكان واحد، وكان المكان صالحا للإقامة، لا كالسفينة والمفازة ودار الحرب، فإنه يصير مقيما بذلك، فيتم الصلاة، ويصوم ولا يفطر في رمضان، لانقطاع حكم السفر. وصرحوا بأنه يحرم عليه الفطر - على الصحيح - لزوال العذر وإذا لم ينو الإقامة لكنه أقام لقضاء حاجة له، بلا نية إقامة، ولا يدري متى تنقضي، أو كان يتوقع انقضاءها في كل وقت، فإنه يجوز له أن يفطر، كما يقصر الصلاة. قال الحنفية: ولو بقي على ذلك سنين.

فإن ظن أنها لا تنقضي إلا فوق أربعة أيام عند الشافعية، أو خمسة عشر يوما عند الحنفية، فإنه يعتبر مقيما، فلا يفطر ولا يقصر، إلا إذا كان الفرض قتالا - كما قال الغزالي - فإنه يترخص على أظهر القولين، أو دخل المسلمون أرض الحرب أو حاصروا حصنا فيها، أو كانت المحاصرة للمصر على سطح البحر، فإن لسطح البحر حكم دار الحرب.

ثالثا: الحمل والرضاع:

 الفقهاء متفقون على أن الحامل والمرضع لهما أن تفطرا في رمضان، بشرط أن تخافا على أنفسهما أو على ولدهما المرض أو زيادته، أو الضرر أو الهلاك.

 

الشيخوخة والهرم:

وتشمل الشيخوخة والهرم ما يلي: -

الشيخ الفاني، وهو الذي فنيت قوته، أو أشرف على الفناء، وأصبح كل يوم في نقص إلى أن يموت.

المريض الذي لا يرجى برؤه، وتحقق اليأس من صحته.

العجوز، وهي المرأة المسنة.

وقيد الحنفية عجز الشيخوخة والهرم، بأن يكون مستمرا، فلو لم يقدرا على الصوم لشدة الحر مثلا، كان لهما أن يفطرا، ويقضياه في الشتاء.

ولا خلاف بين الفقهاء في أنه لا يلزمهما الصوم، ونقل ابن المنذر الإجماع عليه، وأن لهما أن يفطرا، إذا كان الصوم يجهدهما ويشق عليهما مشقة شديدة.

إرهاق الجوع والعطش:

من أرهقه جوع مفرط، أو عطش شديد، فإنه يفطر ويقضي. وقيده الحنفية بأمرين:

الأول: أن يخاف على نفسه الهلاك، بغلبة الظن، لا بمجرد الوهم، أو يخاف نقصان العقل، أو ذهاب بعض الحواس، كالحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما الهلاك أو على أولادهما.

الثاني: أن لا يكون ذلك بإتعاب نفسه، إذ لو كان به تلزمه الكفارة.

قال الحنفية: المحترف المحتاج إلى نفقته كالخباز والحصاد، إذا علم أنه لو اشتغل بحرفته يلحقه ضرر مبيح للفطر، يحرم عليه الفطر قبل أن تلحقه مشقة.

ومذهب الحنفية أن من أكره على الفطر فأفطر قضى.

وفرق الشافعية بين الإكراه على الأكل أو الشرب، وبين الإكراه على الوطء:

 فقالوا في الإكراه على الأكل: لو أكره حتى أكل أو شرب لم يفطر، كما لو أوجر في حلقه مكرها، لأن الحكم الذي ينبني على اختياره ساقط لعدم وجود الاختيار.

أما لو أكره على الوطء زنا، فإنه لا يباح بالإكراه، فيفطر به، بخلاف وطء زوجته.

 

ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة

أولا: الجماع عمدا:

ذهب الحنفية والشافعية إلى أن جماع الصائم في نهار رمضان عامدا مختارا بأن يلتقي الختانان وتغيب الحشفة في أحد السبيلين - مفطر يوجب القضاء والكفارة، أنزل أو لم ينزل.

ولا خلاف في فساد صوم المرأة بالجماع لأنه نوع من المفطرات، فاستوى فيه الرجل والمرأة. وإنما الخلاف في وجوب الكفارة عليها:

فمذهب أبي حنيفة وجوب الكفارة عليها أيضا، وفي قول للشافعي وهو الأصح،: أنه لا كفارة عليها.

ثانيا: الأكل والشرب عمدا:

مما يوجب القضاء والكفارة، عند الحنفية: الأكل والشرب. فإذا أكل الصائم، في أداء رمضان أو شرب غذاء أو دواء، طائعا عامدا، بغير خطأ ولا إكراه ولا نسيان، أفطر وعليه الكفارة.

وضابطه عند الحنفية: وصول ما فيه صلاح بدنه لجوفه، بأن يكون مما يؤكل عادة على قصد التغذي أو التداوي أو التلذذ، أو مما يميل إليه الطبع، وتنقضي به شهوة البطن، وإن لم يكن فيه صلاح البدن، بل ضرره.

وشرطوا أيضا لوجوب الكفارة: أن ينوي الصوم ليلا، وأن لا يكون مكرها، وأن لا يطرأ عذر شرعي لا صنع له فيه، كمرض وحيض.

ومذهب الشافعية عدم وجوب الكفارة على من أكل أو شرب عمدا في نهار رمضان أداء.

ما لا يفسد الصوم

أولا: الأكل والشرب في حال النسيان:

ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الأكل والشرب في حال النسيان لا يفسد الصوم فرضا أو نفلا.

ثانيا: الجماع في حال النسيان:

ذهب الحنفية والشافعية في المذهب، إلى أن الجماع في حال النسيان لا يفطر قياسا على الأكل والشرب ناسيا.

ثالثا: دخول الغبار ونحوه حلق الصائم:

إذا دخل حلق الصائم غبار أو ذباب أو دخان بنفسه، بلا صنعه، ولو كان الصائم

ذاكرا لصومه، لم يفطر إجماعا. وكذلك إذا دخل الدمع حلقه وكان قليلا نحو القطرة أو القطرتين فإنه لا يفسد صومه؛ لأن التحرز منه غير ممكن. وإن كان كثيرا حتى وجد ملوحته في جميع فمه وابتلعه فسد صومه.

رابعا: الادهان:

لو دهن الصائم رأسه، أو شاربه لا يضره ذلك، وكذا لو اختضب بحناء، فوجد الطعم في حلقه لم يفسد صومه، ولا يجب عليه القضاء، إذ لا عبرة بما يكون من المسام.

خامسا: الاحتلام:

إذا نام الصائم فاحتلم لا يفسد صومه، بل يتمه إجماعا، إذا لم يفعل شيئا يحرم عليه ويجب عليه الاغتسال ومن أجنب ليلا، ثم أصبح صائما، فصومه صحيح، ولا قضاء عليه وقال الحنفية: وإن بقي جنبا كل اليوم، وجزم النووي بأنه استقر الإجماع على ذلك، وقال ابن دقيق العيد: إنه صار إجماعا أو كالإجماع.

 سادسا: البلل في الفم:

مما لا يفسد الصوم البلل الذي يبقى في الفم بعد المضمضة، إذا ابتلعه الصائم مع الريق، بشرط أن يبصق بعد مج الماء، لاختلاط الماء بالبصاق، فلا يخرج بمجرد المج، ولا تشترط المبالغة في البصق؛ لأن الباقي بعده مجرد بلل ورطوبة، لا يمكن التحرز عنه.

سابعا: ابتلاع ما بين الأسنان:

ابتلاع ما بين الأسنان، إذا كان قليلا، لا يفسد ولا يفطر؛ لأنه تبع لريقه، ولأنه لا يمكن الاحتراز عنه، بخلاف الكثير فإنه لا يبقى بين الأسنان، والاحتراز عنه ممكن. والقليل: هو ما دون الحمصة، ولو كان قدرها أفطر.

وشرط الشافعية، لعدم الإفطار بابتلاع ما بين الأسنان شرطين:

أولهما: أن لا يقصد ابتلاعه.

والآخر: أن يعجز عن تمييزه ومجه؛ لأنه معذور فيه غير مفرط، فإن قدر عليهما أفطر، ولو كان دون الحمصة، لأنه لا مشقة في لفظه، والتحرز عنه ممكن.

ثامنا: دم اللثة والبصاق:

لو دميت لثته، فدخل ريقه حلقه مخلوطا بالدم، ولم يصل إلى جوفه، لا يفطر عند الحنفية، وإن كان الدم غالبا على الريق، أما لو وصل إلى جوفه، فإن غلب الدم فسد صومه، وعليه القضاء ولا كفارة، وإن غلب البصاق فلا شيء عليه، وإن تساويا، فالقياس أن لا يفسد وفي الاستحسان يفسد احتياطا.

ولو خرج البصاق على شفتيه ثم ابتلعه، فسد صومه، وفي الخانية: ترطبت شفتاه ببزاقه، عند الكلام ونحوه، فابتلعه، لا يفسد صومه، وهذا ما ذهب إليه الحنفية.

ومذهب الشافعية: الإفطار بابتلاع الريق المختلط بالدم، لتغير الريق، والدم نجس لا يجوز ابتلاعه وإذا لم يتحقق أنه بلع شيئا نجسا لا يفطر، إذ لا فطر ببلع ريقه الذي لم تخالطه النجاسة.

تاسعا: ابتلاع النخامة:

مذهب الحنفية: أن النخامة سواء أكانت مخاطا نازلا من الرأس، أم بلغما صاعدا من الباطن، بالسعال أو التنحنح - ما لم يفحش البلغم - لا يفطر مطلقا.

وعند الشافعية هذا التفصيل:

- إن اقتلع النخامة من الباطن، ولفظها فلا بأس بذلك في الأصح؛ لأن الحاجة إليه مما يتكرر.

- ولو صعدت بنفسها، أو بسعاله، ولفظها لم يفطر جزما.

ولو ابتلعها بعد وصولها إلى ظاهر الفم، أفطر جزما.

وإذا حصلت في ظاهر الفم، يجب قطع مجراها إلى الحلق، ومجها، فإن تركها مع القدرة على ذلك، فوصلت إلى الجوف، أفطر في الأصح، لتقصيره، ولو ابتلعها بعد وصولها إلى ظاهر الفم، أفطر جزما.

عاشرا: القيء:

يفرق بين ما إذا خرج القيء بنفسه، وبين الاستقاءة.

وعبر الفقهاء عن الأول، بما: إذا ذرعه القيء، أي غلب القيء الصائم.

فإذا غلب القيء، فلا خلاف بين الفقهاء في عدم الإفطار به، قل القيء أم كثر، بأن ملأ الفم. أما لو عاد القيء بنفسه، في هذه الحال، بغير صنع الصائم، ولو كان ملء الفم، مع تذكر الصائم للصوم، فلا يفسد صومه، عند محمد - من الحنفية - وهو الصحيح عندهم.

وعند أبي يوسف: يفسد صومه.

وإن أعاده، أو عاد قدر حمصة منه فأكثر، فسد صومه باتفاق الحنفية، لوجود الإدخال بعد الخروج، فتتحقق صورة الفطر ولا كفارة فيه.

وإن كان أقل من ملء الفم، فعاد، لم يفسد صومه؛ لأنه غير خارج، ولا صنع له في الإدخال.

وإن أعاده فكذلك عند أبي يوسف لعدم الخروج، وعند محمد يفسد صومه، لوجود الصنع منه في الإدخال.

 

أما الاستقاءة، وهي: استخراج ما في الجوف عمدا، أو هي: تكلف القيء فإنها مفسدة للصوم موجبة للقضاء عند الشافعية.

وللحنفية تفصيل في الاستقاءة:

أ - فإن كانت عمدا، والصائم متذكر لصومه، غير ناس، والقيء ملء فمه، فعليه القضاء للحديث المذكور، والقياس متروك به، ولا كفارة فيه لعدم صورة الفطر.

ب - وإن كان أقل من ملء الفم، فكذلك عند محمد، يفسد صومه، لإطلاق الحديث، وهو ظاهر الرواية. وعند أبي يوسف لا يفسد؛ لعدم الخروج حكما، قالوا: وهو الصحيح، ثم إن عاد بنفسه لم يفسد عنده، لعدم سبق الخروج، وإن أعاده فعنه: أنه لا يفسد لعدم الخروج، وهي أصح الروايتين عنه. ونص الحنفية على أن هذا كله إذا كان القيء طعاما، أو مرة فإن كان الخارج بلغما، فغير مفسد للصوم، عند أبي حنيفة ومحمد، خلافا لأبي يوسف.

حادي عشر: طلوع الفجر في حالة الأكل أو الجماع:

اتفق الفقهاء على أنه إذا طلع الفجر وفي فيه طعام أو شراب فليلفظه، ويصح صومه. فإن ابتلعه أفطر، وكذا الحكم عند الحنفية والشافعية فيمن أكل أو شرب ناسيا ثم تذكر الصوم، صح صومه إن بادر إلى لفظه. وإن سبق شيء إلى جوفه بغير اختياره، فلا يفطر على الصحيح عند الشافعية.

وفي وجوب الكفارة في المكث والبقاء، في هذه الحال، خلاف: فظاهر الرواية، في مذهب الحنفية، والمذهب عند الشافعية عدم وجوب الكفارة.

مكروهات الصوم

يكره للصائم بوجه عام - مع الخلاف - ما يلي:

أ - ذوق شيء بلا عذر، لما فيه من تعريض الصوم للفساد، ولو كان الصوم نفلا، على المذهب عند الحنفية.

ب - ويكره مضغ العلك، الذي لا يتحلل منه أجزاء، فلا يصل منه شيء إلى الجوف. أما ما يتحلل منه أجزاء، فيحرم مضغه، ولو لم يبتلع ريقه، إقامة للمظنة مقام المئنة، فإن تفتت فوصل شيء منه إلى جوفه عمدا أفطر، وإن شك في الوصول لم يفطر.

ج - تكره القبلة إن لم يأمن على نفسه وقوع مفسد من الإنزال أو الجماع.

د - ويرى الحنفية والشافعية أن المباشرة والمعانقة ودواعي الوطء - كاللمس وتكرار النظر - حكمها حكم القبلة فيما تقدم.

وخص الحنفية المباشرة الفاحشة، بالكراهة التحريمية، وهي - عندهم - أن يتعانقا، وهما متجردان، ويمس فرجه فرجها. ونصوا على أن الصحيح أنها تكره، وإن أمن على نفسه الإنزال والجماع. ونقل الطحاوي وابن عابدين عدم الخلاف في كراهتها، وكذلك القبلة الفاحشة، وهي أن يمص شفتها، فيكره على الإطلاق.

ç - الحجامة، وهي أيضا مما يكره للصائم - في الجملة - وهي استخراج الدم المحقن من الجسم، مصا أو شرطا.

وقال الحنفية: لا بأس بها، إن أمن الصائم على نفسه الضعف، أما إذا خاف الضعف، فإنها تكره. وقال الشافعية: يستحب الاحتراز من الحجامة، من الحاجم والمحجوم؛ لأنها تضعفه.

و - وتكره المبالغة في المضمضة والاستنشاق في الصوم.

ففي المضمضة: بإيصال الماء إلى رأس الحلق، وفي الاستنشاق: بإيصاله إلى فوق المارن.

ما لا يكره في الصوم

أ - الاكتحال غير مكروه عند الحنفية والشافعية، بل أجازوه، ونصوا على أنه لا يفطر به الصائم ولو وجد طعمه في حلقه.

ب - التقطير في العين، ودهن الأجفان، أو وضع دواء مع الدهن في العين لا يفسد الصوم، لأنه لا ينافيه وإن وجد طعمه في حلقه، وهو الأصح عند الحنفية، والظاهر من كلام الشافعية أنهم يوافقون الحنفية.

ج - دهن الشارب ونحوه، كالرأس والبطن، لا يفطر بذلك عند الحنفية والشافعية، ولو وصل إلى جوفه بشرب المسام.

د - الاستياك، لا يرى الفقهاء بالاستياك بالعود اليابس أول النهار بأسا، ولا يكره عند الحنفية بعد الزوال، وذهب الشافعية إلى سنية ترك السواك بعد الزوال، وإذا استاك فلا فرق بين الرطب واليابس، بشرط أن يحترز عن ابتلاع شيء منه أو من رطوبته.

ç - المضمضة والاستنشاق في غير الوضوء والغسل لا يكره ذلك ولا يفطر.

و- اغتسال الصائم، فلا يكره، ولا بأس به حتى للتبرد، عند الحنفية. وأما الغوص في الماء، إذا لم يخف أن يدخل في مسامعه، فلا بأس به، وكرهه بعض الفقهاء حال الإسراف والتجاوز أو العبث، خوف فساد الصوم.

الآثار المترتبة على الإفطار

حصر الفقهاء الآثار المترتبة على الإفطار في أمور، منها: القضاء، والكفارة الكبرى، والكفارة الصغرى (وهذه هي الفدية) والإمساك بقية النهار، وقطع التتابع، والعقوبة.

أولا: القضاء:

من أفطر أياما من رمضان – كالمريض والمسافر - قضى بعدة ما فاته، ومن فاته صوم رمضان كله، قضى الشهر كله، سواء ابتدأه من أول الشهر أو من أثنائه.

لكن الشافعية قيدوه بما إذا لم يفت وقت قضائه، بأن يهل رمضان آخر.

ولا يجوز عند الشافعية تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر، من غير عذر يأثم به، فإن أخر فعليه الفدية: إطعام مسكين لكل يوم.

ومذهب الحنفية: إطلاق التراخي بلا قيد، فلو جاء رمضان آخر، ولم يقض الفائت، قدم صوم الأداء على القضاء، حتى لو نوى الصوم عن القضاء لم يقع إلا عن الأداء، ولا فدية عليه بالتأخير إليه.

مسائل تتعلق بالقضاء

الأولى: إن أخر قضاء رمضان - وكذا النذر والكفارة - لعذر، بأن استمر مرضه أو سفره المباح إلى موته، ولم يتمكن من القضاء، فلا شيء عليه، ولا تدارك للغائب بالفدية ولا بالقضاء.

الثانية: لو أفطر بعذر واتصل العذر بالموت فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يصام عنه ولا كفارة فيه. أما إذا زال العذر وتمكن من القضاء، ولم يقض حتى مات ففيه تفصيل:

فذهب الحنفية وهو الأصح والجديد عند الشافعية إلى أنه لا يصام عنه، وذهب الشافعية في القديم، وهو المختار عند النووي، إلى أنه يجوز لوليه أن يصوم عنه، زاد الشافعية: ويصح ذلك، ويجزئه عن الإطعام، وتبرأ به ذمة الميت.

أما في وجوب الفدية فقد اختلفوا فيه على النحو التالي:

قال الحنفية: لو أخر قضاء رمضان بغير عذر، ثم مات قبل رمضان آخر أو بعده، ولم يقض لزمه الإيصاء بكفارة ما أفطره بقدر الإقامة من السفر والصحة من المرض وزوال العذر، ولا يجب الإيصاء بكفارة ما أفطره على من مات قبل زوال العذر.

وذهب الشافعية - في الجديد - إلى أنه يجب في تركته لكل يوم مد من طعام.

ثانيا: الكفارة الكبرى:

لا خلاف بين الفقهاء في وجوبها بإفساد الصوم بالوقاع في الجملة، وإنما الخلاف في وجوبها بإفساده بالطعام والشراب، فتجب - في الجملة أيضا - بإفساد صوم رمضان خاصة، طائعا متعمدا غير مضطر، قاصدا انتهاك حرمة الصوم، من غير سبب مبيح للفطر.

وقال الحنفية: إنما يكفر إذا نوى الصيام ليلا، ولم يكن مكرها، ولم يطرأ مسقط، كمرض وحيض.

فلا كفارة في الإفطار في غير رمضان، ولا كفارة على الناسي والمكره ولا على النفساء والحائض والمجنون، ولا على المريض والمسافر، ولا على المرهق بالجوع والعطش، ولا على الحامل، لعذرهم ولا على المرتد، لأنه هتك حرمة الإسلام، لا حرمة الصيام خصوصا.

فتجب بالجماع عمدا، لا ناسيا وتجب بالأكل والشرب عمدا، خلافا للشافعي.

أما خصال الكفارة فهي: العتق والصيام والإطعام، على الترتيب المذكور، فيعتق أولا، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم.

ثالثا: الكفارة الصغرى:

الكفارة الصغرى: هي الفدية، وتقدم أنها مد من طعام لمسكين إذا كان من البر، أو نصف صاع إذا كان من غيره، وذلك عن كل يوم، وهي عند الحنفية كالفطرة قدرا، وتكفي فيها الإباحة، ولا يشترط التمليك هنا، بخلاف الفطرة.

وتجب على من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر، وعلى الحامل والمرضع والشيخ الهرم.

ما تكون به الفدية:

أولا - الفدية في الصيام:

10 - اتفق الفقهاء على أن الشيخ الكبير إذا تكلف الصوم، فصام في رمضان، فلا فدية عليه.

واتفق الفقهاء على أن للشيخ الكبير الذي يجهده الصوم ويشق عليه مشقة شديدة أن يفطر في رمضان، فإذا أفطر فعليه فدية وجوبا عند الحنفية والأصح عند الشافعية.

مقدار الفدية:

ذهب الشافعية إلى أن مقدار الفدية مد عن كل يوم، وذهب الحنفية إلى أن المقدار الواجب في هذه الفدية هو صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو نصف صاع من حنطة، وذلك عن كل يوم يفطره، يطعم به مسكينا.

اشتراط اليسار في وجوب الفدية:

ذهب الحنفية إلى أن الفدية تجب لو كان موسرا.

وقال النووي: إذا أوجبنا الفدية على الشيخ... وكان معسرا هل يلزمه إذا أيسر أم يسقط عنه؟ فيه قولان، وينبغي أن يكون الأصح هنا أنها تسقط ولا يلزمه إذا أيسر كالفطرة.

تعجيل الفدية:

اختلف الفقهاء في مسألة ما إذا كان يجوز للشيخ العاجز والمريض الذي لا يرجى برؤه تعجيل الفدية، فأجاز الحنفية دفع الفدية في أول الشهر كما يجوز دفعها في آخره. وقال النووي: اتفق أصحابنا على أنه لا يجوز للشيخ العاجز والمريض الذي لا يرجى برؤه تعجيل الفدية قبل دخول رمضان، ويجوز بعد طلوع فجر كل يوم، وهل يجوز قبل الفجر في رمضان؟ قطع الدارمي بالجواز وهو الصواب.

من مات وعليه صوم فاته بعذر:

قال الحنفية والشافعية: من مات وعليه صوم فاته بمرض أو سفر، أو غيرهما من الأعذار ولم يتمكن من قضائه حتى مات لا شيء عليه، ولا يصام عنه ولا يطعم عنه. وأما من مات بعد تمكنه من القضاء فلم يصمه، فذهب الحنفية، وهو أشهر القولين عند الشافعية. إلى أنه يطعم عنه لكل يوم مسكين.

