بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين
ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين أما بعد:
أعوذ بالله
العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم؛ من الشيطان الرجيم اللهم إنا نجعلك في
نحورهم ونعوذ بك من شرورهم اللهم لا تسلط علينا من شياطين الانس
والجن من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.
الغالبية
العظمى من الناس يستوحشون من ذكر قصص الجنّ ولعلّ ذلك يعود الى القصص الكثيرة
الملفّقة وما ينتشر في الشبكة العنكبوتية من تصويرهم على شكل مخيف وما تصنعه
السينما من أفلام رعب وهذا كله يؤثر على النفوس وأقول أنّ من دخل الى معرفة هذا
العالم من خلال القرآن والسنة وقصص الثقات تغيرت نظرته كثيرا ولما استوحش منهم، قد
يكون عنده شيء من الوحشة لأن هذا العالم بطبيعة الحال عالم خفي عنّا لا نعرف عنه
الكثير ولا نراهم قال تعالى: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا
تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 27] فيحدث مثل هذا الشعور.
وقد دار في
خلدي أن ألج هذا العالم من خلال الكتاب والسنة وما ذكر عنهم من خلال قصص الثقات
واختصر فيه الكلام لينتفع به عموم المسلمين وقد جعلت في آخره ما يجير من شرور
الشياطين من الأذكار الشرعية الواردة في الكتاب والسنة، والله أسأل أن يوفقنا لكل
خير ويجيرنا من الشيطان الرجيم إنه نعم المولى ونعم النصير.
عمر العبد الله
19 رجب 1442ه
الموافق 3/3/2021م
لماذا سُمّوا الجنّ بهذا الاسم؟
(وبه سمي الجن
لاستتارهم واختفائهم عن الأبصار، ومنه سمي الجنين لاستتاره في بطن أمه)([1]).
عندما بحثت في
بطون الكتب القديمة والحديثة اثار استغرابي إنكار كثير من المعتزلة وجود الجنّ مع
كثرة ذكرهم في القرآن والسنة، وإجماع السلف على وجودهم بل ذكرهم الله في سورة خاصة
بهم وهي سورة الجنّ وقد اعترف كبيرهم بأن وجود الجن ثابت في النقل دون العقل -طبعا
عقله هو- طيب اذا كان ثابتا في العقل فلم تشغبون على من آمن به!
والإيمان بوجود
الجن واجب لثبوته قطعا في الكتاب والسنة وإجماع السلف وكذلك ثبت بالحس والمشاهدة لكثير
من البشر وأما من أنكر وجودهم فلا كرامة لقوله وانكار وجود الجن من الكفر والعياذ
بالله.
قال أبو محمد: ونحن
نقول: إن إنكارهم لهذا الحديث، إن كان من أجل أنهم لا يؤمنون بخلق الشياطين والجن،
وبأن الله تعالى جعل في تركيبها أن تتحول من حال إلى حال، فتتمثل مرة في صورة شيخ،
ومرة في صورة شاب، ومرة في مثال نار، ومرة في مثال كلب، ومرة في مثال جان، ومرة
تصل إلى السماء ومرة تصل إلى القلب، ومرة تجري مجرى الدم.
فهؤلاء مكذبون
بالقرآن، وبما تواطأت عليه الأخبار عن رسول الله (‘)، والأنبياء
المتقدمين وكتب الله تعالى المتقدمة، والأمم الخالية، لأن الله تعالى قد أخبرنا في
كتابه أن الشياطين يقعدون من السماء مقاعد للسمع، وأنهم يرمون بالنجوم.
وأخبرنا الله
تعالى عن الشيطان أنه قال: ﴿ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام
ولآمرنهم فليغيرن خلق الله﴾ 1 وهو لا يظهر لنا.
فكيف يأمرنا
بهذه الأشياء، لولا أنه يصل إلى القلوب، بالسلطان الذي جعله الله تعالى له، فيوسوس
بذلك ويزين ويمني، كما قال الله جل وعز؟)([2]).
وقال ابن حزم (¬): (فمن أنكر الجن أو تأول فيهم تأويلا يخرجهم به عن هذا
الظاهر فهو كافر مشرك حلال الدم والمال)([3]).
وقال ابن حجر
الهيتمي (¬): (وأما الجانّ فأهل السنة يؤمنون بوجودهم، وإنكار
المعتزلة لوجودهم فيه مخالفة للكتاب والسنة والإجماع، بل ألزموا به كفرا لأن فيه
تكذيب النصوص القطعية بوجودهم، ومن ثم قال بعض المالكية: الصواب كفر من أنكر
وجودهم، لأنه جحد نص القرآن والسنن المتواترة والإجماع الضروري)([4]).
وقال المناوي (¬): (وجود الجن
مما انعقد عليه الإجماع ونطق به كلام الله والأنبياء وحكى مشاهدتهم عن كثير من
العقلاء وأهل الكشف فلا وجه لنفيها)([5]).
وقال الالوسي (¬): (وأكثر الفلاسفة على إنكار الجن. وفي رسالة الحدود لابن
سينا الجني حيوان هوائي متشكل بأشكال مختلفة وهذا شرح الاسم وظاهره نفي أن يكون
لهذه الحقيقة وجود في الخارج ونفي ذلك كفر صريح كما لا يخفى)([6]).
وقال ابن حجر (¬): (وقال القاضي أبو بكر وكثير من هؤلاء يثبتون وجودهم
وينفونه الآن ومنهم من يثبتهم وينفي تسلطهم على الإنس وقال عبد الجبار المعتزلي
الدليل على إثباتهم السمع دون العقل إذ لا طريق إلى إثبات أجسام غائبة لأن الشيء
لا يدل على غيره من غير أن يكون بينهما تعلق ولو كان إثباتهم باضطرار لما وقع
الاختلاف فيه إلا أنا قد علمنا بالاضطرار أن النبي (‘) كان يتدين
بإثباتهم وذلك أشهر من أن يتشاغل بإيراده..)([7]).
قال الدميري (¬) عن الجنّ هي: ( أجسام هوائية قادرة على التشكل بأشكال
مختلفة، لها عقول وأفهام وقدرة على الأعمال الشاقة)([8]).
وقد أخبرنا
ربنا (تبارك
وتعالى) أنه خلق الجانّ من مارج من نار قال تعالى: ﴿وَالْجَانَّ
خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ﴾ [الحجر: 27] وقال: ﴿وَخَلَقَ
الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾ [الرحمن: 15]، وهو اللهب الأصفر والأخضر، الذي
يعلو النار إذا أوقدت وهو خالص النار وأحسنها. وهذا هو أصل خلقهم ولا يعني هذا
أنهم الان من نار كما أن الله خلق أصل الانسان من طين وهو الان على غير هيئة.
قال ابن حجر (¬): (أن أصلهم من النار كما أن أصل الآدمي من التراب وكما
أن الآدمي ليس طينا حقيقة كذلك الجني ليس نارا حقيقة وقد وقع في الصحيح في قصة
تعرض الشيطان للنبي (‘) أنه قال فأخذته فخنقته حتى وجدت برد ريقه على يدي قلت
وبهذا الجواب يندفع إيراد من استشكل قوله تعالى إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب
ثاقب فقال كيف تحرق النار النار..)([9]).
قال ابن عبد
البر (¬): (الجن على مراتب فالأصل جني فإن خالط الإنس قيل عامر
ومن تعرض منهم للصبيان قيل أرواح ومن زاد في الخبث قيل شيطان فإن زاد على ذلك قيل
مارد فإن زاد على ذلك قيل عفريت وقال الراغب العفريت من الجن هو العارم الخبيث
وإذا بولغ فيه قيل عفريت)([10]).
اجتماع النبي
(‘) بوفد نصيبين من الجنّ:
قال تعالى: ﴿قُلْ
أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا
سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ [الجن: 1]، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ
نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا
أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا
يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا
بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30)
يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ
ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ
اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ
أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الأحقاف: 29 - 32]، وهذا عند اجتماع
وفد نصيبين مع النبي (‘) يستمعون منه القران ثم سألوه الزاد.
فعَنْ عَامِرٍ،
قَالَ: سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ (‘) لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ قَالَ: فَقَالَ عَلْقَمَةُ، أَنَا
سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقُلْتُ: هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ
اللهِ (‘) لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ
رَسُولِ اللهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَفَقَدْنَاهُ فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَةِ
وَالشِّعَابِ. فَقُلْنَا: اسْتُطِيرَ أَوِ اغْتِيلَ. قَالَ: فَبِتْنَا بِشَرِّ
لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلَ
حِرَاءٍ. قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ
نَجِدْكَ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ. فَقَالَ: «أَتَانِي
دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ» قَالَ:
فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ وَسَأَلُوهُ
الزَّادَ فَقَالَ: " لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ يَقَعُ
فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ
لِدَوَابِّكُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (‘): «فَلَا
تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ»([11])
الجن كالإنس في تنوع قبائلهم ومنهم
المؤمنون ومنهم الكفار:
قال تعالى:﴿وَأَنَّا
مِنَّا الْمسلمونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا
رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)
وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾
[الجن: 14 - 16].
ولهم قدرة
عجيبة بأمر الله على التشكّل والاختفاء قال القاضي أبو يعلى: (ولا قدرة للشيطان
على تغيير خلقتهم والانتقال في الصور، إنما يجوز أن يعلمهم كلمات وضربا من ضروب
الأفعال إذا فعله وتكلم به نقله من صورة إلى صورة أخرى، وأما أن يتصور بنفسه فذلك
محال، لأن انتقالها من صورة إلى صورة إنما يكون بنقض البنية وتفريق الأجزاء، وإذا
انتقضت بطلت الحياة، والقول في تشكل الملائكة كذلك)([12]).
ويمكن رؤية
الجن إذا تشكلوا وقد أنكر الشافعي (¬) رؤية الجن على
حقيقتهم (وأما من ادعى أنه يرى شيئا منهم بعد أن يتطور على صور شتى من الحيوان فلا
يقدح فيه وقد تواردت الأخبار بتطورهم في الصور واختلف أهل الكلام في ذلك فقيل هو
تخييل فقط ولا ينتقل أحد عن صورته الأصلية وقيل بل ينتقلون لكن لا باقتدارهم على
ذلك بل بضرب من الفعل إذا فعله انتقل كالسحر وهذا قد يرجع إلى الأول وفيه أثر عن
عمر أخرجه بن أبي شيبة بإسناد صحيح أن الغيلان ذكروا عند عمر فقال إن أحدا لا
يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلقه الله عليها ولكن لهم سحرة كسحرتكم فإذا رأيتم
ذلك فأذنوا)([13]).
قال ابن حجر (¬): ( فقد اختلف في أصلهم فقيل إن أصلهم من ولد إبليس فمن
كان منهم كافرا سمي شيطانا وقيل إن الشياطين خاصة أولاد إبليس ومن عداهم ليسوا من
ولده وحديث بن عباس الآتي في تفسير سورة الجن يقوي أنهم نوع واحد من أصل واحد
واختلف صنفه فمن كان كافرا سمي شيطانا وإلا قيل له جني)([14]).
وعَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ (¬) تَعَالَى قَالَ: «الْجِنُّ الْمُؤْمِنُونَ،
وَالْكُفَّارُ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَأَصْلُهُمْ وَاحِدٌ»([15]).
وعَنِ
الْحَسَنِ (¬) تَعَالَى قَالَ: «لَمْ يَكُنْ إِبْلِيسُ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَكَانَ أَبَا الْجِنِّ كَمَا أَنَّ آدَمَ أَبُو
الْإِنْسِ»([16])
وعَنْ
عُقَيْلٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ (¸) " ﴿إِلَّا
إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف: 50] ،
فَإِبْلِيسُ أَبُو الْجِنِّ كَمَا أَنَّ آدَمَ أَبُو الْإِنْسِ وَآدَمُ مِنَ
الْإِنْسِ وَهُوَ أَبُوهُمْ، وَإِبْلِيسُ مِنَ الْجِنِّ وَهُوَ أَبُوهُمْ، وَقَدْ
تَبَيَّنَ لِلنَّاسِ ذَلِكَ حِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِلَّا إِبْلِيسَ. . .
. . . ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي﴾ [الكهف: 50]
"([17]).
نعم يموتون الا
ان الشيطان لا يموت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ (¢) قَالَ:
الْجِنُّ يَمُوتُونَ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ بِكْرُ الْبِكْرَيْنِ لَا تَمُوتُ،
قَالَ قَتَادَةُ (¬) تَعَالَى: أَبُوهُ بِكْرٌ وَأُمُّهُ بِكْرٌ، وَهُوَ
بِكْرُهُمَا "([18]).
وعَنْ زُرْعَةَ
بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ (ƒ): "
أَتَمُوتُ الْجِنُّ؟ قَالَ: نَعَمْ غَيْرَ إِبْلِيسَ قَالَ: فَمَا هَذِهِ
الْحَيَّةُ الَّتِي تُدْعَى الْجَانَّ؟ قَالَ: هِيَ صِغَارُ الْجِنِّ "([19]).
هل الجنّ مكلفون بشرائع الإسلام؟
قال تعالى: ﴿وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
وقال تعالى: ﴿يَامَعْشَرَ
الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ
آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى
أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ
كَانُوا كَافِرِينَ﴾ [الأنعام: 130]، والرسل انما يبلغون رسالات الله للمكلفين.
وقال تعالى: ﴿قَالَ
ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي
النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا
فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا
فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا
تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 38] والله لا يعذب بالنار من ليس بمكلف لذلك أمر الحيوان
أن يكونوا ترابا لكونهم غير مكلفين أما الجن فمؤمنهم في الجنة وكافرهم في النار.
قال ابن الملقن (¬): (وأما كونهم مكلفين فقال ابن عبد البر الجن عند
الجماعة مكلفون .. والدليل للجماعة ما في القرآن من ذم الشياطين والتحرز من شرهم
وما أعد لهم من العذاب وهذه الخصال لا تكون إلا لمن خالف الأمر وارتكب النهي مع
تمكنه من أن لا يفعل والآيات والأخبار الدالة على ذلك كثيرة جدا وإذا تقرر كونهم
مكلفين)([20]).
وعَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ (ƒ) قَالَ: «الْخَلْقُ أَرْبَعَةٌ، فَخَلْقٌ فِي الْجَنَّةِ
كُلُّهُمْ، وَخَلْقٌ فِي النَّارُ كُلُّهُمْ، وَخْلَقْانِ فِي الْجَنَّةِ
وَالنَّارِ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي الْجَنَّةِ كُلُّهُمْ فَالْمَلَائِكَةُ،
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي النَّارِ كُلُّهُمْ فَالشَّيَاطِينُ، وَأَمَّا الَّذِينَ
فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ لَهُمْ الثَّوَابُ،
وَعَلَيْهِمُ الْعِقَابُ»([21]).
وقال أَرْطَأَةُ
بْنُ الْمُنْذِرِ: " تَذَاكَرْنَا عِنْدَ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ هَلْ
تَدْخُلُ الْجِنُّ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ
اللَّهِ (¸) ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ﴾
[الرحمن: 56] قَالَ: لِلْجِنِّ جِنِّيَّاتٌ وَلِلْإِنْسِ إِنْسِيَّاتٌ "([22])
والجن مختلفون
فمنهم من يعيش في البر ومنهم من يعيش في البحر ومنهم الطيار . ومنهم حيات وكلاب
ومنهم حشرات وغير ذلك، فعَنْ أَبِي ثعلبةَ الْخُشَنِيِّ (¢)، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ (‘): «الْجِنُّ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ صِنْفٌ لَهُمْ
أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ، وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَكِلَابٌ، وَصِنْفٌ
يَحِلُّونَ وَيَظْعَنُونَ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ
يُخَرِّجَاهُ "([23]).
وقال عَبْدُ
الصَّمَدِ: سَمِعْتُ وَهْبًا (¬) تَعَالَى
يَقُولُ: " وَسُئِلَ عَنِ الْجِنِّ مَا هُمْ؟ وَهَلْ يَأَكُلُونَ
وَيَشْرَبُونَ وَيَمُوتُونَ وَيَتَنَاكَحُونَ؟ قَالَ: هُمْ أَجْنَاسٌ أَمَّا
خَالِصُ الْجِنِّ الَّذِينَ هُمْ خَالِصُ الْجِنِّ فَهُمْ رِيحٌ لَا يَأَكُلُونَ
وَلَا يَشْرَبُونَ وَلَا يَمُوتُونَ وَلَا يَتَوَالَدُونَ، وَمِنْهُمْ أَجْنَاسٌ
يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَنَاكَحُونَ وَيَمُوتُونَ وَهِيَ هَذِهِ
السَّعَالَى، وَالْغُولُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ "([24]).
وعَنْ جَابِرٍ (¢) قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ (‘) عَنِ
الْغِيلَانِ، فَقَالَ: «سَحَرَةُ الْجِنِّ»([25]).
وعَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ (¢)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (‘): " خلق
الله تعالى الجن ثلاثة أَصْنَافٍ، صِنْفٌ حَيَّاتٌ وَعَقَارِبُ، وَخَشَاشُ
الْأَرْضِ، وَصِنْفٌ كَالرِّيحِ فِي الْهَوَاءِ، وَصِنْفٌ عَلَيْهِمُ الْحِسَابُ
وَالْعِقَابُ"([26]).
(وقال الحكيم:
الجن ألطف في الفهم وأسرع في الذكاء من الإنس لأن أجسامهم من نار مارج والآدمي من
تراب فجوهرهم أرق وجوهر الآدمي أغلظ ولم تشغلهم الشهوات كشغل الآدمي فرقة جوهرهم
عون لهم على درك الأشياء)([27]).
وغالب مَا
يُوجد الْجِنّ فِي مَوَاضِع النجسات كالحمامات والحشوش والمزابل والقمامين والشيوخ
الَّذين تقرن بهم الشَّيَاطِين وَتَكون أَحْوَالهم شيطانية لَا رحمانية يأوون
كثيرا إِلَى هَذِه الْأَمَاكِن الَّتِي هِيَ مأوى الشَّيَاطِين وَقد جَاءَت
الْآثَار بِالنَّهْي عَن الصَّلَاة فِيهَا لِأَنَّهَا مأوى الشَّيَاطِين)([28]).
عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (‘) قَالَ: "
إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلَاءَ
فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ "([29]).
قال الخطابي
وأصل الحش جماعة النخل المتكاثفة وكانوا يقضون حوائجهم إليها قبل أن تتخذ الكنف في
البيوت وفيه لغتان حش وحش بالفتح والضم (محتضرة) على البناء للمجهول أي تحضرها
الجن والشياطين وتنتابها لقصد الأذى)([30]).
فَإِذا قَالَ
المخلي هَذَا الدُّعَاء احتجب عَن أَبْصَارهم فَلَا يرَوْنَ عَوْرَته)([31]).
فائدة: نقل
ابْن أبي الصَّيْرَفِي الْحَرَّانِي الْحَنْبَلِيّ فِي فَوَائده عَن شَيْخه أبي
الْبَقَاء العكبري الْحَنْبَلِيّ أَنه سُئِلَ عَن الْجِنّ هَل تصح الصَّلَاة خَلفه
فَقَالَ نعم لأَنهم مكلفون وَالنَّبِيّ (‘) مُرْسل
إِلَيْهِم وَالله أعلم)([32]).
لا يعلم الغيب
الا الله (تبارك
وتعالى) ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا
إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: 59] وقال: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى
الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [آل عمران:
179] وقال: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ
إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النمل: 65].
ولكنّ الله
اعطى الجن قوة وسرعة تمكنهم من جلب المعلومة بسرعة خيالية فيعطونها الى الساحر أو غيره
فيظنه الناس من الغيب وهو من الشهادة. (ولَا شكّ أَن الله تَعَالَى أقدر الْجِنّ
على قطع الْمسَافَة الطَّوِيلَة فِي الزَّمن الْقصير بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى ﴿قَالَ
عفريت من الْجِنّ أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن تقوم من مقامك﴾ فَإِذا سَأَلَ سَائل عَن
حَادِثَة وَقعت أَو شخص فِي بلد بعيد فَمن الْجَائِز أَن يكون الجني عِنْده علم من
تِلْكَ الْحَادِثَة وَحَال ذَلِك الشَّخْص فيخبر وَمن الْجَائِز أَن لَا يكون
عِنْده علم فَيذْهب ويكشف ثمَّ يعود فيخبر وَمَعَهُ هَذَا فَهُوَ خبر وَاحِد لَا
يُفِيد غير الظَّن وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ حكم غير الِاسْتِئْنَاس)([33]).
وسرعة عظيمة في
الصعود الى السماء وهذا مع شدة التطور التي وصلت اليها الحضارة المعاصرة الا انهم
لم يصلوا الى ما وصل اليه الجن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الجِنُّ
يَصْعَدُونَ إِلَى السَّمَاءِ يَسْتَمِعُونَ الوَحْيَ"([34]).
الجنّ يأكلون ويشربون ويتناكحون ولهم
ذريّة..
قال ابن حجر (¬): (كذلك واستدل من قال بأنهم يتناكحون بقوله تعالى لم
يطمثهن أنس قبلهم ولا جان وبقوله تعالى أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني والدلالة
من ذلك ظاهرة)([35]).
قال أَبَو
مُعَاوِيَةَ: سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ يَقُولُ: " تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنَ
الْجِنِّ إِلَيْنَا فَقُلْنَا: أَيَّ شَيْءٍ تَشْتَهُونَ مِنَ الطَّعَامِ فَقَالَ:
الْأَرُزَّ فَأَتَيْنَاهُمْ بِالْأَرُزِّ فَجَعَلْتُ أَرَى اللُّقَمَ تَرْتَفِعُ
وَلَا أَرَى أَحَدًا"([36]).
ضرب الملبوس ضربا خفيفا أو قويا ان تطلب
الأمر:
عن طاوس- قال:
إن النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) كان يؤتي
بالمجانين فيضرب صدر أحدهم فيبرأ، فأتى بمجنونة يقال لها أم زفر، فضرب صدرها فلم
تبرأ، ولم يخرج شيطانها، فقال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم): «هو يعيبها في الدّنيا ولها في الآخرة خير»([37]).
و(يسْتَحبّ
وَقد يجب أَن يذب عَن الْمَظْلُوم وَأَن ينصر فَإِن نصر الْمَظْلُوم مَأْمُور بِهِ
بِحَسب الامكان وَإِذا برِئ الْمُصَاب بِالدُّعَاءِ وَالذكر وَأمر الْجِنّ ونهيهم
وانتهارهم وسبهم ولعنهم وَنَحْو ذَلِك من الْكَلَام حصل الْمَقْصُود وَإِن كَانَ
ذَلِك يتَضَمَّن مرض طَائِفَة من الْجِنّ أَو مَوْتهمْ فهم الظَّالِمُونَ
لأَنْفُسِهِمْ إِذا كَانَ الراقي الدَّاعِي المعالج لم يَتَعَدَّ عَلَيْهِم كَمَا
يتَعَدَّى عَلَيْهِم كثير من أهل العزائم فيأمرون بقتل من لَا يجوز قَتله وَقد
يحبسون من لَا يحْتَاج إِلَى حَبسه وَلِهَذَا قد يقابلهم الْجِنّ على ذَلِك ففيهم
من تقتله الْجِنّ أَو تمرضه وَفِيهِمْ من يفعل ذَلِك بأَهْله وَأَوْلَاده أَو
دوابه وأما من سلك فِي دفع عدوانهم مَسْلَك الْعدْل الَّذِي أَمر الله بِهِ
وَرَسُوله (‘) فَإِنَّهُ لم يظلمهم بل هُوَ مُطِيع لله تَعَالَى
وَرَسُوله (‘) فِي نصر الْمَظْلُوم وإغاثة الملهوف والتنفيس عَن
المكروب بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شرك بالخالق وَلَا ظلم
للمخلوق وَمثل هَذَا لَا تؤذيه الْجِنّ إِمَّا لمعرفتهم بِأَنَّهُ عَادل وَإِمَّا
لعجزهم عَنهُ)([38]).
