بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام على الرحمة المهداة والقدوة المسداة نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فقد نشأ الجدال قديما
وكثر حديثا حول يأجوج ومأجوج وتنازع الناس في تفاصيل كثيرة ولكن من العجب أن يخرج
بعض المعاصرين فينكر ظاهر القرآن ويؤول الآيات على ما تشتهيه نفسه وسبب ذلك
التأويل الفاسد الذي يعتمد على الخيالات والأوهام أو بسبب شهرة أو تضليل..
وقد رأيت أن أطرح هذه المسألة
وأناقشها باحثا عن الحقائق، وقد بحثت عن هذه الحقيقة في أغلب كتب التفسير وكتب
السنة وشروح الأحاديث وكتب التاريخ وكتب العلل؛ لكي أتوصل لقول تطمئن اليه نفسي وحتى
يجد القارئ ضالته. وما توفيقي واعتصامي الا بالله عليه توكلت واليه أنيب.
عمر العبد الله
23 /شعبان/ 1441ه
المحتويات
ما هو شكل ومكونات سدّ يأجوج ومأجوج؟
ماذا يكون قبل وبعد خروج يأجوج ومأجوج؟
من قال أن يأجوج ومأجوج هم المغول والتتار؟
مما ينبغي
التنبيه عليه أن أمم يأجوج ومأجوج من بني آدم وأن الذين كانوا على عهد ذي القرنين
انقرضوا وجاء من بعدهم أقوام آخرون على نفس صفاتهم، ودليل ذلك حديث عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ (‘) العِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ، فَقَالَ:
«أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا، لاَ
يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ»([1]).
وقبائل يأجوج
ومأجوج بنص القرآن كانوا على ظهر الأرض فيلزم الا يكون منهم أحد بأعيانهم أولئك وأما
نسلهم فلا ينقطع بل يكثر ويزداد حتى يكون موعد خروجهم.
قال ابن حجر (¬): (وهم من بني آدم ثم بني يافث بن نوح وبه جزم وهب وغيره وهو المعتمد.)([2]).
قال ابن حجر (¬): (واختلف في اشتقاقهما فقيل من أجيج النار وهو التهابها وقيل من الأجة
بالتشديد وهي الاختلاط أو شدة الحر وقيل من الأج وهو سرعة العدو وقيل من الأجاج
وهو الماء الشديد الملوحة ووزنهما يفعول ومفعول وهو ظاهر قراءة عاصم وكذا الباقين
إن كانت الألف مسهلة من الهمزة فقيل فاعول من يج مج وقيل مأجوج من ماج إذا اضطرب
ووزنه أيضا مفعول قاله أبو حاتم قال والأصل موجوج وجميع ما ذكر من الاشتقاق مناسب
لحالهم ويؤيد الاشتقاق وقول من جعله من ماج إذا اضطرب قوله تعالى وتركنا بعضهم
يومئذ يموج في بعض وذلك حين يخرجون من السد)([3]).
ما هو شكل ومكونات
سدّ يأجوج ومأجوج؟
بين لنا الله
تعالى كيفية عمل السد وذكر لنا مم صنع هذا الردم العظيم فقال: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ
انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا } [الكهف: 96]، اذن هو مكون من الحديد والنحاس فكيف لسد هذا صنعه أن
يندك خصوصا في تلك الأزمنة البسيطة.
وجاءت أخبار لا
يطمئن القلب اليها في بيان شكل السد منها ما جاء في صحيح البخاري: قَالَ رَجُلٌ
لِلنَّبِيِّ (‘): رَأَيْتُ السَّدَّ مِثْلَ البُرْدِ المُحَبَّرِ([4])، قَالَ: «رَأَيْتَهُ»([5]).
والحديث علقه
البخاري (¬) بصيغة الجزم قال ابن حجر (¬): (هذا إسناد صحيح إلى قتادة فإن كان سمعه من هذا الرجل فهو حديث صحيح لأن
عدم معرفة اسم الصحابي لا تضر عند الجمهور لأن كلهم عدول ولكن قد اختلف فيه على
قتادة.. ورواه البزار في مسنده من هذا الوجه بإسناد حسن)([6]).
وقال ابن كثير
رحمه: (ذكره البخاري معلقا بصيغة الجزم ولم أره مسندا من وجه متصل أرتضيه غير أن
ابن جرير رواه في تفسيره مرسلا فقال: حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة
قال ذكر لنا أن رجلا قال: يا رسول الله قد رأيت سد يأجوج ومأجوج قال: " انعته
لي " قال: كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء قال: " قد رأيته
".)([7]).
(وقد ذكر أن
الخليفة الواثق بعث رسلا من جهته وكتب لهم كتبا إلى الملوك يوصلونهم من بلاد إلى
بلاد حتى ينهوا إلى السد فيكشفوا عن خبره وينظروا كيف بناه ذو القرنين على أي صفة؟
فلما رجعوا أخبروا عن صفته وأن فيه بابا عظيما وعليه أقفال وأنه بناء محكم شاهق
منيف جدا وأن بقية اللبن الحديد والآلات في برج هناك وذكروا أنه لا يزال هناك حرس
لتلك الملوك المتاخمة لتلك البلاد ومحلته في شرقي الأرض في جهة الشمال في زاوية
الأرض الشرقية الشمالية، ويقال: إن بلادهم متسعة جدا وإنهم يقتاتون بأصناف من
المعايش من حراثة وزراعة واصطياد من البر ومن البحر، وهم أمم وخلق لا يعلم عددهم
إلا الذي خلقهم)([8]).
قلت: ويمكن أن
يكون هؤلاء رأوا سدا آخر فظنوه سد يأجوج ومأجوج! وليس هناك شيء يقيني في هذا الأمر
بل كله ضرب من الظنّ.
اختلف المؤرخون
في تحديد مكان السدّ فمنهم من قال هو في الشرق ومنهم من قال هو في الشمال وذكروا
غير ذلك وليس هناك ما يدل عليه يقينا بل كلها ظنون.
(أما هذا السد
ومكانه، وأين هو؟ فليس في ذلك نص صريح عليه، وقد دلت الكشوفات العلمية على وجود
سدين عظيمين " أوّلهما " شرقي البحر الأسود بالقرب من مدينة باب
الأبواب، وقد اكتشف في القرن الحالي. والثاني وراء نهر جيحون في عمالة بلخ واسمه
باب الحديد بمقربة من مدينة ترمذ، والذي تدل عليه الدلائل التاريخية والكشوفات
العلمية أن سد يأجوج ومأجوج هو هذا السد الأخير الذي وراء نهر جيحون والمسمى بسد
باب الحديد، لأنه هو الذي اخترقه التتار والمغول أثناء زحفهم على البلاد
الاسلامية، وهو الذي اجتازه هولاكو بجيوشه الغازية لغزو الخلافة العباسية في عهد
الخليفة المستعصم بالله، حيث استولى على بغداد في أواسط القرن السابِع الهجري،
ووقعت فريسة للسلب والنهب سبعة أيام سالت فيها الدماء أنهاراً، وطرحوا كتب العلم
في نهر دجلة وجعلوها جسراً يمرون عليه. وقد مر بهذا السد المسمى " بسد باب
الحديد " والذي يترجح أنه سد يأجوج ومأجوج العالم الألماني " سيلد بليجر
" في القرن الخامس عشر الميلادي وسجله في كتابه، كما ذكره المؤرخ الإِسباني
" كلافيجو " في رحلته التي قام بها عام 1403 م وذكر أنه بين سمرقند
والهند)([9]).
وقال الكشميري:
(وحمله الحافظ على سد يأجوج ومأجوج.
قلت: هذا غلط،
بل هو سد آخر كان باليمين، وسد يأجوج ومأجوج في موضع وراء بخارى)([10]).
وقال الرازي (¬): (الأظهر أن موضع السدين في ناحية الشمال، وقيل: جبلان بين أرمينية وبين
أذربيجان، وقيل: هذا المكان في مقطع أرض الترك، وحكى محمد بن جرير الطبري في/
تاريخه أن صاحب أذربيجان أيام فتحها وجه إنسانا إليه من ناحية الخزر فشاهده ووصف
أنه بنيان رفيع وراء خندق عميق وثيق منيع، وذكر ابن خردا [ذبة] في كتاب المسالك
والممالك أن الواثق بالله رأى في المنام كأنه فتح هذا الردم فبعث بعض الخدم إليه
ليعاينوه فخرجوا من باب الأبواب حتى وصلوا إليه وشاهدوه فوصفوا أنه بناء من لبن من
حديد مشدود بالنحاس المذاب وعليه باب مقفل، ثم إن ذلك الإنسان لما حاول الرجوع
أخرجهم الدليل على البقاع المحاذية لسمرقند، قال أبو الريحان: مقتضى هذا أن موضعه
في الربع الشمالي الغربي من المعمورة، والله أعلم بحقيقة الحال)([11]).
وقال ابن حزم (¬): (فإن قيل في القرآن ذكر سد يأجوج ومأجوج ولا يدري مكانه ولا مكانهم قلنا مكانه
معروف في أقصى الشمال في آخر المعمور منه)([12]).