وذهب الشافعية في أصح القولين في الدليل عندهم، كما قال النووي إلى أنه يصام عنه.

زاد الشافعية: سواء في هذا الحكم بين من فاته الصيام بعذر كالمرض، أو بغير عذر كالمتعدي بالفطر إذا مات قبل القضاء لما فاته، كما أن الشافعية لم يفرقوا في ذلك بين من فاته صيام رمضان وبين من فاته صيام النذور والكفارات.

الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على ولديهما:

اتفق الفقهاء على أن الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا من الصوم على أنفسهما فعليهما القضاء ولا فدية عليهما كالمريض وكذا إن خافتا على أنفسهما وولديهما.

إلا أنهم اختلفوا فيما إذا أفطرتا خوفا على ولديهما، فذهب الشافعية في أظهر الأقوال عندهم إلى أن عليهما القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم. وذهب الحنفية إلى أنه لا تجب عليهما الفدية بل تستحب لهما.

وقال الشافعية: والأصح أنه يلحق بالمرضع في إيجاب الفدية مع القضاء: من أفطر لإنقاذ آدمي معصوم أو حيوان محترم مشرف على هلاك بغرق أو غيره إبقاء لمهجته، فهو فطر ارتفق به شخصان: وهو حصول الفطر للمفطر، والخلاص لغيره.

من أخر قضاء رمضان مع إمكانه حتى دخل رمضان آخر:

اتفق الفقهاء على أنه إذا كان على الإنسان قضاء رمضان أو بعضه، وأخره إلى أن يدخل رمضان، وكان معذورا في تأخير القضاء بأن استمر مرضه أو سفره ونحوهما، جاز له التأخير ما دام العذر ولو بقي سنين، ولا تلزمه الفدية بهذا التأخير وإن تكرر دخول شهر رمضان، لأنه يجوز تأخير أداء رمضان بهذا العذر، فتأخير القضاء أولى بالجواز.

ولكنهم اختلفوا فيمن أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر بغير عذر، هل تجب عليه الفدية مع القضاء أو لا؟

فذهب الشافعية إلى لزوم الفدية مع القضاء، وهي مد من طعام عن كل يوم. وذهب الحنفية إلى أنه لا فدية عليه.

من أفطر في رمضان عدوانا بغير الجماع:

اختلف الفقهاء في وجوب الكفارة أو الفدية على من أفطر في نهار رمضان عدوانا بغير الجماع. فذهب الشافعية إلى أنه لا تجب عليه كفارة ولا فدية، وإنما عليه قضاء اليوم الذي أفطر فيه، وذهب الحنفية إلى أنه تجب عليه الكفارة إذا أفطر بإيصال ما يقصد به التغذي أو التداوي إلى جوفه عن طريق الفم، لأن به يحصل قضاء شهوة البطن، كما يحصل بالجماع قضاء شهوة الفرج، أما ما لا يقصد به التغذي أو التداوي كبلع الحصاة أو التراب أو النواة ونحوها فلا تجب فيه الكفارة عند الحنفية، وكذا إن باشر دون الفرج فأنزل أو استمنى.

رابعا: الإمساك لحرمة شهر رمضان:

من لوازم الإفطار في رمضان: الإمساك لحرمة الشهر، قال النووي: وهو من خواص رمضان، كالكفارة، فلا إمساك على متعد بالفطر، وفي نذر أو قضاء وفيه خلاف وتفصيل وتفريع في المذاهب الفقهية:

فالحنفية وضعوا أصلين لهذا الإمساك:

أولهما: أن كل من صار في آخر النهار بصفة، لو كان في أول النهار عليها للزمه الصوم، فعليه الإمساك.

ثانيهما: كل من وجب عليه الصوم، لوجود سبب الوجوب والأهلية، ثم تعذر عليه المضي، بأن أفطر متعمدا، أو أصبح يوم الشك مفطرا، ثم تبين أنه من رمضان، أو تسحر على ظن أن الفجر لم يطلع، ثم تبين طلوعه، فإنه يجب عليه الإمساك تشبها على الأصح.

وأجمع الحنفية على أنه لا يجب على الحائض والنفساء والمريض والمسافر هذا الإمساك.

وأجمعوا على وجوبه على من أفطر عمدا، أو خطأ، أو أفطر يوم الشك ثم تبين أنه من رمضان، وكذا على مسافر أقام، وحائض ونفساء طهرتا، ومجنون أفاق، ومريض صح، ومفطر ولو مكرها أو خطأ، وصبي بلغ، وكافر أسلم.

والشافعية بعد أن نصوا على أن الإمساك تشبها من خواص رمضان، كالكفارة، وأن من أمسك تشبها ليس في صوم وضعوا هذه القاعدة، وهي: أن الإمساك يجب على كل متعد بالفطر في رمضان، سواء أكل أو ارتد أو نوى الخروج من الصوم - وقلنا إنه يخرج بذلك - كما يجب على من نسي النية من الليل، وهو غير واجب على من أبيح له الفطر إباحة حقيقية، كالمسافر إذا قدم، والمريض إذا برئ بقية النهار.

ونظروا بعد ذلك في هذه الأحوال:

المريض والمسافر، اللذان يباح لهما الفطر، لهما ثلاثة أحوال:

الأولى: أن يصبحا صائمين، ويدوما كذلك إلى زوال العذر، فالمذهب لزوم إتمام الصوم.

الثانية: أن يزول العذر بعد ما أفطر، فلا يجب الإمساك، لكن يستحب لحرمة الوقت - كما يقول المحلي - فإن أكلا أخفياه، لئلا يتعرضا للتهمة وعقوبة السلطان، ولهما الجماع بعد زوال العذر، إذا لم تكن المرأة صائمة، بأن كانت صغيرة، أو طهرت من الحيض ذلك اليوم.

الثالثة: أن يصبحا غير ناويين، ويزول العذر قبل أن يأكلا، فلا يلزمهما الإمساك في المذهب. وإذا أصبح يوم الشك مفطرا غير صائم، ثم ثبت أنه من رمضان، فقضاؤه واجب، ويجب إمساكه على الأظهر.

أما لو بان أنه من رمضان قبل الأكل، جزم الماوردي وجماعة بلزومه. قال القليوبي وهو المعتمد.

وإذا بلغ صبي مفطرا أو أفاق مجنون، أو أسلم كافر أثناء يوم من رمضان ففيه أوجه: أصحها أنه لا يلزمهم إمساك بقية النهار لأنه يلزمهم قضاؤه، والثاني: أنه يلزمهم، بناء على لزوم القضاء. والثالث: يلزم الكافر دونهما، لتقصيره.

والرابع: يلزم الكافر والصبي لتقصيرهما، أو لأنهما مأموران على الجملة - كما يقول الغزالي - دون المجنون.

قال المحلي: لو بلغ الصبي بالنهار صائما، بأن نوى ليلا، وجب عليه إتمامه بلا قضاء. والحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار، فالمذهب أنه لا يلزمهما الإمساك، ونقل الإمام الاتفاق عليه.

خامسا: العقوبة:

يراد بالعقوبة هنا: الجزاء المترتب على من أفطر عمدا في رمضان من غير عذر، فهي من لوازم الإفطار وموجباته.

فمذهب الحنفية أن تارك الصوم كتارك الصلاة، إذا كان عمدا كسلا، فإنه يحبس حتى يصوم، ولا يقتل إلا إذا جحد الصوم أو الصلاة، أو استخف بأحدهما.

والشافعية نصوا - بتفصيل - على أن من ترك صوم رمضان، غير جاحد، من غير عذر كمرض وسفر، كأن قال: الصوم واجب علي، ولكن لا أصوم حبس، ومنع من الطعام والشراب نهارا، ليحصل له صورة الصوم بذلك.

قالوا: وأما من جحد وجوبه فهو كافر، لأن وجوب صوم رمضان معلوم من أدلة الدين بالضرورة، أي علما صار كالضروري في عدم خفائه على أحد، وكونه ظاهرا بين المسلمين.

سادسا: قطع التتابع:

التتابع هو: الموالاة بين أيام الصيام، بحيث لا يفطر فيها ولا يصوم عن غير الكفارة.

تتأثر مدة الصوم التي يشترط فيها التتابع نصا، بالفطر المتعمد، وهي: صوم رمضان، وصوم كفارة القتل، وكفارة الظهار، والإفطار العامد في رمضان، وصوم كفارة اليمين - عند الحنفية.

صوم المحبوس إذا اشتبه عليه شهر رمضان:

 من اشتبهت عليه الشهور لا يسقط عنه صوم رمضان، بل يجب لبقاء التكليف وتوجه الخطاب.

فإذا أخبره الثقات بدخول شهر الصوم عن مشاهدة أو علم وجب عليه العمل بخبرهم، وإن أخبروه عن اجتهاد منهم فلا يجب عليه العمل بذلك، بل يجتهد بنفسه في معرفة الشهر بما يغلب على ظنه، ويصوم مع النية ولا يقلد مجتهدا مثله.

فإن صام المحبوس المشتبه عليه بغير تحر ولا اجتهاد ووافق الوقت لم يجزئه، وتلزمه إعادة الصوم لتقصيره وتركه الاجتهاد الواجب باتفاق الفقهاء، وإن اجتهد وصام فلا يخلو الأمر من خمسة أحوال:

الحال الأولى: استمرار الإشكال وعدم انكشافه له، بحيث لا يعلم أن صومه صادف رمضان أو تقدم أو تأخر، فهذا يجزئه صومه ولا إعادة عليه في قول الحنفية والشافعية.

الحال الثانية: أن يوافق صوم المحبوس شهر رمضان فيجزيه ذلك.

الحال الثالثة: إذا وافق صوم المحبوس ما بعد رمضان فيجزيه.

الحال الرابعة: وهي وجهان:

الوجه الأول: إذا وافق صومه ما قبل رمضان وتبين له ذلك ولما يأت رمضان لزمه صومه إذا جاء بلا خلاف، لتمكنه منه في وقته.

الوجه الثاني: إذا وافق صومه ما قبل رمضان ولم يتبين له ذلك إلا بعد انقضائه فلا يجزيه عن رمضان بل يجب عليه قضاؤه، وهذا المعتمد عند الشافعية.

الحال الخامسة: أن يوافق صوم المحبوس بعض رمضان دون بعض، فما وافق رمضان أو بعده أجزأه، وما وافق قبله لم يجزئه، ويراعى في ذلك أقوال الفقهاء المتقدمة.

والمحبوس إذا صام تطوعا أو نذرا فوافق رمضان لم يسقط عنه صومه في تلك السنة، لانعدام نية صوم الفريضة، وهو مذهب الشافعية.

وقال الحنفية: إن ذلك يجزيه ويسقط عنه الصوم في تلك السنة، لأن شهر رمضان ظرف لا يسع غير صوم فريضة رمضان، فلا يزاحمها التطوع والنذر.

صوم المحبوس إذا اشتبه عليه نهار رمضان بليله:

إذا لم يعرف الأسير أو المحبوس في رمضان النهار من الليل، واستمرت عليه الظلمة، فقد قال النووي: هذه مسألة مهمة قل من ذكرها يتحرى ويصوم ولا يقضي إذا لم يظهر خطؤه فيما بعد، وهذا هو الراجح.

ونقل النووي وجوب القضاء على المحبوس الصائم بالاجتهاد إذا صادف صومه الليل ثم عرف ذلك فيما بعد، وقال: إن هذا ليس موضع خلاف بين العلماء، لأن الليل ليس وقتا للصوم كيوم العيد.

 

 

صوم التطوع

أنواع صوم التطوع:

قسم الحنفية صوم التطوع إلى مسنون، ومندوب، ونفل.

فالمسنون: عاشوراء مع تاسوعاء. والمندوب: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم الاثنين والخميس، وصوم ست من شوال، وكل صوم ثبت طلبه والوعد عليه؛ كصوم داود ، ونحوه.

والنفل: ما سوى ذلك مما لم تثبت كراهته.

وعند الشافعية: صوم التطوع والصوم المسنون بمرتبة واحدة.

أحكام النية في صوم التطوع:

أ - وقت النية:

ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يشترط تبييت النية في صوم التطوع.

واختلف جمهور الفقهاء في آخر وقت نية التطوع: ذهب الحنفية: إلى أن آخر وقت نية صوم التطوع الضحوة الكبرى. والمراد بها: نصف النهار الشرعي، والنهار الشرعي: من استطارة الضوء في أفق المشرق إلى غروب الشمس، ونصوا على أنه لا بد من وقوع النية قبل الضحوة الكبرى، فلا تجزئ النية عند الضحوة الكبرى اعتبارا لأكثر اليوم كما قال الحصكفي.

وذهب الشافعية: إلى أن آخر وقت نية صوم التطوع قبل الزوال، قال الشربيني الخطيب: وهذا جرى على الغالب ممن يريد صوم النفل وإلا فلو نوى قبل الزوال - وقد مضى معظم النهار - صح صومه.

ويشترط لصحة نية النفل في النهار: أن لا يكون فعل ما يفطره قبل النية، فإن فعل فلا يجزئه الصوم حينئذ.

ب - تعيين النية:

اتفق الفقهاء على أنه لا يشترط في نية صوم التطوع التعيين، فيصح صوم التطوع بمطلق النية، وقال النووي: وينبغي أن يشترط التعيين في الصوم المرتب، كصوم عرفة، وعاشوراء، والأيام البيض، والستة من شوال، ونحوها، كما يشترط ذلك في الرواتب من نوافل الصلاة. والمعتمد عند الشافعية خلاف ما صرح به النووي، قال المحلي: ويجاب بأن الصوم في الأيام المذكورة منصرف إليها، بل لو نوى به غيرها حصلت أيضا - كتحية المسجد -

ما يستحب صيامه من الأيام

أ - صوم يوم وإفطار يوم.

ب - صوم عاشوراء وتاسوعاء:

وصرح الحنفية بكراهة صوم يوم عاشوراء منفردا عن التاسع، أو عن الحادي عشر. واستحب الحنفية والشافعية صوم الحادي عشر، إن لم يصم التاسع. قال الشربيني الخطيب: بل نص الشافعي في الأم والإملاء على استحباب صوم الثلاثة.

ج - صوم يوم عرفة:

اتفق الفقهاء على استحباب صوم يوم عرفة لغير الحاج - وهو: اليوم التاسع من ذي الحجة - وصومه يكفر سنتين: سنة ماضية، وسنة مستقبلة

وذهب الشافعية إلى عدم استحبابه للحاج، ولو كان قويا. وقال الشافعية: ويسن فطره للمسافر والمريض مطلقا، وقالوا: يسن صومه لحاج لم يصل عرفة إلا ليلا؛ لفقد العلة.

وذهب الحنفية إلى استحبابه للحاج - أيضا - إذا لم يضعفه عن الوقوف بعرفات ولا يخل بالدعوات، فلو أضعفه كره له الصوم.

د - صوم الثمانية من ذي الحجة:

10 - اتفق الفقهاء على استحباب صوم الأيام الثمانية التي من أول ذي الحجة قبل يوم عرفة. وصرح الشافعية: بأنه يسن صوم هذه الأيام للحاج أيضا.

ç - صوم ستة أيام من شوال:

صرح الشافعية، ومتأخرو الحنفية - إلى أنه يسن صوم ستة أيام من شوال بعد صوم رمضان، ونقل عن أبي حنيفة -¬ تعالى - كراهة صوم ستة من شوال، متفرقا كان أو متتابعا. وعن أبي يوسف: كراهته متتابعا، لا متفرقا. لكن عامة المتأخرين من الحنفية لم يروا به بأسا.

وصرح الشافعية: بأنه لا تحصل الفضيلة بصيام الستة في غير شوال، وتفوت بفواته، لظاهر الأخبار.

ومذهب الشافعية: استحباب صومها لكل أحد، سواء أصام رمضان أم لا، كمن أفطر لمرض أو صبا أو كفر أو غير ذلك. كما ذهب الشافعية إلى أفضلية تتابعها عقب العيد مبادرة إلى العبادة، ولما في التأخير من الآفات. وعند الحنفية تستحب الستة متفرقة، كل أسبوع يومان.

و- صوم ثلاثة أيام من كل شهر:

اتفق الفقهاء على أنه يسن صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وذهب الحنفية والشافعية إلى استحباب كونها الأيام البيض - وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر عربي. وقال الشافعية: والأحوط صوم الثاني عشر معها - أيضا - للخروج من خلاف من قال: إنه أول الثلاثة، ويستثنى ثالث عشر ذي الحجة فلا يجوز صومه لكونه من أيام التشريق. فيبدل بالسادس عشر منه كما قال القليوبي.

ز - صوم الاثنين والخميس من كل أسبوع.

ح - صوم الأشهر الحرم.

وصرح الشافعية بأن أفضل الأشهر الحرم: المحرم، ثم رجب، ثم باقيها: ذو القعدة وذو الحجة.

ط - صوم شهر شعبان:

ى - صوم يوم الجمعة:

 لا بأس عند الحنفية بصوم يوم الجمعة بانفراده، وهو قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: جاء حديث في كراهته إلا أن يصوم قبله وبعده، فكان الاحتياط أن يضم إليه يوما آخر. وذهب الشافعية إلى كراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم

حكم الشروع في صوم التطوع:

ذهب الحنفية إلى لزوم صوم التطوع بالشروع فيه، وأنه يجب على الصائم المتطوع إتمامه إذا بدأ فيه. وذهب الشافعية إلى عدم لزوم صوم التطوع بالشروع فيه، ولا يجب على الصائم تطوعا إتمامه إذا بدأ فيه، وله قطعه في أي وقت شاء.

 

إفساد صوم التطوع وما يترتب عليه

جاء في الفتاوى الهندية ما نصه: ذكر الرازي عن أصحابنا أن الإفطار بغير عذر في صوم التطوع لا يحل، هكذا في الكافي. وذهب الشافعية إلى كراهة قطعه بلا عذر، واستحباب إتمامه.

من الأعذار عند الحنفية: الضيافة للضيف والمضيف إن كان صاحبها ممن لا يرضى بمجرد الحضور، وكان الصائم يتأذى بترك الإفطار، شريطة أن يثق بنفسه بالقضاء.

وصرح الشافعية باستحباب قطع صوم التطوع إن كان هناك عذر، كمساعدة ضيف في الأكل إذا عز عليه امتناع مضيفه منه، أو عكسه. أما إذا لم يعز على أحدهما امتناع الآخر عن ذلك فالأفضل عدم خروجه منه.

واختلف الفقهاء في حكم قضاء صوم التطوع عند إفساده: فذهب الحنفية إلى وجوب قضاء صوم التطوع عند إفساده.

ومذهب الحنفية: وجوب القضاء عند الإفساد مطلقا، أي: سواء أفسد عن قصد - وهذا لا خلاف فيه - أو غير قصد، بأن عرض الحيض للصائمة المتطوعة، وذلك في أصح الروايتين، واستثنوا من ذلك: صوم العيدين وأيام التشريق، فلا تلزم بالشروع، لا أداء ولا قضاء، إذا أفسد، لارتكابه النهي بصيامها، فلا تجب صيانته، بل يجب إبطاله، ووجوب القضاء ينبني على وجوب الصيانة، فلم يجب قضاء، كما لم يجب أداء.

وذهب الشافعية إلى أنه لا يجب القضاء على من أفسد صوم التطوع، لأن القضاء يتبع المقضي عنه، فإذا لم يكن واجبا، لم يكن القضاء واجبا، لكن يندب له القضاء، سواء أفسد صوم التطوع بعذر أم بغير عذر، خروجا من خلاف من أوجب قضاءه.

ونص الشافعية على أنه إذا أفطر الصائم تطوعا لم يثب على ما مضى، إن خرج منه بغير عذر، ويثاب عليه إن خرج بعذر.

الإذن في صوم التطوع:

اتفق الفقهاء على أنه ليس للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها ولو صامت المرأة بغير إذن زوجها صح مع الحرمة والكراهة التحريمية عند الحنفية، إلا أن الشافعية خصوا الحرمة بما يتكرر صومه، أما ما لا يتكرر صومه كعرفة وعاشوراء وستة من شوال فلها صومها بغير إذنه، إلا إن منعها.

ولا تحتاج المرأة إلى إذن الزوج إذا كان غائبا. قال الشافعية: وعلمها برضاه كإذنه. ومثل الغائب عند الحنفية - المريض، والصائم والمحرم بحج أو عمرة، قالوا: وإذا كان الزوج مريضا أو صائما أو محرما لم يكن له منع الزوجة من ذلك، ولها أن تصوم وإن نهاها.

وصرح الحنفية بأنه لا يصوم الأجير تطوعا إلا بإذن المستأجر، إن كان صومه يضر به في الخدمة، وإن كان لا يضره فله أن يصوم بغير إذنه.

وإذا صامت الزوجة تطوعا بغير إذن زوجها فله أن يفطرها.

التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان:

اختلف الفقهاء في حكم التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان: فذهب الحنفية إلى جواز التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان من غير كراهة، لكون القضاء لا يجب على الفور، قال ابن عابدين: ولو كان الوجوب على الفور لكره؛ لأنه يكون تأخيرا للواجب عن وقته الضيق. وذهب الشافعية إلى الجواز مع الكراهة.

 

مسائل في نذر الصوم

نذر الصيام مطلقا:

ذهب الشافعية الى أن من نذر صياما يلزمه صيام يوم واحد، وقال الحنفية أنه يلزمه صيام ثلاثة أيام.

نذر صوم الدهر:

ذهب الحنفية والشافعية إلى أن من نذر صيام الدهر لزمه صيامه، ولم يدخل في نذره رمضان؛ لأن صيام أيامه لا يقع إلا للفريضة، كما لا يدخل في نذره أيام العيدين والتشريق، فلا تصام عن نذره، ولا يقضي هذه الأيام؛ لأنها لا تقبل صوما، ولهذا للناذر أن يقضي ما أفطره من رمضان، ويصوم الكفارات التي وجبت عليه: ككفارة الظهار والقتل والوقاع في نهار رمضان واليمين، مقدما ذلك على النذر؛ لأن هذا الصيام واجب بأصل الشرع، فيقدم على الصيام الذي أوجبه على نفسه بالنذر، كتقديم حجة الإسلام على المنذورة، فإن أفطر في أثناء صيامه هذا لعذر أو لغيره لم يقض ما أفطره منه؛ لأن الزمن مستغرق بالصوم المنذور، إلا أنه تلزمه فدية لترك الصيام بلا عذر.

