علامات
ظهور المهدي رضيلله عنه عمر العبد
الله |
المقدمة:
الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
كثر الكلام في
الآونة الأخيرة عن المهدي في صفاته واسمه وبلده وعلامات ظهوره ومتى ظهوره حتى أن
كثيرا منهم حدد وقت ظهوره بالسنة الفلانية وكثير من الكلام الذي يدور حوله انما
ضرب من الخيال ووهم من الشيطان وتلبيس من أتباع إبليس فأحاديث المهدي لم يصح منها
الا القليل وغالب من يتكلم يبني كلامه على الاحلام والاحاديث الموضوعة والضعيفة
وهذا لا يصح على اطلاقه فممكن أن يستأنس بالرؤى ان كان من يخبر بها صادقا ومن يؤولها
عالما بالرؤى وكثير من الرؤى نرى ظاهرها صريحا ولا تقع كما في الرؤيا.
وأسأل الله أن
أكون وفقت لبيان شيء من هذه المسألة العظيمة وأن يتقبل مني عملي {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ
أُنِيبُ } [هود: 88].
عمر العبد الله
18شوال1441ه
ينبغي علينا
قبل كل شيء معرفة أن الإيمان بوجود المهدي آخر الزمان عقيدة متفق عليها بين
المسلمين الا ما حكي عن بعضهم انكارها وهو قول شاذ لا يلتفت اليه.
وقد نقل غير
واحد من أهل العلم أن أحاديث المهدي بلغت حد التواتر. فلا يأتي آت فينكر أحاديث
المهدي بحجة أن عقله لم يستوعبها أو أن الأحاديث فيها شيء من التناقض أو أننا نفتح
باب الفتن بسبب كثرة الأدعياء..
وقد كثر الكلام
عن المهدي قديما وحديثا وألف فيه علماء السلف والخلف فأكثروا. وقد كثر فيه الكلام
في زماننا هذا حتى مُلئت وسائل التواصل الاجتماعي من أخباره وعاث فيه الناس يمينا
وشمالا وكل واحد منهم يلبسه ما يراه، والفارق بين من تكلموا فيه بين زمننا هذا
والأزمان الغابرة أن في هذا الزمان تكلم فيه العلماء والجهال أهل الفقه وأهل الطبخ!
طلبا للشهرة؛ بل الملفت للنظر أن كل من كان فيه وصفا من أوصاف المهدي الخَلقية ظنّ
أنه مهدي زمانه وأوحد أقرانه!
وأيضا فإن
الناس في زماننا هذا قد توسعوا في الأحلام والرؤى فيما يخص المهدي وأنا لا أنكر
المبشرات من الرؤى ولكني ضد الوسوسة فيها والتصدر لها من غير أهلها وخصوصا أن علم
الرؤى ليس له ضوابط تقيده كأي علم بل محض فضل الله يختص به على بعض عباده وإذا كان
الصديق أبو بكر (¢) أخطأ في بعض تأويل رؤيا! فكيف بأهل زماننا خصوصا ممن
يؤولونها خلف الشاشات من المجاهيل: فلا ندري من يتكلم بشرا صالحا أم شيطانا رجيما!
وأيضا من
الأخطاء التي وقع فيها من تكلم بهذا الشأن تحديد تواريخ لظهور المهدي فيقولون في
السَنة الفلانية يظهر المهدي وتأتي السنة ولا نرى مهديا ولا دجالا والجزم بظهور
شخصيات في آخر الزمان بتواريخ معلومة لا يمكن تحديدها الا من خلال الوحي الذي لا
يأتيه الباطل. ومن تكلم في تحديد التواريخ لبعض الأحداث إما بناء على دراسة ظنية
أو ابتغاء الشهرة أو طلبا للمال أو تضليل العباد أو من أجل السخرية واللعب!