هذه من المسائل
التي حصل فيها نزاع بسبب اختلاف الأحاديث الواردة فيه فمنها حديث زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، (~) أَنَّ النَّبِيَّ (‘)، دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا([13]) يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ
لِلْعَرَبِ([14]) مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ
رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ
وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ
الخَبَثُ»([15]).
والنبي (‘) يتكلم هنا عن رؤيا رآها وسبب فزعه أن يأجوج ومأجوج قوة عظمى لا يمكن للبشر
أن يصدوهم أو يهزموهم وهم بطبعهم متوحشون لا يردعهم رادع أخلاقي وليس لهم كتاب
سماوي بل هم ملاحدة لا يؤمنون بوجود الخالق سبحانه.
وقد خص النبي (‘) العرب دون سائر الناس لأنهم أول من أسلم وهم من نشروا الإسلام في الأرض
بالقتال وغيره لذلك سيأتي يأجوج ومأجوج الى معقل المسلمين وديار العرب لقتلهم.
والحديث يدل
دلالة واضحة أن خروجهم يكون عند كثرة الفساد وتغير الفطرة وإحداث الناس في دين
الله ما لا يرضاه وانتشار الفواحش بشكل كبير وعلني وهو ما يوجد الان.
ماذا يكون قبل
وبعد خروج يأجوج ومأجوج؟
ذكر نبينا (‘) تسلسل هذه الأحداث بالترتيب في حديثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ:
ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ (‘) الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ،
حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ
ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ؟» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ذَكَرْتَ
الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي
طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقَالَ: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ
يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ
فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ،
إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ
الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ
فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ
وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا»
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ
يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ
أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي
كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: «لَا، اقْدُرُوا لَهُ
قَدْرَهُ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ:
" كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ
فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ
فَتُمْطِرُ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ،
أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ
يَأْتِي الْقَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ
عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ،
فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا
مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ
رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ،
يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ
مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ،
بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا
طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ
كَاللُّؤْلُؤِ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ،
وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ
بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ
عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ
بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ
إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ
بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ
عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ
فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ
عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ
مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى
وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ،
فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ
عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ
شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى
وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ، فَيُرْسِلُ اللهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ
فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ مَطَرًا
لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى
يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ،
وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ،
وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ، حَتَّى أَنَّ
اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ
مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ
الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ
بَعَثَ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ
رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ،
يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ
"([16]).
قلت: وفي هذا
الحديث دلالة أن أقوام يأجوج ومأجوج من الملاحدة والوثنيين ووجه من الحديث (قَالَ
قَائِلُهُمْ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْأَرْضِ، قَدْ فَرَغْنَا مِنْهُمْ، بَقِيَ أَهْلُ
السَّمَاءِ "، قَالَ: " ثُمَّ يَهُزُّ أَحَدُهُمْ حَرْبَتَهُ ثُمَّ
يَرْمِي بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَتَرْجِعُ إِلَيْهِ مُخْتَضِبَةً دَمًا،
لِلْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ) وهذا يدل دلالة واضحة أنهم لا يدينون بدين سماوي
فقولهم هذا إما أنه خرج مخرج الحقيقة أو خرج مخرج الاستهزاء والأول أظهر خصوصا بعد
وجود الدم على الة حربهم!
والحديث يشير
الى أن هذه الأمم ليست جاهلة، وعندها من العلوم والتقنية ما يمكنها من الأرض،
وانتشارها بسرعة فائقة (حَتَّى إِنَّ مَنْ بَعْدَهُمْ لَيَمُرُّ بِذَلِكَ
النَّهَرِ فَيَقُولُ: قَدْ كَانَ هَاهُنَا مَاءٌ مَرَّةً ) ولو فرضنا أنهم محبوسون عند السد الى الان وليس عندهم
التقنية التي يعرفون بها أخبار العالم، إذن فما يدريهم أنه كان في هذه البلاد
البعيدة وفي تلك البقعة بالتحديد ماء؟!
ويتضح من خلال
هذا الحديث أن خروج يأجوج ومأجوج بعد انتهاء فتنة الدجال ونزول عيسى (’)؛ ولكن السؤال هنا لماذا خرج يأجوج ومأجوج بعد قتل الدجال ومجزرة اليهود؟!
قد يكون والله اعلم أن اليهود تحالفت مع هذه الأمم -بعد أن تخلت عن حلفها مع الغرب
لضعفهم أو أن الغرب تخلوا عنها- وبالتالي هم جاؤوا لنصرتهم ودفاعا عنهم، أو أن
يأجوج ومأجوج تتحرك بأمر الدجال فجاءت هذه الجيوش الجرارة لنصرته فيهلكهم الله كما
أهلك إلههم الدجال.
أما صفاتهم
الخُلقية فهم قوم فاسدون مفسدون قال تعالى: {قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي
الْأَرْضِ} [الكهف: 94]، وفسادهم سرى الى نسلهم والى يوم القيامة.
وأما صفاتهم
الخَلقية: فقد جاء وصفهم في السنة فعَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ خَالَتِهِ
قَالَتْ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ (‘) وَهُوَ عَاصِبٌ إِصْبَعَهُ مِنْ لَدْغَةِ عَقْرَبٍ
فَقَالَ: «إِنَّكُمْ تَقُولُونَ لَا عَدُوَّ وَإِنَّكُمْ لَا تَزَالُونَ
تُقَاتِلُونَ عَدُوًّا حَتَّى يَأْتِيَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ عِرَاضُ الْوُجُوهِ،
صِغَارُ الْعُيُونِ، صُهْبُ الشِّعَافِ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ كَأَنَّ
وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ»([17]). وهذا هو وصف الترك والمغول قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ (¢): قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (‘): «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا
التُّرْكَ، صِغَارَ الأَعْيُنِ، حُمْرَ الوُجُوهِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ
وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ»([18]).
أود أن أبين
أولا أنه لا علاقة بين السد وبين خروج يأجوج ومأجوج آخر الزمان؛ أن السد بناه ذو
القرنين لغرض في زمنه وهو المحافظة على تلك القبائل التي طلبت منه بناء السد
وانتهى ذلك الزمن وانتهى الغرض منه. وثانيا: أن ذي القرنين لم يحوط يأجوج ومأجوج
بسد بل جعله من جهة واحدة وهذا لا يمنعهم من السير في بقية الأرض. ثالثا: ليس في
القرآن دليلا يربط خروجهم بالسد والمقصود بالوعد باندكاك السد يحصل اذا اندكت
الجبال وعليه فلا يبقى السد وهذا يوم القيامة أو قبلها قد يحصل بتغير طبقات الأرض
من زلازل وبراكين وغير ذلك فيحصل اندكاكه بقدر الله ولا يشترط أن يكون بفعل يأجوج
ومأجوج وأما قوله: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا
لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97] فهذا في زمن ذي القرنين وهو ظاهر لأنه جاء بصيغة
الماضي. ولم يتطرق لمن بعدهم.
وأما حديث أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ (‘) قَالَ: " إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ
لَيَحْفِرُونَ السَّدَّ كُلَّ يَوْمٍ، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ
الشَّمْسِ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا،
فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ كَأَشَدِّ مَا كَانَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ،
وَأَرَادَ اللهُ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النَّاسِ، حَفَرُوا، حَتَّى إِذَا
كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا
فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ، وَيَسْتَثْنِي، فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ
وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ، فَيَحْفِرُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى
النَّاسِ"([19]).
وهذا الحديث
معلّ سندا ومتنا وهو مخالف لظواهر النصوص الصريحة من تلك النصوص الايات التي جاءت
في ذكرهم..
{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ
بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ
قَوْلًا (93) قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ
مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ
فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي
زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا
حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا
اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا
رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ
وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا } [الكهف: 92، 99]
وقوله تعالى:{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ
يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنبياء: 96، 97].
قلت: هناك فرق
بين الآيات التي جاءت في سورة الكهف وهي تحكي قصة ذي القرنين مع يأجوج ومأجوج
وبناء السد عليهم ومنعهم من الافساد في ذلك الوقت تحديدا بطلب من القبائل المسالمة
في الجهة الثانية ولم يذكر في هذه القصة أن سد الحديد سيبقى الى قرب القيامة ولم
يذكر ان يأجوج ومأجوج سيبقون بعده قريبا منه الى قرب القيامة وانما قال اذا جاء
وعد ربي أي الاخرة سيندك كما تندك الجبال وهو هنا يريد أن يبين لأولئك الناس عظمة
الله لما رأوا من عظمة السد وشدة إحكامه وروعة اتقانه أن هذا السد على عظمته سيندك
كما تندك بقية الجبال وليس فيه أن هذا السد سيبقى على حاله أو أن يأجوج ومأجوج
سيبقون بعده مرابطين حتى يفتحوه ومن خلفهم بلاد فسيحة يسيحون فيها فلِمَ يبقون؟!
ثم إذا قلنا أن
ذي القرنين ليس نبيا فمن أين يعلم أن هذا السد سيبقى الى قرب الساعة؛ ولكنه تكلم
بيقين كل مؤمن أنه اذا جاء أمر الله فلا يبقى شيء مهما يكن قويا.
وممكن أن يقال
في معنى اذا جاء وعد ربي أي قدره في دكه ولو كان قبل الخروج الكبير بمئات السنين.