نذر صيام شهر غير معين:

ذهب فقهاء الحنفية والشافعية إلى أن من نذر صيام شهر غير معين فهو بالخيار بين أن يصومه من بداية شهر هلالي أو أن يصومه بالعدد، فإن صامه من بداية شهر هلالي، وتابع في صيامه أجزأه عن نذره وإن خرج الشهر ناقصا، وإن صام بعد مضي بعض الشهر الهلالي، أو صام شهرا بالعدد أجزأه صيام ثلاثين يوما احتياطا، وإن احتمل لفظ الشهر أن يكون تسعة وعشرين يوما؛ وذلك لأن الشهر يطلق على ما بين الهلالين، تاما كان أو ناقصا، كما يطلق على ثلاثين يوما، فأيهما فعل الناذر فقد خرج من العهدة.

الفطر لعذر أو لغيره في صيام غير معين منذور على وجه التتابع:

أ - فطر الناذر لغير عذر في الصيام المتتابع: إذا أفطر الناذر لغير عذر في صيام غير معين منذور على وجه التتابع لزمه استئناف الصيام بلا كفارة، وإلى هذا ذهب الحنفية والشافعية

ب - فطر الناذر لعذر في الصيام المتتابع: العذر الذي يقتضي الفطر في أثناء المدة المنذور صيامها على وجه التتابع قد يكون مانعا من الصيام كالحيض والنفاس، أو مرخصا في الفطر كالمرض والسفر، أو أن يكون الفطر في أثناء المدة لتحريم الشارع صيام بعض الأيام فيها كيومي العيدين وأيام التشريق.

ومذهب الحنفية أن الناذر إن أفطر لسبب من الأسباب السابقة فإن فطره هذا يقطع التتابع في الصيام المشروط فيه التتابع، ويلزمه استئناف الصيام بعد الفطر، وذهب الشافعية إلى أن فطر يومي العيدين وأيام التشريق لا يقطع التتابع، لاستثناء ذلك شرعا، إلا أنه يقضيها متوالية متصلة بما صامه عملا بما شرطه من التتابع.

فإن كان الفطر بسبب الحيض والنفاس فمذهب الشافعية أنه لا يقطع التتابع لعدم التحرز عن ذلك، إلا أن في وجوب قضاء أيام الفطر قولين: القول الأظهر في المذهب أنه يجب القضاء لقبول زمن الحيض والنفاس للصوم في ذاته فوجب القضاء، كما لو أفطرت الناذرة رمضان لأجلهما. وقال النووي: بل الأظهر الذي قطع به الجمهور عدم وجوب القضاء، وقد صحح هذا القول الأخير جماعة من فقهاء المذهب.

وإن كان الفطر في أثناء المدة لعذر المرض: فعلى الأظهر من مذهب الشافعية أن فطر الناذر يقطع التتابع، فيلزمه استئناف الصيام.

كتاب الاعتكاف

حكمة الاعتكاف

الاعتكاف فيه تسليم المعتكف نفسه بالكلية إلى عبادة الله تعالى طلب الزلفى، وإبعاد النفس من شغل الدنيا التي هي مانعة عما يطلبه العبد من القربى، وفيه استغراق المعتكف أوقاته في الصلاة إما حقيقة أو حكما.

حكمه التكليفي

 الاعتكاف سنة، ولا يلزم إلا بالنذر، لكن اختلف الفقهاء في مرتبة هذه السنية: فقال الحنفية: إنه سنة مؤكدة في العشر الأواخر من رمضان، ومستحب فيما عدا ذلك. وذهب الشافعية إلى أنه سنة مؤكدة، في جميع الأوقات، وفي العشر الأواخر من رمضان آكد اقتداء برسول الله (‘) وطلبا لليلة القدر.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف سنة، لا يجب على الناس فرضا، إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذرا، فيجب عليه.

 

أقسام الاعتكاف

ينقسم الاعتكاف إلى واجب، ومندوب عند الشافعية، وزاد الحنفية المسنون.

أ - الاعتكاف المندوب: وهو أن ينوي الاعتكاف تطوعا لله تعالى. وأقله لحظة، أو ساعة، أو يوم، أو يوم وليلة حسب اختلاف الفقهاء.

وهو سنة في كل وقت، ويسن ألا ينقص عن يوم وليلة.

ب - الاعتكاف الواجب: لا يجب الاعتكاف إلا بالنذر منجزا أو معلقا.

وهل يشترط التلفظ بالنذر أم يكفي النية في القلب؟

صرح الجميع بوجوب التلفظ بالنية، ولا يكفي نية القلب.

ج - الاعتكاف المسنون: زاد الحنفية قسما ثالثا للاعتكاف، وهو ما أطلقوا عليه " سنة مؤكدة " أي سنة كفاية في العشر الأخير من شهر رمضان، فإذا قام بها بعض المسلمين سقط الطلب عن الباقين، فلم يأثموا بالمواظبة على الترك بلا عذر، ولو كان سنة عين لأثموا بترك السنة المؤكدة إثما دون إثم ترك الواجب.

 

أركان الاعتكاف

 أركان الاعتكاف عند الشافعية أربعة: وهي المعتكف، والنية، والمعتكف فيه، واللبث في المسجد.

وذهب الحنفية إلى أن ركن الاعتكاف هو اللبث في المسجد فقط، والباقي شروط وأطراف لا أركان.

المعتكف:

اتفق الفقهاء على أنه يصح الاعتكاف من الرجل والمرأة والصبي المميز، واشترطوا لصحة الاعتكاف الواجب والمندوب ما يلي:

(1) الإسلام: فلا يصح الاعتكاف من الكافر، لأنه ليس من أهل العبادة.

(2) العقل.

(3) التمييز: فلا يصح الاعتكاف من المجنون والسكران والمغمى عليه ومن غير المميز، إذ لا نية لهم، والنية في الاعتكاف واجبة.

أما الصبي العاقل المميز فيصح منه الاعتكاف، لأنه من أهل العبادة، كما يصح منه صوم التطوع.

(4) النقاء من الحيض والنفاس، فلا يصح الاعتكاف من الحائض والنفساء، لأنهما ممنوعتان عن المسجد، ولا يصح الاعتكاف إلا في مسجد.

(5) الطهارة من الجنب: فلا يصح الاعتكاف من الجنب، لأنه ممنوع من اللبث في المسجد.

اعتكاف المرأة:

يصح اعتكاف المرأة باتفاق الفقهاء بالشروط المتقدمة، ويشترط للمتزوجة أن يأذن لها زوجها، لأنها لا ينبغي لها الاعتكاف إلا بإذنه - أي يصح من غير إذنه مع الإثم في الافتيات عليه - فإن أذن لها الزوج بالاعتكاف واجبا أو نفلا، فلا ينبغي له أن يطأها، فإن منعها زوجها بعد إذنه لها لا يصح منعه. هذا قول الحنفية.

أما إذا أذن لها في الاعتكاف بدون نذر، فلا يقطعه عليها إن دخلت في الاعتكاف، فإن لم تدخل فيه كان له منعها.

والاعتكاف للمرأة مكروه تنزيها عند الحنفية. وقال الشافعية: لا يجوز اعتكاف المرأة إلا بإذن زوجها، لأن التمتع بالزوجة من حق الزوج. وحقه على الفور بخلاف الاعتكاف. نعم إن لم تفوت الزوجة على زوجها منفعة، كأن حضرت المسجد بإذنه، فنوت الاعتكاف فإنه يجوز.

ويكره عندهم اعتكاف المرأة الجميلة ذات الهيئة قياسا على خروجها لصلاة الجماعة.

وكذا يجوز للزوج إخراجها من الاعتكاف المنذور إلا إذا أذن لها بالاعتكاف وشرعت فيه، سواء أكان زمن الاعتكاف معينا أم كان متتابعا أم لا. أو إذا كان الإذن أو الشروع في زمن الاعتكاف المعين أو أذن في الشروع فيه فقط وكان الاعتكاف متتابعا، وذلك لإذن الزوج بالشروع مباشرة أو بواسطة، لأن الإذن في النذر المعين إذن في الشروع فيه، والمعين لا يجوز تأخيره، والمتتابع لا يجوز الخروج منه، لما فيه من إبطال العبادة الواجبة بلا عذر،

وإذا اعتكفت المرأة استحب لها أن تستتر بخباء ونحوه

النية في الاعتكاف:

النية ركن للاعتكاف عند الشافعية، وشرط له عند الحنفية. وإذا نوى الاعتكاف المسنون، ثم خرج من المسجد، فهل يحتاج إلى تجديد نيته إذا رجع؟

ذهب الحنفية في الظاهر من المذهب، والشافعية إلى أنه إذا خرج من الاعتكاف المسنون فقد انقطع اعتكافه، وإذا رجع فلا بد من تجديد نية اعتكاف مندوب آخر.

فإذا دخل ثم قطع لزمه القضاء وإن اشترط عدم القضاء. والظاهر من مذهب الحنفية والشافعية أنه لا يلزمه الإتمام ولا قضاء عليه.

مكان الاعتكاف

أ - مكان الاعتكاف للرجل:

أجمع الفقهاء على أنه لا يصح اعتكاف الرجل والخنثى إلا في مسجد واتفقوا على أن المساجد الثلاثة أفضل من غيرها، والمسجد الحرام أفضل، ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى.

واتفقوا على أن المسجد الجامع يصح فيه الاعتكاف، وهو أولى من غيره بعد المساجد الثلاثة، ويجب الاعتكاف فيه إذا نذر الاعتكاف مدة تصادفه فيها صلاة الجمعة، لئلا يحتاج إلى الخروج وقت صلاة الجمعة، إلا إذا اشترط الخروج لها عند الشافعية.

ثم اختلفوا في المساجد الأخرى التي يصح فيها الاعتكاف: فذهب الحنفية إلى أنه لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد جماعة.

وعن أبي حنيفة أنه لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلوات الخمس.

وقال أبو يوسف ومحمد: يصح في كل مسجد وصححه السروجي.

وعن أبي يوسف أنه فرق بين الاعتكاف الواجب والمسنون، فاشترط للاعتكاف الواجب مسجد الجماعة، وأما النفل فيجوز في أي مسجد كان.

ويعني الحنفية بمسجد الجماعة ما له إمام ومؤذن، أديت فيه الصلوات الخمس أو لا. والمذهب عند الشافعية أنه يصح الاعتكاف في أي مسجد كان.

ب - مكان اعتكاف المرأة:

اختلفوا في مكان اعتكاف المرأة: فذهب الشافعي في المذهب الجديد إلى أنها كالرجل لا يصح اعتكافها إلا في المسجد، وعلى هذا فلا يصح اعتكافها في مسجد بيتها، وذهب الحنفية إلى جواز اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، ولو اعتكفت في مسجد الجماعة جاز مع الكراهة التنزيهية، والبيت أفضل من مسجد حيها، ومسجد الحي أفضل لها من المسجد الأعظم.

وليس للمرأة أن تعتكف في غير موضع صلاتها من بيتها. وإن لم يكن لها في البيت مكان متخذ للصلاة لا يجوز لها الاعتكاف في بيتها، وليس لها أن تخرج من بيتها الذي اعتكفت فيه اعتكافا واجبا عليها.

 اللبث في المسجد:

اللبث في المسجد هو ركن الاعتكاف عند الجميع.

وقد اختلف الفقهاء في مقدار اللبث المجزئ في الاعتكاف المسنون: فذهب الحنفية إلى أن أقله ساعة من ليل أو نهار عند محمد، وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، لبناء النفل على المسامحة، وبه يفتى. وعند الشافعية لا يقدر اللبث بزمان، بل اشترطوا في اللبث أن يكون قدرا يسمى عكوفا وإقامة، ولو بلا سكون بحيث يكون زمنه فوق زمن الطمأنينة في الركوع ونحوه، فيكفي التردد فيه لا المرور بلا لبث. ويندب عندهم أن يكون يوما.

الصوم في الاعتكاف:

الصوم ليس بشرط في الاعتكاف المندوب، كما في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، وهو قول أبي يوسف ومحمد وذهب الشافعية إلى أنه لا يشترط الصوم للاعتكاف مطلقا، سواء أكان واجبا أم مندوبا، فالصوم ليس شرطا للاعتكاف عندهم ولا ركنا فيه. إلا أنهم صرحوا بأن الاعتكاف مع الصوم أفضل من الاعتكاف بدونه.

نية الصوم للاعتكاف المنذور:

ذهب الحنفية إلى أن الاعتكاف الواجب لا يصح إلا بصوم واجب، ولا يصح مع صوم التطوع، فلو نذر اعتكاف شهر رمضان لزمه وأجزأه صوم رمضان عن صوم الاعتكاف، فإن لم يعتكفه قضى شهرا متتابعا غيره وعلى هذا فلو صام تطوعا، ثم نذر اعتكاف ذلك اليوم لم يصح الاعتكاف، لعدم استيعاب الاعتكاف للنهار.

مثاله: لو أصبح صائما متطوعا، أو غير ناو للصوم، ثم قال: لله علي أن اعتكف هذا اليوم، لا يصح، وإن كان في وقت تصح منه نية الصوم، لعدم استيعاب النهار بالاعتكاف، وعدم استيعابه بالصوم الواجب.

وعند أبي يوسف أقله أكثر النهار، فإن كان قاله قبل نصف النهار لزمه، فإن لم يعتكفه قضاه.

نذر الاعتكاف

إذا نذر الاعتكاف لزمه أداؤه، سواء أكان منجزا أم معلقا، وينقسم إلى متتابع وغير متتابع، أو نذر مدة معينة.

أ - النذر المتتابع:

وذلك كأن ينذر عشرة أيام متتابعة، أو شهرا متتابعا مثلا، فإنه يلزمه متتابعا في قولهم جميعا، فلو أفسده وجب استثناؤه بفوات التتابع.

ب - النذر المطلق والمدة المعينة:

وهو أن ينذر اعتكاف يوم أو أيام غير متتابعة، فإن نوى أياما غير متتابعة، فإنها تلزمه متتابعة عند الحنفية، أما الشافعية فإن النذر المطلق عندهم لا يلزم فيه التتابع، فيجوز أداؤه مفرقا. وعلى هذا لو خرج من معتكفه خلال أيام النذر المطلق، إن لم يعزم على العود احتاج إلى استئناف نية الاعتكاف، سواء أخرج لتبرز أم لغيره، لأن ما مضى عبادة تامة، وهو يريد اعتكافا جديدا، فإن عزم على العود كانت هذه العزيمة قائمة مقام النية، وهو الصواب كما في المجموع.

أما إذا نوى مدة معينة فكذلك عند الحنفية، وعند الشافعية لا يلزمه التتابع، لكن إن خرج لغير قضاء الحاجة احتاج إلى استئناف النية.

والتتابع عند الشافعية في النذر المطلق أفضل من التفريق.

وعند الشافعية: لو نذر يوما لم يجز فيه التفريق. ولو نذر يوما من وسط النهار لزمه الاعتكاف من ذلك الوقت إلى مثله ليتحقق مضي يوم من ذلك الوقت. وأما الليل فلا يلزمه بنذر اعتكاف النهار لأنه ليس من اليوم عندهما.

وقال الشافعية: يدخل الليل مع اليوم بالنية.

وإذا نذر اعتكاف شهر بعينه وأطلق لزمه ليلا ونهارا، تاما كان الشهر أو ناقصا ويجزئه الناقص بلا خلاف عند الشافعية.

 

زمن دخول الاعتكاف الواجب:

ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يدخل معتكفه إذا نوى يوما قبل الفجر، وعند الشافعية إذا نوى ليلا قبل غروب الشمس والليل تابع للنهار إذا نذر أياما متتابعة، كمن نذر اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان.

نذر الصوم مع الاعتكاف المنذور:

سبق أن الحنفية لا يصح عندهم الاعتكاف الواجب والمسنون إلا بصوم واختلفوا في المندوب. أما نذر الصوم مع الاعتكاف ففيه أوجه عند الشافعية:

أ - اتفقوا على أنه إذا نذر صوما واعتكافا لا يلزمه الجمع بينهما.

ب - اتفقوا على أنه إذا نذر أن يعتكف صائما لزماه.

ج - واختلفوا فيما إذا نذر أن يصوم معتكفا.

فالصحيح عند الشافعية أنهما يلزمانه.

وفرقوا بين الصورة الثالثة والثانية بأن الصوم يصح وصفا للاعتكاف، والاعتكاف لا يصح وصفا للصوم.

نذر الصلاة في الاعتكاف:

 ذهب الشافعية إلى أن من نذر أن يعتكف مصليا فالصلاة لا تلزمه.

نذر الاعتكاف في مكان معين:

اتفق الفقهاء على أنه إذا نذر الاعتكاف في أحد المساجد الثلاثة - المسجد الحرام، ومسجد النبي (‘)، والمسجد الأقصى - لزمه النذر وعليه الوفاء، ولا يجزئه الاعتكاف في غيرها من المساجد، لفضل العبادة فيها على غيرها، فتتعين بالتعيين. وأفضلها المسجد الحرام، ثم مسجد النبي (‘)، ثم المسجد الأقصى. فإذا عين الأفضل في نذره لم يجزئه الاعتكاف فيما دونه، لعدم مساواته له. فإن عين بنذره المسجد الحرام لا يجزئه في مسجد النبي (‘) ولا المسجد الأقصى. وإن عين مسجد النبي (‘) لا يجزئه المسجد الأقصى، والعكس صحيح، فإن عين المسجد الأقصى جاز في مسجد النبي (‘)، وفي المسجد الحرام، وإن عين مسجد النبي جاز في المسجد الحرام.

وأما إذا نذر الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة فهل يلزم؟ المذهب عند الشافعية إلى أنه لا يلزمه، وله فعله في غيره.

الاشتراط في الاعتكاف:

يجوز الشرط ويصح في الاعتكاف الواجب. إلا أنهم اختلفوا فيما يصح أن يدخل تحت الشرط أو لا يدخل. فقال الحنفية: لو اشترط وقت النذر أن يخرج لعيادة مريض وصلاة جنازة وحضور مجلس علم جاز ذلك. وهذا على قول الإمام أبي حنيفة، أما على قول الصاحبين فالأمر أوسع. والأظهر عند الشافعية: إن الاعتكاف لزم بالتزامه فيجب بحسب ما التزمه. فإذا اشترط المعتكف الخروج لعارض مباح مقصود غير مناف للاعتكاف صح الشرط. فإن اشترطه لخاص من الأغراض، كعيادة المرضى خرج له دون غيره، وإن كان غيره أهم منه. وإن اشترطه لأمر عام كشغل يعرض له خرج لكل مهم ديني كالجمعة والجماعة، أو دنيوي مباح، كاقتضاء الغريم، فليس له الخروج لأجل الحرام.

 

ما يفسد الاعتكاف

يفسد الاعتكاف ما يلي:

الأول - الجماع ودواعيه:

اتفق الفقهاء على أن الجماع في الاعتكاف حرام ومبطل له، ليلا كان أو نهارا، إن كان عامدا. وكذا إن فعله ناسيا لاعتكافه عند الحنفية.

وذهب الشافعية إلى أن حرمة الجماع وإفساده. للاعتكاف لا يكون إلا من عالم بتحريمه ذاكر للاعتكاف، سواء أجامع في المسجد أم خارجه عند خروجه لقضاء الحاجة أو نحوها، لمنافاته العبادة البدنية. والبطلان إنما هو بالنسبة للمستقبل، أما ما مضى فإنه لا يبطل في الجملة، على خلاف.

وأما دواعي الجماع كاللمس والقبلة، فإنها تفسد الاعتكاف عند الحنفية، وهو الأظهر للشافعية إذا أنزل، فإن لم ينزل لم يفسد اعتكافه.

وذهبوا إلى أن الجماع المفسد للاعتكاف المنذور المتتابع من المعتكف الذاكر له العالم بتحريمه لا تلزمه الكفارة.

قال ابن المنذر: أكثر أهل العلم على أنه لا كفارة عليه، وهو قول أهل المدينة والشام والعراق.

الثاني - الخروج من المسجد:

اتفق الفقهاء على أن الخروج من المسجد للرجل والمرأة (وكذلك خروج المرأة من مسجد بيتها عند الحنفية) إذا كان لغير حاجة فإنه يفسد الاعتكاف الواجب، وألحق أبو حنيفة - في رواية الحسن عنه - بالواجب الاعتكاف المندوب أيضا، سواء أكان الخروج يسيرا أم كثيرا.

أما إذا كان الخروج لحاجة فلا يبطل الاعتكاف في قولهم جميعا إلا أنهم اختلفوا في الحاجة التي لا تقطع الاعتكاف ولا تفسده على النحو التالي:

أ - الخروج لقضاء الحاجة والوضوء والغسل الواجب:

اتفق الفقهاء على أنه لا يضر الخروج لقضاء الحاجة والغسل الذي وجب مما لا يفسد الاعتكاف. لكن إن طال مكثه بعد ذلك فسد اعتكافه.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول، لأن هذا مما لا بد منه، ولا يمكن فعله في المسجد، فلو بطل الاعتكاف بخروجه له لم يصح لأحد الاعتكاف.

وله الغسل والوضوء والاغتسال في المسجد إذا لم يلوث المسجد عند الحنفية. وعند الشافعية إن أمكنه الوضوء في المسجد لا يجوز له الخروج في الأصح.

أما إذا كان له منزلان فيلزمه أقربهما عند الشافعية، واختلف الحنفية في ذلك.

ولا يكلف الذي خرج لحاجة الإسراع، بل له المشي على عادته.

ب - الخروج للأكل والشرب:

ذهب الحنفية إلى أن الخروج للأكل والشرب يفسد اعتكافه إذا كان هناك من يأتيه به لعدم الضرورة إلى الخروج، أما إذا لم يجد من يأتيه به فله الخروج، لأنه خروج لما لا بد منه. وذهب الشافعية إلى أنه يجوز له الخروج للأكل، لأن الأكل في المسجد يستحيا منه. وكذا للشرب إذا لم يكن في المسجد ماء. وخص الشافعية جواز الخروج للأكل إذا كان اعتكافه في مسجد مطروق، أما إذا كان المسجد مهجورا فلا يحق له الخروج.

ج - الخروج لغسل الجمعة والعيد:

صرح الشافعية بأنه لا يجوز الخروج لغسل الجمعة والعيد، لأنه نفل وليس بواجبوليس من باب الضرورة. فإن اشترط ذلك جاز.

د - الخروج لصلاة الجمعة:

من وجبت عليه الجمعة، وكان اعتكافه متتابعا، واعتكف في مسجد لا تقام فيه الجمعة فهو آثم، ويجب عليه الخروج لصلاة الجمعة.