ومن جمع أحاديث
المهدي من السنة ونظر فيها نظرة عامة وتفكر فيها وجمع أطرافها لم يجد المهدي سيخرج
في سنة كذا وكذا؛ ولكنه يقينا سيعلم أن ظهور المهدي سيكون بعد الحادثة الفلانية والكارثة
العلانية فظهور المهدي مربوط بأحداث تنوع ذكرها في السنة وهذه الأحداث منها أحداث كونية
ومنها غير ذلك.
وكذلك لا بد أن يكون المهدي (¢) عربيا من أهل البيت كما صحت بذلك الآثار فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (‘): «لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ العَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي»: وَفِي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ"[5]. فكل من ادعى أنه المهدي وهو ليس عربيا وليس من آل بيت النبي (‘) فلا نقبله.
ولا يخرج
المهدي حتى يختلط الحابل بالنابل ويكون الناس شذر مذر ويعم الأرض الفساد والظلم وتقام
شريعة الشيطان بدل شريعة الرحمن فيأذن الله لعبده الرجل الشجاع الصالح أن يخرج
مؤيدا بملائكته وعباده الصالحين فيهدم الأوثان ويحكم بشريعة الكريم المنان ويقيم
العدل بالسيف ثم لا يهدأ له بال ولا يقر له قرار حتى ينصب رايته الطاهرة في الأرض
المباركة التي دنسها الظالمون من اليهود فيعيش جميع الناس في كنفه آمنين مطمئنين..
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (¢) : قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (‘): " أُبَشِّرُكُمْ بِالْمَهْدِىِّ، يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى
اخْتِلَافٍ مِنَ النَّاسِ وَزَلَازِلَ، فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا،
كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، وَيَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ،
وَسَاكِنُ الْأَرْضِ، وَيَمْلَأُ اللَّهُ قُلُوبَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ غِنًى، فَلَا يَحْتَاجُ
أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: مَنْ لَهُ فِي الْمَالِ حَاجَةٌ؟ قَالَ:
فَيَقُومُ رَجُلٌ، فَيَقُولُ: أَنَا. فَيُقَالُ لَهُ: ائْتِ السَّادِنَ - يَعْنِي
الْخَازِنَ - فَقُلْ لَهُ: قَالَ لَكَ الْمَهْدِيُّ أَعْطِنِي. قَالَ: فَيَأْتِي
السَّادِنَ فَيَقُولُ لَهُ: فَيُقَالُ لَهُ: احْتَثِي فَيَحْتَثِي، فَإِذَا
أَحْرَزَهُ قَالَ: كُنْتُ أَجْشَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ نَفْسًا، أَوَ عَجَزَ عَنِّي
مَا وَسِعَهُمْ؟ قَالَ: فَيَمْكُثُ سَبْعَ سِنِينَ، أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ، أَوْ
تِسْعَ سِنِينَ، ثُمَّ لَا خَيْرَ فِي الْحَيَاةِ، أَوْ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُ"[6].
وقد شاب الصغير
قبل الكبير من الظلم في هذا الزمان حتى أكل الناس فيه من القاذورات بسبب الحصار
والعوز؛ بل بعضهم لم يجد ما يسد به رمقه حتى من القمامة! فكثرة الظلم وانتشاره في
العالم وغياب الحكم بالشريعة المحمدية من أقوى علامات ظهور مهدي آخر الزمان.
ومن العلامات
الكونية لظهور المهدي (¢) خسف بجيش يأتي لقتاله يكون ببيداء أي صحراء المدينة
المنورة باتجاه مكة المكرمة وهذا نصر رباني للمهدي الذي لا يملك عدة ولا عدد فعَنْ
عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ، قَالَ: دَخَلَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي
رَبِيعَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ وَأَنَا مَعَهُمَا، عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ
أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَسَأَلَاهَا عَنِ الْجَيْشِ الَّذِي يُخْسَفُ بِهِ،
وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (‘): «يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ، فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ، فَإِذَا
كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ
فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا؟ قَالَ: «يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ، وَلَكِنَّهُ
يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ» وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هِيَ
بَيْدَاءُ الْمَدِينَةِ"[7].