وحديث الحفر
يخالف ما جاء في الحديث المتفق على صحته عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، (‡) أَنَّ النَّبِيَّ (‘)، دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ
رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ
وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ
الخَبَثُ»([20])، وهذا يدل صراحة أن السد بدأ من عهده يندك ولعله قد
اندك بالكامل فخرج أبناء يأجوج ومأجوج –المغول والتتار- في القرن السادس الهجري
حتى خربوا الدنيا وأهلكوا الحرث والنسل ولم تفعل أمة مثل الذي فعلوه.
وخروج يأجوج
ومأجوج غير منوط بالسد فاندكاك السد شيء وخروجهم شيء آخر المهم أنه يتحقق
الموعودان الخروج واندكاك السد وكلا الامرين سيحصلان حتما: خروجهم في آخر الزمان
عند نزول عيسى (‘)، وهدم السد ان لم يكن سابقا سيكون لاحقا وبالتالي الوعد
الحق سيتحقق كما أخبر الله تعالى.
قال ابن كثير (¬): (فإن قيل فما الجمع بين قوله تعالى: (فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا
له نقبا) [الكهف: 97] وبين حديث "فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه
" ..
فالجواب أما
على قول من ذهب إلى أن هذا إشارة إلى فتح أبواب الشر والفتن وأن هذا استعارة محضة
وضرب مثل فلا إشكال.
وأما على قول
من جعل ذلك إخبارا عن أمر محسوس كما هو الظاهر المتبادر فلا إشكال أيضا لأن قوله:
(فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا) أي في ذلك الزمان لأن هذه صيغة خبر
ماض، فلا ينفي وقوعه فيما يستقبل بإذن الله لهم في ذلك قردا وتسليطهم عليه
بالتدريج قليلا قليلا حتى يتم الأجل، وينقضي الأمر المقدور فيخرجون كما قال الله
تعالى: (وهم من كل حدب ينسلون) [الأنبياء: 96].
ولكن الحديث الآخر أشكل من هذا وهو " إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل
يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس " الحديث.
فقد أخبر في
هذا الحديث أنهم كل يوم يلحسونه حتى يكادوا ينذرون شعاع الشمس من ورائه لرقته فإن
لم يكن رفع هذا الحديث محفوظا وإنما هو مأخوذ عن كعب الأحبار كما قاله بعضهم فقد
استرحنا من المؤنة، وإن كان محفوظا فيكون محمولا على أن صنيعهم هذا يكون في آخر
الزمان عند اقتراب خروجهم كما هو المروي عن كعب الأحبار أو يكون المراد بقوله:
(وما استطاعوا له نقبا) أي نافذا منه فلا ينفي أن يلحسوه ولا ينفذوه والله أعلم.
وعلى هذا فيمكن
الجمع بين هذا وبين ما في الصحيحين عن أبي هريرة فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج
مثل هذه وعقد تسعين أي فتح فتحا نافذا فيه والله أعلم)([21]).
و(قال بعض
المحققين: اعلم أنه كثيرا ما يحدث في الثورات البركانية أن تنخسف بعض البلاد أو
ترتفع بعض الأراضي حتى تصير كالجبال. وهذا أمر مشاهد حتى في زمننا هذا. فإذا سلم
أن سدّ ذي القرنين المذكور في هذه الآية غير موجود الآن، فربما كان ذلك ناشئا من
ثورة بركانية خسفت به وأزالت آثاره. ولا يوجد في القرآن ما يدل على بقائه إلى يوم
القيامة. أما قوله تعالى: هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي
جَعَلَهُ دَكَّاءَ فمعناه أن هذا السد رحمة من الله بالأمم القريبة منه. لمنع
غارات يأجوج ومأجوج عنهم، ولكن يجب عليهم أن يفهموا أن مع متانته وصلابته لا يمكن
أن يقاوم مشيئة الله القويّ القدير، فإن بقاءه إنما هو بفضل الله. ولكن إذا قامت
القيامة وأراد الله فناء هذا العالم، فلا هذا السدّ ولا غيره من الجبال الراسيات
يمكنها أن تقف عثرة، لحظة واحدة أمام قدرة الله. بل يدكها جمعاء دكّا في لمح
البصر. فمراد ذي القرنين بهذا القول تنبيه تلك الأمم على عدم الاغترار بمناعة هذا
السد، أو الإعجاب والغرور بقوتهم. فإنها لا شيء يذكر بجانب قوة الله. فلا يصح أن
يستنتج من ذلك أن هذا السدّ يبقى إلى يوم القيامة، بل صريحه أنه إذا قامت القيامة
في أي وقت كان، وكان هذا السدّ موجودا، دكه الله دكا. وأما إذا تأخرت فيجوز أن يدك
قبلها بأسباب أخرى. كالزلازل إذا قدم عهده. وكالثورات البركانية كما قلنا.
وليس في الآية
ما ينافي ذلك. وأما قوله تعالى: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ
فالمراد منه خروجهم بكثرة وانتشارهم في الأرض، كما يخرج الشيء المحبوس أو المضغوط
إذا انفجر. واستعمال لفظ (الفتح) مجازا شائعا في اللغة. ومنه قولك (فتحوا البلاد)
وقوله تعالى (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام: 44] انتهى)([22]).
من قال أن
يأجوج ومأجوج هم المغول والتتار؟
لقد ذكر أئمة
أجلاء وفحول كبار أن أمم يأجوج ومأجوج خرجوا الى الناس وعاثوا في الأرض فسادا ولكن
خروجهم هذا ليس هو الخروج الأكبر وانما ذلك يكون زمن عيسى (‘).
قال ابن خلدون (¬): (وأعلم أنّ هؤلاء الترك أعظم أمم العالم وليس في أجناس البشر أكثر منهم
فأوّل مواطنهم من الشرق على البحر بلاد الصين وما فوقها جنوبا الى الهنك وما تحتها
شمالا الى سدّ يأجوج ومأجوج)([23]).
(واكثر دوابهم
الخيل قوتهم الأرز ولحوم الخيل وألبانها، وكلّ من ملكهم يسمّى خان، وهم من بقايا
ياجوج وماجوج، سمّوا تركا لأن الإسكندر تركهم خارجين عن سدّ ياجوج وماجوج، قيل
مسيرة مساكنهم ثمانية أشهر طولا في مثلها عرضا، متهارجون كالحيوان الهاملة لا
يجمعهم دين ولا حاكم، وهم طوائف يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا، يعبدون الأوثان
والشمس والنجوم والجن، لباسهم جلود الكلاب، فأول ملوكهم الأخباث، رأس الخبث جنكيز
خان، اسم قبيلته قتاة)([24]).
وقال الرازي (¬): (واختلفوا في أنهما من أي الأقوام فقيل: إنهما من الترك، وقيل: يأجوج من
الترك ومأجوج من الجيل والديلم)([25]).
قال أبو زهرة (¬): (ننتهي من هذا إلى أن يأجوج ومأجوج قبائل من المغول، وأنه اشتد سيل
فسادهم في القرن الثالث قبل الميلاد عصر ظهور الإسكندر المقدوني، واللَّه أعلم)([26]).
وقال (¬): في قوله تعالى (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ
وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ).
(حَتَّى) للتفريع من قوله تعالى: (أَنَّهمْ لَا يَرْجِعُونَ) وفي ذلك إشارة
إلى أن يأجوج ومأجوج الذين عرفوا في التاريخ بالمغول، أو التتار، وهما في أصلهما
واحد، ثم انشعبا من بعد ذلك وكانوا عنصرا واحدا.
وقد ظهر هؤلاء
في القرن السادس، وانسابوا في الشرق، حتى وصلوا إلى وسط أوربا، وتلقت البلاد
الإسلامية صدمتهم، وقد كانوا يسيرون فاتحين مسرعين في فتحهم حتى إنهم ليقطعون في
حروبهم أبعد المسافات فتحا بمقدار سيرهم لا يقف أمامهم شيء، حتى إذا كان القرن
السابع تولتهم الجيوش المصرية، فهزمتهم في عين جالوت، ولأول مرة عرفت السيوف
مواضعها من أقفيتهم، وقد انحدروا كالصخرة من أعلى الصين، وما زالت تسير لَا تلوي
على شيء إلا جعلته كالرميم، حتى وصلت إلى فيينا، وكانت الحبالى تجهض من سماع
أخبارهم.. هذا أمر وقع، ورآه التاريخ، واستمر يشغل الأرض الإسلامية القرن الثامن
الهجري)([27]).
قلت: إن كان
يقصد بوقوعه كعلامة كبرى من علامات الساعة فلا شك في عدم صوابه لإن وقوع هذه
العلامة لا تتحقق الا بعد نزول عيس (‘) وإن قصد أن خروجهم مقدمة لتلك وأنهم أحفاد يأجوج ومأجوج
فلا شك في صحته.
وقال القرطبي (¬): (وإذا كان هذا فقد نعت النبي (‘) الترك كما نعت يأجوج ومأجوج، فقال (‰): (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك قوما وجوههم كالمجان المطرقة يلبسون
الشعر ويمشون في الشعر) في رواية (ينتعلون الشعر) خرجه مسلم وأبو داود وغيرهما.
