الأحد، 26 يناير 2020

القبيلة ومصيدة الشيطان




دار بنا الزمان حتى عاد الى الجاهلية الأولى: يتفاخرون بالأنساب ويتمادحون بالأحساب سلفهم في ذلك أبو جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وغيرهم. وقد نسي هؤلاء أو تناسوا أنّ أجدادهم ما رُفعوا ووضعت أمامهم الأمم الا بالإسلام كما قال الفاروق عمر (¢): "إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَمَهْمَا نَطْلُبُ الْعِزَّةَ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِهِ أَذَلَّنَا اللَّهُ"([1]).

وهؤلاء عقدوا الولاء والبراء للدم دون الإسلام: تراهم إذا أهينت قبيلتهم يزبدون ويرعدون، وإذا أهين الإسلام خارت قواهم، ووهنت حميّتهم، وتفرقوا ولسان حالهم يقول: للبيت ربٌ يحميه.

وركوب موجة القبلية كوَرِك على ضِلَع، وبلية عظيمة لابستهم ولابسوها، وفتنة عمياء صماء سودت قلوبهم ومنها تمكنت. وجهل هؤلاء أن من جعل ولاءه للإسلام دون ولاءه للقبيلة فهو الى النفاق أقرب منه الى الإيمان!

وأين تلك القبائل التي يفخرون بأمجادها ويرخصون لها الدماء؛ بالإسلام اندثرت حتى غدت أمة واحدة قوية ومتماسكة: أطفأت نار المجوس، وحطّمت صليب الصليبيين، وامتدت دولتهم حتى بلغت حدود الصين شرقا وجنوب فرنسا غربا، وفتحت أفريقية، والمغرب، والأندلس، وجنوب الغال، والسند، وبلاد ما وراء النهر!

ولم يمكّن لهم هذا التمكين لأنهم أبناء هذه القبيلة أو تلك؛ بل مكّن لهم لأنهم أبناء الإسلام عقيدة ومنهجا وسلوكا.

ومن يعتزّ بقبيلته دون الإسلام، أو يفخر بها دونه: فهو أهون على الله من الجعلان قال رسول الله (‘): ((لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلَانِ([2]) الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ))([3]).

وما جعلنا الله شعوبا وقبائل الا لنتعارف ونتعاون لا لنتفاخر ويهلك بعضنا بعضا.

ولسان حال أكثر المسلمين اليوم يحاكي قول الشاعر الجاهلي:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد.
وقد أبطل الله هذه الدعوة وأمر بخير منها فقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]: وحبل الله هو ما نلوذ به ونعتصم، وأما بقية الحبال فحبال الشيطان نبرأ الى الله ونعوذ به منها.

ونختم بدعوة النبي (‘) حيث قال: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ([4]) الجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلَانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ))([5]).


عمر العبد الله

 21 جمادى الأولى 1441ه




([1]) المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 130).
([2]) دويبة سوداء تدير الخراء بأنفها.
([3]) سنن الترمذي ت شاكر (5/ 389).
([4]) أي فخرها وتكبرها ونخوتها.
([5]) السابق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الآجرّوميّة