فإذا خرج للجمعة فقد ذهب الحنفية إلى أن خروجه للجمعة لا يفسد اعتكافه. وذهب الشافعية إلى أن خروج المعتكف لصلاة الجمعة يفسد اعتكافه وعليه الاستئناف، بأن يعتكف في المسجد الجامع، فإذا لم يفعل وخرج بطل اعتكافه، واستثنى الشافعية ما لو شرط الخروج في اعتكافه لصلاة الجمعة، فإن شرطه يصح، ولا يبطل اعتكافه بخروجه. وذهب الحنفية إلى أن الخروج لصلاة الجمعة يكون وقت الزوال، ومن بعد مسجد اعتكافه خرج في وقت يدركها.

واتفقوا على أن المستحب بعد صلاة الجمعة التعجيل بالرجوع إلى مكان الاعتكاف. لكن لا يجب عليه التعجيل لأنه محل للاعتكاف، وكره تنزيها المكث بعد صلاة الجمعة لمخالفة ما التزمه بلا ضرورة.

ç - الخروج لعيادة المرضى وصلاة الجنازة:

اتفق الفقهاء على عدم جواز الخروج لعيادة المريض وصلاة الجنازة لعدم الضرورة إلى الخروج، إلا إذا اشترط الخروج لهما عند الحنفية والشافعية.

ومحل ذلك ما إذا خرج لقصد العيادة وصلاة الجنازة. أما إذا خرج لقضاء الحاجة ثم عرج على مريض لعيادته، أو لصلاة الجنازة، فإنه يجوز بشرط ألا يطول مكثه عند المريض، أو بعد صلاة الجنازة، بأن لا يقف عند المريض إلا بقدر السلام. فإن طال وقوفه عرفا، أو عدل عن طريقه وإن قل لم يجز، وعند أبي يوسف ومحمد لا ينتقض الاعتكاف إذا لم يكن أكثر من نصف النهار.

و- الخروج في حالة النسيان:

ذهب الحنفية إلى أن الخروج من المسجد عمدا أو سهوا يبطل الاعتكاف. وذهب الشافعية إلى عدم البطلان إذا خرج ناسيا.

ز - الخروج لأداء الشهادة:

 ذهب الحنفية إلى أن الخروج لأجل الشهادة مفسد للاعتكاف. وذهب الشافعية إلى أنه يلزمه الخروج لأداء الشهادة متى تعينت عليه ويأثم بعدم الخروج، وكذلك التحمل للشهادة إذا تعين، فيجوز له الخروج ولا يبطل اعتكافه بذلك الخروج، لأنه خروج واجب على الأصح عند الشافعية، أما إذا لم تتعين عليه، فيبطل اعتكافه بالخروج.

ح - الخروج للمرض:

المرض على قسمين:

المرض اليسير الذي لا تشق معه الإقامة في المسجد كصداع وحمى خفيفة وغيرهما لا يجوز معه الخروج من المسجد إذا كان اعتكافه منذورا متتابعا، فإن خرج فسد اعتكافه.

أما المرض الشديد الذي يتعذر معه البقاء في المسجد، أو لا يمكن البقاء معه في المسجد، بأن يحتاج إلى خدمة أو فراش أو مراجعة طبيب، فقد ذهب الحنفية إلى أن خروجه مفسد لاعتكافه، علما بأن مذهب أبي يوسف ومحمد اعتبار نصف النهار كما تقدم.

والأصح عند الشافعية لا يبطل ولا ينقطع به التتابع، ويبني على ما مضى إذا شفي. وكذلك إذا كان المرض مما يتلوث به المسجد كالقيء ونحوه فإنه لا ينقطع به التتابع.

أما الخروج حالة الإغماء فإنه لا يقطع الاعتكاف في قولهم جميعا. وعند الشافعية أن المرض والإغماء يحسبان من الاعتكاف. وفي معنى المرض هذا، الخوف من لص أو حريق عند الشافعية.

ط - الخروج لانهدام المسجد:

إذا انهدم المسجد فخرج منه ليقيم اعتكافه في مسجد آخر صح ذلك عند الحنفية استحسانا، وكذلك عند غيرهم.

ي - الخروج حالة الإكراه:

اتفق الفقهاء على أن الخروج بسبب الإكراه لحكومة لا يفسد الاعتكاف قبل تمام الاعتكاف. إلا أن الحنفية أطلقوا القول بأن الإكراه لا يفسد الاعتكاف إذا دخل المعتكف مسجدا آخر من ساعته. وهذا استحباب منهم، أما إذا لم يدخل مسجدا آخر، فيبقى الحكم على أصل القياس وهو البطلان.

ك - خروج المعتكف بغير عذر:

إذا خرج المعتكف بدون عذر فسد اعتكافه - حسب اعتبار الفقهاء للعذر وعدمه - ولو كان زمن الخروج يسيرا، إلا عند أبي يوسف ومحمد من الحنفية، فإنهما قيدا زمن المفسد بأكثر من نصف النهار.

ل - حد الخروج من المسجد:

 حد الخروج من المسجد أن يخرج بجميع جسده، فإن خرج ببعضه لم يضر.

م - ما يعتبر من المسجد وما لا يعتبر:

اتفق الفقهاء على أن المراد بالمسجد الذي يصح فيه الاعتكاف، ما كان بناء معدا للصلاة فيه.

أما رحبة المسجد، وهي ساحته التي زيدت بالقرب من المسجد لتوسعته، وكانت محجرا عليها، فالذي يفهم من كلام الحنفية أنها ليست من المسجد، وذهب الشافعية إلى أن رحبة المسجد من المسجد، فلو اعتكف فيها صح اعتكافه، وأما سطح المسجد فقد قال ابن قدامة: يجوز للمعتكف صعود سطح المسجد، ولا نعلم فيه خلافا.

 أما المنارة فإن كانت في المسجد أو بابها فيه فهي من المسجد عند الحنفية والشافعية. وإن كان بابها خارج المسجد أو في رحبته فهي منه، ويصح فيها الاعتكاف عند الشافعية. وإن كان بابها خارج المسجد فيجوز أذان المعتكف فيها، سواء أكان مؤذنا أم غيره عند الحنفية، وأما عند الشافعية فقد فرقوا بين المؤذن الراتب وغيره، فيجوز للراتب الأذان فيها وهو معتكف دون غيره، قال النووي: وهو الأصح.

الثالث من المفسدات - الجنون:

إذا طرأ على المعتكف الجنون، وكان زمنه قليلا فإنه لا يفسد الاعتكاف في قول الفقهاء جميعا.

الرابع - الردة:

 يبطل الاعتكاف بالردة على قولهم جميعا.

الخامس - السكر:

السكر يفسد الاعتكاف، عند الشافعية إذا كان بسبب حرام. ولم يره الحنفية مفسدا إن وقع ليلا، أما إن كان في النهار فإنه يبطل الصوم فيبطل الاعتكاف.

السادس: الحيض والنفاس:

يجب على الحائض والنفساء الخروج من المسجد، إذ يحرم عليهما المكث فيه.

والحائض والنفساء يبنيان وجوبا وفورا - في نذر الاعتكاف المتتابع - بمجرد زوال العذر، فإذا تأخرتا بطل الاعتكاف. ولا يحسب زمن الحيض والنفاس من الاعتكاف.

وأما المستحاضة، فإنها إن أمنت التلويث لم تخرج عن اعتكافها، فإن خرجت بطل اعتكافها.

وشرط الشافعية لعدم انقطاع الاعتكاف بالحيض والنفاس ألا تكون مدة الاعتكاف بحيث تخلو عن الحيض، فإن كانت مدة الاعتكاف بحيث تخلو عن الحيض انقطع التتابع في الأظهر، لإمكان الموالاة بشروعها عقب الطهر.

ما يباح للمعتكف وما يكره له:

 كره العلماء للمعتكف فضول القول والعمل:

أ - الأكل والشرب والنوم:

 يباح للمعتكف الأكل والشرب والنوم في المسجد في قولهم جميعا.

ب - العقود والصنائع في المسجد:

يباح عقد البيع وعقد النكاح والرجعة، وبذلك صرح الحنفية والشافعية إذا احتاج إليه لنفسه أو عياله، فلو لتجارة كره. وصرح الحنفية بأن إحضار المبيع في المسجد مكروه تحريما. وذهب الشافعية إلى أنه لا يكره للمعتكف الصنائع في المسجد كالخياطة والكتابة ما لم يكثر منها، فإن أكثر منها كرهت لحرمته، إلا كتابة العلم، فلا يكره الإكثار منها، لأنها طاعة لتعليم العلم.

ج - الصمت:

ذهب الحنفية إلى أن الصمت مكروه تحريما حالة الاعتكاف إن اعتقده قربة، أما إذا لم يعتقده قربة فلا، ويجب الصمت عن الغيبة وإنشاد الشعر القبيح وترويج سلعة وغير ذلك.

د - الكلام:

ينبغي للمعتكف ألا يتكلم إلا بخير، وأن يشتغل بالقرآن والعلم والصلاة على رسول الله (‘) والذكر، لأنه طاعة في طاعة، وكتدريس سيرة الرسول (‰) وقصص الأنبياء وحكايات الصالحين. قال الحنفية: يكره للمعتكف تحريما التكلم إلا بخير، وهو ما لا إثم فيه.

ç - الطيب واللباس:

يجوز للمعتكف أن يتطيب بأنواع الطيب في ليل أو نهار عند الشافعية.

وكذا يجوز عند الشافعية أخذ الظفر والشارب.

وزاد الشافعية التصريح بجواز لبس الثياب الحسنة، لأصل الإباحة.

 

كتاب المناسك

 

قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97].

حكم الحج:

أجمع العلماء على وجوب الحج على كل مسلم بالغ حر عاقل صحيح مستطيع في العمر مرة واحدة.

شروط وجوب الحج:

الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والقدرة على الزاد والراحلة.

ويختص اشتراط القدرة على آلة الركوب بمن كان بعيدا عن مكة. هذا عند الحنفية وخالفهم الشافعية فقالوا هو شرط وجوب بالنسبة لأهل مكة.

فرع: ومن كان له مسكن واسع يفضل عن حاجته، بحيث لو باع الجزء الفاضل عن حاجته من الدار الواسعة لوفى ثمنه للحج يجب عليه البيع عند الشافعية ولا يجب عند الحنفية.

فرع: ومن وجب عليه الحج وأراد أن يتزوج وليس عنده من المال إلا ما يكفي لأحدهما، فان كان في حالة اعتدال الشهوة، فهذا يجب عليه تقديم الحج على الزواج عند الحنفية إذا ملك النفقة في أشهر الحج، أما إن ملكها في غيرها فله صرفها حيث شاء. وأما الشافعية فعندهم الأفضل تقديم الزواج على الحج ويستقر الحج في ذمته.

فرع: صحة البدن شرط لصحة الأداء عند الشافعية والصاحبين وعليه فإنه يجب عليه أن يرسل من ينوب عنه. وذهب أبو حنيفة الى أنها شرط للوجوب وليس عليه الإنابة أو الايصاء.

فرع: الزوج أو المحرم شرط لوجوب الحج إذا كانت مسافة قصر عند الشافعية خلافا للحنفية الذين يجعلونه شرط أداء.

فرع: عدم العدة -سواء كانت عدة وفاة أو طلاق- شرط وجوب عند الشافعية وشرط أداء عند الحنفية.

مسألة:

قد يترتب على المعتدة التي خرج اسمها في الحج ضرر كبير كأن لا يسمحوا لها بتأخير حجتها ولا إرجاع نفقتها فهذه تخرج للضرورة والله اعلم.

فرع: ويجب الحج على الأعمى ان كان معه قائد ولو بأجرة فان لم يستطع الحج بنفسه مع قائده فيجب ان ينيب من يحج عنه.

فرع: يجب على المريض أن يوصي بالحج عنه بعد موته عند الشافعية والصاحبين وعند أبي حنيفة لا يجب.

فرع: أمن الطريق شرط وجوب عند الشافعية وشرط أداء عند الحنفية وثمرة الخلاف أنه لا يجب عليه الايصاء عند الشافعية ويجب عند الحنفية.

فرع: اتفقوا على أن إمكان السير وقت خروج أهل بلده شرطا لأصل الوجوب.

شروط صحة الحج:

الإسلام والعقل والميقات الزماني وهو أشهر الحج، والميقات المكاني: أي ان تقع الأركان في أماكنها المحددة لها شرعا كالوقوف بعرفة والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة.

شروط إجزاء الحج عن الفرض:

الإسلام والعقل والحرية والبلوغ والأداء بنفسه إن قدر عليه وعدم نية النفل وعدم النية عن الغير إذا كان المحرم بالحج قد حج عن نفسه قبل ذلك.

فرع: إذا ارتد بعد الحج ثم تاب لا تجب عليه حجة أخرى عند الشافعية وتجب عند الحنفية.

فرع: إذا نوى الحج نفلا وعليه حجة الفرض أو نذر، فإنه يقع نفلا عند الحنفية. ويقع عن الفرض أو النذر عند الشافعية.

فرع: إذا لم يكن حج عن نفسه حجة الإسلام ونوى عن غيره فإنه يقع عن الغير مع الكراهة عند الحنفية، ويقع عن نفسه عند الشافعية.

باب المواقيت

المواقيت الزمانية:

اتفقوا على أن المواقيت الزمانية للحج : هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. واختلفوا في آخر أشهر الحج فذهب الشافعية الى أن آخر أشهر الحج ليلة يوم النحر، وذهب الحنفية الى أن يوم النحر من أشهر الحج.

فرع: من أحرم بالحج قبل أشهره فإنه ينعقد مع الكراهة عند الحنفية ولا ينعقد حجا عند الشافعية ولكنه ينعقد عمرة. ثم اتفقوا بعد هذا على أنه لو فعل أي شيء من أفعال الحج قبل أشهر الحج لم يجزه، حتى لو صام المتمتع أو القارن ثلاثة أيام قبل أشهر الحج لا يجوز، وكذا السعي بين الصفا والمروة عقب طواف القدوم لا يقع عن سعي الحج إلا فيها.

فرع: اتفقوا على أن ميقات العمرة الزماني هو جميع العام، فيصح أن تفعل في جميع السنة، وينعقد إحرامها. وأما العمرة في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق فلا تكره عند الشافعية، وذهب الحنفية إلى أن العمرة تكره تحريما يوم عرفة وأربعة أيام بعده، حتى يجب الدم على من فعلها في ذلك عندهم.

المواقيت المكانية:

أ - ذو الحليفة: ميقات أهل المدينة، ومن مر بها من غير أهلها. وتسمى الآن " آبار علي " فيما اشتهر لدى العامة.

ب - الجحفة: ميقات أهل الشام، ومن جاء من قبلها من مصر، والمغرب. ويحرم الحجاج من " رابغ "، وتقع قبل الجحفة، إلى جهة البحر، فالمحرم من " رابغ " محرم قبل الميقات. وقد قيل إن الإحرام منها أحوط لعدم التيقن بمكان الجحفة.

ج - قرن المنازل: ويقال له " قرن " أيضا، ميقات أهل نجد، و " قرن " جبل مطل على عرفات. وهو أقرب المواقيت إلى مكة، وتسمى الآن " السيل ".

د - يلملم: ميقات باقي أهل اليمن وتهامة، والهند. وهو جبل من جبال تهامة، جنوب مكة.

ç - ذات عرق: ميقات أهل العراق، وسائر أهل المشرق.

·                  ومن كان سكنه دون الميقات فيحرم من ميقاته حتى أهل مكة من مكة. وأما الإحرام بالعمرة لأهل مكة فمن الحل وأفضله عند الشافعية الجعرانة، وأفضله عند الحنفية التنعيم.

فرع: وجوب الإحرام منها لمن مر بالميقات قاصدا أحد النسكين، الحج أو العمرة، وتحريم تأخير الإحرام عنها بالإجماع. ومن مرّ من فوقها في الطائرة فإنه يجب أن يحرم منها أيضا.

فرع: ومن يمر بميقاتين، كالشامي إذا قدم من المدينة، والمدني، فإنه إذا مر بالجحفة يمر بميقاتين فمن أي الميقاتين يحرم؟ عند الشافعية يجب الاحرام من الميقات الأبعد كأهل الشام ومصر والمغرب، ميقاتهم الجحفة، فإذا مروا بالمدينة وجب عليهم الإحرام من ذي الحليفة ميقات أهل المدينة، وإذا جاوزوه غير محرمين حتى الجحفة كان حكمهم حكم من جاوز الميقات من غير إحرام. وذهب الحنفية الى الكراهة ولو خالف ليس عليه شيء.

فرع: يجوز التقدم بالإحرام على المواقيت المكانية بالإجماع. واختلفوا هل الأفضل التقدم عليها، أو الإحرام منها: فذهب الشافعية إلى أنه يكره له الإحرام قبل الميقات. وذهب الحنفية إلى أن تقديم الإحرام على الميقات المكاني أفضل، إذا أمن على نفسه مخالفة أحكام الإحرام.

فرع: اتفقوا على أنّ من جاوز الميقات قاصدا الحج أو العمرة أو القران، وهو غير محرم، أثم، ويجب عليه العود إليه والإحرام منه. فإن لم يرجع وجب عليه الدم سواء ترك العود بعذر أو بغير عذر، وسواء كان عالما عامدا أو جاهلا أو ناسيا.

محظورات الإحرام:

1-          المحظورات من اللباس

أ‌-               محظورات الإحرام في الملبس في حق الرجال:

·                  لا يحل للرجل المحرم أن يستر جسمه كله أو بعضه أو عضوا منه بشيء من اللباس المفصل عليه ودليله حديث عبد الله بن عمر (ƒ) أن رجلا سأل رسول الله (‘): ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله (‘): لا تلبسوا القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد النعلين، فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين. ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس" أخرجه الستة.

·                  يجوز حمل السلاح بلا حاجة ولبس النظارة والساعة والخاتم.

·                  اتفق العلماء على تحريم ستر المحرم رأسه أو بعضه، ثم اختلفوا في ضابط هذا الستر. فعند الحنفية يحرم ستره بما يقصد به التغطية عادة. وقال الشافعية: يحرم ما يعد ساترا عرفا، فإن لم يكن ساترا عرفا فيحرم إن قصد به الستر.

·                  وأما وضع حمل على الرأس: فيحرم عند الحنفية والشافعية إن كان مما يقصد به التغطية بحسب العادة، كما لو حمل على رأسه ثيابا، فإنه يكون تغطية. وإن كان مما لا يقصد به تغطية الرأس عادة كحمل طبق أو قفة، أو طاسة قصد بها الستر فلا يحرم عند الحنفية ويحرم عند الشافعية ان قصد به الستر وعليه الفدية.

·                  ويجوز التظلل بالمظلة ( الشمسية) .

·                  يحرم ستر الوجه للمحرم عند الحنفية ويجوز عند الشافعية.

·                  اتفقوا على تحريم لبس القفازين للرجل.

ب‌-         محظورات الإحرام من الملبس في حق النساء: اتفق العلماء على أنه يحرم على المرأة في الإحرام ستر وجهها، لا خلاف بينهم في ذلك. وإذا أرادت أن تحتجب بستر وجهها عن الرجال جاز لها ذلك اتفاقا بين العلماء، إلا إذا خشيت الفتنة أو ظنت فإنه يكون واجبا.

والدليل على هذا الاستثناء حديث عائشة (~) قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله (‘) محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه أخرجه أبو داود.

·                  ويشترط عندهم الا يلامس الساتر الوجه.

·                  يحرم عليها لبس القفازين عند الشافعية ويجوز عند الحنفية.

 

2-          الحلق:

يحرم إزالة شعر الرأس والجسد بأي وسيلة كانت وسواء أزاله هو أو غيره.

3-          قص الظفر:

يحرم على المحرم قص الظفر قياسا على حلق الشعر بجامع الترفه وإزالة الشعث في كل منهما اتفاقا.

4-          الادهان:

اتفقوا على تحريم دهن شعر الرأس واللحية والشارب والعنفقة للمحرم واختلفوا في بقية البدن فجوزه الشافعية ومنع منه الحنفية.

5-          الطيب:

الطيب عند الحنفية: ما له رائحة مستلذة ويتخذ منه الطيب. وعند الشافعية: ما يقصد منه رائحته غالبا، ولو مع غيره. ويشترط في الطيب الذي يحكم بتحريمه أن يكون معظم الغرض منه الطيب، واتخاذ الطيب منه، أو يظهر فيه هذا الغرض.

فرع: الثوب الذي فيه طيب قبل الإحرام لا يجوز عند الحنفية لبسه. ويجوز عند الشافعية لبسه ولا يضر عندهم بقاء الرائحة في الثوب بعد الإحرام.

فرع: أكل الطيب الخالص أو شربه لا يحل للمحرم اتفاقا بين الأئمة. أما إذا خلط الطيب بطعام قبل الطبخ، وطبخه معه، فلا شيء عليه، قليلا كان أو كثيرا، أما إذا خلطه بطعام غير مطبوخ: فإن كان الطعام أكثر فلا شيء، ولا فدية إن لم توجد الرائحة، وإن وجدت معه الرائحة الطيبة يكره أكله عند الحنفية. وإن كان الطيب أكثر وجب في أكله الدم سواء ظهرت رائحته أو لم تظهر عند الحنفية. وكذلك إن خلط الطيب بمشروب، كماء الورد وغيره، وجب فيه الجزاء، قليلا كان الطيب أو كثيرا، عندهم. وقال الشافعية: إذا خلط الطيب بغيره من طعام أو شراب، ولم يظهر له ريح ولا طعم، فلا حرمة ولا فدية، وإلا فهو حرام وفيه الفدية.

فرع: اتفقوا على أن شمّ الطيب يكره للمحرم ولا جزاء فيه.

 

6-          الصيد:

الصيد عند الحنفية هو الحيوان البري الممتنع عن أخذه بقوائمه، أو جناحيه، المتوحش في أصل الخلقة. وعند الشافعية: هو الحيوان البري المتوحش المأكول اللحم.

·                  يحرم قتل الصيد، لصريح النصوص الواردة في ذلك. ويحرم إيذاء الصيد، أو الاستيلاء عليه. ومن ذلك: كسر قوائم الصيد، أو كسر جناحه، أو شي بيضه أو كسره، أو نتف ريشه، أو جز شعره، أو تنفير الصيد، أو أخذه، أو دوام إمساكه، أو التسبب في ذلك كله أو في شيء منه بدليل الآية: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} . والآية تفيد تحريم سائر أفعالنا في الصيد في حال الإحرام ".

·                  وتحرم المساعدة على الصيد بأي وجه من الوجوه: مثل الدلالة عليه، أو الإشارة، أو إعارة سكين، أو مناولة سوط. وكذا يحرم الأمر بقتل الصيد اتفاقا في ذلك.