ولما علم النبي (‘) عددهم وكثرتهم وحدة شوكتهم قال (‰): (اتركوا الترك ما تركوكم). وقد خرج منهم في هذا الوقت أمم لا يحصيهم إلا
الله تعالى، ولا يردهم عن المسلمين إلا الله تعالى، حتى كأنهم يأجوج ومأجوج أو
مقدمتهم)([28]).
وقال ابن عاشور (¬): (والذي يجب اعتماده أن ياجوج وماجوج هم المغول والتتر. وقد ذكر أبو
الفداء أن ماجوج هم المغول فيكون ياجوج هم التتر. وقد كثرت التتر على المغول
فاندمج المغول في التتر وغلب اسم التتر على القبيلتين.. ولم يذكر المفسرون تعيين
هؤلاء القوم ولا أسماء قبيلهم سوى أنهم قالوا: هم في منقطع بلاد الترك نحو المشرق
وكانوا قوما صالحين فلا شك أنهم من قبائل بلاد الصين التي تتاخم بلاد المغول
والتتر.)([29]).
بعد ان
استعرضنا الكلام في يأجوج ومأجوج وذكرنا الآيات والأحاديث التي تخصهم ونقلنا كلام
أهل العلم فيهم نبين في أي جهات الأرض يقطنون ومن أي الجنسيات يكونون فأقول:
بعد أن بينا
أنه لا علاقة للسد بخروجهم وأنهم على ما نقلناه من كلام أهل العلم في أنهم خرجوا
خروجا أوليا وهم المغول والتتار وأن الحديث الذي جاء في الحفر ضعيفا بات واضحا أن
ننزل صفاتهم التي وردت في الأحاديث عليهم اذن فما هي صفاتهم؟
صفاتهم هي: ما
جاء عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ خَالَتِهِ قَالَتْ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ (‘) وَهُوَ عَاصِبٌ إِصْبَعَهُ مِنْ لَدْغَةِ عَقْرَبٍ فَقَالَ: "
إِنَّكُمْ تَقُولُونَ لَا عَدُوَّ وَإِنَّكُمْ لَا تَزَالُونَ تُقَاتِلُونَ
عَدُوًّا حَتَّى يَأْتِيَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ عِرَاضُ الْوُجُوهِ، صِغَارُ
الْعُيُونِ، صُهْبُ الشِّعَافِ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ
الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ "([30]).
الان من هي
الشعوب التي تنطبق عليها هذه الصفات الخلقية سنقول وبلا أدنى شك شعوب شرق آسيا
وعلى رأسها الصين وكذلك اليابان ومنغوليا وكوريا وتايوان وهونغ كونغ وموطن هؤلاء
في المكان الذي حدد العلماء وجود السد فيه. ولكن هذه الأوصاف تنطبق أيضا على كثير
من المسلمين في تلك المناطق فهل يعني ذلك أنهم منهم والجواب بلا شك ليسوا منهم لان
يأجوج ومأجوج ليسوا مسلمين.
وقد قلت سابقا
أن دلالة الاحاديث واضحة في أنهم ينكرون وجود الخالق وهذه الشعوب كذلك لا يؤمنون
بوجود الله وانما هي أرحام تدفع وقبور تبلع كما يقولون.
وكذلك ورد في
وصفهم انهم (يأكلون العشب، ويفترسون الدواب والوحوش كما تفترسها السباع، ويأكلون
خشاش الأرض كلها من الحيات والعقارب، وكل ذي روح مما خلق الله في الأرض، وليس لله
خلق ينمو نماءهم في العام الواحد)([31]). ومما يعرف عن شعوب الصين أنها تأكل كل شيء يدب على
الأرض حتى الأجنة! وأما عددهم فهم أكثر البشر عددا وأكثرهم نماء.
ومن يلاحظ قوة
الصين اقتصاديا وعسكريا وقربهم من حكم العالم والسيطرة عليه لا يشك أن هذه دلائل
واضحة تقترب من دلالة الحديث: "لا يدانِ لَكَ بِقِتَالِهِمْ" وكل
المؤشرات تدل على تراجع أمريكا مقابل تقدم الصين والله اعلم.
تنبيه: قولنا تنطبق عليهم الصفات لا يعني أن هؤلاء الذين يعيشون
اليوم بيننا بذاتهم يأجوج ومأجوج الذين سيخرجون زمن عيسى (‘) ولكن يقينا أنه لو نزل فينا عيسى (‘) فهم كذلك وان تأخر عشرات السنين فلا شك أن يأجوج ومأجوج سيخرجون من أصلاب
هؤلاء.
ملاحظة: قد لاحظت شيئا غريبا في ترجمة كلمة آسيا وأوروبا وبالذات
كلمة آسيا فوجدت أن ترجمة كلمة آسيا في اللغة الصينية-التقليدية والبسيطة-
(ياجو)!! وترجمة كلمة أوروبا (أوجو)! ويذكر أن الإنكليز من الألمانيين وهم من ذرية
جومر أخي مأجوج. وأن الألمان خرجوا من كوه قاف، وأورال. ولكن الاوصاف لا تنطبق على
الأوروبيين والله اعلم.
· لا يمكن لحي
صغير أن نعزله عن العالم فكيف بأقوام لا يحصون كثرة كقوم يأجوج ومأجوج؟!
وجوابها: أن
هذه حقيقة ذكرها القرآن ولا مجال لإنكارها؛ ولكن ذي القرنين لم يجعلهم في سجن كما
يتصور البعض بل منعهم من العبور فقط وليس في الآية ما يدل على أنه بنى السد عليهم
من جميع الجهات بل ظاهر القرآن خلافه.
· أن يأجوج
ومأجوج ظاهرة لكل قوم أشرار.
وهذا مردود بنص
القرآن والسنة فالقرآن عينهم والسنة بينت صفاتهم كما وضحنا ذلك.
· (من كل حدب
ينسلون) ولو كانون يأجوج ومأجوج لأتونا من حدب واحد.
الجواب: أن يأجوج
ومأجوج اقوام لا يحصيهم الله فكيف يأتون من حدب واحد؟!
· أن يأجوج
ومأجوج تحت الأرض وليس فوقها.
الجواب: انهم اعتمدوا
على حديث ضعيف مر معنا. وفهموا من كلمة ردم أنهم تحت الأرض وهذا غير صحيح فانه قال
ردما لأنه أقوى من السد فهم طلبوا أي سد ولكنه بنى لهم ردما وهو أقوى من السد. وهناك
شبه تافهة لا ننشغل بردها.
+++
([13])
فتح الباري لابن حجر (13/ 107) (قوله أن النبي ‘
دخل عليها يوما فزعا بفتح الفاء وكسر الزاي في رواية بن عيينة استيقظ النبي ‘
من النوم محمرا وجهه يقول فيجمع على أنه دخل عليها بعد أن استيقظ النبي ‘
فزعا وكانت حمرة وجهه من ذلك الفزع).
([14]) فتح الباري لابن حجر (13/ 107) (قوله ويل للعرب من شر قد
اقترب خص العرب بذلك لأنهم كانوا حينئذ معظم من أسلم والمراد بالشر ما وقع بعده من
قتل عثمان ثم توالت الفتن حتى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة كما وقع في
الحديث الآخر يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها وأن المخاطب
بذلك العرب).
([19])
مسند أحمد ط الرسالة (16/ 369).
دراسة سند
الحديث نقلته من موقع الدكتور المطيري لفائدته:
أولا: تخريج
الحديث:
(1) الترمذي
فى التفسير( 5 /293 ) حديث رقم ( 3153 ) عن محمد بن بشار ، عن هشام بن عبد الملك ،
عن أبى عوانة ، عن قتادة به . وقال: ( حسن غريب وإنما نعرفه من هذا الوجه ) .
(2) ابــن
مـاجه فــى الفتـن ( 2 / 1364 ) حديث رقم ( 4080 ) عـن أزçـر بـن
مــروان ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتاده ( ثنا ) أبو رافع به .
(3) أحمـد فى
المسند (2 /510 ) عن روح بن عبادة ، عن سعيد ، عن قتادة ( ثنا ) أبو رافع به .
(4) الموصلى
فى المسند ( 11 / 321 ) حديث رقم ( 6436 ) عن أحمد بن المقدام ، عن المعتمر بن
سليمان ، عن أبيه ، عن قتادة ، أن أبا رافع ( حّدث ) عن أبى هريرة به .
(5) ابن جرير
الطبرى فى تفسيره ( 8 / 283 ) حديث رقم (23331 ) عن بشر ، عن يزيد ، عن سعيد ، عن
قتادة به .
(6) ابن حبان
فى صحيحه كما فى الإحسان ( 15 / 242 )حديث رقم ( 6829 ) عن أحمد بن يحي ، عـن
أحمـد بـن المقـدام ، عــن المعتمـر ، عـن أبيـه ، عـن قتــادة ، عـن أبـى رافـع (
حّدثه ) به.
(7)الحاكم فى
المستدرك ( 4 / 534 ) حديث رقم ( 8501 ) عن محمد بن صالح بن هانئ ، عن محمد بن يحي
الذهلى ، عن أبى الوليد الطيالسى ، عن أبى عوانه ، عن قتادة ، عن أبى رافع به .