هذا الأمر ممكن
الحدوث وقد وقع الا أن السلف كرهوه ومنهم من حرمّه فعَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ رَجُلٍ
مِنْ بَجِيلَةَ قَالَ: عَلِقَ رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ جَارِيَةً لَنَا فَخَطَبَهَا
إِلَيْنَا، وَقَالَ: إِنِّي مِنْ مسلمي الْجِنِّ وَقَدْ هَوَيْتُ جَارِيَتَكُمْ
هَذِهِ فَزَوِّجُونِي بِهَا، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَنَالَ مِنْهَا مُحَرَّمًا
فَزَوَّجْنَاهُ وَكَانَ يُحَدِّثُنَا بَعْدُ فَقُلْنَا لَهُ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟
قَالَ: أُمَمٌ كَأُمَمِكُمْ وَقَبَائِلُ كَقَبَائِلُكُمْ.."([39]).
وعَنْ بَشِيرِ
بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (¢)، عَنِ
النَّبِيِّ (‘) قَالَ: «كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا جِنِّبًّا يَعْنِي
مَلِكَةَ سَبَأٍ»([40]).
وهذه قصة من
عجائب القصص عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَكَمِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ،
أَنَّهُ كَانَ شَيْخٌ يَقْدُمُ عَلَيْنَا فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ فَكَانَ
صَدِيقًا لِبَشِيرٍ يَزْعُمُ أَنَّ سُوقًا كَانَتْ تَكُونُ بِالْمَوْصِلِ فِي
السَّنَةِ مَرَّةً يَوْمًا وَاحِدًا، وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ
الْكُوفَةِ وَالْجَزِيرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَالَ
أَبِي: أَدْرَكْتُ ذَلِكَ السُّوقَ، وَقَالَ الشَّيْخُ صِدِّيقُ بَشِيرٍ: فَكَانَ
لِي أَخٌ لَهُ قَلْبٌ وَشَجَاعَةٌ فَقَالَ: لَأَخْرُجَنَّ إِلَيْهَا لِمَا وُصِفَ
مِنْهَا قَالَ: فَاشْتَرَى بَغْلًا وَتِينًا، وَخَرَجَ فَإِذَا نَاسٌ وَأَمْرٌ
وَأَشْيَاءُ فَلَمَّا كَانَ الْعَصْرُ جَعَلَ النَّاسُ يَتَقَلَّعُونَ يَمُرُّونَ،
قَالَ فَمَرُّوا بِي فَقَالُوا: مَا يُقِيمُكَ؟ وَجَعَلْتُ أَحْتَبِسُ لَعَجِبِي
بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَكَثْرَةِ أَهْلِهِ قَالَ: فَمَا شَعَرْتُ إِلَّا وَقَدْ
مَرَّ النَّاسُ وَبَقِيَتُ وَحْدِي قَالَ: فَرَكِبْتُ وَجِئْتُ فَأَمْسَيْتُ فِي
تِلْكَ الْبَرِيَّةِ وَحْدِي وَإِذَا الْغِيلَانُ، قَدْ أَقْبَلَتْ نَحْوِي قَالَ:
فَالْتَجَأْتُ إِلَى حَائِطٍ وَجَعَلْتُ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَحِينَ أَقْرَأُ
يَمُرُّونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ حَتَّى كَلَّ لِسَانِي وَأَيْقَنْتُ بِالْهَلَكَةِ
قَالَ: فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَقَالَ: بِاللَّهِ مَا رَأَيْتُ
إِنْسِيًّا أَثْبَتَ قَلْبًا مِنْكَ قُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ
مِنْ إِخْوَانِكَ مِنَ الْجِنِّ قَالَ: قُلْتُ: فَأَنْتَ هَاهُنَا وَيُصْنَعُ بِي
هَذَا؟ قَالَ: فَطَرَدَهُمْ عَنِّي قَالَ: فَوَاخَيْتُهُ فَكَانَ يَجِيئُنِي
بَعْدُ قَالَ: فَعَرَضَ عَلَيَّ نِكَاحَ أُخْتٍ لَهُ قَالَ: فَقَبِلْتُ
فَتَزَوَّجْتُهَا فَكُنْتُ إِذَا خَلَوْتُ بِهَا اسْتَوْحَشْتُ مِنْهَا قَالَ:
فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى أَخِيهَا فَقَالَ لِي: تُرِيدُ مُفَارَقَتَهَا؟ قُلْتُ:
نَعَمْ قَالَ: فَقُلْ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّهَا فِرْقَةٌ قَالَ: فَتَحَنَّيْتُ
عَلَيْهَا فَقُلْتُ: مَا قَالَ لِي أَخُوهَا فَذَهَبَتْ عَنِّي فَلَمْ أَرَهَا
قَالَ الشَّيْخُ فَلَمَّا: كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ افْتَقَدْنَا أَخَاهَا فَلَمْ
نَرَهُ بَعْدُ "([41]).
ذهب أهل السنة
والجماعة الى أن الجني ممكن دخوله الى جسم الإنسيّ وهذا قد ورد به الأثر ووجد
واقعا.
أما الأثر فعَنْ
عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: لَمَّا اسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ (‘) عَلَى الطَّائِفِ جَعَلَ يَعْرِضُ لِي شَيْءٌ فِي
صَلَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ رَحَلْتُ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (‘) فَقَالَ: «ابْنُ أَبِي الْعَاصِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ يَا
رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «مَا جَاءَ بِكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَرَضَ
لِي شَيْءٌ فِي صَلَوَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي قَالَ: «ذَاكَ
الشَّيْطَانُ ادْنُهْ» فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَجَلَسْتُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيَّ،
قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرِي بِيَدِهِ، وَتَفَلَ فِي فَمِي وَقَالَ: «اخْرُجْ عَدُوَّ
اللَّهِ» فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: «الْحَقْ بِعَمَلِكَ»
قَالَ: فَقَالَ عُثْمَانُ: «فَلَعَمْرِي مَا أَحْسِبُهُ خَالَطَنِي بَعْدُ»([42]).
وعن أُمِّ
أَبَانَ بِنْت الْوَازِعٍ، عَنْ أَبِيهَا، أَنَّ جَدَّهَا الزَّارِعَ، انْطَلَقَ
إِلَى رَسُولِ اللهِ (‘)، فَانْطَلَقَ مَعَهُ بِابْنٍ لَهُ مَجْنُونٍ أَوِ ابْنِ
أُخْتٍ لَهُ، قَالَ جَدِّي: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ (‘) الْمَدِينَةَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ مَعِي
ابْنًا لِي أَوِ ابْنَ أُخْتٍ لِي مَجْنُونٌ أَتَيْتُكَ بِهِ تَدْعُو اللهَ (¸) لَهُ، فَقَالَ: «ائْتِنِي بِهِ» فَانْطَلَقْتُ بِهِ
إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي الرِّكَابِ، فَأَطْلَقْتُ عَنْهُ وَأَلْقَيْتُ عَنْهُ
ثِيَابَ السَّفَرِ وَأَلْبَسَتْهُ ثَوْبَيْنِ حَسَنَيْنِ، وَأَخَذْتُ بِيَدِهِ
حَتَّى انْتَهَيْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ (‘)، فَقَالَ:
«ادْنُهُ مِنِّي اجْعَلْ ظَهْرَهُ مِمَّا يَلِينِي» قَالَ: فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ
ثَوْبِهِ مِنْ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ، فَجَعَلَ يَضْرِبُ ظَهْرَهُ حَتَّى
رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: «اخْرُجْ عَدُوَّ اللهِ اخْرُجْ
عَدُوَّ اللهِ» فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ نَظَرَ الصَّحِيحِ لَيْسَ بِنَظَرِهِ
الْأَوَّلِ، ثُمَّ أَقْعَدَهُ رَسُولُ اللهِ (‘) بَيْنَ
يَدَيْهِ، فَدَعَا لَهُ بِمَاءٍ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَدَعَا لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ
فِي الْوَفْدِ أَحَدٌ بَعْدَ دَعْوَةِ رَسُولِ اللهِ (‘) يَفْضُلُ
عَلَيْهِ"([43]).