·                  يحرم تملك الصيد ابتداء، بأي طريق من طرق التملك، فلا يجوز بيعه، أو شراؤه، أو قبوله هبة، أو وصية، أو صدقة، أو إقالة.

·                  يحرم على المحرم أكل لحمه، وحلبه، وأكل بيضه..

·                  ما صاده الحلال للمحرم ومن أجله فلا يجوز للمحرم أكله، فأما ما لم يصده من أجل المحرم بل صاده لنفسه أو لحلال آخر فلا يحرم على المحرم أكله. وهذا مذهب الشافعية. ويجوز عند الحنفية ان صاده من أجله ما لم يأمر به، أو تكون منه إعانة عليه أو إشارة أو دلالة.

صيد الحرم:

لا يحل صيد الحرم سواء للمحرم أو الحلال، والمراد بالحرم هنا مكة والمنطقة المحرمة المحيطة بها. لقوله (‘): إن هذا البلد حرمه الله، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها. متفق عليه.

·                  يجوز قتل كل مؤذ بطبعه من الدواب الا ان الحنفية حرموا قتل السباع ونحوها من الطيور كالصقر وغيره لأنها صيود عندهم ( باسثناء الكلب والذئب) الا إذا صالت على المحرم، فإن صالت جاز له قتلها ولا جزاء عليه.

·                  لا تدخل الهوام والحشرات في تحريم الصيد عند الحنفية والشافعية. لكن لا يحل عند الحنفية قتل ما لا يؤذي، وإن لم يجب فيه الجزاء.

7-          الجماع ومقدماته:

يحرم على المحرم باتفاق العلماء وإجماع الأمة الجماع ودواعيه الفعلية أو القولية وقضاء الشهوة بأي طريق. والجماع أشد المحظورات حظرا؛ لأنه يؤدي إلى فساد النسك. والدليل على تحريم ذلك النص القرآني: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}.

مكروهات الإحرام:

1-            غسل الرأس والجسد واللحية بالسدر ونحوه، عند الحنفية.

2-            حك شعر الرأس أو الجسد حكا قويا.

3-            الاكتحال بقصد الزينة مكروه اتفاقا؛ فإن اكتحل بما فيه زينة لحاجة كالرمد فلا كراهة فيه عند الشافعية.

واجبات الإحرام:

1-            كون الإحرام من الميقات المكاني، لا بعده.

2-            اجتناب محظورات الإحرام.

ما يباح في الإحرام:

كل ما ليس محظورا أو مكروها فهو مباح.

سنن الإحرام:

1-            الاغتسال لكل محرم ويشمل الحائض والنفساء. فعن ابن عباس مرفوعا إلى النبي (‘) قال: إن النفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلها، غير أن لا تطوف بالبيت حتى تطهر أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه.

2-            التطيب في البدن اتفاقا وفي الثياب يجوز عند الشافعية ويحرم عند الحنفية.

3-            ركعتي الإحرام وتكره في أوقات الكراهة الا في الحرم عند الشافعية تنتفي الكراهة.

4-            التلبية وهي سنة الا أنهم اختلفوا في وقتها الفاضل فقال الحنفية بعد الصلاة وقال الشافعية إذا ركب. ويقطعها عند رمي جمرة العقبة يوم النحر وفي العمرة عند أول طوافها.

ويقول الحاج: اللهم إني أريد الحج فيسره لي، وتقبله مني. ثم يلبي. ويقول المعتمر: اللهم إني أريد العمرة، فيسرها لي، وتقبلها مني. ثم يلبي.

وإذا كان قارنا فيستحب أن يقدم ذكر العمرة على ذكر الحج حتى لا يشتبه أنه أدخل العمرة على الحج. ويقول: اللهم إني أريد الحج والعمرة. . . إلخ، ويلبي. وإذا كان يؤدي الحج والعمرة عن غيره فلا بد أن يعين ذلك بقلبه ولسانه. ويسن له الإكثار من التلبية. وأفضل صيغها الصيغة المأثورة: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ". ويستحب ألا ينقص منها. وأما الزيادة على التلبية، فإن كانت من المأثور فمستحب.

فرع: وكل من نوى الإحرام فيجب عليه إتمامه قال تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196].

فرع: ويبطل الاحرام الردة.

فرع: أما ما يفسد النسك فهو الجماع، وعليه أن يمضي في نسكه ثم القضاء من قابل إن كان حجا. وإن كان عمرة فعليه أن يمضي أيضا فيها ثم يقضيها ولو في عامه.

 

أنواع الطواف:

1-            طواف القدوم: وهو سنة للآفاقي القادم إلى مكة عند الحنفية والشافعية تحية للبيت العتيق.

2-            طواف الإفاضة: وهو ركن من أركان الحج المجمع عليها، لا يتحلل الحاج بدونه التحلل الأكبر، ولا ينوب عنه شيء ألبتة، ويؤديه الحاج بعد أن يفيض من عرفة، ويبيت بالمزدلفة.

3-            طواف الوداع: وهو من واجبات الحج. ويشترط لوجوبه عند الحنفية أن يكون من أهل الافاق وأما الشافعية فيوجبونه على كل من قصد السفر من مكة ولو كان مكيا.

4-            طواف العمرة: وهو ركن فيها، وأول وقته بعد الإحرام بالعمرة، ولا آخر له.

5-            طواف النذر: وهو واجب، ولا يختص بوقت إذا لم يعين الناذر في نذره للطواف وقتا.

6-            طواف تحية المسجد: وهو مستحب لكل من دخل المسجد الحرام، إلا إذا كان عليه طواف آخر، فيقوم مقامه، كالمعتمر.

7-            طواف التطوع: لا يختص بزمان دون زمان، ويجوز في أوقات كراهة الصلاة. ويلزم بالشروع فيه عند الحنفية خلافا للشافعية.

شروط صحة الطواف:

1-            ان يكون الطواف حول بيت الله العتيق.

2-            أن يطوف سبعة أشواط عند الشافعية، وأما الحنفية فعندهم الركن أكثر السبعة.

3-            النية في غير الحج والعمرة كطواف الوداع لأنه مستقل.

4-            الطواف داخل المسجد الحرام قرب أو بعد فلو طاف من وراء مقام إبراهيم (’)، أو من وراء حائل كمنبر أو غيره كالأعمدة، أو على سطح المسجد الحرام أجزأه ذلك.

5-            أن يكون الطواف حول البيت كله ( بالبيت لا في البيت).

6-            أن يطوف من وراء الحِجر ولو مشى على جداره لم يجزئه، لأنه جزء من الكعبة. وعند الحنفية واجب وليس شرطا ويجب عليه إعادة الطواف ما دام بمكة، فإن رجع إلى بلده بغير إعادة فعليه هدي يرسله إلى مكة.

7-            يشترط الابتداء من الحجر الاسود عند الشافعية أما الحنفية فيوجبون ذلك ولا يشترطونه.

8-            التيامن يجعل البيت عن يساره فلو عكس بطل عند الشافعية وعند الحنفية مكروه كراهة تحريمية وتجب إعادته ما دام بمكة، وإن رجع إلى أهله من غير إعادة يجب عليه الدم.

9-            الطهارة من الحدث والخبث شرط عند الشافعية وواجب عند الحنفية تجب إعادته ما دام بمكة، وإلا وجب عليه الفداء.

10-      ستر العورة شرط عند الشافعية وواجب عند الحنفية.

سنن الطواف:

1-            الاضطباع: هو أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه اليمنى عند الشروع في الطواف ويرد طرفيه على كتفه اليسرى وتبقى كتفه اليمنى مكشوفة. وعندهم يكون في كل طواف بعده سعي. وتكره عندهم صلاة الطواف مضطبعا.

2-            الرمل: إسراع المشي مع تقارب الخطى وهز الكتفين من غير وثب. وهو سنة في كل طواف بعده سعي. ويكون في الأشواط الأولى وهو خاص بالرجال دون النساء.

3-            المشي للقادر عليه، وعند الحنفية يجب المشي.

4-            ابتداء الطواف من جهة الركن اليماني.

5-            استقبال الحجر عند ابتداء الطواف: نص عليه الحنفية.

6-            استلام الحجر وتقبيله في ابتداء الطواف وفي كل شوط، وبعد ركعتي الطواف. ولكن عند الحنفية يستحب تقبيل الحجر.

7-            استلام الركن اليماني: ويكون بوضع اليدين عليه، وهو الركن الواقع قبل ركن الحجر الأسود. وهو مندوب عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وعند الشافعية يقبل ما استلم به الركن اليماني ويشير إليه عند العجز عن الوصول إليه خلافا للحنفية.

8-            الدعاء صرح الشافعية بأنه يسن في أول الطواف، وفي كل طوفة الدعاء بالمأثور.

9-            القرب في الطواف من البيت للرجال والبعد للنساء.

10-      حفظ البصر عن كل ما يشغله.

11-      الإسرار بالذكر والدعاء: حتى لا يؤذي غيره إن جهر.

12-      قراءة القرآن الكريم: عند الشافعية يستحب وعند الحنفية يجوز والذكر أفضل. ولكن الشافعية قالوا: مأثور الدعاء أفضل من القراءة، وهي أفضل من غير مأثوره.

مباحات الطواف:

1-            الكلام المباح الذي يحتاج إليه.

2-            السلام على من لا يكون مشغولا بالذكر.

3-            الإفتاء والاستفتاء، ونحوه من تعليم جاهل أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر.

4-            الخروج من الطواف لحاجة ضرورية.

5-            الشرب، لعدم إخلاله بالموالاة لقلة زمانه، بخلاف الأكل.

6-            لبس نعل أو خف إذا كانا طاهرين.

محرمات الطواف:

ومحرماته أن يترك ركنا من الطواف أو شرطا أو واجبا منه.

مكروهات الطواف:

1-            رفع الصوت بالذكر والدعاء والقرآن بما يشوش على الطائفين.

2-            الكلام غير المحتاج إليه.

3-            إنشاد شعر ليس من قبيل الذكر والثناء على الله.

4-            ترك سنة من سنن الطواف.

5-            الجمع بين أكثر من طواف كامل من غير صلاة بعد كل طواف، إلا إذا وقعت الصلاة في وقت كراهة فيؤخرها عند الحنفية. ويصليها عند الشافعية.

6-            الطواف وهو يدافع البول أو الغائط، أو وهو شديد التوقان إلى الأكل، ونحو ذلك مما يشغله عن الحضور في العبادة، كما يكره في الصلاة.

7-            الأكل في الطواف. وأما الشرب فمكروه عند الشافعية كراهة أخف من كراهة الأكل.

8-            وضع الطائف يده على فيه، إلا أن يحتاج إليه مثل دفع التثاؤب.

9-            تشبيك الأصابع أو فرقعتها، كما يكره ذلك في الصلاة.

كيفية الطواف:

إذا أراد شخص الطواف فيستعد لذلك بتطهير بدنه وثيابه من النجاسة، ويغتسل إن كان جنبا، ويتوضأ ويضبط ثياب إحرامه حتى يأمن أن تنكشف عورته في أثناء الطواف وزحامه، وإذا أراد أداء طواف بعده سعي مثل طواف القدوم في حال تقديم السعي إليه، وطواف الزيارة إذا لم يقدم السعي عليه، وطواف العمرة، فيسن له في هذه الأطوفة الاضطباع في الأشواط كلها.

وكيفية الاضطباع: أن يجعل الطائف وسط الرداء تحت إبطه اليمنى، ويرد طرفيه على كتفه اليسرى، ويترك كتفه اليمنى مكشوفة. ثم يتجه إلى الحجر الأسود حتى يتجاوزه قليلا إلى جهة الركن اليماني، ويقطع التلبية إن كان محرما، ينوي الطواف الذي يريده، ويجعل يساره إلى البيت، ثم يستقبل الحجر الأسود ويستلمه، بأن يضع عليه يديه ويضع وجهه بين كفيه، ويقبله ثلاثا.

لكن إذا وجد الطائف زحاما فيجتنب الإيذاء، ويكتفي بالإشارة إلى الحجر بيديه؛ لأن استلام الحجر سنة، وإيذاء الناس حرام يجب تركه، ولا يجوز ارتكاب الحرام لأجل السنة، وقد قال (‘) لعمر (¢): يا عمر، إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر، فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله فهلل وكبر.

وكيفية الإشارة: أن يرفع الطائف يديه حذاء منكبيه، ويجعل باطنهما نحو الحجر الأسود يشير بهما إليه.

ويرمل الطائف في الأشواط الثلاثة الأولى إن كان سيسعى بعد الطواف.

وكيفية الرمل: إسراع المشي مع مقاربة الخطى وهز الكتفين من غير وثب، ويمشي بقية الأشواط، ويكون في طوافه على غاية الأدب والحضور والتعظيم، مع غض البصر وخفض الصوت بالذكر والدعاء، فإذا وصل إلى الحطيم وهو المكان المحاط بجدار دائري، جهة شمال الكعبة حيث الميزاب فيجعل الحطيم في ضمن طوافه، ولا يدخل في داخله، فإذا وصل إلى الركن اليماني فيستلمه، وذلك بأن يضع يديه عليه فقط، دون سجود ولا تقبيل له ولا ليديه، حتى يصل إلى الحجر الأسود، فيكون بذلك قد أدى شوطا، فيستلم الحجر ويقبله، أو يشير إليه إذا كان زحام.

ويتابع الطواف حتى تكمل سبعة أشواط عند الحجر الأسود فيستلمه ويقبله ختاما لأشواط الطواف، أو يشير إليه إذا كان هناك زحام، ثم يتجه نحو مقام إبراهيم الخليل (’) فيجعله بينه وبين الكعبة، ويصلي ركعتي الطواف، ولكن ليس هذا الوضع شرطا لصحتهما كما يتوهم العامة، فلا يزاحم ويصلي ركعتي الطواف أينما تيسر، فحيثما أداهما جائز، لكن الحرم أفضل، ويقرأ في الركعة الأولى سورة {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية {قل هو الله أحد} اتباعا لفعله (‘)، ثم يدعو بعدهما بما يحب له ولمن يحب.

السعي بين الصفا والمروة وما يتعلق بهما:

أصل السعي:

في صحيح البخاري (4/ 142) قال ابن عباس (¢): "..فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنْسَانِ المَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ المَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ (‘): «فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا».

حكم السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة:

ذهب الشافعية الى أنه ركن فيهما ولا يصحان بدونه، وذهب الحنفية إلى أن السعي واجب في الحج والعمرة، وليس بركن فيهما، فمن تركه لغير عذر وجب عليه الدم، وإن تركه لعذر فلا شيء عليه.

صفة السعي:

بعد انتهاء الحاج أو المعتمر من الطواف يتوجه إلى الصفا ليبدأ السعي منها، فيرقى على الصفا، ويستقبل الكعبة المشرفة، ويوحد الله ويكبره، ويأتي بالذكر الوارد، ثم يسير متوجها إلى المروة، فإذا حاذى الميلين (العمودين) الأخضرين اللذين في جدار المسعى اشتد وأسرع ما استطاع، وهكذا إلى العمودين التاليين الأخضرين، ثم يمشي المشي المعتاد حتى يصل إلى المروة فيصعد عليها. ويوحد ويكبر كما فعل على الصفا، وهذا شوط واحد.

ثم يشرع في الشوط الثاني فيتوجه من المروة إلى الصفا، حتى إذا حاذى العمودين الأخضرين اشتد وأسرع كثيرا حتى يصل إلى العمودين التاليين، ثم يمشي المشي المعتاد إلى أن يصل إلى الصفا فيرقى عليها، ويستقبل الكعبة، ويوحد الله ويكبره، ويدعو كما فعل أولا، وهذا شوط ثان، ثم يعود إلى المروة وهكذا حتى يعد سبعة أشواط ينتهي آخرها عند المروة.

فإن كان معتمرا فقط أو متمتعا بالعمرة إلى الحج فقد قضى عمرته ويحلق أو يقصر، ويتحلل التحلل الكامل. وإن كان مفردا للحج أو قارنا فلا يحلق ولا يقصر، بل يظل محرما حتى يتحلل بأعمال يوم النحر.

 

ركن السعي:

قال الشافعية: إن القدر الذي لا يتحقق السعي بدونه: سبعة أشواط يقطعها بين الصفا والمروة.

وقال الحنفية: يكفي لإسقاط الواجب أربعة أشواط؛ لأنها أكثر السعي. فلو سعى أقل من أربعة أشواط فعليه دم عند الحنفية؛ لأنه لم يؤد الواجب، أما عند الشافعية فيجب عليه العود لأداء ما نقص ولو كان خطوة، ولا يتحلل من إحرامه إلا بذلك.

شروط السعي:

1-            أن يكون السعي بعد طواف صحيح ولو نفلا عند الحنفية وأما الشافعية فيشترطون أن يكون السعي بعد طواف ركن أو قدوم. والا يتخلل بين طواف القدوم والسعي الوقوف بعرفة فان تخلل فلا بد أن يسعى بعد طواف الزيارة.

2-            الترتيب بين الصفا والمروة بأن يبدأ بالصفا فالمروة، حتى يختم سعيه بالمروة، اتفاقا بينهم.

3-            استيعاب جميع المسافة بين الصفا والمروة.

السعي للقارن:

القارن عند الحنفية يطوف طوافين ويسعى سعيين. فيبدأ بطواف العمرة ثم سعيها، ثم يطوف للقدوم ويسعى للحج إن أراد تقديم سعي الحج عندهم.

أما عند الشافعية: فحكمه كالمفرد؛ لأنه يطوف طوافا واحدا، ويسعى سعيا واحدا يجزئان لحجه وعمرته.

تأخير السعي عن وقته الأصلي:

عند الشافعية: لا شيء عليه بتأخير السعي مهما طال الأمد، ويرجع بإحرامه المتبقي دون حاجة لإحرام جديد.

وعند الحنفية: إذا تأخر السعي عن وقته الأصلي - وهو أيام النحر بعد طواف الزيارة - فإن كان لم يرجع إلى أهله فإنه يسعى ولا شيء عليه، وإن كان رجع إلى أهله فعليه دم لتركه السعي بغير عذر. وإن أراد أن يعود إلى مكة فإنه يعود بإحرام جديد؛ لأن إحرامه الأول قد ارتفع بطواف الزيارة؛ لوقوع التحلل الأكبر به، فيحتاج إلى تجديد الإحرام، وإذا عاد وسعى يسقط عنه الدم لأنه تدارك الترك.

فرع: المشي بنفسه للقادر عليه، واجب عند الحنفية، يلزم بتركه دم عندهم، وعند الشافعية سنة.

سنن السعي ومستحباته:

1-            الموالاة بين الطواف والسعي: فلو فصل بينهما بفاصل طويل بغير عذر فقد أساء ويسن له الإعادة، ولو لم يعد لا شيء عليه اتفاقا.

2-            النية.

3-            يستحب أن يسعى على طهارة من الحدث الأصغر والأكبر والنجاسة.

4-            أن يصعد على الصفا والمروة كلما بلغهما في سعيه بحيث يستقبل الكعبة.

5-            الدعاء: عند صعود الصفا والمروة وفي السعي بينهما، جعله الحنفية من المستحبات.

6-            السعي الشديد بين الميلين الأخضرين للرجال. والمشي فيما بقي.

7-            الموالاة بين أشواط السعي.

8-            الاضطباع عند الشافعية خلافا للحنفية.

9-            ختم السعي بركعتين وللشافعية قولان.

مباحات السعي:

1-            الكلام المباح الذي لا يشغله.

2-            الأكل والشرب.

3-            الخروج منه لأداء مكتوبة، أو صلاة جنازة.

مكروهات السعي:

1-            البيع والشراء والحديث الذي يلهيه عن الذكر والدعاء.

2-            تأخير السعي عن وقته المختار تأخيرا كثيرا من غير عذر، بإبعاده كثيرا من الطواف.

3-             

الوقوف بعرفة:

أجمع العلماء على أن الوقوف بعرفة يوم عرفة ركن من أركان الحج ودليله قول النبي (‘) «الحَجُّ عَرَفَةُ، مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الحَجَّ » أخرجه الترمذي وغيره.

ومن فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج وعليه الحج من قابل.

وقت الوقوف بعرفة:

يبدأ وقت الوقوف بعرفة من زوال الشمس يوم عرفة - وهو تاسع ذي الحجة - ويمتد إلى طلوع الفجر الصادق يوم عيد النحر حتى لو وقف بعرفة في غير هذا الوقت كان وقوفه باطلا اتفاقا.

فرع: الجمع بين الليل والنهار بعرفة واجب عند الحنفية من تركه فعليه دم، وسنة عند الشافعية لا يجب عليه بتركه الفداء بل يستحب.

فرع: يخطب خطبة عرفة ثم يصلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين في وقت الظهر ولا يجهر بقراءته.

طواف الزيارة:

وهو ركن بإجماع العلماء. ويسمى أيضا طواف الإفاضة، لأن الحاج يفعله عند إفاضته من منى إلى مكة. والأشواط السبعة ركن عند الشافعية وأما الحنفية فعندهم الركن أكثر السبعة.

شروط طواف الزيارة:

1-            أن يكون مسبوقا بالإحرام، لتوقف احتساب أي عمل من أعمال الحج على الإحرام.

2-            أن يكون مسبوقا بوقوف عرفة، فلو طاف للإفاضة قبل الوقوف بعرفة لا يسقط به فرض الطواف، إجماعا.

3-            النية: بأن يقصد أصل الطواف. أما نية التعيين فليست شرطا في طواف الإفاضة.

4-            الوقت: فلا يصح طواف الإفاضة قبل الوقت المحدد له شرعا. وهو وقت موسع يبتدئ من طلوع الفجر الثاني يوم النحر عند الحنفية، وذهب الشافعية إلى أن أول وقت طواف الإفاضة بعد منتصف ليلة النحر لمن وقف بعرفة قبله.

فرع: والأفضل عند العلماء أداؤه يوم النحر بعد الرمي والحلق. ومن أخره عن أيام النحر وجب عليه دم عند أبي حنيفة. ولا شيء عليه عند الشافعية والصاحبين.

واجبات الحج:

1-            المبيت بمزدلفة: اتفق الفقهاء على أن الوقوف في مزدلفة واجب ليس بركن. ثم اختلفوا في مقداره ووقته. فذهب الشافعية الى ان زمن الوقوف الواجب هو المكث بعد منتصف الليل ولو لحظة، وذهب الحنفية الى أنه ما بين طلوع الفجر يوم النحر وطلوع الشمس، فمن حصل بمزدلفة –في أي بقعة كانت منها سوى وادي محسر- في هذا الوقت فترة من الزمن فقد أدرك الوقوف، سواء بات بها أو لا، ومن لم يحصل بها فيه فقد فاته الوقوف الواجب بالمزدلفة. وعليه دم إلا إن تركه لعذر كزحمة فلا شيء عليه.