ثانيا : دراسة
الحديث والحكم عليه:
الحديث رجال
إسناده أئمة ثقات ، وقد حسنه الترمذى واستغر به ، وصححه ابن حبان ، والحاكم على
شرط الشيخين ، ووافقه الذهبى ، ومن المعاصرين العّلامة المحقق محي السنة ناصر
الدين الألبانى فى السلسلة الصحيحة ( 4 / 313 ) حديث رقم ( 1735 ) والحديث مع أن
إسناده ظاهره الصحة ، غير أنه مسلسل بالعلل المانعة له من الحكم بذلك ، ومن هذه
العلل :
(1) الانقطاع
:
فالحديث بهذا
اللفظ مداره على قتادة بن دعامة ، يرويه عن أبى رافع نفيع الصائغ ، وقد نص الآئمة
على أن قتادة لم يسمع من أبى رافع شيئا ، بل لم يلقه .وممن نص على ذلك :
(أ) شعبة بن
الحجاج: فقد قال الإمام أحمد كما فى علل المّروذي ( ص /197 ) ( قال شعبة: لم يلق
قتادة أبا رافع ، إنما كتب عن خلاس عنه ) .
ـ وكذا رواه
عبد الله عن أبيه فى العلل (1 / 528 ) ، وعنه ابن أبى حاتم فى المراسيل ( ص /170 )
، وقال ابن رجب فى شرح العلل ( 2 / 790 ) : ( وكان شعبة ينكر سماع قتادة من أبى
رافع ) ، وفى جامع التحصيل للعلائي (ص /255) ( قال شعبة: لم يسمع قتادة من ابى
رافع شيئا ) .
ــ وشعبة
تلميذ قتادة ، واعلم الناس به فيما سمع وما لم يسمع ، وكان يوقفه على السماع .قال
على بن المديني: ( أصحاب قتادة ثلاثة:، سعيد ، وهشام ، وشعبة ، فأما سعيد فأتقنهم
، وأما هشــام فأكثرهم ، وأما شعبة فأعلمهم بما سمع وما لم يسمع ) رواه المقدمى فى
التاريخ ( ص/ 202 ) ، ورواه البسوي فى المعرفة والتاريخ ( 2 /141 ) عن محمد بن عبد
الرحيم عنه واللفظ له وروى نحوه الحاكم فى معرفة علوم الحديث ( ص/ 104 ) ، ومن
طريقه الخطيب فى تاريخ بغداد ( 9 / 265 ) .
ــ وقال
البرديجي كما فى شرح ابن رجب لعلل الترمذي ( 2 / 696 ) : ( أصح الناس رواية عن
قتادة شعبة ، كان يوقف قتادة على الحديث ) .
ــ وروى
الطيالسي كما فى مقدمة الجرح والتعديل (1/128 ) عن شعبة قوله: ( كنت أعرف إذا جاء
- يعنى إذا حّدث قتادة - ما سمع مما لم يسمع ) .
وشعبة أعلم
أهل عصره بهذا الفنّ ، وهو الحكم فى معرفة متصل الأسانيد ومنقطعها ، وما سمع
الرواه من شيوخهم وما لم يسمعوا. فçذا الـدارقطنـي ينفـى كمـا فـى العـلل ( 8 / 249 ) سـماع
الحسـن مـن أبى هريرة محتجا بقول شعبة ، فقيل: إن الحسن بن هارون يقول: سمع منه ،
فقــــــال: ( شعبة أعلم ) . هذا مع أن الحسن من شيوخ شيوخه ، فما بالك بشيخه الذي
اختص بمعرفة ما سمعه من الحديث وما دلسه .
(ب) الإمام
أحمد بن حنبل : فقد روى البسوي فى المعرفة والتاريخ ( 2 / 141 ) عنه قوله فى
قتادة: ( ولم يسمع من أبى رافع ) ، وكذا روى ابن أبى حاتم فى المراسيل ( ص /172 )
قـوله : ( لم يسمع قتــادة من أبـى رافع ) ، وروى عنه فى ( ص / 170 ) قوله: ( أدخل
بينه وبين أبى رافع: خلاس ، والحسن ) ، وكذا هو فى العلل ومعرفة الرجال ، رواية
عبد الله بن أحمد ( 1 / 528 ) ، وقال ابن رجب فى شــرح العلل ( 2 / 790 ) : (
وقـال أحمد : لم يسمع قتادة من أبى رافع ، نقله عنه الأثرم ) .
(ج) الامام
يحي بن معين : فقد نقل العلائى فى جامع التحصيل (ص / 255 ) قوله : ( لم يسمع قتادة
من أبى رافع ) .
(د) الامام
أبو داود السجستانى : حيث روى له حديثـا واحدا فى الأدب ( 5 / 376 ) حديث رقم
(5190 ) بهذا الإسناد ، ثم قال : ( قتادة لم يسمع من أبى رافع شيئا ) .
فهؤلاء أربعة
من الأئمة فى هذا الفنّ - وهم الحكم فيه ، وإليهم المرجع - نصوا على عدم سماعه منه
، بل قال أعلم الناس فيه : شعبة : إنه لم يلقه أصلا ، وقد نقل أقوالهم العلائى
وأقرَّهم على ذلك ، ولم يتعقبهم بشئ كما هى عادته ، وقال ابن رجب فى شـــــرح
العلل (2 / 789 ) : ( ولم يسمع قتادة من أبى رافع شيئا ) ولم أجد من نص على سماعه
منه .
اعتراض ونقضه
:
فإن قيل : فقد
روى البخاري فى صحيحه فى كتاب التوحيد ( 13/ 2745 ) حديث رقم (7115) قـــال :
حدثني محمد بن أبى غالب ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا معتمر ، سمعت أبى يقول :
حدثنا قتادة : أنّ أبا رافع ( حدثه ) : أنّه سمع أبا هريرة رضى الله عنه الحديث (
إن الله كتب كتابًا ) .
فالجواب من
وجوه:
(1) أن شيخ
شيخ البخاري فى هذا الحديث هو محمد بن إسماعيل بن أبى سَميْنَة ، لم يخرّج له
البخارى شيئاً إلاّ فى هذا الموضع ، كما نص عليه الحافظ فى الفتح ( 13 / 644 ) ،
وهو وإن كان ثقــــة إلاّ أنّه متكلّم فيه من قبل حفظه ، فقد قال عنه يحي بن معين
كما فى سؤلات ابن الجنيــــــد ( ص/210 ) : ( ابن أبى سمينة البصري وشباب وعبيد
الله بن معاذ ليسوا أصحاب حديث ليسوا بشئ ) ، وروى عنه أبو داود فى الصلاة باب ما
يقطع الصلاة (1 / 453 ) حديث ( 704 ) حديثا منكرا ثم قال : ( فى نفسى من هذا
الحديث شئ : كنت أذاكر به إبراهيم وغيره ، فلم أر أحداً جاء به عن هشام ولا يعرفه
، وأحسب الوهم من ابن أبى سمينة ) ، وقال أبو داود أيضاً : ( وأحسبه وهم ، لأنّه
كان يحدثنا من حفظه ) .
(2) أنّ
الموصلي روى هذا الحديث فى المسند ( 11 / 316 ) حديث رقم ( 6432 ) قال حدثنا محمد
بن إسماعيل بن أبى سمينة ، حدثنا معتمر بن سليمان ، سمعت أبى يقول : حدثنا قتادة :
أنّ أبا رافع (حّدث) : أنه سمع أبا هريرة ، فذكر حديث ( إن الله كتب كتاباً ) .
ــ فقد حفظه
عنه الإمام الحافظ أحمد بن علي الموصلي بلفظ ( حدّث ) ، بينما رواه عنه البخاري
بواسطة محمد بن أبى غالب بلفظ ( أن أبا رافع حدثه ) ، فإمّا أنه اضطرب فى روايته ،
أو الوهم ممن دونه .
ــ ورواية
الموصلي أشبه بالصواب لعلوها ولما سيأتى من بيان .
(3) وقد روى
البخاري هذا الحديث عن خليفه بن خياط ، عن معتمر ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن أبى رافع
. بالعنعنه بين قتادة وأبى رافع ، ثم اتبعه بحديث ابن أبى سمينة .
ــ وكذا رواه
أحمد فى المسند ( 2 / 381 ) عن علي بن بحر ، عن معتمر ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن
أبى رافع معنعنا .
وعليه فلا
يفرح بتصريحه بالسماع فى هذا الحديث عند البخاري بين قتادة وأبى رافع ،إذ ثبت أنّه
كان يحّدث من حفظه كما قال أبو داود عنه ، وليس هو بالحافظ ، كما قال يحي بن معين
بل قال عنه : ( ليس بشئ ) ، وقد اضطرب فى روايته هذه فتارة يقول : ( حَّدثه )،
وتارة يقول ( حدَّث ): وهو الصواب كما سيأتى تفصيله ، وقد خالفه أصحاب معتمر فرووه
بالعنعنة بين قتادة وأبى رافع .
ــ وقد قـال
يحـي بن معيـن كمـا فـى رواية ابـن محرز عنه فى معرفة الرجال (1 / 53) : (ليـس
الحـافظ عندنـا إلاّ مـن كـان فـى كتـابه : ( حدثنـا ) ، فيقول : ( حدثنا ) فإذا
لم يكن فى كتابه : ( حدثنا ) وقال : ( حدثنا ) فليس بشي ) .