عَنْ عَلِيِّ
بْنِ سَهْلِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي ثُمَامَةَ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ
الْخُزَاعِيُّ قَالَ: " أَصَابَ جَارِيَةً عَجَمِيَّةً شَيْءٌ مِنْ أَهْلِ
الْأَرْضِ فَكَانَتْ تَسْقُطُ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا
هَذَا عَمَدْتَ إِلَى جَارِيَةٍ لَنَا فَآذَيْتَنَا بَأَذَاكَ إِيَّاهَا قَالَ:
فَتَكَلَّمَتِ الْجَارِيَةُ بِكَلَامٍ فَصِيحٍ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ:
إِنَّمَا أَرَادَ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَائِنَا أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا فَمَنَعْتُهُ
بِدُخُولِي وَأَنَا خَارِجٌ عَنْهَا وَلَسْتُ أَعُودُ وَلَكِنْ يَا أَحْمَدُ إِذَا
قُمْتَ بِاللَّيْلِ تُرِيدُ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ، فَلَا تَضَعْ يَدَكَ عَلَى
الْحَائِطِ، فَإِنَّكَ تَضَعُهَا عَلَى بَعْضِنَا فَتُؤْذِينَا وَمُرْ أُخْتَكَ
فُلَانَةً لَا تَنْكَشِفْ بِاللَّيْلِ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ أَوْلَيْتَنَا
مَعْرُوفًا فَعَلِّمْنَا شَيْئًا نَحْتَرِزُ بِهِ مِنْكُمْ قَالَ: ائْتُونِي
بِدَاوَةٍ وَقِرْطَاسٍ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِدَاوَةٍ وَقِرْطَاسٍ قَالَ: اكْتُبْ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ، وَوَضَعَ الْأَرْضَ وَنَصَبَ
الْجِبَالَ، وَأَجْرَى الْبِحَارَ، وَأَظْلَمَ اللَّيْلَ، وَأَضَاءَ النَّهَارَ
وَخَلَقَ مَا يُرَى، وَمَا لَا يُرَى لَمْ يَحْتَجْ فِيهِ إِلَى عَوْنِ أَحَدٍ
مِنْ خَلْقِهِ وَفَرَّقَ الْأَدْيَانَ، فَجَعَلَ أَخَصَّ الْأَدْيَانِ
الْإِسْلَامَ، فَسُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ شَأنَكَ لِمَنْ تَفَكَّرَ فِي
قُدْرَتِكَ، عَلَوْتَ بِعُلَوِّكَ، وَدَنَوْتَ بْدُنُوِّكَ، وَقَهَرْتَ خَلْقَكَ
بِسُلْطَانِكَ، فَالْمُعَادِي لَكَ مِنْهُمْ فِي النَّارِ، وَالْمُذَلِّلُ لَكَ نَفْسَهُ
مِنْهُمْ فِي الْجَنَّةِ، أَمَرْتَ بِالدُّعَاءِ، وَضَمِنْتَ الْإِجَابَةَ، أَنْتَ
الْقَوِيُّ فَلَا أَحَدَ أَقْوَى مِنْكَ، وَأَنْتَ الرَّحِيمُ فَلَيْسَ أَحَدٌ
أَرْحَمَ مِنْكَ، رَحِمْتَ يُوسُفَ فَنَجَّيْتَهُ مِنَ الْجُبِّ، وَرَحِمْتَ
يَعْقُوبَ، فَرَدَدْتَ عَلَيْهِ بَصَرَهُ، وَرَحِمْتَ أَيُّوبَ فَكَشَفْتَ عَنْهُ
بَلَاءَهُ، وَرَحِمْتَ يُونُسَ فَنَجَّيْتَهُ مِنْ بَطْنِ الحوت، أَسْأَلُكَ
وَأَرْغَبُ إِلَيْكَ فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ، لَمْ يُسْأَلْ مِثْلُكَ، يَا قَاصِمَ
الْجَبَابِرَةِ وَيَا دَيَّانَ الدِّينِ الَّذِي يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ
رَمِيمٌ وَيَا مُجِيبَ الْمُضْطَرِّينَ قَضَيْتَ لِخَلْقِكَ عَلَى أَنْ يَمُرُّوا
عَلَى أَدَقِّ مِنَ الشَّعْرِ، وَأَحَدِّ مِنَ السَّيْفِ عَلَى وَادِي جَهَنَّمَ،
فَأَنَقَذْتَ مَنْ شِئْتَ، وَأَغْرَقْتَ مَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ،
أَنْتَ ابْتَلَيْتَ فُلَانَ ابْنَ فُلَانَةَ بِهَذِهِ الْأَوْجَاعِ وَالْأَسْقَامِ
وَالرِّيَاحِ، وَأَنْتَ الْقَادِرُ عَلَى الذَّهَابِ بِهِ فَاذْهَبْ بِهِ يَا
أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ " ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ بِهَذَا
الدُّعَاءِ ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا
يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً﴾ [البقرة: 171] إِلَى قَوْلِهِ ﴿فَهُمْ لَا
يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 171] ، ﴿اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً
مِنَ السَّمَاءِ﴾ [المائدة: 114] إِلَى قَوْلِهِ ﴿الرَّازِقِينَ﴾ [المائدة: 114] ،
﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيَّامَّا تَدْعُوا فَلَهُ
الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ إِلَى قَوْلِهِ ﴿سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97] ، ﴿وَقُلِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾ [الإسراء: 111] إِلَى آخِرِ
السُّورَةِ، ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾ [مريم: 22]
إِلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 47] ثُمَّ يَقْرَأُ ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي
خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ ﴿مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف:
56] ثُمَّ تَعْمِدُ إِلَى كُوزِ حَدِيدٍ فِيهِ مَاءٌ عَذْبٌ، وَتَدْعُو بِهَذِهِ
الدَّعَوَاتِ، وَتَقْرَأُ هَذَا الْقُرْآنَ فِي الْكُوزِ وَتَسْتَأمِنُ بِهِ
النَّظَرَ وَالْجُنُونَ، وَمَنْ كَانَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ،
فَتَسْقِيهِ جَرْعَةً وَجَرْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأْخُذُ كَفًّا مِنْ ذَلِكَ
الْمَاءِ، فَتَنْضَحَ بِهِ وَجْهَهُ، فَإِنَّهُ يَذْهَبُ مَا بِهِ عَنْهُ بِإِذْنِ
اللَّهِ تَعَالَى (¸) إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى "([44])
تسخير الشياطين لنبي الله سليمان
(‘) :
قال تعالى:﴿وَحُشِرَ
لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾
[النمل: 17] وهذا التسليط المطلق على الجن والشياطين لم يكن الا لسليمان (‘) ويوجد تسليط مقيد لغيره من البشر.
وقد عملوا له
ما لم يستطع عمله البشر وخدموه في كل شيء قال تعال: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ
غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ
الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ
عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا
يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ
رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ
(13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا
دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ
أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾
[سبأ: 12 - 14].
وقال تعالى:﴿قَالَ
يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مسلمينَ
(38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ
مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ [النمل: 38، 39]. وقال تعالى:﴿وَمِنَ
الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا
لَهُمْ حَافِظِينَ﴾ [الأنبياء: 82].
وهذه قوة خارقة
للجن أنه يستطيع ان يأتي بعرش بلقيس من اليمن الى الشام وهو محاط بجيش من الجند في
مدة زمنية قصيرة قد تكون خمس ساعات تقريبا والله اعلم.
إعانة الجن المسلم لإخوانه المسلمين من
الإنس وإيناسهم وأمرهم بالخير!
وهذا أمر لا
ينكره الا مكابر وقد ثبت في الواقع ولا يوجد ما يرده فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (‘): «مَا
مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ»
قَالُوا: وَإِيَّاكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللهَ
أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ»([45]).
(وحكى السهيلي
أنه حضر مع المسلمين سبعون نفسا من الجن وكان المشركون ألفا وقيل سبعمائة وخمسون
وكان معهم سبعمائة بعير ومائة فرس)([46]).
وروى عُمَرُ
بْنُ عِيسَى , عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " خَرَجْتُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
أَدْهَمَ، إِلَى مَكَّةَ - وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ لَمْ
يَأْخُذْ عَلَى الطَّرِيقِ - قَالَ: وَكُنَّا أَرْبَعَةَ رُفَقَاءٍ , فَسِرْنَا
عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ حَتَّى جِئْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ , قَالَ:
فَاكْتَرَيْنَا بَيْتًا بِالْمَدِينَةِ وَنَزَلْنَا فِيهِ , فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ:
نَحْنُ أَرْبَعَةٌ , خِدْمَةُ الْبَيْتِ وَمَا يُصْلِحُنَا لِمَعَاشِنَا
وَإِفْطَارِنَا وَحَوَائِجِنَا كُلَّ يَوْمٍ عَلَى رَجُلٍ مِنَّا , وَالثَّلَاثَةُ
يَذْهَبُونَ إِلَى الْمَسْجِدِ , وَيَنْتَشِرُونَ فِي حَوَائِجِهِمْ قَبًّا
وَمَقَابِرُ الشُّهَدَاءِ، قَالَ: فَإِنَّا لَيَوْمًا جُلُوسٌ فِي الْبَيْتِ إِذْ
أَقْبَلَ رَجُلٌ آدَمُ عَلَيْهِ قَمِيصٌ جَدِيدٌ وَفِي رِجْلِهِ خُفٌّ ,
وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ , وَمَعَهُ مِزْوَدٌ يَحْمِلُهُ , فَدَخَلَ إِلَيْنَا
وَسَلَّمَ وَقَالَ: أَيْنَ إِبْرَاهِيمُ؟ قُلْنَا: هَذَا مَنْزِلُهُ , وَقَدْ
ذَهَبَ فِي حَاجَةٍ , قَالَ: فَمَضَى , وَلَمْ يُكَلِّمْنَا , قَالَ: فَرَجَعَ
إِبْرَاهِيمُ وَالرَّجُلُ مَعَهُ وَالْمِزْوَدُ عَلَى عُنُقِهِ , قَالَ: فَكَانَ
مَعَنَا فِي الْبَيْتِ أَيَّامًا فَإِذَا حَضَرَ غَدَاءٌ أَوْ عَشَاءٌ تَنَحَّى
الرَّجُلُ نَاحِيَةً وَخَلَا بِمِزْوَدِهِ , قَالَ: وَأَقْبَلْنَا نَحْنُ عَلَى
غَدَائِنَا أَوْ عَشَائِنَا وَإِبْرَاهِيمُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لَا يَدْعُوهُ وَلَا
يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْكُلَ مَعَنَا , فَقَالَ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ قَالَ
لِإِبْرَاهِيمَ: إِنِّي أُرِيدُ الْخُرُوجَ , قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: فَمَتَى
عَزَمْتَ؟ قَالَ: اللَّيْلَةَ , قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ فَذَهَبَ وَذَهَبَ
إِبْرَاهِيمُ مَعَهُ , قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَهُ
قِصَّةٌ , إِبْرَاهِيمُ لَا يَدْعُوهُ وَلَا يَأْكُلُ مَعَنَا , وَهُوَ مُقْبِلٌ
عَلَى هَذَا الْمِزْوَدِ , وَاللهِ لَأَفْتَحَنَّهُ فَأَنْظُرَ أَيَّ شَيْءٍ فِيهِ
, فَفَتَحْتُهُ , فَإِذَا فِيهِ عِظَامٌ , قَالَ: فَشَدَّهُ , وَجَاءَ الرَّجُلُ
فَأَخَذَ الْمِزْوَدَ وَأَنْكَرَ رِبَاطَهُ , قَالَ: فَنَظَرَ فِي وُجُوهِنَا
وَمَضَى , فَلَمَّا أَنْ ذَهَبَ قَالَ بَعْضُنَا لِإِبْرَاهِيمَ: يَا أَبَا
إِسْحَاقَ , هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ عِنْدَنَا مَا كَانَ أَعْجَبَ أَمَرَهُ
مَا كَانَ يَأْكُلُ مَعَنَا , وَمَا كُنْتَ تَدَعُوهُ , وَلَقَدْ ذَهَبَ فُلَانٌ
فَنَظَرَ فِي مِزْوَدِهِ فَإِذَا فِيهِ عِظَامٌ , قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُ
إِبْرَاهِيمَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ وَقَالَ: مَا أَحْسِبُكَ
تَصْحَبُنِي فِي سَفَرٍ بَعْدَ هَذَا , لِمَ نَظَرْتَ فِي مِزْوَدِهِ؟ ذَاكَ
رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ , وَأَخَانَا فِي اللهِ , فَلَيْسَ مِنْ بَلَدٍ أَدْخُلُهُ
إِلَّا جَاءَنَا فَكَانَ مَعِي فِيهِ يُؤْنِسُنِي وَيُعِينُنِي ثُمَّ يَنْصَرِفُ ,
قَالَ: فَمَاتَ الرَّجُلُ الَّذِي نَظَرَ فِي مِزْوَدِهِ بِالْمَدِينَةِ "([47]).
الجني المسلم يؤذي الانسي الكافر
والفاسق الذي يؤذي بفسقه!
فكما أن الانسي
المستقيم يتأذى بفجور الناس وفسقهم كذلك الجنيّ يتأذى بما يتأذون به وقد يلحقون
بمن يؤذيهم من الفساق الضرر حَكَى ابن عقيل عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ: كَانَ عِنْدَنَا
بِالظَّفَرِيَة دارٌ، كلَمَّا سكنهَا ناسٌ أَصْبَحُوا مَوْتَى، فَجَاءَ مرَّة رجلٌ
مُقْرِئ، فَاكترَاهَا، وَارتضَى بِهَا، فَبَاتَ بِهَا وَأَصْبَح سَالِماً، فَعجبَ
الجيرَانُ، وَأَقَامَ مُدَّةً، ثُمَّ انْتقل، فَسُئِلَ، فَقَالَ: لَمَّا بِتُّ
بِهَا، صَلَّيْتُ العشَاء، وَقَرَأْتُ شَيْئاً، وَإِذَا شَابّ قَدْ صَعِدَ مِنَ
البِئْر، فَسَلَّمَ عليَّ، فَبُهِتُّ، فَقَالَ: لاَ بَأْسَ عَلَيْك، عَلِّمنِي
شَيْئاً مِنَ القُرْآن، فَشرعتُ أُعَلِّمُه، ثُمَّ قُلْتُ: هَذِهِ الدَّار، كَيْفَ
حَدِيْثُهَا? قَالَ: نَحْنُ جِنٌّ مسلموْنَ، نَقرَأُ وَنُصلِي، وَهَذِهِ الدَّار
مَا يَكترِيهَا إلَّا الفُسَّاقُ، فَيَجْتَمِعُوْنَ عَلَى الخَمْر، فَنخنقهُم،
قُلْتُ: فَفِي اللَّيْلِ أَخَافُك، فَجِئ نَهَاراً، قَالَ: نَعَمْ، فَكَانَ
يَصْعَدُ مِنَ البِئْر فِي النَّهَار، وَأَلِفْتُه، فَبَيْنَمَا هُوَ يَقرَأُ،
إِذَا بِمعزم فِي الدَّرب يَقُوْلُ: المُرقِي مِنَ الدَّبِيْب، وَمِنَ العَينِ،
وَمِنَ الجِنِّ، فَقَالَ: أيشٍ هَذَا? قُلْتُ: مُعَزِّم، قَالَ: اطلبْه، فَقُمْتُ
وَأَدَخَلتُهُ، فَإِذَا بِالجنِّي قَدْ صَارَ ثُعبَاناً فِي السَّقف، فَعزَّمَ
الرَّجُل، فَمَا زَالَ الثُّعبَانُ يَتدلَى حَتَّى سقط فِي وَسط المَنْدَل،
فَقَامَ لِيَأْخذه وَيَضعَه فِي الزِّنْبِيل، فَمنعتُهُ، فَقَالَ: أَتَمنَعُنِي
مِنْ صيدي?! فَأَعْطيتُهُ دِيْنَاراً وَرَاح، فَانْتفض الثُّعبَان، وَخَرَجَ
الجِنِّي، وَقَدْ ضَعُفَ وَاصْفَرَّ وَذَاب، فَقُلْتُ: مَا لَكَ? قَالَ: قتلنِي
هَذَا بِهَذِهِ الأَسَامِي، وَمَا أَظننِي أُفْلِحُ، فاجعل بالك الليلة، متى سمعت
من البِئْر صُرَاخاً، فَانْهَزِمْ. قَالَ: فَسَمِعْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ
النّعِيَّ، فَانْهَزَمتُ. قَالَ ابن عقيل: وَامْتَنَعَ أَحَدٌ أن يسكن تلك الدار
بعدها)([48]).