فرع: واتفقوا على أن الحاج يجمع في المزدلفة بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير، وهذا الجمع سنة عند الشافعية، واجب عند الحنفية.

وذهب الحنفية إلى أن الحاج يصلي المغرب والعشاء في مزدلفة جمعا بأذان وإقامة، لأن العشاء في وقتها فلا تحتاج للإعلام فيقتصر على إقامة واحدة، ولا يشترط لهذا الجمع عندهم جماعة، فلو صلاهما منفردا جاز ولكن الجماعة فيه سنة.

شروط الجمع بمزدلفة:

1-            الإحرام بالحج.

2-            تقديم الوقوف بعرفة عليه.

3-            الزمان، والمكان، والوقت، فالزمان ليلة النحر، والمكان مزدلفة، والوقت وقت العشاء ما لم يطلع الفجر، فلا يجوز هذا الجمع لغير المحرم بالحج، ولا في غير الزمان والمكان والوقت المذكور. فلو صلى المغرب والعشاء في عرفات أو في الطريق أعادهما.

وقال الشافعي: ولو ترك الجمع بينهما وصلى كل واحد في وقتها أو جمع بينهما في وقت المغرب أو جمع وحده لا مع الإمام، أو صلى إحداهما مع الإمام والأخرى وحده جامعا بينهما، أو صلاهما في عرفات، أو في الطريق قبل المزدلفة جاز، وفاتته الفضيلة.

وإن جمع بينهما في المزدلفة في وقت العشاء أقام لكل واحدة منهما، ولا يؤذن للثانية، ويؤذن للأولى في الأصح.

فرع: من ترك المبيت بمزدلفة لعذر فلا شيء عليه.

فرع: ذهب الفقهاء إلى أنه من السنة تقديم الضعفاء من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الفجر بعد نصف الليل ليرموا جمرة العقبة قبل زحمة الناس.

فرع: يستحب للحاج بعد بياته بمزدلفة في ليلة النحر أن يصلي صلاة الفجر مغلسا في أول وقتها ثم يأتي الحاج المشعر الحرام (جبل قزح) ويقف عنده فيدعو الله (´) ويحمده ويكبره ويهلله، ويوحده، ويكثر من التلبية، ومن الذكر. والسنة الدفع من المشعر الحرام إلى منى قبل طلوع الشمس ويكره تأخير السير منه حتى تطلع الشمس.

فرع: يستحب للحاج أخذ حصى الجمار من مزدلفة.

منى والأحكام المتعلقة بها:

سميت بذلك لما يمنى بها من الدماء، أي: يراق. والجبال المحيطة بها: ما أقبل منها عليه فهو من منى، وما أدبر منها فليس من منى.

ويرى الحنفية والشافعية أن وادي محسر وجمرة العقبة ليسا من منى.

2-          رمي الجمار:

والجمرات التي ترمى ثلاثة، هي:

أ - الجمرة الأولى: وتسمى الصغرى، أو الدنيا، وهي أول جمرة بعد مسجد الخيف بمنى، سميت " دنيا " من الدنو؛ لأنها أقرب الجمرات إلى مسجد الخيف.

ب - الجمرة الثانية: وتسمى الوسطى، بعد الجمرة الأولى، وقبل جمرة العقبة.

ج - جمرة العقبة: وهي الثالثة، وتسمى أيضا " الجمرة الكبرى " وتقع في آخر منى تجاه مكة، وليست من منى.

·                  وترمى هذه الجمرات كلها من جميع الجهات. ورميها واجب بالإجماع.

شروط صحة رمي الجمار:

1-            سبق الإحرام بالحج:

2-            سبق الوقوف بعرفة:

3-            أن يكون المرمي حجرا: فلا يصح الرمي بالطين، والمعادن، والتراب عند الشافعية، وذهب الحنفية جواز ذلك وصحته. واتفقوا على أن السنة في الرمي أن يكون بمثل حصى الخذف، فوق الحمصة، ودون البندقة، وكرهوا الرمي بالحجر الكبير.

4-             أن يرمي الجمرة بالحصيات السبع متفرقات.

5-             وقوع الحصى في الجمرة التي يجتمع فيها الحصى وتوسع الحنفية فقالوا: لو رماها فوقعت قريبا من الجمرة يكفيه؛ لأن هذا القدر مما لا يمكن الاحتراز عنه، ولو وقعت بعيدا منها لا يجزيه.

6-             أن يقصد المرمى ويقع الحصى فيه بفعله: فلو ضرب شخص يده فطارت الحصاة إلى المرمى وأصابته لم يصح.

7-             ترتيب الجمرات في رمي أيام التشريق: وهو أن يبدأ بالجمرة الصغرى التي تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة. وهو مذهب الشافعية. ومذهب الحنفية أن هذا الترتيب سنة، إذا أخل به يسن له الإعادة.

8-            أن يكون هناك قذف للحصاة ولو خفيفا؛ فلو وضعها وضعا فلا يصح اتفاقا.

·                  وأول وقت الرمي ليوم النحر يبدأ من طلوع فجر يوم النحر عند الحنفية وهذا الوقت عندهم أقسام: ما بعد طلوع الفجر من يوم النحر إلى طلوع الشمس وقت الجواز مع الإساءة، وما بعد طلوع الشمس إلى الزوال وقت مسنون، وما بعد الزوال إلى الغروب وقت الجواز بلا إساءة، والليل وقت الجواز مع الإساءة عند الحنفية فقط ولا جزاء فيه.

وذهب الشافعية إلى أن أول وقت جواز الرمي يوم النحر إذا انتصفت ليلة يوم النحر لمن وقف بعرفة قبله. وهذا الوقت ثلاثة أقسام: وقت فضيلة إلى الزوال، ووقت اختيار إلى الغروب، ووقت جواز إلى آخر أيام التشريق.

·                  وآخر وقت الرمي يوم النحر فهو عند الحنفية إلى فجر اليوم التالي، فإذا أخره عنه بلا عذر لزمه القضاء في اليوم التالي، وعليه دم للتأخير، ويمتد وقت القضاء إلى آخر أيام التشريق.وعند الشافعية يمتد إلى آخر أيام التشريق.

ب - الرمي في اليوم الأول والثاني من أيام التشريق:

·                  وهما اليومان الثاني والثالث من أيام النحر: يجب في هذين اليومين رمي الجمار الثلاث على الترتيب: يرمي أولا الجمرة الصغرى التي تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم يرمي جمرة العقبة، يرمي كل جمرة بسبع حصيات.

·                  يبدأ وقت الرمي في اليوم الأول والثاني من أيام التشريق بعد الزوال، ولا يجوز الرمي فيهما قبل الزوال وهي ظاهر الرواية عن أبي حنيفة. وروي عنه أن الأفضل أن يرمي في اليوم الثاني والثالث - أي من أيام النحر - بعد الزوال فإن رمى قبله جاز.

·                  وآخر وقت الرمي بغروب شمس اليوم الرابع من أيام النحر ، فمن ترك رمي يوم أو يومين تداركه فيما يليه من الزمن، والمتدارك أداء على القول الأصح الذي اختاره النووي واقتضاه نص الشافعية. وهكذا لو ترك رمي جمرة العقبة يوم العيد فالأصح أنه يتداركه في الليل وفي أيام التشريق.

ويشترط فيه الترتيب فيقدمه على رمي أيام التشريق. وإن لم يتدارك الرمي حتى غربت شمس اليوم الرابع فقد فاته الرمي وعليه الفداء.

وأما الحنفية فقيدوا رمي كل يوم بيومه، وأنه ينتهي رمي اليوم الثاني من أيام النحر بطلوع فجر اليوم الثالث، ورمي اليوم الثالث بطلوع الفجر من اليوم الرابع. فمن أخر الرمي إلى ما بعد وقته فعليه قضاؤه، وعليه دم عندهم.

ج - الرمي ثالث أيام التشريق:

·                  يجب هذا الرمي على من تأخر ولم ينفر من منى بعد رمي ثاني أيام التشريق بعد الزوال عند الشافعية والصاحبين، وقال أبو حنيفة: الوقت المستحب للرمي في هذا اليوم بعد الزوال، ويجوز أن يقدم الرمي في هذا اليوم قبل الزوال، بعد طلوع الفجر.

·                  واتفقوا على أن آخر وقت الرمي في هذا اليوم غروب الشمس، كما اتفقوا على أن وقت الرمي لهذا اليوم وللأيام الماضية لو أخره أو شيئا منه يخرج بغروب شمس اليوم الرابع، فلا قضاء له بعد ذلك، ويجب في تركه الفداء.

واجب الرمي:

·                  يجب ترتيب رمي يوم النحر بحسب ترتيب أعمال يوم النحر، وهي هكذا: رمي جمرة العقبة، فالذبح، فالحلق، فطواف الإفاضة، وذلك عند الحنفية، خلافا للشافعية فإن ترتيبها سنة عندهم.

سنن الرمي:

1-            أن يكون بين الرامي وبين الجمرة خمسة أذرع فأكثر، كما نص الحنفية.

2-            الموالاة بين الرميات السبع، بحيث لا يزيد الفصل بينها عن الذكر الوارد.

3-            لقط الحصيات دون كسرها، وله أخذها من منزله بمنى.

4-            طهارة الحصيات، فيكره الرمي بحصى نجس، ويندب إعادته بطاهر.

5-            ألا يكون الحصى مما رمي به، فلو خالف ورمى بها كره، سواء كان مما رمى به هو أو غيره.

6-            التكبير مع كل حصاة، ويقطع التلبية مع أول حصاة يرمي بها جمرة العقبة يوم النحر.

7-            الوقوف للدعاء: وذلك إثر كل رمي بعده رمي آخر.

·                  يندب تقديم الرمي قبل صلاة الظهر عند الشافعية، وعند الحنفية يقدم صلاة الظهر على الرمي.

مكروهات الرمي:

1-            الرمي بعد المغرب في يوم النحر.

2-            الرمي بالحجر الكبير، سواء رمى به كبيرا، أو رمى به مكسورا.

3-            الرمي بحصى مسجد الخيف. ( والمسجد الآن لا يوجد فيه حصى ).

4-            الرمي بالحصى النجس.

5-            الزيادة على العدد، أي السبع، في رمي كل جمرة من الجمرات.

ماذا يترتب على الرمي؟

·                  الجواب: إذا رمى الحاج الجمار أول وثاني أيام التشريق يجوز له أن ينفر، أي يرحل إن أحب التعجل في الانصراف من منى، هذا هو النفر الأول، وبهذا النفر يسقط رمي اليوم الأخير. وإذا رمى الحاج الجمار في اليوم الثالث من أيام التشريق انصرف من منى إلى مكة، ولا يقيم بمنى بعد رميه هذا اليوم.

حكم من ترك الرمي:

·                  يلزم من ترك الرمي بغير عذر الإثم ووجوب الدم، وإن تركه بعذر لا يأثم، لكن لا يسقط الدم عنه، ويجزئه شاة عن ترك الرمي كله، أو عن ترك رمي يوم. وتسامح الشافعية في حصاة وحصاتين فجعلوا في ذلك صدقة، وأنزل الحنفية الأكثر منزلة الكل مع وجوب جزاء عن الناقص.

النيابة في الرمي:

وهي رخصة خاصة بالمعذور، تفصيل حكمها فيما يلي:

أ - المعذور الذي لا يستطيع الرمي بنفسه، كالمريض، يجب أن يستنيب من يرمي عنه، وينبغي أن يكون النائب قد رمى عن نفسه، فإن لم يكن رمى عن نفسه فليرم عن نفسه أولا الرمي كله، ثم يرمي عمن استنابه.

وقال الشافعية: إن الإنابة خاصة بمن به علة لا يرجى زوالها قبل انتهاء أيام التشريق كمريض أو محبوس.

وعند الشافعية قول: أنه يرمي حصيات كل جمرة عن نفسه أولا، ثم يرميها عن المريض الذي أنابه إلى أن ينتهي من الرمي، وهو مخلص حسن لمن خشي خطر الزحام.

ب - من عجز عن الاستنابة كالصبي الصغير، والمغمى عليه، فيرمي عن الصبي وليه اتفاقا، وعن المغمى عليه رفاقه عند الحنفية، ولا فدية عليه وإن لم يرم عند الحنفية.

3-          المبيت بمنى ليالي أيام التشريق:

والمبيت بها ليالي أيام التشريق واجب عند الشافعية، يلزم الدم لمن تركه بغير عذر.

وذهب الحنفية إلى أن المبيت بها سنة، والقدر الواجب للمبيت عند الشافعية هو مكث أكثر الليل.

4-          الحلق والتقصير:

·                  ذهب الحنفية الى أن حلق شعر الرأس أو تقصيره واجب من واجبات الحج، وذهب الشافعي في المشهور عنه وهو الراجح في المذهب إلى أنه ركن في الحج.

·                  واختلفوا في القدر الواجب حلقه أو تقصيره. فعند الحنفية: يكفي مقدار ربع الرأس، وعند الشافعية: يكفي إزالة ثلاث شعرات أو تقصيرها.

·                  وذهب الشافعي الى أن الحلق أو التقصير لا يختص بزمان ولا مكان، لكن السنة فعله في الحرم أيام النحر. وذهب أبو حنيفة إلى أن الحلق يختص بأيام النحر، وبمنطقة الحرم، فلو أخل بأي من هذين لزمه الدم، ويحصل له التحلل بهذا الحلق.

5-          طواف الوداع:

 

شروط وجوب الوداع:

1-            يشترط لوجوبه عند الحنفية أن يكون من أهل الافاق, وأما الشافعية فيوجبونه على كل من قصد السفر من مكة ولو كان مكيا.

2-            الطهارة من الحيض والنفاس: فلا يجب على الحائض والنفساء، ولا يسن أيضا حتى إنهما لا يجب عليهما دم بتركه. وإذا طهرت الحائض قبل أن تفارق بنيان مكة يلزمها طواف الصدر، وإن جاوزت جدران مكة ثم طهرت لم يلزمها طواف الصدر.

3-            أن يكون قد أدى مناسك الحج مفردا أو متمتعا أو قارنا. فلا يجب على المعتمر عند الحنفية وحدهم، ولو كان آفاقيا.

شروط صحته:

1-            أصل نية الطواف لا التعيين.

2-            أن يكون مسبوقا بطواف الزيارة.

3-            الوقت: ووقت طواف الوداع عند الحنفية يمتد عقب طواف الزيارة لو تأخر سفره، وكل طواف يفعله الحاج بعد طواف الزيارة يقع عن طواف الصدر. وعند الشافعية وقته بعد فراغه من جميع أموره، وعزمه على السفر، ويغتفر له أن يشتغل بعده بأسباب السفر، كشراء الزاد، وحمل الأمتعة ونحو ذلك ولا يعيده، لكن إن مكث بعده مشتغلا بأمر آخر غير أسباب السفر كشراء متاع، أو زيارة صديق، أو عيادة مريض احتاج إلى إعادة الطواف.

التحلل من الإحرام:

المراد بالتحلل هنا الخروج من الإحرام وحل ما كان محظورا عليه وهو محرم. وهو قسمان: تحلل أصغر، وتحلل أكبر:

·                  التحلل الأصغر: يكون التحلل الأصغر بفعل أمرين من ثلاثة: رمي جمرة العقبة، والنحر، والحلق أو التقصير. ويحل بهذا التحلل لبس الثياب وكل شيء ما عدا النساء بالإجماع.

·                  التحلل الأكبر: يحصل التحلل الأكبر عند الحنفية بطواف الإفاضة، بشرط الحلق هنا. فلو أفاض ولم يحلق لم يتحلل حتى يحلق. وعند الشافعية يحصل التحلل الأكبر باستكمال أفعال التحلل التي ذكرناها: رمي جمرة العقبة، والحلق، وطواف الإفاضة المسبوق بالسعي.

التحلل من إحرام العمرة:

اتفقوا على أن للعمرة تحللا واحدا يحل به للمحرم جميع محظورات الإحرام. ويحصل هذا التحلل بالحلق أو التقصير.

·                  رفض الإحرام: هو ترك المضي في النسك بزعم التحلل منه قبل إتمامه. ورفض الإحرام لغو باتفاق العلماء، ولا يبطل به الإحرام، ولا يخرج به عن أحكامه.

ما يبطل الإحرام:

·                  يبطل الإحرام بأمر واحد فقط، متفق عليه بين الجميع: هو الردة عن الإسلام، عياذا بالله تعالى. ويتفرع على بطلان الإحرام أنه لا يمضي في متابعة أعمال ما أحرم به، خلافا للفاسد. وأما إذا أسلم وتاب عن ردته فلا يمضي أيضا؛ لبطلان إحرامه.

سنن الحج:

1-            طواف القدوم.

·                  ويسقط طواف القدوم عن المكي ومن في حكمه وهو الآفاقي إذا أحرم من مكة. و المعتمر والمتمتع ولو آفاقيا. و من قصد عرفة رأسا للوقوف.

·                  وقت طواف القدوم: يبدأ وقت طواف القدوم حين دخول مكة، ويستحب أن يبادر به قبل استئجار المنزل ونحو ذلك، لأنه تحية البيت العتيق، وآخر وقته وقوفه بعرفة، لأنه بعد الوقوف مطالب بطواف الفرض، وهو طواف الزيارة.

2-            خطب الإمام: وهي سنة في ثلاثة مواضع عند الحنفية وهي: يوم سابع ذي الحجة ويوم عرفة و في اليوم الحادي عشر من ذي الحجة وأربعة عند الشافعية وهي: في يوم سابع ذي الحجة ويوم عرفة ويوم النحر بمنى وثاني أيام التشريق.

3-            المبيت بمنى ليلة يوم عرفة.

4-            السير من منى إلى عرفة صباحا بعد طلوع شمس يوم عرفة.

5-            يسن للحاج أن يبيت بالمزدلفة ليلة عيد النحر، ويمكث بها حتى يطلع الفجر، ثم يقف للدعاء ويمكث فيها حتى يسفر جدا، ثم يدفع إلى منى.

مستحبات الحج:

1-            العج: وهو رفع الصوت بالتلبية باعتدال، وهو مستحب للرجال. والثج: وهو ذبح الهدي تطوعا.

2-            الغسل لدخول مكة للآفاقي.

3-            الغسل للوقوف بالمزدلفة بعد نصف الليل.

4-            التعجيل بطواف الإفاضة.

5-            الإكثار من الدعاء والتلبية والأذكار المتكررة في الأحوال.

6-            النزول بوادي المحصب، أو الأبطح في النفر من منى إلى مكة عند انتهاء المناسك وهو سنة عند الحنفية.

 

باب القران

معناه:

القران: هو أن يحرم بالعمرة والحج جميعا، أو يحرم بعمرة في أشهر الحج ثم يدخل الحج عليها قبل الطواف.

حكمه:

·                  وهو جائز بالكتاب والسنة والإجماع. قال النووي: " وقد انعقد الإجماع بعد هذا على جواز الإفراد والتمتع والقران من غير كراهة.".

·                  ذهب الحنفية الى أن القران أفضل من الإفراد والتمتع. وذهب الشافعية الى أفضلية الإفراد.

·                  ذهب الشافعية الى أنه لا يجب في القران طوافان ولا سعيان. وأما الحنفية فذهبوا الى أنه يجب على القارن أن يطوف طوافين ويسعى سعيين.

 

شروط القران:

1-            أن يحرم بالحج قبل طواف العمرة: وأما إذا أحرم بالحج ثم أدخل العمرة على الحج، فإنه لا يصح إحرامه بالعمرة عند الشافعية. وقال الحنفية بصحة هذا الإحرام ويصير قارنا مع الكراهة.

2-            أن يحرم بالحج قبل فساد العمرة.

3-            أن يطوف للعمرة الطواف كله أو أكثره في أشهر الحج عند الحنفية، وزاد الشافعية فاشترطوا أن يكون إدخال الحج على العمرة في أشهر الحج قبل الشروع في طواف العمرة.

4-            أن يطوف للعمرة كل الأشواط أو أكثرها قبل الوقوف بعرفة. وهذا عند الحنفية.

5-            أن يصونهما عن الفساد: فلو أفسدهما بأن جامع قبل الوقوف وقبل أكثر طواف العمرة بطل قرانه، وسقط عنه دم القران، ويلزمه موجب الفساد. أما إذا جامع بعدما طاف لعمرته أربعة أشواط فقط فسد حجه دون عمرته وسقط عنه دم القران، ولزمه موجب فساد الحج عند الحنفية.

6-            أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام وعند الشافعية يصح قران المكي ولا دم عليه وعند الحنفية عليه دم كفارة لا نسك.

7-            عدم فوات الحج: فلو فاته الحج بعد أن أحرم بالقران لم يكن قارنا، وسقط عنه دم القران.

هدي القران:

يجب باتفاق الفقهاء على القارن هدي يذبحه أيام النحر ، لقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}.

·                  وأدنى ما يجزئ فيه شاة، والبقرة أفضل، والبدنة أفضل منهما.

·                  وهو دم شكر عند الحنفية فيأكل منه ويطعم من شاء ولو غنيا، ويتصدق. وقال الشافعية: هو دم جبر ، فلا يجوز له الأكل منه، بل يجب التصدق بجميعه.

·                  ومن عجز عن الهدي فعليه بالإجماع صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، لقوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة}.

·                  الشافعية سووا بين القارن وغيره في كفارات محظورات الإحرام. أما الحنفية فقالوا: على القارن دمان، لجنايته على الحج والعمرة. وهذا إنما يعني به الجنايات التي لا اختصاص لها بأحد النسكين كلبس المخيط والتطيب والحلق والتعرض للصيد وأشباهها يلزم القارن فيها جزاءان. أما ما يختص بأحد النسكين، فلا يجب إلا جزاء واحد، كترك الرمي، وترك طواف الوداع.

·                   

باب التمتع

معناه:

التمتع عند الحنفية أن يفعل أفعال العمرة أو أكثرها في أشهر الحج، وأن يحج من عامه ذلك من غير أن يلم بأهله إلماما صحيحا - والإلمام الصحيح النزول في وطنه من غير بقاء صفة الإحرام - ويحرم للحج من الحرم.

وعند الشافعية هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج من ميقات بلده أو غيره، ويفرغ منها، ثم ينشئ حجا من عامه دون أن يرجع إلى الميقات للإحرام بالحج.

أركان التمتع:

هي أركان العمرة والحج معا فيجب عليه بعد الإحرام الطواف والسعي للعمرة، ثم بعد الإحرام للحج يجب عليه الإتيان بأركان وأعمال الحج كالمفرد.