ــ وقال ابن رجب
فى شرح العلل ( 2 / 593 ) : ( وكان أحمد يستنكر دخول التحديث فى كثير من الأسانيد
، ويقول : هو خطأ يعنى : ذكر السماع )
(4) ثم إنّ
سـليمان التيمي والـد المعتمر مع إمامته وجلالة قدره مُتكلَّم فــى روايته عن
قتــادة ، فقد نقل ابـن رجب فـى شـرح العلل ( 2 / 788 ) قول أبــى بكرالأثرم فيه :
(كان لا يقوم بحديث قتادة ، لم يكن من الحفاظ من أصحاب قتادة ) ، وذكر من أوهامه
أنه روى عن قتادة أنّ أبا رافع حدثه ، وقتادة لم يسمع من أبى رافع شيئا ، وقد عرض
الأثرم هذا القول على الإمام أحمد فأقرَّه عليه ، وهذا دليل على أنّ الإمام أحمد
قد اطلع على ما وقع فى رواية التيمي من تصريح بالسماع بين قتادة وأبى رافع ولم
يقنع به ، فلا يقال : إنّ البخاري اطلَّع وعلم ما لم يعلمه غيره .
- فإن قيل :
وكيف يخرَّج البخاري هذا الإسناد مع انقطاعه ؟
فالجواب ما
ذكره الحافظ ابن حجر فى الهدي ( ص/ 502 ) فى ردَّه على من انتقد إخراج البخــاري
بعض الأســانيد المنقطعه ، حيـث قــال فيمــا كـان الانقطـاع فيـه ظــاهراً
:(فمحصل الجواب عن صاحب الصحيح : أنه إنما أخرج مثل ذلك فى باب ماله متابع وعاضد ،
أو ما حفته قرينة فى الجملة تقويه ، ويكون التصحيح وقع من حيث المجموع ) .
وهو كذلك فى
هذا الحديث :
ـ فقد روى
البخاري حديث أبى هريرة : ( إنّ الله كتب كتاباً ) ـ فى بدء الخلـــــــــــــــق
( 3 / 1166 ) حديث رقم ( 3022 ) من طريق أبى الزناد عن الأعرج عنه .
ـ وفى التوحيد
( 6 / 2694 ) حديث رقم ( 6969 ) من طريق الأعمش عن أبى صالح عنه
. ورواه مسلم
فى التوبه ، باب فى سعة رحمة الله تعالى ،( 4 / 2107 )حديث رقم (2751 ) من طريق
الأعرج وعطاء بن ميناء عن أبى هريرة به 0
فالحديـث
ثـابت بلاشـك عـن أبـى هريــرة ، فأخرج البخاري رواية قتادة عن أبى رافع لجلالة
وفخامة هذا الإسناد ــ مع ما فيه من انقطاع يسير ــ لوجود المتابعات والعواضد .
ولم يعتمـد فـى ذلك علـى مـا وقـع مـن تصريح بالسماع فى رواية ابن أبى سمينة
والدليل على ذلك :
(1) أنّه
قدَّم رواية خليفة بن خياط المعنعنة على رواية ابن أبى سمينة المصرح فيها بالسماع
. واتبعها بهذه استئناسا لا احتجاجا .
(2) أنّه
تحايد عن هذا الإسناد مع جلالته ونبل رجاله فلم يخرج إلاّ هذا الحديث ، وآخر معلقا
فى الاستئذان باب إذا دعى الرجل ( 5/ 2305) : ( قال سعيد، عن قتادة ، عن أبى رافع
، عن أبى هريرة ) .
وقــال
الحــافظ المنـذري فــى مختصـر السـنن (8 /64 ) معللا تعليـق البخــاري له : (
ذكره تعليقا لأجل الانقطاع فى إسناده ) .
ولو ثبت عند
البخاري صحة سماع قتادة من أبى رافع لخرَّج حديثه عنه ، فقد أخرج لقتادة ، وكذلك
أخرج لأبى رافع ، فكلاهما من رجاله ، إلاّ أنه تحايد عنه كما تحايد مسلم والنسائى
فلم يخرّجا بهذا الإسناد شيئا مع جلالته ، هذا مع عناية مسلم بجمع طرق الحديث
الواحد حتى ينزل إلى روايات الضعفاء فى المتابعات ، وكذا لم يُخرِّج أبو داود بهذا
الإسناد إلاّ حديثا واحداً، ونص على انقطاعه ، وخرَّج ابن ماجه بهذا الإسناد حديثا
واحداً وهو الحديث الذى معنا ، وخرَّج الترمذي حديثين أحدهما هذا الحديث ، والثاني
قال عنه : ( حسن صحيح ) وكـأنه لمتـابعاته وشـواهده .
فليس فيى
الكتب السته سوى أربعة أحاديث بهذا الإسناد ، ثم على فرض أن البخاري والترمذي
يصححان سماع قتادة من أبى رافع ، فليس قولهما بأولـى من قول شعبة وأحمد ويحي وأبى
داود ، خاصة أنّ هؤلاء نصوا على عدم السماع ، بل قال شعبة ،: إنّه لم يلقه ،
فتقليدهم - إن صح أنه تقليد - أولى من تقليد غيرهم .
قال الحافظ فى
النكت ( 2/726 ) في نحو هذا ( وبهذا التقرير يتبين : عظم موقع كـلام الأئمة
المتقدمين ، وشـدة فحصهم ، وقوة بحثهم ، وصحة نظـرهم ، وتقدمهم ، بما يوجب المصير
إلى تقليدهم فى ذلك ، والتسليم لهم فيه ، وكل من حكـم بصحة الحـديث مـع ذلك ، إنما
مشى فيه علـى ظاهر الإسـناد ، كالترمذي وكأبى حـاتم ابن حبان فإنه أخرجه فى صحيحه
، وهو معروف بالتساهل فى باب النقد ) .
(2) التدليس :
فعلى فرض أنّ
قتادة سمع من أبى رافع فى الجملة ، فإنّه معروف بالتدليس ،فقد قـال عنه العلائـى
فى جــامع التحصيل (ص/ 254) احد المشهورين بالتدليس ) فلا بد أن يصرح بالسماع من
أبى رافع فى هذا الحديث ، وقد رواه عن قتادة :
( أ ) أبو
عوانه ، عند الترمذي والحاكم معنعناً .
(ب) شيبان
النحوي ، عند أحمد معنعناً .
(ج) حماد بن
سلمه ، عند عبد بن حميد معنعنا ، كما يظهر من كلام الحافظ فى الفتح (13/135) .
ورواه العقيلي في الضعفاء (2/ 285) باسناد صحيح عن حماد عن قتادة عن ابي رافع
معنعا موقوفا .
(د) سعيد بن
أبى عروبة ، ورواه عن سعيد :
(1) يزيد بن
زريع ، عند ابن جرير الطبرى معنعناً .
(2) عبد
الأعلى بن عبد الأعلى عند ابن ماجه وفيه : ( ثنا أبو رافع ) وهو تصحيـف ، فقـد
ذكـر ابـن كثيـر فـى تفسيـره (3 /110 ) اسناد ابن ماجه وفيه : ( عن قتادة قال :
حدَّث أبو رافع ) ، وذكره أيضا فى البداية ( 2/103) فقال : ( رواه ابــن ماجه من
حديث سعيد عن قتادة إلاّ أنّه قال : حدَّث (1) أبو رافع ) ، وكذا نبّه الحافظ ابن
حجر فى الفتح (13 /135) فى كتاب الفتن باب يأجوج ومأجوج فقال : ( وأخـرجه ابن ماجه
مـن طريق سعيد بن أبـى عروبة عن قتادة قال : ( حدَّث أبو رافع )) وأشار إلى هذه
الصيغة المزي فى تحفة الأشراف (10 /392 ) بعد رواية ابن ماجة . ثم وقفت على نسخة
مصورة لسنن ابن ماجة في مركز البحث العلمي في جامعة ام القرى تحت رقم ( 625) عن الاصل
المحفوظ بمكتبة جارالله بتركيا تحت رقم ( 290) وهى بخط الشيخ المحدث أحمد بن
عبدالخالق القرشي الشافعي وتاريخ نسخها سنة ( 610) وفيها (حدث أبو رافع) وكذا
وجدته في سنن ابن ماجة تحقيق الأعظمي فثبت يذلك أن ما في طبعة عبدالباقي وكذا ما
وقع في سنن ابن ماجة بشرح السندي هو تصحيف وتحريف فليصحح .
(3) روح بن
عبادة ، عند أحمد فى المسند ، وفيه تصريح قتادة بالسماع . ولاشك أنّ رواية سعيد بن
ابى عرواية هى كما رواها حفاظ أصحابه بلفظ (عن) أو ( حدَّث ) ، وأما رواية روح عنه
بلفظ ( ثنا ) فوهم أو تصحيف للأتي :
1- أن يزيد
بـن زريع وعبد الأعلـى ممن سمع من سعيد قبل الاختـلاط بلا خـلاف ، كمـا فـى
الكـواكـب النيــرات ( ص/ 195ــ 197)، وروح بن عباده مختلف فى سماعه منه ، فقد قال
الطحاوي في مشكل الآثار : ( وسماع روح من سعيد انما كان بعد اختلاطه) ونص الحافظ
ابن حجر فى هدي الساري ( ص /570 )على أنّه سمع منه بعد الاختلاط . واما قوله عن
نفسه أنه سمع من سعيد قبل الهزيمة كما في سؤالات الآجري (ص/ 244) وقد اعقبه ابو
داود بقوله ( كذا قال روح !) فكأنه لم يقنع بهذا من روح لاحتمال انه وهم في تحديد
سماعه من سعيد ومثله قوله عن نفسه كما في تهذيب التهذيب ( 2/ 295) : ( سمعت من
سعيد قبل الاختلاط ثم غبت ، وقدمت ، فقيل لي : انه اختلط ) .
