الاثنين، 22 يونيو 2020

رنّة هاتف



قرّب الهاتفُ الزمانَ، وقلّل الجهدَ والمالَ. نعمة اكتشفها العقل البشري يسّرت لنا كثيرا من مشاغل الحياة؛ ولكن سرعان ما انقلبت هذه النعمة الى نقمة عندما أسأنا استخدامها.

 

ما أريد التعقيب عليه: هي تلك الرنّة -التي تختلف باختلاف أصحابها فمنها رنّة صاخبة وأخرى هادئة- هذه الأصوات أصبحت مألوفة للمصلين في المساجد، هذه المساجد: التي كانت معظّمة كل هذه السنين قبل صنع الهاتف -لا نسمع فيها الا تكبيرات الأذان، والصلاة، وهمسات الذاكرين، ونصيحة الناصحين، وموعظة الواعظين، نرى الراكعين، وننصت فيه لآيات الذكر الحكيم..

أما اليوم فعند الأذان يرنّ الهاتف بموسيقى غربية، وعند انتظار الصلاة يرن بموسيقى شرقية، وعند الإقامة يطنطن هاتفه؛ فبدل من أن يغلقه يخرج ليكلّم حبيبته-زوجته- أو يتمّ بيعته! وفي أثناء الصلاة نسمع مزيجا من الألحان تسرق منا خشوعنا هدؤنا صلاتنا..؛ بل بعض الهواتف إذا رنّ: نحسب أنفسنا في ضجيج عرس، أو صخب محفل: هذا حال صلاتنا ومساجدنا أيامنا هذه!

 

وللأسف أصبحنا اليوم لا نفرق بين الشارع وبين بعض المساجد لكثرة ما فيها من اللغو واللهو، أثّر اللاهون اللاغون على الذاكرين الساجدين وقد حُرِمَ بعضُ المسلمين لذّة الجلوس في المسجد بسبب هؤلاء –هداهم الله-.

 

قال تعالى: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:36، 37، 38]، الهواتف اللعينة: الهتنا حتى غيبت عقولنا عن هذه الآية الكريمة وهي ترشدنا الى تعظيم بيوت الله، والترفع عما لا يليق بها، وتعظيمها أو تخليصها من قاذورات أهل اللهو واللغو من صفات أهل الله وخاصته.

 

أيها العقلاء: مساجدكم والصلاة فيها: فرصة ثمينة لتغذية العقل والروح، لا تحرموا أنفسكم لذّة الأنس بالله، ولا تعدموها السكينة التي تتنزل على المصلين، ولا تجعلوا هواتفكم تختلس الطمأنينة التي أنعم الله بها عليكم، ولا تعارضوا كلام الله بكلام البشر.

 

إن ارتقيتم بصلاتكم رقت بكم، وإن رفعتموها رفعتكم، وإن وضعتموها وضعتكم. صلاتكم صِلَة بينكم وبين ربكم؛ فلا تسمحوا لرنين هواتفكم قطع تلك الصلة المباركة.

 

عمر العبد الله

4جمادى الآخرة1441ه


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الآجرّوميّة