 

شروط التمتع:

1-            تقديم العمرة على الحج؛ إلا أن الحنفية قالوا: إذا طاف للعمرة أربعة أشواط قبل الإحرام بالحج صح تمتعه.

2-            أن تكون العمرة في أشهر الحج. إلا أن الحنفية أعطوا الأكثر حكم الكل فقالوا: لو طاف للعمرة أربعة أشواط في أشهر الحج يعتبر متمتعا وإن وقع الإحرام والأشواط الثلاثة قبل أشهر الحج.

3-            كون الحج والعمرة في عام واحد.

4-            عدم السفر بين العمرة والحج ولكن قال الحنفية: يشترط أن يكون طواف العمرة كله أو أكثره والحج في سفر واحد، فإن عاد المتمتع إلى بلده بعد العمرة ولم يكن ساق الهدي بطل تمتعه؛ لأنه ألم بأهله إلماما صحيحا فانقطع حكم السفر الأول. ولو رجع إلى أهله قبل إتمام الطواف ثم عاد وحج، فإن كان أكثر الطواف في السفر الأول لم يكن متمتعا، وإن كان أكثره في الثاني كان متمتعا.

وقال الشافعية: يشترط أن لا يعود لإحرام الحج إلى الميقات، فإن رجع إلى الميقات فأحرم للحج لا يكون متمتعا ولم يلزمه الدم.

5-            التحلل من العمرة قبل الإحرام بالحج؛ إلا أن الحنفية قالوا: إن هذا الشرط لمن لم يسق الهدي.

6-            أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام.

7-            عدم إفساد العمرة أو الحج وذهب الشافعي الى وجوب دم التمتع.

·                  وقد ذكر الشافعية أن هذه الشروط معتبرة لوجوب الدم لا لكونه متمتعا، ولهذا يصح التمتع والقران من المكي في المشهور عندهم.

·                  لو اعتمر لنفسه وحج عن غيره أو عكسه أو فعل ذلك عن اثنين كان عليه دم التمتع.

·                  هل سوق الهدي يمنع التحلل؟ عند الشافعية المتمتع إذا فرغ من أعمال العمرة يتحلل، ساق الهدي أم لم يسق. وعند الحنفية ان ساق الهدي لا يتحلل.

·                  ويجب الهدي على المتمتع قال تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}.

·                  والهدي الواجب شاة أو بقرة أو بعير أو سبع البقرة أو البعير.

·                  ووقت وجوبه إحرامه بالحج.

·                  ووقت ذبحه وإخراجه يوم النحر، ويجوز ذبحه بعد أعمال العمرة ولو قبل الإحرام بالحج في الأصح عند الشافعية.

بدل الهدي:

المتمتع إذا لم يجد الهدي بأن فقده أو ثمنه أو وجده بأكثر من ثمن مثله، ينتقل إلى صيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع؛ وذلك لقوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة}.

·                  ولا يلزم التتابع في الصيام بدل الهدي.

·                  ذهب الحنفية الى أن الوقت المختار لصيام الثلاثة هو أن يصومها ما بين إحرامه بالحج ويوم عرفة، ويكون آخر أيامها يوم عرفة، وعلى ذلك يستحب له تقديم الإحرام بالحج قبل يوم التروية ليكمل الثلاثة يوم عرفة, ويستحب عند الشافعية أن يكون الثلاثة قبل يوم عرفة.

·                  لا يجوز تقديم الثلاثة أو يوم منها على الإحرام بالحج عند الشافعية, وذهب الحنفية إلى جواز تقديم الثلاثة على الإحرام بالحج بعد الإحرام بالعمرة. وأما تقديم الصوم على إحرام العمرة فلا يجوز اتفاقا لعدم وجود السبب.

·                  وإن فاته الصوم حتى أتى يوم النحر فعند الحنفية: لا يجزئه إلا الدم, وعند الشافعية يصومها بعد أيام التشريق، والأظهر عندهم أن يفرق في قضائها بينها وبين السبعة بقدر أربعة أيام (يوم النحر وأيام التشريق) ومدة إمكان السير إلى أهله على العادة الغالبة.

·                  ولا يجوز صيام السبعة الا بعد رجوعه الى أهله وهو الأظهر عند الشافعية, وذهب الحنفية الى جواز صيامها في مكة.

·                  من دخل في الصيام ثم قدر على الهدي لم يكن عليه الخروج من الصوم إلى الهدي إلا أن يشاء، وهذا عند الشافعية, وقال الحنفية: إن وجد الهدي بعد صوم يومين بطل صومه، ويجب الهدي، وبعد التحلل لا يجب.

·                   

باب الكفارات

الجزاء في الصيد:

·                  ذهب الحنفية والشافعية الى أنه في كل صيد جزاء.

·                  ذهب الحنفية والشافعي في الجديد الى أنه لا جزاء في صيد حرم المدينة.

·                  من قتل صيدا فأكل منه فعليه جزاء واحد عند الشافعية والصاحبين وقال أبو حنيفة عليه جزاءان.

·                  يجب الجزاء في إتلاف بيض الصيد وهو قيمته عند الحنفية والشافعية.

·                  لا تدخل الهوام والحشرات في تحريم الصيد ولا جزاء فيها.

الفدية في اللباس:

·                  لو وضع القباء ونحوه عليه من غير لبس أكمامه ففيه الفدية عند الشافعية، وفصل الحنفية فقالوا: لو ألقى القباء أو العباء ونحوهما على منكبيه من غير إدخال يديه أو إحداهما في كميه ولم يزره جاز مع الكراهة، ولا فداء عليه، فإن زره أو أدخل يديه أو إحداهما في كميه فهو محظور، حكمه حكم اللبس في الجزاء.

·                  من لم يجد الإزار يجوز له أن يلبس السراويل ، ولا فدية عليه عند الشافعية. وفصل الحنفية: فأجازوا لبس السراويل إذا كان غير قابل لأن يشق ويؤتزر به، وإلا يفتق ما حول السراويل ما خلا موضع التكة ويتزر به. ولو لبسه كما هو فعليه دم إلا إذا كان ضيقا غير قابل لذلك فيكون عليه فدية يتخير فيها.

ستر الرأس:

·                  من ستر بما يعد ساترا ففيه الفدية؛ فإن لم يكن ساترا عرفا فيحرم إن قصد به الستر وفيه الفدية عند الشافعية خلافا للحنفية.

·                  من وضع يده على رأسه بقصد الستر فعليه فدية عند الشافعية خلافا للحنفية.

·                  وأما وضع حمل على الرأس: فيحرم عند الحنفية إن كان مما يقصد به التغطية بحسب العادة، كما لو حمل على رأسه ثيابا، فإنه يكون تغطية، وإن كان مما لا يقصد به تغطية الرأس عادة لا يحرم، كحمل طبق أو قفة، أو طاسة قصد بها الستر؛ لأنها ليست مما يقصد به الستر غالبا، فصار كوضع اليد. وهذا متفق مع الشافعية، لكن عند الشافعية إذا حمل ما لا يعتبر ساترا كالقفة وقصد به الستر حرم ولزمه الفداء.

ستر الوجه:

·                  من ستر وجهه وهو محرم فعليه الفدية عند الحنفية, خلافا للشافعية.

·                  وأما اذا انتقبت المحرمة فاتفقوا على أن عليها الفدية. ويجوز لها ستر وجهها بشرط عدم الملامسة.

لبس القفازين:

·                  إذا لبس الرجل القفازين فعليه الفدية.

·                  وإذا لبست المحرمة القفازين فعليها الفدية عند الشافعية خلافا للحنفية.

حلق شعر الرأس والجسم:

·                  من أزال شعر رأسه حال الإحرام بأي شكل من الأشكال ففيه الفدية.

·                  لو حلق المحرم للحلال ففيه الفدية عند الحنفية خلافا للشافعية.

·                  يقاس شعر الجسم على شعر الرأس بجامع الترفه ويأخذ حكمه.

قص الظفر:

·                  يحظر على المحرم قص الظفر قياسا على حلق الشعر بجامع الترفه وإزالة الشعث في كل منهما وفيه الفدية.

·                  محرم قص ظفر حلال فيه الفدية عند الحنفية خلافا للشافعية.

الادهان:

·                  الدهن غير المطيب في شعر الرأس واللحية فيه الفدية.

·                  أما دهن بقية الجسم ففيه الفدية عند الحنفية خلافا للشافعية.

·                  وأما إذا كانا محلوقين فيحظر دهنهما؛ لأنه يزينهما إذا نبتا.

التطيب:

·                  يشترط في الطيب الذي يكون فيه الجزاء أن يكون معظم الغرض منه الطيب، واتخاذ الطيب منه، أو يظهر فيه هذا الغرض.

·                  الثوب الذي فيه طيب قبل الإحرام فلا يجوز عند الحنفية لبسه وفيه الفدية. ويجوز عند الشافعية ولا فدية فيه.

·                  من استعمل الطيب في إزاره، أو ردائه، وجميع ثيابه، وفراشه، ونعله فعليه الفدية.

·                  يحظر على المحرم استعمال الطيب في بدنه، وعليه الفدية، ولو للتداوي.

·                  وأكل الطيب الخالص أو شربه لا يحل للمحرم وفيه الفدية.

·                  أما إذا خلط الطيب بطعام قبل الطبخ، وطبخه معه، فلا شيء عليه، قليلا كان أو كثيرا، وكذا لو خلطه بطعام مطبوخ بعد طبخه فإنه يجوز للمحرم أكله. أما إذا خلطه بطعام غير مطبوخ: فإن كان الطعام أكثر فلا شيء، ولا فدية إن لم توجد الرائحة، وإن وجدت معه الرائحة الطيبة يكره أكله. وإن كان الطيب أكثر وجب في أكله الدم سواء ظهرت رائحته أو لم تظهر هذا كله عند الحنفية.

·                  وقال الشافعية: إذا خلط الطيب بغيره من طعام أو شراب، ولم يظهر له ريح ولا طعم، فلا حرمة ولا فدية، وإلا فهو حرام وفيه الفدية.

·                  شم الطيب دون مس لا جزاء فيه.

الجماع:

·                  اتفق العلماء على أن الجماع في حالة الإحرام جناية يجب فيها الجزاء.

·                  العامد والجاهل والساهي والناسي والمكره في ذلك سواء عند الحنفية. وقال الشافعية: الناسي والمجنون والمغمى عليه والنائم والمكره والجاهل فلا يفسد الإحرام بالنسبة إليهم بالجماع.

·                  الجماع قبل الوقوف بعرفة يفسد الحج وعليه شاة عند الحنفية وبدنة عند الشافعية.

·                  الجماع بعد الوقوف قبل التحلل الأول يفسد حجه، وعليه بدنة عند الشافعية, وذهب الحنفية إلى أنه لا يفسد حجه، ويجب عليه أن يهدي بدنة.

·                  الجماع بعد التحلل الأول لا يفسد الحج وعليه شاة.

·                  من أفسد عمرته فعليه شاة عند الحنفية وبدنة عند الشافعية.

 

مقدمات الجماع:

·                  المقدمات المباشرة أو القريبة، كاللمس بشهوة، والتقبيل، والمباشرة بغير جماع: يجب على من فعل شيئا منها الدم سواء أنزل منيا أو لم ينزل.

·                  المقدمات البعيدة: كالنظر بشهوة والتفكر كذلك، صرح الحنفية والشافعية أنه لا يجب في شيء منهما الفداء، ولو أدى إلى الإنزال.

جماع القارن عند الحنفية:

·                  إن جامع قبل الوقوف، وقبل طواف العمرة وعليه شاتان للجناية على إحرامهما، وسقط عنه دم القران.

·                  إن جامع بعدما طاف لعمرته كل أشواطه أو أكثرها سقط عنه دم القران، وعليه دمان لجنايته المتكررة حكما، دم لفساد الحج، ودم للجماع في إحرام العمرة لعدم تحلله منها.

·                  إن جامع بعد طواف العمرة وبعد الوقوف قبل الحلق ولو بعرفة يسقط عنه دم القران؛ لكن عليه بدنة للحج وشاة للعمرة.

·                  لو لم يطف لعمرته - ثم جامع بعد الوقوف - فعليه بدنة للحج، وشاة لرفض العمرة.

·                  لو طاف القارن طواف الزيارة قبل الحلق، ثم جامع، فعليه شاتان بناء على وقوع الجناية على إحراميه؛ لعدم التحلل الأول المرتب عليه التحلل الثاني.

·                   

باب الاحصار

تعريفه:

هو المنع من بلوغ المناسك بمرض أو نحوه.

·                  ويعرف الحنفية الإحصار بأنه: هو المنع من الوقوف بعرفة والطواف جميعهما بعد الإحرام بالحج الفرض، والنفل، وفي العمرة عن الطواف، وقال الشافعية: هو المنع من إتمام أركان الحج أو العمرة .

ما يتحقق به الإحصار:

·                  يتحقق الإحصار بوجود ركنه، وهو المنع من المضي في النسك، حجا كان أو عمرة.

ركن الاحصار:

·                  قال الحنفية: الإحصار يتحقق بالعدو، وغيره، كالمرض، وهلاك النفقة، وموت محرم المرأة، أو زوجها، في الطريق ويتحقق الإحصار بكل حابس يحبسه عن المضي في موجب الإحرام. وقال الشافعية أن الحصر يتحقق بالعدو، والفتنة، والحبس ظلما. ومن يتعذر عليه الوصول إلى البيت بحاصر آخر غير العدو، كالحصر بالمرض أو بالعرج أو بذهاب نفقة ونحوه، أنه لا يجوز له التحلل بذلك.

شروط تحقق الاحصار:

1-            سبق الإحرام بالنسك، بحج أو عمرة، أو بهما معا, ويتحقق الإحصار عن الإحرام الفاسد كالصحيح، ويستتبع أحكامه أيضا.

2-            ألا يكون قد وقف بعرفة قبل حدوث المانع من المتابعة، إذا كان محرما بالحج وهذا عند الحنفية، أما عند الشافعية فيتحقق الإحصار عن الطواف بالبيت. أما في العمرة فالإحصار يتحقق بمنعه عن أكثر الطواف بالإجماع.

3-            أن ييأس من زوال المانع، بأن يتيقن أو يغلب على ظنه عدم زوال المانع قبل فوات الحج، " بحيث لم يبق بينه وبين ليلة النحر زمان يمكنه فيه السير لو زال العذر ".

أنواع الاحصار:

1-            الإحصار عن الوقوف بعرفة وعن طواف الإفاضة: هذا الإحصار يتحقق به الإحصار الشرعي.

2-            الإحصار عن الوقوف بعرفة دون الطواف: ليس بمحصر عند الحنفية ويتحلل بعمرة, ومذهب الشافعية أن من أحصر عن الوقوف فهو محصر، ويتحلل بأعمال العمرة. وإن تشابهت الصورة عند هؤلاء الأئمة إلا أن النتيجة تختلف فيما بينهم. فالحنفية يعتبرونه تحلل فائت حج، فلا يوجبون عليه دما، ويعتبره الشافعية تحلل إحصار، فعليه دم.

3-            الإحصار عن طواف الركن: مذهب الحنفية أن من وقف بعرفة ثم أحصر لا يكون محصرا، لوقوع الأمن عن الفوات. ويفعل ما سوى ذلك من أعمال الحج، ويظل محرما في حق النساء حتى يطوف طواف الإفاضة. وقال الشافعية: إن منع المحرم من مكة دون عرفة وقف وتحلل، ولا قضاء عليه في الأظهر.

 

أنواع الإحصار من حيث سببه:

أ‌-               الإحصار بسبب فيه قهر (أو سلطة):

1-            الحصر بالعدو الكافر. وقد قرر الحنفية أنه لو أحصر العدو طريقا إلى مكة أو عرفة، ووجد المحصر طريقا آخر، ينظر فيه: فإن أضر به سلوكها لطوله، أو صعوبة طريقه، ضررا معتبرا، فهو محصر شرعا. وإن لم يتضرر به فلا يكون محصرا شرعا. أما الشافعية فقد ألزموا المحصر بالطريق الآخر ولو كان أطول أو فيه مشقة، ما دامت النفقة تكفيهم لذلك الطريق.

2-            الإحصار بالفتنة: بأن تحصل حرب بين المسلمين عياذا بالله تعالى، ويحصر المحرم بسبب ذلك.

3-            الحبس: أما الحنفية فعندهم الحبس مطلقا. وأما الشافعية فرقوا بين الحبس بحق أو بغير حق. فإن حبس بغير حق، بأن اعتقل ظلما، أو كان مدينا ثبت إعساره فإنه يكون محصرا. وإن حبس بحق عليه يمكنه الخروج منه فلا يجوز له التحلل ولا يكون محصرا، ويكون حكمه حكم المرض.

4-            منع الدائن مدينه عن المتابعة.

5-            منع الزوج زوجته عن المتابعة.

6-            العدة الطارئة فإذا أهلت المرأة بحجة الإسلام أو حجة نذر أو نفل، فطلقها زوجها، فوجبت عليها العدة، صارت محصرة، وإن كان لها محرم، عند الحنفية دون أن تتقيد بمسافة السفر. وقال الشافعية: لو أحرمت بحج أو قران بإذنه أو بغيره، ثم طلقها أو مات، وخافت فوته لضيق الوقت، خرجت وجوبا وهي معتدة؛ لتقدم الإحرام. وإن أمنت الفوات لسعة الوقت جاز لها الخروج.

ب‌-         المنع بعلة تمنع المتابعة: هذه العلل يتحقق بها الاحصار على مذهب الحنفية خلافا للشافعية.

1-            الكسر أو العرج.

2-            المرض.

3-            هلاك النفقة أو الراحلة.

4-            العجز عن المشي.

5-            الضلالة عن الطريق.

·                  يجوز للمحرم الذي فسد إحرامه - إذا أحصر - أن يتحلل من إحرامه الفاسد، فإذا جامع المحرم بالحج جماعا مفسدا ثم أحصر تحلل، ويلزمه دم للإفساد، ودم للإحصار.

·                  إن اختار المحصر البقاء على الإحرام ومصابرته حتى يزول المانع فله بالنسبة للحج حالان:

·                  الحالة الأولى: أن يتمكن من إدراك الحج بإدراك الوقوف بعرفة، فبها ونعمت.

·                  الحالة الثانية: أن لا يتمكن من إدراك الحج، بأن يفوته الحج لفوات الوقوف بعرفة.

فاتفق الحنفية والشافعية على أنه يتحلل تحلل فوات الحج، بأن يؤدي أعمال العمرة. ثم اختلفوا: فقال: الحنفية لا دم عليه لأن ذلك هو حكم الفوات وعليه القضاء. وأما الشافعية فقالوا: عليه دم الفوات دون دم الإحصار. والأصح أنه لا قضاء عليه عند الشافعية.

·                  وأما إذا بقي الإحصار قائما وفات الحج: فعند الشافعية له أن يحل تحلل المحصر، ولا قضاء عليه. وعليه دم. وأما الحنفية فحكمه عندهم حكم الفوات، ولا أثر للحصر.

كيفية تحلل المحصر:

1-            نية التحلل: شرط الشافعية نية التحلل عند ذبح الهدي وعند الحلق. والحنفية علقوا التحلل ببعث الهدي وذبحه على إرادة التحلل.

2-            ذبح الهدي: وهو شرط في التحلل للمحصر عند الحنفية والشافعية.

·                  يجزئ في الهدي الشاة عن واحد، وكذا الماعز باتفاق العلماء، وأما البدنة وهي من الإبل والبقر، فتكفي عن سبعة.

·                  والقارن المحصر يحل بدم واحد عند الشافعية وأما عند الحنفية فلا يحل الا بدمين.

·                  مكان ذبح هدي الإحصار: ذهب الشافعية إلى أن المحصر يذبح الهدي حيث أحصر، فإن كان في الحرم ذبحه في الحرم، وإن كان في غيره ذبحه في مكانه. حتى لو كان في غير الحرم وأمكنه الوصول إلى الحرم فذبحه في موضعه أجزأه. وذهب الحنفية إلى أن ذبح هدي الإحصار مؤقت بالمكان، وهو الحرم، فإذا أراد المحصر أن يتحلل يجب عليه أن يبعث الهدي إلى الحرم فيذبح بتوكيله نيابة عنه في الحرم، أو يبعث ثمن الهدي ليشترى به الهدي ويذبح عنه في الحرم. ثم لا يحل ببعث الهدي ولا بوصوله إلى الحرم، حتى يذبح في الحرم، ولو ذبح في غير الحرم لم يتحلل من الإحرام، بل هو محرم على حاله. ويتواعد مع من يبعث معه الهدي على وقت يذبح فيه ليتحلل بعده. وإذا تبين للمحصر أن الهدي ذبح في غير الحرم فلا يجزي.

·                  زمان ذبح هدي الإحصار: ذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن زمان ذبح الهدي هو مطلق الوقت، لا يتوقت بيوم النحر، بل أي وقت شاء المحصر ذبح هديه، سواء كان الإحصار عن الحج أو عن العمرة. وقال أبو يوسف ومحمد لا يجوز الذبح للمحصر بالحج إلا في أيام النحر الثلاثة، ويجوز للمحصر بالعمرة متى شاء.

·                  العجز عن الهدي: ذهب الشافعية وأبو يوسف الى أن من عجز عن الهدي فله بدل يحل محل الهدي وبدل الهدي طعام تقوم به الشاة ويتصدق به، فإن عجز عن قيمة الطعام صام عن كل مد يوما، وهو قول أبي يوسف، لكنه قال: يصوم لكل نصف صاع يوما. ثم إذا انتقل إلى الصيام فله التحلل في الحال في الأظهر عند الشافعية بالحلق والنية عنده. وقال أبو حنيفة وهو المعتمد عند الحنفية لا بدل للهدي. فإن عجز المنحصر عن الهدي بأن لم يجده، أو لم يجد ثمنه، أو لم يجد من يبعث معه الهدي إلى الحرم بقي محرما أبدا، لا يحل بالصوم، ولا بالصدقة، وليسا ببدل عن هدي المحصر.

3-            الحلق أو التقصير: مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف في رواية عنه - ومحمد الحلق ليس بشرط لتحلل المحصر من الإحرام. والاظهر عند الشافعية أن الحلق أو التقصير شرط للتحلل.

الاشتراط في الإحرام:

هو أن يقول المحرم عند الإحرام: " إني أريد الحج " مثلا، أو " العمرة، فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ".

·                  ذهب الحنفية إلى أن الاشتراط في الإحرام غير مشروع، ولا أثر له في إباحة التحلل. وذهب الشافعية إلى مشروعية الاشتراط في الإحرام، وأن له أثرا في التحلل.

·                  الشافعية لم يجروا الاشتراط فيما يعتبر سببا للإحصار. وملحظهم في ذلك أن التحلل بالإحصار جائز بلا شرط، فشرطه لاغ . وإذا كان لاغيا، لا يؤثر في سقوط الدم.