فالجواب عنه :
اولا : انه
بنى قوله هذا على ظنه ان سعيدا انما اختلط بعد الهزيمة وفي هذا اختلاف بل ذهب يزيد
بن زريع وهو من اثبت الناس في سعيد الى انه اختلط في الطاعون سنة ( 133) ç اي قبل
الهزيمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وقع فى
المطبوع ( حديث ) والصحيح ( حدَّث )
بعشر سنين او
اكثر . وجمع الحافظ ابن حجر في التهذيب (4/ 66) بين القولين تبعا لأبي بكر البزار
ان الاختلاط ابتدأ سنة (133) ç ثم استمر ولم يستحكم الا سنة الهزيمة .
ثانيا : وقد
كان روح من صغار اصحاب سعيد فلم يشعر بتغير سعيد وانما ادركه يزيد بن زريع وشعر به
لمعرفته بحال سعيد وضبطه في اول امره وآخره وهو المقدم في اصحاب سعيد ولم يشعر روح
في قدومه الثاني باختلاطه حتى اخبر بذلك ، وانما كان السبب في ذلك صغر سنه وانما
يعرف تغير الشيخ من سمع منه في اول امره وآخره من كبار اصحابه .
2- أنه لاخلاف
فى أنّ روحاً من صغار أصحاب سعيد بن أبى عروبة ، وأنّ سماعه منه كان بأخرة ، سواء
كان قبل أو بعد الاختلاط .
- وقد قال ابن
حبان فى ثقاته ( 6/360) : ( وأحب إلي أن لايحتج به إلاّ بما روى عنه القدماء قبل
اختلاطه ، مثل : ابن المبارك ، ويزيد بن زريع ، وذويهما ، ويعتبر برواية المتأخرين
عنه دون الاحتجاج ) .
- وقد اختلط
سعيد سنة ( 133)ç أو ( 145 ) ç ، وتوفى سنة (156 ) ç أو (157) ç بينما توفى
روح بن عباده سنة (205) ç او (207) ç ، فبين اختلاط سعيد ووفاة روح أكثر من ستين سنة على
القول الثاني في الاختلاط او سبعين سنه على الأول .
- وإذا كان
وكيع بن الجرَّاح وهو من كبار التاسعة وتوفى سنة ( 196 ) ç وله سبعون
سنة - كما فى التقريب ( ص /581 ) -ومع هذا فقد نص الأئمة على أن سماعه من سعيد
بأخرة ، ومثله المعافى بن عمران - كما فى الكواكب النيرات ( ص/ 193) وشرح علل
الترمذي ( ص /747 ) ــ فمن باب أولى روح بن عبادة .
- وقـد قـال
الإمـام أحمـد عـن سمـاع بعض أصحاب سعيد بأنّه ( جيّـد ) ، وأنّ السهمـى فـوقهم ،
ثــم سـئل عـن روح فقال : ( حديثه عنه صالح ) - كما فى شرح علل الترمذي ( (2/744)
ثم سئل عن الخفاف فقال ( ما اقربه منه ، الا انه كان عالما بسعيد) ولايخفى ما فى
هذه العبارة من غض لدرجة روح عن أولئك . مع ان هناك طبقة هي ارفع واجل شانا من هذه
الطبقة التى فضلها على روح وهم كبار اصحاب سعيد مثل يزيد بن زريع وابن المبارك ولا
شك ان في تقريب حال روح في سعيد من حال الخفاف ــ والذي قالوا عنه ان سماعه من
سعيد بأخرة بل وتفضيل الخفاف عليه في سعيد بكونه عالما به راوية لكتبه ــ حطا من
درجة روح في روايته عن سعيد .
3- ثم إن روح
بن عبادة مع كونه ثقة ، متُكلّم فيه ، حتى قال فيه النسائى كما فى تاريخ بغداد (
8/402 ) : ( أبو محمد روح بن عبادة القيسي ليس بالقوي ) ، وكذا نقل عنه الذهبي فى
السـير ( 9/406 ) ، ونقـل أيضــا قول أبـى حـاتم الـرازي فيه : ( روح لايحتج به )
والصحيح أنّه ثقة غير أنّه ربما وهم .
4- أن الإمام
أحمد روى هذه الرواية عن روح ، ومع ذلك لم يعتد بها ، بل نصّ على عدم سماع قتادة
من أبى رافع ، فإمَّا أنّه عدَّها من أوهام روح أو سعيد بن أبى عروبة ، أو أنّ ما
فى المسند تصحف وتحرَّف .
(ç) سليمان
التيمي عن قتادة : ورواها عن سليمان : ابنه المعتمر ، وعن المعتمر : أحمد بن
المقدام ، وعن ابن المقــدام : الحافظ الموصلي فى المسند ، ولفظه : ( أنّ أبا رافع
حدّث عن أبى هريرة ) .
ــ ورواه ابن
حبان فى صحيحه ، عن أحمد بن يحي بن زهير ، عن ابن المقدام ، ولفظه : ( أنّ أبا
رافع حدَّثه عن أبى هريرة ) .
والراجح رواية
الموصلي للأتى :
1- أنّه يروي
عن ابن المقدام مباشرة ، وهو شيخه ، بينما يرويه ابن حبان بواسطة ، والإسناد
العالي أرجح من النازل ، إذ كلما نزل الإسناد ، زاد احتمال وقوع الوهم خاصة فى صيغ
الأداء .
2- أنّ صيغة (
حدَّث ) لايضبطها إلاّ الحفاظ الأثبات ، بينما صيغة ( حدثنا ) أو ( حدَّثه ) جادة
تسبق إليها الأوهام ، فلا يبعد على الثقة لزومها 0
فإذا ثبتت
صيغة ( حدَّث ) فى هذا الإسناد ، كما فى رواية عبد الأعلى عن سعيد بن أبى عروبة -
وهو من أعلم الناس بقتادة-عن قتادة ، وكما فى رواية سليمان التيمي ، عن قتادة 0
فهي صريحة فى
عدم سماع قتادة من أبى رافع هذا الحديث على فرض أنّه سمع منه فى الجملة - فقد نص
شعبة بن الحجاج على أنها من صيغ قتادة التى يستخدمها فيما لم يسمع من الحديث .
فقد روي ابـن
مçـــــدى (كما
فى معرفة الرجال رواية ابن محرز (1/ 210) وتاريخ الدارمي( ص/ 192) عن شعبة قـوله :
(كنت أتفقـد فـم قتادة ، فإذا قال ( حدّثنا) و (سمعت) حفظته ، وإذا قـــال (حدّث)
تركته) ، وكذا رواه ابن ابى حاتم فى مقدمة الجرح والتعديل (1/161 و 169 ) .
- وروى
الطيالسي ( كما فى تاريخ أبى زرعة الدمشقي ( 1/456 ) عن شعبة نحوه ، وفيه : ( وإذا
جاء مالم يسمع يقول : قال أبو قلابة ، وقال سعيد بن جبير ) ، وكذا رواه البسوي فى
المعرفة ( 3 /209 ) من طريق الطيالسي ، والخطيـب فـى الكفـاية ( ص /401) مـن طـريق
ابن مهدي والطيالسي عن شعبة نحوه .
- ورواه عبد
الله بن أحمد فى العلل ( 3 /242 ) من طريق الطيالســي نحـوه ، وفـى آخـره : (وإذا
حدّث مالم يسمع قال (حدّث) سليمان بن يسار (وحدَّث) أبو قلابة) .
- ولا خلاف
بين اهل الفنَّ في أن صيغة (حدَّث) محمولة على الانقطاع فى عبارات المدلسين عامة 0
قال العلاّمة المحقق عبد الرحمن المعلمي ¬ تعالى فى
خاتمة الجزء الرابع من سنن البيهقى ( ص / 43 ) عن هذه الصيغة : (مثل ذلك محمول على
الانقطاع عند الخطيب ، واختاره الحافظ ابن حجر ، ومن خالف فيه ، فإنه موافق على
أنّه محمول على الانقطاع فى عبارات المدلسين) .
- وقد روى أبو
زرعه الدمشقي حديثا من طريق الزهري عن أبى سلمة معنعنا ، فأعجبه الحديث ، ثم وجد
فى بعض أسانيده . قال الزهري : ( حدَّث أبو سلمة ) ،
- فقال أبو
زرعة كما فى تاريخه ( 1/503) : ( علمت أنه لا أصل للحديث عن أبى سلمة إذ فيه هذه
العلَّة ) . فجعل هذه الصيغة علة يقدح بسببها في صحة الحديث .