الجني المسلم ينصح ويواسي أخيه الانسي!
وهذا قد يحدث
لبعض الناس ولا ريب في ذلك فإِنَّ أَبَا خَلِيفَةَ الْعَبْدِيَّ، قَالَ: «مَاتَ
ابْنٌ لِي صَغِيرٌ فَوَجَدْتُ عَلَيْهِ وَجْدًا شَدِيدًا فَارْتَفَعَ عَنِّي
النَّوْمُ فَوَاللَّهِ إِنِّي ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِي عَلَى سَرِيرِي وَلَيْسَ
فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ وَإِنِّي مُفَكِّرٌ فِي ابْنِي إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ
نَاحِيَةِ الْبَيْتِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ،
يَا أَبَا خَلِيفَةَ قُلْتَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ قَالَ:
وَرُعِبْتُ رُعْبًا شَدِيدًا قَالَ: فَتَعَوَّذَ ثُمَّ قَرَأَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ
آلِ عِمْرَانَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ
خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ﴾ [آل عمران: 198] ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا خَلِيفَةَ قُلْتُ:
لَبَّيْكَ قَالَ: مَاذَا تُرِيدُ؟ تُرِيدُ أَنْ تُخَصَّ بِالْحَيَاةِ فِي وَلَدِكَ
دُونَ النَّاسِ؟ أَنْتَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ أَمْ مُحَمَّدٌ (‘)؟ قَدْ مَاتَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ:» تَدْمَعُ
الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ «أَمْ
تُرِيدُ أَنْ يُرْفَعَ الْمَوْتُ عَنْ وَلَدِكَ؟ وَقَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى
جَمِيعِ الْخَلْقِ، أَمْ مَاذَا تُرِيدُ؟ تُرِيدُ أَنْ تَسْخَطَ عَلَى اللَّهِ فِي
تَدْبِيرِ خَلْقِهِ؟ وَاللَّهِ لَوْلَا الْمَوْتُ مَا وَسِعَتْهُمُ الْأَرْضُ
وَلَوْلَا الْأَسَى مَا انْتَفَعَ الْمَخْلُوقُونَ بِعَيْشٍ ثُمَّ قَالَ: أَلَكَ
حَاجَةٌ؟ قُلْتُ: مَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكُ اللَّهُ؟ قَالَ: امْرُؤٌ مِنْ جِيرَانِكَ
مِنَ الْجِنِّ»([49]).
و عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ، لِشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ: إِنِّي
لَأَظُنُّهُ كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ " بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ،
إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ، فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ إِنَّ
هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، أَوْ: لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَيَّ
الرَّجُلَ، فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ
اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مسلم، قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا
أَخْبَرْتَنِي، قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فَمَا
أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي
السُّوقِ، جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الفَزَعَ، فَقَالَتْ: أَلَمْ تَرَ الجِنَّ
وَإِبْلاَسَهَا؟ وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا، وَلُحُوقَهَا بِالقِلاَصِ،
وَأَحْلاَسِهَا، قَالَ: عُمَرُ صَدَقَ بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ، عِنْدَ
آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ، فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ، لَمْ
أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ
نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَوَثَبَ القَوْمُ،
قُلْتُ: لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، ثُمَّ نَادَى: يَا
جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،
فَقُمْتُ، فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ: هَذَا نَبِيٌّ "([50]).
الغالبية
العظمى من الناس يخشون الجنّ لأسباب كثيرة منها التهويل في أمرهم وتصويرهم على
أنهم وحوش ضارية بأشكال بشعة وهذا ظلم لهم والحقيقة أن الجنّ أيضا تهاب الناس
وخصوصا المؤمنين منهم بل إن الله وعد ووعده صدق أنه لن يسلط شيطانا على مؤمن قال
تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ
مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الحجر: 42].
وعَنْ
مُجَاهِدٍ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي، إِذْ قَامَ مِثْلُ الْغُلامِ ذَاتَ ليلةٍ،
فَشَدَدْتُ عَلَيْهِ لِآخُذَهُ، فَوَثَبَ، فَوَقَعَ خَلْفَ الْحَائِطِ، حَتَّى
سَمِعْتُ وَقْعَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُمْ يَهَابُونَكُمْ كَمَا تَهَابُونَهُمْ
مِنْ أَجْلِ مُلْكِ سُلَيْمَانَ([51]).
وعَنْ
مَخْرَمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (ƒ): "
أَيُّمَا رَجُلٍ مِنْكُمْ تَخَيَّلَ لَهُ الشَّيْطَانُ حَتَّى يَرَاهُ، فَلَا
يَصُدَّنَّ عَنْهُ وَلْيَمْضِ قُدُمًا فَإِنَّهُمْ مِنْكُمْ أَشَدُّ فَرَقًا
مِنْكُمْ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ إِنْ صَدَّ عَنْهُ رَكِبَهُ وَإِنْ مَضَى هَرَبَ
مِنْهُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: أَنَا ابْتُلِيتُ بِهِ حَتَّى رَأَيْتُهُ فَذَكَرْتُ
قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ (ƒ) فَمَضَيْتُ قُدُمًا فَهَرَبَ مِنِّي "([52]).
الجنّ يردّ الشياطين عن الانسيّ المسلم:
الجنّ المسلم
يحب أخيه الانسي المسلم ويدافع عنه ويرد عنه الأذى من غير أن يشعر بذلك الانسي
وأحيانا يشعر به كما وقع لكثير من المسلمين وهذا من رحمة الله بعباده فعَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ (ƒ)، قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خَيْبَرَ فَتَبِعَهُ
رَجُلَانِ وَرَجُلٌ يَتْلُوهُمَا يَقُولُ: ارْجِعَا حَتَّى أَدْرَكَهُمَا
فَرَدَّهُمَا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ شَيْطَانَانِ، فَاقْرَأْ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ (‘) السَّلَامَ، وَأَعْلِمْهُ أَنَّا فِي جَمْعِ
صَدَقَاتِنَا، لَوْ كَانَتْ تَصْلُحُ لَهُ لَبَعَثْنَا بِهَا إِلَيْهِ. قَالَ:
فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ (‘) حَدَّثَهُ
«فَنَهَى عِنْدَ ذَلِكَ عَنِ الْخَلْوَةِ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ البخاري
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "([53]).
الشياطين لا ينجو من شرها الا عباد الله
المؤمنين:
لما طرد إبليس
من رحمة الله أراد أن يضل ما استطاع من الجن والإنس بما أوتيه من المكر والحيل
والقوة الشيطانية والمعرفة التي تراكمت منذ الاف السنين فلم يمنعه ربنا ذلك ممن
يريد الضلالة ومنعه من التسلط على المؤمنين: قال تعال:﴿قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا
لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ
لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ
مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ
الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ
فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38)
قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ
وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصينَ (40)
قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ
عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ
جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر: 32 - 43].
وقال تعالى:﴿وَلَقَدْ
صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا
لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾ [سبأ: 20، 21]
مساكن الجنّ المسلمين بعيدة عن مساكن
الجنّ الكفار:
بطبيعة الحال
لا يحب المسلم ان يجاور الكافر لما يراه من المعاصي والكفر لذلك لطف الله بعباده
المؤمنين من الجن فعزل أماكنهم عن أماكن الجنّ الكفار فعَنْ بِلَالِ بْنِ
الْحَارِثِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ (‘) فِي بَعْضِ
أَسْفَارِهِ، فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ وَكَانَ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ يُبْعِدُ،
فَأَتَيْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَانْطَلَقَ، فَسَمِعْتُ عِنْدَهُ خُصُومَةَ
رِجَالٍ، وَلَغَطًا لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهَا، فَجَاءَ، فَقَالَ: «بِلَالُ»
فَقُلْتُ: بِلَالُ، قَالَ: «أَمَعَكَ مَاءٌ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «أَصَبْتَ»
فَأَخَذَهُ مِنِّي فَتَوَضَّأَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، سَمِعْتُ عِنْدَكَ
خُصُومَةَ رِجَالٍ وَلَغَطًا مَا سَمِعْتُ أَحَدَّ مِنْ أَلْسِنَتِهِمْ، قَالَ:
«اخْتَصَمَ عِنْدِي الْجِنُّ الْمسلمونَ وَالْجِنُّ الْمُشْرِكُونَ، سَأَلُونِي
أَنْ أُسْكِنَهُمْ فَأَسْكَنْتُ الْمسلمينَ الْجَلَسَ، وَأَسْكَنْتُ
الْمُشْرِكِينَ الْغَوْرَ» قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ كَثِيرٍ: قُلْتُ لَكَثِيرٍ:
مَا الْجَلَسُ، وَمَا الْغَوْرُ؟ قَالَ: «الْجَلَسُ الْقُرَى وَالْجِبَالُ،
وَالْغَوْرُ مَا بَيْنَ الْجِبَالِ وَالْبِحَارِ» قَالَ كَثِيرٌ: «مَا رَأَيْنَا
أَحَدًا أُصِيبَ بِالْجَلَسِ إِلَّا سَلِمَ، وَلَا أُصِيبَ أَحَدٌ بِالْغَوْرِ
إِلَّا لَمْ يَكَدْ يَسْلَمُ»([54]).
في البيوت عمّار
من الجن وهناك بيوت يسكنها جن مسلم وبعضها يسكنها جن كافر عَنْ سَالِمٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ (ƒ)، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ (‘) يَخْطُبُ
عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: «اقْتُلُوا الحَيَّاتِ، وَاقْتُلُوا ذَا
الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرَ، فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ البَصَرَ،
وَيَسْتَسْقِطَانِ الحَبَلَ».
قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ: فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً لِأَقْتُلَهَا، فَنَادَانِي أَبُو
لُبَابَةَ: لاَ تَقْتُلْهَا، فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (‘) قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ الحَيَّاتِ قَالَ: إِنَّهُ نَهَى
بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ البُيُوتِ، وَهِيَ العَوَامِرُ"([55]).