وفي رواية «يَغْزُو
جَيْشٌ الكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ، يُخْسَفُ
بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ» قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ
يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ، وَمَنْ لَيْسَ
مِنْهُمْ؟ قَالَ: «يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى
نِيَّاتِهِمْ»[8].
قد يرد على
الذهن اذا كان الخسف في الصحراء من أين تأتي الأسواق حتى يخسف بها؟! أقول كل من
ذهب الى المدينة و مكة يرى الأسواق التي تكون على الطريق الرابط بين مكة والمدينة
في وسط الصحراء وجيش الخسف اذا جاء حتما سيمر بهذه الطرق المعبدة فيهلكون فيه وسط
الصحراء وأهل السوق والكاره معهم اذا هلكوا يبعثون على نياتهم.
وهذه من
العلامات الفارقة في معرفة المهدي الحقيقي من المهدي المزيف والناس لا يجب أن
يبايعوه حتى يظهر أمره لكثرة ما يحيط بهذه الأمة من المؤامرات وتزييف الحقائق من
خلال منابر وشيوخ السوء.
ومن العلامات
التي تدل على صدق دعوى المهدي على أنه هو المهدي خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم (‘) في زمنه ولا يعني ذلك أن يتوافق ظهوره مع ظهورهم في نفس العام فإنه لا يدل
على هذا دليل بل ممكن بعد سنين ليست بالطويلة وقد يكون نزول عيسى ابن مريم (‘) آخر أيام المهدي فيكون عيسى (‘) راعيا للمؤمنين وإماما لهم بقية حياتهم ودليل الموافقة قول
رَسُول اللَّهِ (‘): «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ
فِيكُمْ، وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ»[9]،
أي المهدي (¢). وقد ثبت أن عيسى (‘) هو من يقتل المسيح الدجال.
+++
الخاتمة:
إن الأمة التي
تكسل عن العمل ثم تنتظر مخلصا يخلصها من الظلم وهي تقدّر بمليار ونصف نسمة مع كثرة
خيراتها وسعة مواردها هي أمة مريضة! كيف تفكر الأمة بهذا التفكير وعندها أفضل كتاب
ورسولها أفضل الرسل وخاتم النبيين؟! فالأمة التي يحبها الله هي أمة العمل أمة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والواجب عليها أن تهيء للمهدي لا أن تنتظر المهدي
أن يخلصها فإذا كانت أمة كاملة لم تخلص نفسها فكيف برجل واحد يخلصها!
ولا يشك أحد أن
النبي (‘) أفضل من المهدي بل المهدي لا يقارن به البتة ومع ذلك بقي النبي (‘) سنين مضطهد ومحارب حتى ربى جيلا نشر الرسالة وأقام الدولة فكيف بالمهدي (¢)؟ فالواجب على الأمة أن تستفيق من سباتها وتتعلم من اخطاءها.
[1] سير أعلام النبلاء ط الرسالة (5/ 130).
[2] سنن أبي داود ت الأرنؤوط (6/ 344).
[3] سنن أبي داود ت الأرنؤوط (6/ 335).
[4][4] صحيح البخاري (9/ 62).
[5] سنن الترمذي ت شاكر (4/ 505).
[6] مسند أحمد (18/ 62).
[7] صحيح مسلم (4/ 2208).
[8] صحيح البخاري (3/ 66).
[9] صحيح البخاري (4/ 168).
[10] مسند أحمد (37/ 70).
[11] سنن ابن ماجه (2/ 1367).
[12] حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 518).
[13] الفتن لنعيم بن حماد (1/ 327).
[14] صحيح مسلم (4/ 2234).
الله اكبر
ردحذفونحن مع سيدنا المهدي عليه السلام
آمين.
حذف