- وهكذا كشفـت
رواية من روى هذا الحديث بلفظ : (حدّث) أبو رافع عن علَّة هذا الحديث على فرض أنّ
قتادة سمع من أبى رافع فى الجملة ومن رواه بلفظ العنعنة سَلِمَ ، ومن رواه بلفظ
التحديث وَهمَ .
ومما يقوي ذلك
وهو ان قتادة لم يسمع هذا الحديث من ابي رافع على فرض أنه سمع منه في الجمله : قول
الحافظ فى النكت الظراف ( 10/392 ) عن هذا الحديث ( قلت : أخرجه ابن مردويه ، عن
أبى بكر الشافعي ، عن محمد بن يونس ، عن هشام بن عبد الملك ، عن أبى عوانة ، عن
قتادة ، عن خلاس ، عن أبى رافع .أدخل بينهما رجلا .
وأخرجه من
طريق سعيد بن بشير ، عن قتادة ، فقال : عن صاحب له ، عن أبى سعيد الخدري ) .
وسعيد بن يونس
الكديمي ضعيف كما فى التقريب ( ص / 515 ) - وسعيد بن بشير من أصحاب قتادة ، قال
عنه الذهبي فى الكاشف (1/432 ) ( سعيد بن بشير البصري الحافظ قال البخاري :
يتكلمون فى حفظه ، وهو يحتمل ، وقال دحيم : ثقة كان مشيختنا يوثقونه ) .
وهذه الروايات
تصلح قرينة على عدم سماع قتادة هذا الحديث من أبى رافع مع ما تقدم ، وإن كانت
لاتنهض بمفردها فى إثبات ذلك ، وهذا كلّه على فرض أنه سمع منه ،
ولهذا قال
الحافظ فى الفتح ( 13/135 ) ( إلاّ أن قتادة مدلس وقد رواه بعضهم عنه فأدخل بينهما
واسطة ، أخرجه ابن مردويه ) ، ثم قال : ( لكن وقع التصريح فى رواية سليمان التيمي
عند قتادة بأن أبا رافع حدَّثه ، وهو فى صحيح ابن حبان ) .
ولو أطلعّ -¬ تعالى على
رواية الموصلي والتى فيها ( حدَّث ) أيضاً ، لما استدرك على نفسه ، ولعلم أنّ ما
وقع فى بعض الروايات إنما هو وهم أو تصحيف .
ويستفاد من
عبارة الحافظ هذه : أنّه لم يقع تصريح بالسماع فى رواية عبد الأعلى عن سعيد عند
ابن ماجه ، وروح عن سـعيد عنـد أحمد ، وإلاّ لاستدل بها ، إذ أنّ سـعيد بن أبى
عروبة أثبت وأعلم بقتادة من سليمان التيمي ، بل الأخير متكلم فى روايته عن قتادة
كما سبق ذكره وسنن ابن ماجه ومسند أحمد أقرب تناولا ، وأجلُّ شأناً من كتاب ابن
حبان .
(3) الاختلاف
فى رفعه ووقفه:
فقد روى عبد
بن حميد ــ كما فى الفتح ( 13/135 ) من طريق عاصم ، عن أبى صالح ، عن أبى هريرة ،
نحوه موقوفا .
وذكر الحافظ
فى المطالب العالية (4/362 ) عن أبى هريرة قال ( يأجوج ومأجوج يحفرون كلَّ يوم )
وعزاه لمسند أبى يعلى ، وقال البوصيري كما فى الحاشية ( رواه أبو يعلى موقوفاً )
.وهو في المسنده الكبير كما في المطالب المسندة ( 193/ا المحمودية) قال انبأنا
عبدالله بن معاوية انبأنا حماد بن سلمة أنا عاصم عن ابي صالح عن ابي هريرة موقوفا
.
ــ ومن طريق
ابي يعلى الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 1/ق52/ ا) .
ــ ورواه
العقيلي في الضعفاء (2/285) قال : ثنا علي بن عبدالعزيز ، قال ثنا حجاج (هو ابن
منهال ) قال ثنا حماد ، عن عاصم . عن ابي صالح ، عن ابي هريرة قال : ( يأجوج
ومأجوج يحفرون كل يوم السد) وقال: ( حديث حجاج اولى) .
قلت : وهذا
اسناد صحيح رجاله أئمة ثقات .
وبهذه الرواية
الموقوفة استدل العقيلي على ضعف من روى هذا الحديث عن حماد عن عاصم مرفوعا .
ولاشك أنّ أبا
صالح ذكوان السمَّان أعلم بأبى هريرة ، وأحفظ لحديثه من أبى رافع الصائغ ، والذى
ليس له فى المسند عن أبى هريرة سوى أحاديث معدودة لاتتجاوز الأربعين حديثا . بينما
يروي عنه ابو صالح مئات الأحاديث .
فإذا اختلفا
على أبى هريرة فى رفع أوقف حديث ، كان القول فيه قول أبى صالح السَّمَّان ، لمزيد
اختصاصه بأبى هريرة ، وعلمه بحديثه .
çـذا على فـرض أن رواية أبى رافع صحيحة إليه ، وإلاّ
فالصحيح أنّ الطريق إليه ليست تصفو ، كما سبق تفصيله. بينما رواية ابي صالح
الموقوفة صحيحة عنه .
(4) أنه أشبه
بحديث كعب الأحبار :
فهذا الحديث
الذى يرويه أبو هريرة يرويه أيضا كعب الأحبار بألفاظه وحروفه من قصصه واسرائيلياته
، لم يخرم منه حرفا واحدا مع طوله .
ــ فقـد رواه
عبد الـرزاق فـى تفسـيره ( 2/ ) عن معمـر ، عـن أيـوب ، عن أبى ،الضيف عنه به .
ــ وعنه :
نعيم بن حماد فى الفتن ( 2/589 ) .
ــ ورواه
الطبـري فـى تفسـيره ( 9/85 ) من طـريق حميد بن çلال ، عن أبى
الضيف ، عنه به .
ــ وأبو نعيم
فى الحلية ( 6/23 ) من طريق سليمان بن المغيرة ، عن حميد ، به نحوه .
ــ وقـد قـال
الحـافظ ابـن كثير فـى تفسـيره ( 3/111 ) عـن حـديث قتـادة ، عن أبـى رافع : (ولكن
هذا قد روى عن كعب الأحبار ، ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب ، فإنه كان كثيرا ما
يجالسه ، ويحدثه ، فحدَّث به أبو هريرة ، فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع ، فرفعه
، والله أعلم )
ــ وقال أيضا
(ص /110 ) عن حديث قتادة : ( إسناده جيد قوي ، ولكن متنه فى رفعه نكارة )
وهذا القول من
ابن كثير مبنى على صحة رواية الرفع والتى ثبت بنص الأئمة انقطاعها وضعفها ـ كما
سبق ذكره ـ، فلم يبق سوى رواية أبى هريرة الموقوفة ، ورواية كعب الموقوفة عليه من
قصصه واسرائيلياته .
ويظهر أن
قتادة قد سمعه من بعض الضعفاء يحدث به عن أبى رافع ، عن أبى هريرة ، مرفوعاً فدلسه
.
أو يكون أبو
رافع على فرض ثبوته عنه ، سمعه من أبى هريرة ، فظنَّ أنّه مرفوع إلى النبى ‘ .
وقد روى مسلم
فى التمييز( ص /175 ) عن بسر بن سعيد قوله : (اتقوا الله ، وتحفظوا من الحديث ،
فوالله ! لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة ، فيحدث عن رسول الله ‘ ، ويحدثنا عن
كعب الأحبار ثم يقوم ، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله ‘ عن كعب ،
وحديث كعب عن رسول الله صلىالله عليه وسلم) .
وقد وجدت له
نظيراً فقد روى أبو داود فى الحج باب فى الجراد للمحرم (2 /429 )
حديث رقم
(1853) من طريق ميمون بـن جـابان ، عـن أبـى رافـع ، عـن أبـى هريــرة مـرفوعـا : (
الجراد من صيد البحر ) .
ــ و(ص/430 )
حديث رقم ( 1855 ) من طريق ميمون ، عن أبى رافع ، عن كعب ، قال ( الجراد من صيد
البحر ) .
فكل ما سبق
ذكره يرجح كون الحديث من قصص كعب الأحبار ، وأن أبا هريرة إنما يرويه موقوفا ، كما
حفظه عنه أبو صالح ، وأنّ رواية أبى رافع لا تصح عنه ، وعلى فرض صحتها عنه ، فقد
وهم هو أو الراوي عنه فى رفع الحديث إلى النبي ‘ ، وإنما هو
موقوف على أبى هريرة من قصصه التى يستفيدها من كعب الأحبار ، كما أشار إليه الحافظ
ابن كثير احتمالا ، وثبت بما تقدم يقيناً .
وكـان كعب
الأحبـار كثيرا ما يحـدث عن الفتن وأشراط الساعة كما فى الحلية (6/23 )، ومصدره فى
ذلك كتب بنى إسرائيل .
وقد روى أبو
زرعه الدمشقي فى تاريخه ( 2 / 545 ) بسند صحيح عن معاويه رضى الله عنه قوله فى كعب
: ( إن كان لمن أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب ، وإن كنّا لنبلو
عليه الكذب ) أي الخطأ كما هى لغة قريش.
كلام غريب
ردحذف