وقال عُبَيْدُ
بْنُ السَّائِبِ: سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: «مَا
مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْمسلمينَ إِلَّا وَفِي سَقْفِ بَيْتِهِمْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ
الْجِنِّ مِنَ الْمسلمينَ، إِذَا وُضِعَ غَدَاؤُهُمْ نَزَلُوا يَتَغَدُّونَ
مَعَهُمْ، وَإِذَا وُضِعَ عَشَاؤُهُمْ نَزَلُوا فَيَتَعَشُّونَ مَعَهُمْ»([56]).
دخل أَبُو
السَّائِبِ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي
بَيْتِهِ، قَالَ: فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى يَقْضِيَ
صَلَاتَهُ، فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا فِي عَرَاجِينَ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ،
فَالْتَفَتُّ فَإِذَا حَيَّةٌ فَوَثَبْتُ لِأَقْتُلَهَا، فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنِ
اجْلِسْ فَجَلَسْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ،
فَقَالَ: أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: كَانَ فِيهِ فَتًى
مِنَّا حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قَالَ: فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ (‘) إِلَى الْخَنْدَقِ فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى
يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللهِ (‘) بِأَنْصَافِ
النَّهَارِ فَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللهِ (‘) خُذْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ
قُرَيْظَةَ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ سِلَاحَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَإِذَا امْرَأَتُهُ
بَيْنَ الْبَابَيْنِ قَائِمَةً فَأَهْوَى إِلَيْهَا الرُّمْحَ لِيَطْعُنَهَا بِهِ
وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ، فَقَالَتْ لَهُ: اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ وَادْخُلِ
الْبَيْتَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا الَّذِي أَخْرَجَنِي، فَدَخَلَ فَإِذَا بِحَيَّةٍ
عَظِيمَةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ
فَانْتَظَمَهَا بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَزَهُ فِي الدَّارِ فَاضْطَرَبَتْ
عَلَيْهِ، فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الْحَيَّةُ أَمِ
الْفَتَى، قَالَ: فَجِئْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ (‘)، فَذَكَرْنَا
ذَلِكَ لَهُ وَقُلْنَا ادْعُ اللهَ يُحْيِيهِ لَنَا فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا
لِصَاحِبِكُمْ» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا،
فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ
بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ»([57]).
وعوامر البيوت
لا يجوز أذاها والتعرض لها فضلا عن قتلها فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ،
" أَنَّهَا قَتَلَتْ جَانًّا، فَأُتِيَتْ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ فَقِيلَ
لَهَا: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ قَتَلْتِ مسلما، قَالَتْ: فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ
أَزْوَاجُ النَّبِيِّ (‘)، فَقِيلَ لَهَا: مَا تَدْخُلُ عَلَيْكَ إِلَّا
وَعَلَيْكَ ثِيَابُكَ، فَأَصْبَحَتْ فَزِعَةً وَأَمَرَتْ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ "([58]).
تشكّل الشيطان على شكل إنسي بقصد النصح
ليروج الباطل:
يستخدم الشيطان
جميع الوسائل لترويج الباطل والقضاء على الحق وأهله والتضييق عليهم وتأجيج الفتن
بين الناس وأحيانا يتشكل على هيئة رجل صاحب رأي وحكمة ليضل الناس كما حدث ذلك
عندما اجتمع كفار قريش لقتل النبي (‘) قَالَ
مَعْمَرٌ: قَالَ قَتَادَةُ: دَخَلُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ يَأْتَمِرُونَ
بِالنَّبِيِّ (‘) فَقَالُوا: لَا يَدْخُلْ مَعَكُمْ أَحَدٌ لَيْسَ
مِنْكُمْ فَدَخَلَ مَعَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا عَيْنٌ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ
أَهْلِ نَجْدٍ قَالَ: فَتَشَاوَرُوا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَرَى أَنْ تُرْكِبُوهُ
بَعِيرًا ثُمَّ تُخْرِجُوهُ فَقَالَ الشَّيْطَانُ: بِئْسَ مَا رَأَى هَذَا، هُوَ
هَذَا قَدْ كَانَ يُفْسِدُ مَا بَيْنَكُمْ وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَكَيْفَ
إِذَا أَخَرَجْتُمُوهُ فَأَفْسَدَ النَّاسَ، ثُمَّ حَمَلَهُمْ عَلَيْكُمْ
يُقَاتِلُوكُمْ فَقَالُوا: نِعْمَ مَا رَأْيُ هَذَا الشَّيْخُ، فَقَالَ قَائِلٌ
آخَرَ: فَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلُوهُ فِي بَيْتٍ وَتُطَيِّنُوا عَلَيْهِ
بَابَهُ وَتَدَعُوهُ فِيهِ حَتَّى يَمُوتَ، فَقَالَ الشَّيْطَانُ: بِئْسَ مَا
رَأَى هَذَا، أَفَتَرَى قَوْمَهُ يَتْرُكُونَهُ فِيهِ أَبَدًا لَابُدَّ أَنْ
يَغْضَبُوا لَهُ فَيُخْرِجُوهُ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَرَى أَنْ تُخْرِجُوا مِنْ
كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلًا ثُمَّ يَأْخُذُوا أَسْيَافَهُمْ فَيَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةً
وَاحِدَةً فَلَا يَدْرِي مَنْ قَتَلَهُ فَتَدُونَهُ فَقَالَ الشَّيْطَانُ: نِعْمَ
مَا رَأَى هَذَا.."([59]).
وكما جاء يوم
بدر يحرضهم على قتال النبي (‘) عن ابن عباس،
قال: جاء إبليس يوم بدر في جُنْد من الشياطين، معه رايته، في صورة رجل من بني
مُدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان للمشركين: (لا غالب
لكم اليوم من الناس وإني جار لكم) . فلما اصطف الناس، أخذ رسول الله (‘) قبضةً من التراب فرمى بها في وجوه المشركين، فولَّوا
مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه، وكانت يده في يد رجل من المشركين،
انتزع. إبليس يده فولَّى مدبرًا هو وشيعته، فقال الرجل: يا سراقة، تزعم أنك لنا
جار؟ قال: (إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب) ، وذلك حين رأى
الملائكة([60]).
من رحمة الله
بعباده المؤمنين وحفاظا على عباداتهم من أن يعبث بها الشيطان في رمضان حبس لهم
الشياطين ليتمتعوا بحسن طاعتهم لله قال أَبو هُرَيْرَةَ (¢): قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ (‘): «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ
السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ»([61]).
يُمسخ الجانّ كما يُمسخ بني آدم:
ومسخ الجانّ
يكون الى الحيات كما جاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ (‘) قَالَ: «الْحَيَّاتُ مِنْ مَسْخِ الْجَانِّ كَمَا
مُسِخَتِ الْخَنَازِيرُ وَالْقِرَدَةُ»([62]).
تألم الجنّ المسلم وبكاءهم على موت
الصالحين:
الجنّ خلق
كبقية خلق الله من الانس لهم مشاعر تحرك قلوبهم فيضحكون ويبكون ويفرحون ويحزنون
وهذا ما حصل كما جاءت به الروايات وأثبته الواقع لبعض الناس فهم حزنوا وناحوا لموت
عمر الفاروق (¢) فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ:
نَاحَتِ الْجِنُّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (¢) فَوَصَفَ
ذَلِكَ فَقَالَ:
[البحر الطويل]
عَلَيْكَ
سَلَّامُ اللَّهِ مِنْ أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ ... يَدُ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْأَدِيمِ
الْمُمَزَّقِ
قَضَيْتَ
أُمُورًا ثُمَّ غَادَرْتَ بَعْدَهَا ... نَوَائِحَ فِي أَكْمَامِهَا لَمْ
تُفَتَّقِ
فَمَنْ يَسْعَ
أَوْ يَرْكَبْ جَنَاحَيْ نَعَامَةٍ ... لَيُدْرِكَ مَا قَدَّمْتُ بِالْأَمْسِ
يُسْبَقِ
أَبَعْدَ
قَتِيلٍ بِالْمَدِينَةِ أَظْلَمَتْ ... لَهُ الْأَرْضُ تَهْتَزُّ الْغَضَاةُ
بِأَسْوَقِ([63])
وكذلك ناحوا
على حفيد رسول الله (‘) الحسين ريحانته وحبّه لما قتله المجرمون في فاجعة أدمت
قلوب المؤمنين على مرّ العصور فعَنْ يَحْيَى الهمداني قَالَ: " خَرَجْتُ فِي
لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ مِنْ مَنْزِلِي لِقَضَاءِ حَاجَةٍ فِي الْجَبَّانَةِ ,
فَإِذَا بِنِسَاءٍ عَلَيْهِنَّ ثِيَابٌ بِيضٌ , وَبِأَيْدِيهِنَّ عَمَائِمُ
وَهُنَّ يَبْكِينَ وَيَنُحْنَ قَالَ: فَحَفِظْتُ مِنْ قَوْلِهِنَّ: يَا عَيْنُ
جُودِي وَلَا تَجْمُدِي، عَلَى الْهَالِكِ السَّيِّدِي، بِالشَّامِ أَمْسَى
صَرِيعًا، فَقَدْ رَذِيَ الْغَدَاةَ بِأَمْرٍ بَدَا، قَالَ: ثُمَّ ذَهَبْنَ فَمَا
رَأَيْتُهُنَّ، قَالَ: فَأَتَيْتُ مَنْزِلِي فَأَيْقَظْتُ أَهْلِي , ثُمَّ
دَعَوْتُ بِلَوْحٍ فَكَتَبْتُ هَذِهِ الآبياتَ فِيهِ لِئَلَّا أَنْسَاهَا ,
فَلَمَّا أَصْبَحْتُ حَدَّثْتُ بِهَا قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَقَمْتُ إِلَّا
تِسْعَةَ أَيَّامٍ حَتَّى جَاءَ نَعْي الْحُسَيْنِ (¢) "([64]).
وعَنْ أَبِي
جَنَابٍ، قَالَ: " سُمِعَ مِنَ الْجِنِّ يَبْكُونَ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (¢):
[البحر الكامل]
مَسَحَ
الرَّسُولُ جَبِينَهُ ... فَلَهُ بَرِيقٌ فِي الْخُدُودِ
أَبَوَاهُ مِنْ
عُلْيَا قُرَيْشٍ ... جَدُّهُ خَيْرُ الْجُدُودِ "([65]).
قتال عمار
(¢) للجن!
ليس الجن وحدهم
يصرعون الانس بل يوجد من الانس من يصرع الجن ويؤذونهم كذلك فهذا حصل أولا مع نبينا (‘) لما هجم عليه الشيطان فأمسكه ثم أطلقه فعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ (‘): «إِنَّ
عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ تَفَلَّتَ البَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلاَتِي،
فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَأَخَذْتُهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ عَلَى
سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ،
فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي
لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا» ﴿عِفْرِيتٌ﴾ [النمل: 39]
مُتَمَرِّدٌ مِنْ إِنْسٍ أَوْ جَانٍّ، مِثْلُ زِبْنِيَةٍ جَمَاعَتُهَا
الزَّبَانِيَةُ "([66]).