·                  مذهب الشافعية أن الاشتراط في الإحرام يفيد المحرم المشترط جواز التحلل إذا طرأ له مانع مما لا يعتبر سببا للإحصار كالمرض ونفاد النفقة، وضلال الطريق، والأوجه في المرض أن يضبط بما يحصل معه مشقة لا تحتمل عادة في إتمام النسك. قال الرملي الشافعي : إن شرطه بلا هدي لم يلزمه هدي، عملا بشرطه. وكذا لو أطلق - أي لم يتعرض لنفي الهدي ولا لإثباته - لعدم شرطه. فالتحلل فيهما يكون بالنية فقط. وإن شرطه بهدي لزمه، عملا بشرطه. ولو قال: إن مرضت فأنا حلال، فمرض صار حلالا بالمرض من غير نية..".

·                  المحصر إذا لم يتحلل، ووقع في بعض محظورات الإحرام، أو تحلل لكن وقع قبل التحلل في شيء من محظورات الإحرام فإنه يجب عليه من الجزاء ما يجب على المحرم.

·                  اتفق الحنفية والشافعية على أنه يجب على المحصر قضاء النسك الذي أحصر عنه إذا كان واجبا، كحجة الإسلام، والحج والعمرة المنذورين عند جميعهم، وكعمرة الإسلام عند الشافعية، ولا يسقط هذا الواجب عنه بسبب الإحصار.

ما يلزم المحصر في القضاء:

·                  ذهب الحنفية إلى أن المحصر عن الحج إذا تحلل وقضى فيما يستقبل يجب عليه حج وعمرة، والقارن عليه حجة وعمرتان. أما المعتمر فيقضي العمرة فقط. وعليه نية القضاء في ذلك كله. وذهب الشافعية إلى أن النسك الذي وجب فيه القضاء للتحلل بالإحصار يلزم فيه قضاء ما فاته بالإحصار فحسب، إن حجة فحجة فقط، وإن عمرة فعمرة، وهكذا. وعليه نية القضاء.

·                  اتفق العلماء على أن الحاج إذا منع عن المتابعة بعد أداء الوقوف بعرفة وطواف الإفاضة فليس بمحصر، أيا كان المانع عدوا أو مرضا أو غيرهما وليس له التحلل بهذا الإحصار؛ لأن صحة الحج لا تقف على ما بعد الوقوف والطواف، ويجب عليه فداء ترك ما تركه من أعمال الحج.

زوال الإحصار:

فعند الحنفية تأتي الأحوال الآتية:

1-            أن يزول الإحصار قبل بعث الهدي مع إمكان إدراك الحج.

2-            أن يزول الإحصار بعد بعث الهدي، وهناك متسع لإدراك الهدي والحج جميعا. ففي هاتين الحالتين يجب عليه المضي في موجب إحرامه وأداء النسك الذي أحرم به.

3-            أن لا يقدر على بعث الهدي ولا الحج معا. فلا يلزمه المضي، ويجوز له التحلل.

4-            أن يقدر على إدراك الهدي ولا يقدر على إدراك الحج. فلا يلزمه المضي في أداء الحج أيضا.

5-            أن يقدر على إدراك الحج ولا يقدر على إدراك الهدي قياس المذهب يلزمه المضي، ولا يجوز له التحلل.

وأما الشافعية فقالوا:

1-            إن زال الإحصار وكان الوقت واسعا بحيث يمكنه تجديد الإحرام وإدراك الحج، وكان حجه تطوعا، فلا يجب عليه شيء.

2-            وإن كان الوقت واسعا وكانت الحجة قد تقدم وجوبها بقي وجوبها كما كان. والأولى أن يحرم بها في هذه السنة، وله التأخير.

3-            وإن كانت الحجة حجة الإسلام وجبت هذه السنة بأن استطاع هذه السنة دون ما قبلها فقد استقر الوجوب في ذمته لتمكنه، والأولى أن يحرم بها في هذه السنة، وله التأخير؛ لأن الحج على التراخي.

4-            وإن كان الوقت ضيقا بحيث لا يمكنه إدراك الحج، أي ولم يستقر الوجوب في ذمته لكونها وجبت هذه السنة - سقط عنه الوجوب في هذه السنة، فإن استطاع بعده لزمه، وإلا فلا.

زوال الإحصار بالعمرة:

مذهب الحنفية كالاتي:

1-            أن يزول الإحصار قبل البعث بالهدي. وهذا يلزمه التوجه لأداء العمرة.

2-            أن يتمكن بعد زوال الإحصار من إدراك الهدي والعمرة، وهذا يلزمه التوجه لأداء العمرة.

3-            أن يتمكن من إدراك العمرة فقط دون الهدي وهذه حكمها في الاستحسان ألا يلزمه التوجه، وفي القياس أن يلزمه التوجه.

أما الشافعية فعندهم:

1-            إن انصرف العدو قبل تحلل المحصر بالعمرة لم يجز له التحلل، ووجب عليه أداء العمرة.

2-            إن انصرف العدو بعد التحلل وكانت العمرة التي تحلل عنها واجبة، وجب عليه قضاؤها، لكنه لا يلزم به في وقت معين.

3-            إن زال الحصر بعد التحلل وكانت العمرة تطوعا فعلى القول بعدم وجوب قضاء التطوع لا شيء عليه.

4-             

باب العمرة

معناها:

العمرة: هي الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة بإحرام.

حكمها:

ذهب أكثر الحنفية الى أنها سنة مؤكدة, وذهب الشافعية الى أن العمرة فرض في العمر مرة واحدة.

أركان العمرة:

1-            الإحرام: هو نية العمرة عند الشافعية. وعند الحنفية: نية العمرة مع الذكر أو الخصوصية.

2-            الطواف بالبيت سبعة أشواط عند الشافعية وعند الحنفية أكثر الطواف.

3-            السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط عند الشافعية وواجب عند الحنفية.

·                  شروط الإحرام والطواف والسعي والمحظورات والكفارات والجنايات في العمرة هي نفسها في الحج وقد مرّ ذكرها.

·                  المواقيت المكانية للعمرة بالنسبة للافاقي هي نفسها مواقيت الحج المكانية.

·                  ذهب الشافعية الى أن ميقات العمرة الزماني هو جميع العام لغير المشتغل بالحج، فيصح أن يحرم بها الإنسان ويفعلها في جميع السنة، وهي أفضل في شهر رمضان, وعند الحنفية في ظاهر الرواية إلى أن العمرة تكره تحريما يوم عرفة، وأربعة أيام بعده.

·                  ذهب الشافعية الى أنّ من كان في مناطق المواقيت أو ما يحاذيها أو ما دونها إلى مكة فميقاتهم من حيث أنشئوا العمرة وأحرموا بها، إلا أن الحنفية قالوا: ميقاتهم الحل كله.

·                  والحرمي وهو المقيم بمنطقة الحرم والمكي ومن كان نازلا بمكة أو الحرم، هؤلاء ميقاتهم للإحرام بالعمرة الحل.

واجبات العمرة:

1-            إنشاء الإحرام من الميقات.

2-            السعي بين الصفا والمروة عند الحنفية خلافا للشافعية.

3-            الحلق أو التقصير عند الحنفية خلافا للشافعية.

·                  كل ما يتعلق بسنن العمرة وآدابها ومكروهات الإحرام والطواف والسعي مرّ ذكرها في باب الحج.

·                  الإحرام بالعمرة للمكي من التنعيم أفضل عند الحنفية, ومن الجعرانة أفضل ثم التنعيم ثم من الحديبية عند الشافعية.

·                  يستحب الإكثار من العمرة، ولا يكره تكرارها في السنة الواحدة.

فساد العمرة:

لا تفسد العمرة بترك ركن من أركانها، ولا بترك واجب فيها، إلا بالجماع قبل التحلل من إحرامها، على التفصيل التالي:

ذهب الحنفية إلى أنه لو جامع قبل أن يؤدي ركن العمرة - وهو الطواف أربعة أشواط عندهم - فإنه تفسد عمرته، أما لو وقع المفسد بعد ذلك فلا تفسد العمرة؛ لأنه بأداء الركن أمن الفساد.

وذهب الشافعية الى أنه إذا حصل المفسد قبل التحلل من العمرة فسدت، والتحلل يحصل بالحلق، وهو ركن عند الشافعية.

·                  ويجب في إفساد العمرة ما يجب في إفساد الحج من الاستمرار فيها، والقضاء، والفداء.

·                  وفي فداء إفساد العمرة: فذهب الحنفية الى أنه يلزمه شاة. ومذهب الشافعية أنه تلزمه بدنة قياسا على الحج.

·                  ذهب الحنفية إلى أنه يجوز أداء العمرة عن الغير بأمره؛ لأن جوازها بطريق النيابة، والنيابة لا تثبت إلا بالأمر، فلو أمره أن يعتمر فأحرم بالعمرة واعتمر جاز؛ لأنه فعل ما أمر به. وقال الشافعية: تجوز النيابة في أداء العمرة عن الغير إذا كان ميتا أو عاجزا عن أدائها بنفسه، فمن مات وفي ذمته عمرة واجبة مستقرة بأن تمكن بعد استطاعته من فعلها ولم يؤدها حتى مات. وجب أن تؤدى العمرة عنه من تركته، ولو أداها عنه أجنبي جاز ولو بلا إذن كما أن له أن يقضي دينه بلا إذن.

باب النيابة عن الغير

ذهب الفقهاء إلى مشروعية الحج عن الغير، وقابليته للنيابة للعذر الميئوس من زواله بالنسبة للحي.

أولا: النيابة في الحج عن الحي:

شرائط جواز النيابة في الحج عن الحي:

1-            أن يكون المحجوج عنه عاجزا عن أداء الحج بنفسه، وله مال يستنيب منه. ولو كان فقيرا صحيح البدن لا يجوز حج غيره عنه.

2-            العجز المستدام من وقت الإحجاج إلى وقت الموت، بأن يموت على مرضه.

3-            لا يجوز الحج عن الغير بغير أمره؛ لأن جوازه بطريق النيابة عنه، والنيابة لا تثبت إلا بالأمر.

4-            النية عن المحجوج عنه عند الإحرام ويكفي أن ينوي النائب عن المستنيب وإن لم يسمه لفظا.

5-            أن يكون حج المأمور بمال المحجوج عنه.

6-            أن يكون النائب قد حج عن نفسه أولا هذا عند الشافعية. وعند الحنفية تصح.

·                  النيابة في حالة القدرة على الحج بنفسه: لا يجوز في الحج الفرض والحج المنذور. وفي حج التطوع ذهب الحنفية، إلى أنه تجوز الاستنابة. وذهب الشافعية، إلى عدم جواز الاستنابة.

ما يصير به النائب مخالفا وحكمه إذا خالف:

1-            إذا أمر النائب بالإفراد فقرن فقد ذهب الشافعية، وأبو يوسف ومحمد من الحنفية، إلى أنه لا يكون مخالفا ولا يضمن، ووقع الحج والعمرة عن المحجوج عنه. وذهب أبو حنيفة إلى أنه يكون مخالفا ويضمن النفقة.

2-            أمره بالحج فتمتع أو اعتمر لنفسه من الميقات: ذهب الحنفية الى أنه إن خرج إلى الميقات فأحرم منه بالحج جاز ولا شيء عليه، وإن أحرم بالحج من مكة فعليه دم، لترك ميقاته ويرد من النفقة بقدر ما ترك من إحرام الحج فيما بين الميقات ومكة، وإن أحرم به من مكة فما أخل إلا بما يجبره الدم، فلم تسقط نفقته كما لو تجاوز الميقات غير محرم فأحرم دونه. وإذا أمره أن يحج عنه فاعتمر ضمن لأنه خالف، ولو اعتمر ثم حج من مكة يضمن النفقة.

3-            أمره بالتمتع فقرن: قال الشافعية: إذا استأجره للتمتع فقرن فقد زاد خيرا؛ لأنه قد أحرم بالنسكين من الميقات، ثم إن عدد الأفعال للنسكين فلا شيء عليه، وإن لم يعدد فيحط شيء من الأجرة لاختصاره في الأفعال في وجه.

4-            أمره بالتمتع فأفرد: نص الشافعية على أنه إذا استأجر شخصا للتمتع فأفرد ينظر: إن قدم العمرة وعاد للحج إلى الميقات فقد زاد خيرا، وإن أخر العمرة، فإن كانت إجارة عين انفسخت في العمرة لفوات وقتها المعين فيرد حصتها من المسمى، وإن كانت على الذمة وعاد إلى الميقات للعمرة لم يلزمه شيء، وإلا فعليه دم لتركه الإحرام بالعمرة من الميقات وفي حط شيء من الأجرة خلاف.

5-            أمره بالقران فأفرد أو تمتع: نص الشافعية على أنه إذا استأجره للقران فعدل ينظر: إن عدل إلى الإفراد فحج ثم اعتمر، فإن كانت الإجارة على العين لزمه أن يرد من الأجرة حصة العمرة، وإن كانت في الذمة نظر: إن عاد إلى الميقات للعمرة فلا شيء عليه؛ لأنه زاد خيرا ولا شيء عليه ولا على المستأجر أيضا لأنه لم يقرن، وإن لم يعد فعلى الأجير دم لمجاوزته الميقات للعمرة.

وإن عدل إلى التمتع، فإن كانت إجارة عين لم يقع الحج عن المستأجر لوقوعه في غير الوقت المعين، وإن كانت على الذمة نظر: إن عاد إلى الميقات للحج فلا دم عليه ولا على المستأجر، وإلا فوجهان، وفي كون الدم على الأجير أو المستأجر الوجهان، وأصحها يجعل مخالفا فيجب الدم على الأجير لإساءته، وفي حط شيء من الأجرة الخلاف السابق.

6-            إذا أمره أحدهما بحجة وأمره الآخر بعمرة، فإن أذنا له بالجمع - وهو القران - فجمع جاز. وإن لم يأذنا له بالجمع فجمع، فلا يجوز على قول أبي حنيفة. وجوزها أبو يوسف وللشافعية قولان.

7-            لو أمره رجل أن يحج عنه حجة، وأمره آخر أن يحج عنه أيضا، فأحرم بحجة عنهما معا يقع الحج عنه ويضمن لهما النفقة. إذا أمراه بالحج فأحرم عن أحدهما عينا وقع الحج عن الذي عينه، ويضمن النفقة للآخر وهذا ظاهر. وإن أحرم بحجة عن أحدهما غير معين فليس له أن يجعلها عن أحدهما أيهما شاء ما لم يتصل بها الأداء وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، والشافعية.

8-            لو أمره أن يحج عنه فحج عنه ماشيا يضمن عند الحنفية.

9-            إذا فعل المأمور بالحج ما يوجب الدم فالدم على المأمور وهذا عند الحنفية والشافعية، أما لو قرن عن الآمر بأمره فدم القران على المأمور، هذا ما ذهب إليه الحنفية. وعند الشافعية أنه على الآمر. وإن لم يأمره بالقران فأتى به فعليه دم القران عند جميع الفقهاء. أما بالنسبة للنفقة فإنه يضمنها عند أبي حنيفة خلافا للصاحبين والشافعية.

10-      جماع النائب في الحج قبل الوقوف بعرفة: يفسد حجه ويمضي فيه والنفقة في ماله ويضمن ما أنفق من مال المحجوج عنه قبل ذلك، وعليه القضاء من مال نفسه، وهذا ما ذهب إليه الحنفية والشافعية.

·                  تجوز الإنابة في التلبية عند عجز الحاج بنفسه بأمره باتفاق الحنفية حتى لو توجه يريد حجة الإسلام، فأغمي عليه فلبى عنه أصحابه، وكان قد أمرهم بذلك، حتى لو عجز عنه بنفسه يجوز بإجماعهم. فإن لم يأمرهم بذلك نصا فأهلوا عنه جاز أيضا في قول أبي حنيفة, وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجوز.

النيابة في الحج عن الميت:

1-            النيابة عن الميت في حج الفرض: ذهب الشافعية إلى أنه متى توفي من وجب عليه الحج ولم يحج، وجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ويعتمر، سواء أوصى به أم لا. وكذلك الحكم في حج النذر والقضاء. وذهب الحنفية إلى أن الاستنابة في الحج مكروهة، إلا أن الميت إذا أوصى أن يحج عنه فإن الوصية تنفذ من الثلث.

2-            النيابة عن الميت في حج التطوع: يجوز عند الحنفية مع الكراهة الاستنابة في حج تطوع لم يوص به الميت، وكذا التطوع عنه بلا استنابة, وذهب الشافعية إلى أنه لا تجوز الاستنابة فيه, أما إذا أوصى الميت بحج التطوع عنه فتجوز النيابة في الأصح.

مكان الاستنابة عن الميت:

·                  ذهب الحنفية إلى أنه يحج عن الميت من بلده, وذهب الشافعية إلى أنه يجب القضاء عن الميت من الميقات؛ لأن الحج يجب من الميقات.

النيابة في الحج بأجرة:

·                  ذهب الشافعية إلى أنه يجوز الاستئجار على الحج عن الميت, أما عن الحي فلا يجوز إلا للعذر الميئوس عن زواله. وذهب الحنفية إلى أنه لا يجوز الاستئجار على الحج عن الحي أو الميت فإن وقعت الإجارة فهي باطلة لكن الحجة تقع عن الأصيل، ولمن حج نفقة مثله لأنه حبس نفسه لمنفعة الأصيل، فوجبت نفقته في ماله.

باب حج الصبي

·                  اتفق العلماء على صحة حج الصبي، وعمرته، وأن ما يؤديه من عبادة أو من حج أو من عمرة يكون تطوعا، فإذا بلغ وجب عليه حجة فرض الإسلام. وإذا كان أداء الصبي للنسك صحيحا كان إحرامه صحيحا قطعا.

·                  الصبي المميز: هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب، دون اعتبار للسن.

·                  أما الصبي المميز: فعند الحنفية ينعقد إحرامه بنفسه، ولا تصح النيابة عنه في الإحرام، لعدم جواز النيابة عند عدم الضرورة. ولا تتوقف صحة إحرامه على إذن الولي. وذهب الشافعية إلى أنه لا ينعقد إحرامه إلا بإذن وليه، بل قالوا: يصح إحرام وليه عنه، على الأصح عندهم في المسألتين.

·                  الصبي غير المميز - ومثله المجنون جنونا مطبقا - فيحرم عنه وليه، بأن يقول: نويت إدخال هذا الصبي في حرمات الحج، مثلا. وليس المراد أن الولي يحرم في نفسه ويقصد النيابة عن الصبي. ولا ينعقد إحرام الصبي غير المميز بنفسه اتفاقا.

·                  ويؤدي الولي بالصبي غير المميز المناسك ويجنبه محظورات الإحرام، وهكذا. لكن لا يصلي عنه ركعتي الإحرام أو الطواف، بل تسقطان عنه عند الحنفية، أما عند الشافعية فيصليهما الولي عنه.

·                  إن بلغ الصبي الحلم بعدما أحرم، فمضى في نسكه على إحرامه الأول، لم يجزه حجه عن فرض الإسلام عند الحنفية. ولو جدد الصبي الإحرام قبل الوقوف بعرفة، ونوى حجة الإسلام، جاز عن حجة الإسلام. أما الشافعية فقالوا: إن بلغ الصبي في أثناء الحج ينظر إلى حاله من الوقوف فينقسم إلى قسمين:

الأول: أن يبلغ بعد خروج وقت الوقوف، أو قبل خروجه وبعد مفارقة عرفات لكن لم يعد إليها بعد البلوغ، فهذا لا يجزيه حجه عن حجة الإسلام.

الثاني: أن يبلغ في حال الوقوف، أو يبلغ بعد وقوفه بعرفة، فيعود ويقف بها في وقت الوقوف، أي قبل طلوع فجر يوم النحر، فهذا يجزيه حجه عن حجة الإسلام. لكن يجب عليه إعادة السعي إن كان سعى عقب طواف القدوم قبل البلوغ، ولا دم عليه.

·                  أما في العمرة: فالطواف في العمرة كالوقوف بعرفة في الحج، إذا بلغ قبل طواف العمرة أجزأه عن عمرة الإسلام، عند من يقول بوجوبها.

إحرام المغمى عليه:

·                  من أغمي عليه قبل الإحرام: لا إحرام له، ولا يحرم عنه أحد من رفقته ولا غيرهم، سواء أمرهم بذلك قبل أن يغمى عليه أو لم يأمرهم، ولو خيف فوات الحج عليه. وذهب الحنفية إلى جواز الإحرام عن المغمى عليه. لكن إن أحرم عنه بعض رفقته أو غيرهم بلا أمر سابق على الإغماء صح كذلك عند الإمام أبي حنيفة، ولم يصح عند صاحبيه أبي يوسف ومحمد.

·                  الإغماء بعد الإحرام لا يؤثر في صحته، باتفاق الأئمة.

·                  من أحرم بشيء معين، مثل حج، أو عمرة، أو قران، ثم نسي ما أحرم به، لزمه حج وعمرة. ويعمل عمل القران عند الشافعية والحنفية.

 

تم المختصر والحمد لله رب العالمين

 

 



[1] أخرجه البخاري (1/ 11) و مسلم (1/ 45).

 

[2] أخرجه البخاري (2/ 106).

 

[3] أخرجه البخاري (1/ 14) و مسلم (1/ 52).

 

([4]) رواه البخاري كتاب الجنائز، باب ذكر شرار الموتى، ح(1335)، وفي كتاب استتابة المرتدين المعاندين وقتالهم، باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة، ح(6526)، وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله ‘، ح(6855)، ورواه مسلم كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبي ‘ وأن من فعل ذلك عصم نفسه وماله إلا بحقها ووكلت سريرته إلى الله تعالى وقتال من منع الزكاة أو غيرها من حقوق الإسلام واهتمام الإمام بشعائر الإسلام، ح(20).

([5]) رواه البخاري كتاب الجنائز، باب زكاة الغنم، ح(1386).

[6] سنن أبي داود (2/ 104).

 

([7]) رواه البخاري كتاب الجنائز، باب ليس فيما دون خمس ذود صدقة، ح(1390)، ورواه مسلم كتاب الزكاة، باب، ح(980)، ورواه النسائي كتاب الزكاة، باب زكاة الورق، ح(2474)، قال الشيخ الألباني: صحيح ق وليس عند خ من التمر وح(2476)، قال الشيخ الألباني: صحيح. ورواه ابن ماجه كتاب الزكاة، باب الزكاة في العين من الذهب والورق، ح(583)، ورواه الإمام أحمد بن حنبل مسند أبي سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه، 3/86، ح(11831).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الآجرّوميّة