وعَنْ عَلِيٍّ (¢) قَالَ: قَالَ: " وَاللَّهِ لَقَدْ قَاتَلَ
عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (‘) الْجِنَّ
وَالْإِنْسَ فَقُلْنَا هَذَا الْإِنْسُ قَدْ قَاتَلَ فَكَيْفَ الْجِنُّ؟ قَالَ:
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ (‘) فِي سَفَرٍ، فَقَالَ لِعَمَّارٍ انْطَلِقْ فَاسْتَقِ
لَنَا مِنَ الْمَاءِ فَانْطَلَقَ فَعَرَضَ لَهُ شَيْطَانٌ فِي صُورَةِ عَبْدٍ
أَسْوَدَ فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ قَاعِدًا فَصَرَعَهُ عَمَّارٌ،
فَقَالَ لَهُ: دَعْنِي وَأُخَلِّي بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْمَاءِ، فَفَعَلَ، ثُمَّ
أَبَى فَأَخَذَهُ عَمَّارٌ الثَّانِيَةَ فَصَرَعَهُ، فَقَالَ: دَعْنِي وَأُخَلِّي
بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْمَاءِ، فَفَعَلَ، ثُمَّ أَبَى فَأخَذَهُ عَمَّارٌ
الثَّالِثَةَ فَصَرَعَهُ، فَقَالَ: دَعْنِي وَأُخَلِّي بَيْنَكَ وَبَيْنَ
الْمَاءِ، فَتَرَكَهُ فَأَبَى فَصَرَعَهُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَتَرَكَهُ
فَوَفَّى لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (‘): «إِنَّ
الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنَ عَمَّارٍ وَبَيْنَ الْمَاءِ فِي صُورَةِ عَبْدٍ
أَسْوَدَ وَإِنَّ اللَّهَ (¸) أَظْفَرَ عَمَّارًا بِهِ» ، قَالَ عَلِيٌّ (¢): فَتَلَقَّيْنَا عَمَّارًا (¢) نَقُولُ:
ظَفِرَتْ يَدُكَ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (‘): كَذَا وكَذَا، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شَعَرْتُ
أَنَّهُ شَيْطَانٌ لَقَتَلْتُهُ وَلَكِنْ كُنْتُ هَمَمْتُ أَنْ أَعَضَّ بِأَنْفِهِ
لَوْلَا نَتَنُ رِيحِهِ"([67]).
ممكن للإنسي أن
يقدم النصح للجني اذا أمكن ذلك وعرف أنه ممكن أن يقدم على خطر لا يعلمه كما جاء عَنْ
طَلْقٍ قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبَّاسٍ (ƒ) وَهُوَ
جَالِسٌ عِنْدَ زَمْزَمَ إِذْ أَقْبَلَتْ حَيَّةٌ ذَاتُ طُفْيَتَيْنِ وَطَافَتْ
حَوْلَ الْبَيْتِ سُبُوعًا، ثُمَّ أَتَتِ الْمَقَامَ فَصَلَّتْ رَكْعَتَيْنِ
فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ (ƒ) أَنَّ اللَّهَ (¸) قَدْ قَضَى نُسُكَكِ، وَإِنَّ لَنَا أَعْبُدًا لَا
نَأمَنُهُمْ عَلَيْكِ قَالَ: فَتَلَوَّنَتْ، ثُمَّ طَعَنَتْ فِي السَّمَاءِ "([68]).
عَنْ
إِبْرَاهِيمَ قَالَ: " خَرَجَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ (¢) يُرِيدُونَ الْحَجَّ حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي بَعْضِ
الطَّرِيقِ إِذَا هُمْ بِحَيَّةٍ تَتَثَنَّى عَلَى الطَّرِيقِ أَبْيَضَ يُنْفَخُ
مِنْهُ رِيحُ الْمِسْكِ، فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي: امْضُوا فَلَسْتُ بِبَارِحٍ
حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُ هَذِهِ الْحَيَّةِ قَالَ: فَمَا لَبِثَتْ
أَنْ مَاتَتْ فَعَمَدْتُ إِلَى خِرْقَةٍ بَيْضَاءَ فَلَفَفْتُهَا فِيهَا، ثُمَّ
نَحَيَّتُهَا عَنِ الطَّرِيقِ فَدَفَنْتُهَا وَأَدْرَكْتُ أَصْحَابِي فِي
الْمُتَعَشَّى، قَالَ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَقُعُودٌ إِذْ أَقْبَلَ أَرْبَعُ
نِسْوَةٍ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ: أَيُّكُمْ
دَفَنَ عَمْرًا؟ قُلْنَا: وَمَنْ عَمْرٌو؟ قَالَتْ: أَيُّكُمْ دَفَنَ الْحَيَّةَ؟
قَالَ: قُلْتُ: أَنَا، قَالَتْ: أَمَا وَاللَّهُ لَقَدْ دَفَنْتَهُ صَوَّامًا
قَوَّامًا يَأْمُرُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ (¸) وَلَقَدْ
آمَنَ بِنَبِيِّكُمْ (‘) وَسَمِعَ صِفَتَهُ فِي السَّمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ
بِأَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ، قَالَ الرَّجُلُ: فَحَمِدْنَا اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ
قَضَيْنَا حَجَّنَا، ثُمَّ مَرَرْتُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (¢) بِالْمَدِينَةِ فَأَنْبَأْتُهُ بِأَمْرِ الْحَيَّةِ،
فَقَالَ: صَدَقَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (‘) يَقُولُ:
«لَقَدْ آمَنَ بِي قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ بِأَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ»([69]). كأنّ النسوة جئن يشكرن هؤلاء على دفن صاحبهن من الجنّ
وهذا أمر وارد.
كرامة الشهيد تكون للجنّي كما تكون للإنسي:
بما أن الجنّ
مكلفون فمؤمنهم من الشهداء يناله ما يناله شهيد الانس من الكرامات من رائحة المسك
التي تبدو على بعضهم فعَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ (¢)، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: " أَلَا
أُحَدِّثُكُمْ بِشَيْءٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: بَيْنَا
أَنَا بِفَلَاةِ كَذَا إِذَا عَصَاوَانِ قَدْ أَقْبَلَتَا فَالْتَقَتَا
فَاعْتَرَكَتَا، ثُمَّ تَفَرَّقَتَا قَالَ: فَذَهَبْتُ حَتَّى جِئْتُ
مُعْتَرَكَهُمَا، فَإِذَا مِنَ الْحَيَّاتِ شَيْءٌ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ قَطُّ
وَإِذَا رِيحُ الْمِسْكِ مِنْ بَعْضِهَا فَجَعَلْتُ أُقَلِّبُ الْحَيَّاتِ مِنْ
أَيِّهَا تِلْكَ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ؟ وَإِذَا ذَلِكَ مِنْ حَيَّةٍ صَفْرَاءَ
دَقِيقَةٍ فَظَنَنْتُ أَنَّ ذَاكَ لِخَيْرٍ فِيهَا فَأَخَذْتُهَا فَلَفَفْتُهَا
فِي عِمَامَتِي ثُمَّ دَفَنْتُهَا فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ نَادَانِي
مُنَادٍ، فَقَالَ: إِنَّكَ قَدْ هُدِيتَ هَذَانِ حَيَّانِ مِنَ الْجِنِّ
الْتَقَوْا فَاسْتُشْهِدَ الَّذِي أَخَذْتَ وَكَانَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا
الْوَحْيَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (‘) "([70]).
القيادة
الشيطانية تتمركز على الماء في مكان بعيد من الناس في أحدى المحيطات ومنها يبعث
سراياه من الشياطين ليضلوا الناس ويفسدوا في الأرض ولا يعني هذا أن إبليس لا يتحرك
من مكانه بل إنه يخرج من مقر قيادته ويأتي إذا تطلب الأمر كما حضر يوم بدر وغير ذلك
فعَنْ جَابِرٍ (¢)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (‘): " إِنَّ
إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ،
فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ
فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ
يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ " قَالَ
الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: «فَيَلْتَزِمُهُ»([71])
قَالَ أَبُو
بكر بن مُحَمَّد سَمِعت سعيد ابْن سُلَيْمَان يحدث عَن الْمُبَارك بن فضَالة عَن
الْحسن قَالَ كَانَت شَجَرَة تعبد من دون الله فجَاء إِنْسَان إِلَيْهَا فَقَالَ
لأقطعن هَذِه الشحرة فجَاء ليقطعها غَضبا لله فَلَقِيَهُ الشَّيْطَان فِي صُورَة
إِنْسَان فَقَالَ مَا تُرِيدُ قَالَ أُرِيد أَن أقطع هَذِه الَّتِي تعبد من دون
الله قَالَ إِذا أَنْت لم تعبدها فَمَا يَضرك من عَبدهَا قَالَ لأقطعنها فَقَالَ
لَهُ الشَّيْطَان هَل لَك فِيمَا هُوَ خير لَك لَا تقطعها وَلَك دِينَارَانِ كل
يَوْم إِذا أَصبَحت عِنْد وِسَادَتك قَالَ فَمن لي بذلك قَالَ أَنا لَك فَرجع
فَأصْبح فَوجدَ دينارين عِنْد وسادته ثمَّ أصبح فَلم يجد شَيْئا فَقَامَ غَضبا
ليقطعها فتمثل لَهُ الشَّيْطَان فِي صورته فَقَالَ مَا تُرِيدُ قَالَ أُرِيد قطع
هَذِه الشَّجَرَة الَّتِي تعبد من دون الله قَالَ كذبت مَا لَك إِلَى ذَلِك سَبِيل
فَذهب ليقطعها فَضرب بِهِ الأَرْض وخنقه حَتَّى كَاد يقْتله قَالَ أَتَدْرِي من
أَنا أَنا الشَّيْطَان جِئْت أول مرّة غَضبا لله فَلم يكن لي سَبِيل فخدعتك
بِالدِّينَارَيْنِ فتركتها فَلَمَّا جِئْت غَضبا للدينارين سلطت عَلَيْك"([72]).
لا يصل الشيطان
الى القلوب العامرة بذكر الله والمحصنّة بآياته الشرعية وما ورد عن نبيه (‘) لذلك سأورد جملة من المحصنات ليعم النفع بها:
ü
الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم قال تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ
مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾
[المؤمنون: 97، 98].
ü
قراءة آية الكرسي صباحا ومساء وعند النوم عن يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أُبَيٍّ أَنَّ أَبَاهُ، أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ
جُرْنٌ فِيهِ تَمْرٌ، وَكَانَ أُبَيٌّ يَتَعَاهَدُهُ فَوَجَدَهُ يَنْقُصُ،
فَحَرَسَهُ فَإِذَا هُوَ بِدَابَّةٍ تُشْبِهُ الْغُلَامَ الْمُحْتَلِمَ، قَالَ:
فَسَلَّمَتْ فَرَدَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ، أَجِنٌّ أَمْ إِنْسٌ؟
قَالَ: جِنٌّ، قَالَ: فَنَاوِلْنِي يَدَكَ، فَنَاوَلَنِي يَدَهُ، فَإِذَا يَدُ
كَلْبٍ وَشَعْرُ كَلْبٍ، قَالَ: هَكَذَا خَلْقُ الْجِنِّ، قَالَ: لَقَدْ عَلِمْتَ
الْجِنَّ، مَا فِيهِمْ أَشَدُّ مِنِّي، قَالَ لَهُ أُبَيٌّ: مَا حَمَلَكَ عَلَى
مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّكَ رَجُلٌ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ فَأَحْبَبْنَا
أَنْ نُصِيبَ مِنْ طَعَامِكَ، قَالَ أُبَيٌّ: فَمَا الَّذِي يُجِيرُنَا مِنْكُمْ؟
قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ آيَةُ الْكُرْسِيِّ، ثُمَّ غَدَا أُبَيٌّ إِلَى النَّبِيِّ (‘) فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ (‘): «صَدَقَ الْخَبِيثُ»([73]).
وعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ (¢)، قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ (‘) بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ
يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ، وَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ (‘)، قَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلِي
حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، قَالَ: فَخَلَّيْتُ عَنْهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ (‘): «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ
البَارِحَةَ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً،
وَعِيَالًا، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ
كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ»، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ (‘) إِنَّهُ سَيَعُودُ، فَرَصَدْتُهُ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ
الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (‘)، قَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ،
لاَ أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي
رَسُولُ اللَّهِ (‘): «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ»،
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً، وَعِيَالًا، فَرَحِمْتُهُ،
فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ»،
فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ،
فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ،
أَنَّكَ تَزْعُمُ لاَ تَعُودُ، ثُمَّ تَعُودُ قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ
كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ
إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ: ﴿اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ
الحَيُّ القَيُّومُ﴾ [البقرة: 255]، حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ
يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى
تُصْبِحَ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ (‘): «مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ»، قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ
بِهَا، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: «مَا هِيَ»، قُلْتُ: قَالَ لِي: إِذَا
أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى
تَخْتِمَ الآيَةَ: ﴿اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ﴾ [البقرة:
255]، وَقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبَكَ
شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ - وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الخَيْرِ - فَقَالَ
النَّبِيُّ (‘): «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ،
تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ»، قَالَ:
لاَ، قَالَ: «ذَاكَ شَيْطَانٌ»([74]).
وعَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ قَالَ: خَرَجَ ابْنُ ثَابِتٍ (¢) لَيْلًا إِلَى
حَائِطٍ لَهُ فَسَمِعَ فِيهِ جَلَبَةً، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ رَجُلٌ مِنَ
الْجَانِّ: أَصَابَتْنَا السَّنَةُ فَأَرَدْتُ أَنْ أُصِيبَ مِنْ ثِمَارِكُمْ
فَطَيِّبُوهُ لَنَا قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ خَرَجَ لَيْلَةً أُخْرَى فَسَمِعَ
أَيْضًا جَلَبَةً، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْجَانِّ: أَصَابَتْنَا
السَّنَةُ فَأَرَدْنَا أَنْ نَصِيبَ مِنْ ثِمَارِكُمْ هَذِهِ فَطَيِّبُوهُ لَنَا
قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ، قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ (¢): أَلَا
تُخْبِرُنَا بِالَّذِي يُجِيرُنَا وَيُعْيذُنَا مِنْكُمْ؟ قَالَ: آيَةُ
الْكُرْسِيِّ "([75])
ü
قراءة سورة البقرة فإنها المدمرة للسحر والعين والشياطين عَنْ عَبْدِ اللهِ
بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (‘): «لَا
أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ يَضَعُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، يَتَغَنَّى
وَيَدَعُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ يَقْرَؤُهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفُرُ مِنَ
الْبَيْتِ تُقْرَأُ فِيهِ الْبَقَرَةُ، وَإِنَّ أَصْفَرَ الْبُيُوتِ الْجَوْفُ
الصِّفْرُ مِنْ كِتَابِ اللهِ (¸)»([76]).
ü
قراءة خواتيم سورة البقرة عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الجَرْمِيِّ، عَنْ
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ (‘) قَالَ: «إِنَّ
اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ
بِأَلْفَيْ عَامٍ، أَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ،
وَلَا يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ»([77]).
ü
قراءة سورة يس فإنها تعصم بإذن الله من شرهم روى أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الدَّبَّاغُ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَلَكَ
طَرِيقًا فِيهِ غُولٌ وَقَدْ كَانَ نُهِيَ أَنْ يَسْلُكَ ذَلِكَ الطَّرِيقَ قَالَ:
" فَسَلَكْتُهَا فَإِذَا امْرَأَةٌ عَلَيْهَا ثِيَابٌ مُعَصْفَرَةٌ عَلَى
سَرِيرٍ وَقَنَادِيلَ وَهِيَ تَدْعُونِي، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ أَخَذْتُ فِي
قِرَاءَةِ يس فَطُفِئَتْ قَنَادِيلُهَا وَهِيَ تَقُولُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، مَا
صَنَعْتَ بِي؟ فَسَلِمْتُ مِنْهَا، قَالَ الْمُقْرِئُ: «فَلَا يُصِيبُكُمْ شَيْءٌ
مِنْ خَوْفٍ أَوْ مُطَالَبَةٍ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ عَدُوٍّ إِلَّا قَرَأْتُمْ يس
فَإِنَّهُ يُدْفَعُ عَنْكُمْ بِهَا»([78]).
ü
قراءة بعض آيات من سورة آل عمران فعن عَلِيَّ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ
قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ جَدِّي يَقُولُ: قَالَ حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ: "
خَرَجْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ أُرِيدُ الْكُوفَةَ فَآوَانِي اللَّيْلُ إِلَى خَرِبَةٍ،
فَدَخَلْتُهَا فَبَيْنَا أَنَا فِيهَا إِذْ دَخَلَ عَلَيَّ عِفْرِيتَانِ مِنَ
الْجِنِّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: هَذَا حَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ
الزَّيَّاتُ الَّذِي غَرَّ النَّاسَ بِالْكُوفَةِ قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ
لَأَقْتُلَنَّهُ فَلَمَّا أَزْمَعَ عَلَى قَتْلِي، قُلْتُ: بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ﴿وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [الأنبياء:
56] ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: دُونَكَ الْآنَ فَاحْفَظْهُ رَاغِمًا إِلَى
الصَّبَاحِ "([79]).
ü
قول بسم الله على كل شيء قال صَفْوَان بْن سُلَيْمٍ (¬) تَعَالَى: الْجِنُّ يَسْتَمْتِعُونَ بِمَتَاعِ
الْإِنْسِ، وَثِيَابِهِمْ فَمَنْ أَخَذَ مِنْكُمْ ثَوْبًا أَوْ وَضَعَهُ،
فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ فَإِنَّ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى طَابَعٌ "([80]).
وعَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ (‘) يَقُولُ:
" إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ
وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ،
وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ:
أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ:
أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ "([81]).
ü
لا بأس بقول مثل هذا الدعاء اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَمَا
أَظَلَّتْ، وَرَبَّ الْأَرَضِينَ وَمَا أَقَلَّتْ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا
ذَرَتْ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضَلَّتْ، أَنْتَ الْمَنَّانُ، بَدِيعُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ تَأْخُذُ لِلْمَظْلُومِ
مِنَ الظَّالِمِ حَقَّهُ خُذْ لِي حَقِّي مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ ظَلَمَنِي فعَنِ
ابْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: رَجُلَانِ مِنْ أَشْجَعَ أَتَيَا عَرُوسًا
لَهُمَا حَتَّى إِذَا كَانَا مِنْ نَاحِيَةٍ إِذَا بِامْرَأَةٍ، فَقَالَتْ: مَا
تُرِيدُونَ؟ قَالَا عَرُوسًا لَنَا نُجَهِّزُهَا، قَالَتْ: إِنَّ لِي بِذَلِكَ
عِلْمًا بِأَمْرِهَا كُلِّهِ فَإِذَا فَرَغْتُمَا فَمُرَّا عَلَيَّ فَلَمَّا
فَرَغَا مَرَّا عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي مُتَّبِعَتُكُمَا فَحَمَلَاهَا عَلَى
أَحَدِ بَعِيرَيْهِمَا وَجَعلًا يَعْتَقِبَانِ حَتَّى إِذَا أَتَوْا كُثْبًا مِنْ
رَمْلٍ، قَالَتْ: إِنَّ لِي حَاجَةً فَأَنَاخَا لَهَا فَانْتَظَرَاهَا سَاعَةً
وَأَبْطَأَتْ فَذَهَبَ أَحَدُهُمَا فِي أَثَرِهَا فَأَبْطَأَ فَخَرَجْتُ
أَنْظُرُهُمَا فَإِذَا أَنَا بِهَا عَلَى بَطْنِهِ تَأكُلُ كَبِدَهُ، فَلَمَّا
رَأَيْتُ رَجَعْتُ فَرَكِبْتُ فَأَخَذْتُ الطَّرِيقَ وَأَسْرَعْتُ فَاعْتَرَضَتْنِي
فَقَالَتْ لَقَدْ أَسْرَعْتَ قَالَ: رَأَيْتُكِ أَبْطَاتِ قَالَ: فَرَأَتْنِي
أَنْقَبِضُ، فَقَالَتْ: مَا لَكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ بَيْنَ أَيْدِينَا شَيْطَانًا
ظَالِمًا جَائِرًا قَالَتْ: أَفَلَا أُخْبِرُكَ بِدُعَاءٍ إِنْ أَنْتَ دَعَوْتَ
بِهِ عَلَيْهِ أَهْلَكْتَهُ وَأَخَذَ لَكَ حَقَّكَ مِنْهُ قُلْتُ: مَا هُوَ؟
قَالَتْ: قُلُ اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَمَا أَظَلَّتْ، وَرَبَّ
الْأَرَضِينَ وَمَا أَقَلَّتْ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَتْ، وَرَبَّ
الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضَلَّتْ، أَنْتَ الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ، ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ تَأْخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ
الظَّالِمِ حَقَّهُ خُذْ لِي حَقِّي مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ ظَلَمَنِي فَقُلْتُ:
رُدِّيهَا عَلَيَّ، فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُ فَقُلْتُهَا، وَقُلْتُ: اللَّهُمَّ
إِنَّهَا ظَلَمَتْنِي وَأَكَلَتْ أَخِي فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فِي
سَوْأَتِهَا فَشَقَّتْهَا اثْنَتَيْنِ فَوَقَعَتْ شِقَّةٌ مِنْ هَاهُنَا وَشِقَّةٌ
هَاهُنَا هِيَ السَّعَلَا مِنَ الْجِنِّ الَّذِينَ يَأَكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ
"([82]).
ü
إدخال الصبيان الى البيوت اذا غربت الشمس وغلق الأبواب مع التسمية فعن
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ (ƒ)، قال: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ (‘): «إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ، أَوْ أَمْسَيْتُمْ،
فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا
ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ، فَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ
وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا،
وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ
وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا،
وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ»([83]).
ü
رفع الأذان ولو بغير وقت الصلاة فإنه يطرد الشياطين وتنزل به السكينة فعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (‘) قَالَ: "
إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ
يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ
بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ، حَتَّى
يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا،
لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى
"([84]).
وعَنْ أُسَيْرِ
بْنِ عَمْرٍو قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عُمَرَ، الْغِيلَانُ فَقَالَ: «إِنَّهُ لَا
يَتَحَوَّلُ شَيْءٌ عَنْ خَلْقِهِ الَّذِي خُلِقَ لَهُ، وَلَكِنْ فِيهِمْ سَحَرَةٌ
مِنْ سَحَرَتِكُمْ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأَذِّنُوا»([85]).
ü
من نزل منزلا سواء اشترى بيتا او أجره أو ذهب في نزهة فنزل في مكان فقال الوارد
في ذلك لم يضره الشيطان، قالت خَوْلَة بِنْت حَكِيمٍ السُّلَمِيَّة، سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ (‘) يَقُولُ: " مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ:
أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ
شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ "([86]).
ü
يقول في يومه لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو
على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة فلا يقربنه شيطان ولا يمكن أن يضره عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ (¢)، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (‘)، قَالَ:
" مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ
المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ
مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ،
وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ
يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ
بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ "([87]).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
جدول المحتويات
لماذا سُمّوا الجنّ بهذا الاسم؟
اجتماع النبي (‘) بوفد نصيبين من الجنّ:
الجن كالإنس في تنوع قبائلهم ومنهم المؤمنون
ومنهم الكفار:
هل الجنّ مكلفون بشرائع الإسلام؟
الجنّ يأكلون ويشربون ويتناكحون ولهم ذريّة..
ضرب الملبوس ضربا خفيفا أو قويا ان تطلب
الأمر:
تسخير الشياطين لنبي الله سليمان (‘) :
إعانة الجن المسلم لإخوانه المسلمين من
الإنس وإيناسهم وأمرهم بالخير!
الجني المسلم يؤذي الانسي الكافر والفاسق
الذي يؤذي بفسقه!
الجني المسلم ينصح ويواسي أخيه الانسي!
الجنّ يردّ الشياطين عن الانسيّ المسلم:
الشياطين لا ينجو من شرها الا عباد الله
المؤمنين:
مساكن الجنّ المسلمين بعيدة عن مساكن الجنّ
الكفار:
تشكّل الشيطان على شكل إنسي بقصد النصح
ليروج الباطل:
يُمسخ الجانّ كما يُمسخ بني آدم:
تألم الجنّ المسلم وبكاءهم على موت الصالحين:
كرامة الشهيد تكون للجنّي كما تكون للإنسي:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق