الأحد، 21 يونيو 2020

علامات ظهور المهدي



علامات ظهور المهدي رضيلله عنه

 

عمر العبد الله


                                   بسم الله الرحمن الرحيم

 

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

 

كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن المهدي في صفاته واسمه وبلده وعلامات ظهوره ومتى ظهوره حتى أن كثيرا منهم حدد وقت ظهوره بالسنة الفلانية وكثير من الكلام الذي يدور حوله انما ضرب من الخيال ووهم من الشيطان وتلبيس من أتباع إبليس فأحاديث المهدي لم يصح منها الا القليل وغالب من يتكلم يبني كلامه على الاحلام والاحاديث الموضوعة والضعيفة وهذا لا يصح على اطلاقه فممكن أن يستأنس بالرؤى ان كان من يخبر بها صادقا ومن يؤولها عالما بالرؤى وكثير من الرؤى نرى ظاهرها صريحا ولا تقع كما في الرؤيا.

 المهم أن الكلام في هذا الباب ينبغي أن يكون متزنا حتى لا نتسبب في فتنة تأكل الأخضر واليابس ونرجع في هذه المسائل الى المتخصصين وقد وجدت عند المتخصصين في هذه المسألة من الكلام الجميل ما لم أجده عند بعض العلماء لكونهم لم يتخصصوا فيها.

وأسأل الله أن أكون وفقت لبيان شيء من هذه المسألة العظيمة وأن يتقبل مني عملي {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [هود: 88].

 

  

عمر العبد الله

18شوال1441ه

 

 علامات ظهور المهدي (¢)

ينبغي علينا قبل كل شيء معرفة أن الإيمان بوجود المهدي آخر الزمان عقيدة متفق عليها بين المسلمين الا ما حكي عن بعضهم انكارها وهو قول شاذ لا يلتفت اليه.

وقد نقل غير واحد من أهل العلم أن أحاديث المهدي بلغت حد التواتر. فلا يأتي آت فينكر أحاديث المهدي بحجة أن عقله لم يستوعبها أو أن الأحاديث فيها شيء من التناقض أو أننا نفتح باب الفتن بسبب كثرة الأدعياء..

 

وقد كثر الكلام عن المهدي قديما وحديثا وألف فيه علماء السلف والخلف فأكثروا. وقد كثر فيه الكلام في زماننا هذا حتى مُلئت وسائل التواصل الاجتماعي من أخباره وعاث فيه الناس يمينا وشمالا وكل واحد منهم يلبسه ما يراه، والفارق بين من تكلموا فيه بين زمننا هذا والأزمان الغابرة أن في هذا الزمان تكلم فيه العلماء والجهال أهل الفقه وأهل الطبخ! طلبا للشهرة؛ بل الملفت للنظر أن كل من كان فيه وصفا من أوصاف المهدي الخَلقية ظنّ أنه مهدي زمانه وأوحد أقرانه!

 

وأيضا فإن الناس في زماننا هذا قد توسعوا في الأحلام والرؤى فيما يخص المهدي وأنا لا أنكر المبشرات من الرؤى ولكني ضد الوسوسة فيها والتصدر لها من غير أهلها وخصوصا أن علم الرؤى ليس له ضوابط تقيده كأي علم بل محض فضل الله يختص به على بعض عباده وإذا كان الصديق أبو بكر (¢) أخطأ في بعض تأويل رؤيا! فكيف بأهل زماننا خصوصا ممن يؤولونها خلف الشاشات من المجاهيل: فلا ندري من يتكلم بشرا صالحا أم شيطانا رجيما!

 

وأيضا من الأخطاء التي وقع فيها من تكلم بهذا الشأن تحديد تواريخ لظهور المهدي فيقولون في السَنة الفلانية يظهر المهدي وتأتي السنة ولا نرى مهديا ولا دجالا والجزم بظهور شخصيات في آخر الزمان بتواريخ معلومة لا يمكن تحديدها الا من خلال الوحي الذي لا يأتيه الباطل. ومن تكلم في تحديد التواريخ لبعض الأحداث إما بناء على دراسة ظنية أو ابتغاء الشهرة أو طلبا للمال أو تضليل العباد أو من أجل السخرية واللعب!

 

ومن جمع أحاديث المهدي من السنة ونظر فيها نظرة عامة وتفكر فيها وجمع أطرافها لم يجد المهدي سيخرج في سنة كذا وكذا؛ ولكنه يقينا سيعلم أن ظهور المهدي سيكون بعد الحادثة الفلانية والكارثة العلانية فظهور المهدي مربوط بأحداث تنوع ذكرها في السنة وهذه الأحداث منها أحداث كونية ومنها غير ذلك.

 وليست الغاية من هذا المقال سرد أحاديث المهدي فقد سبقني اليه عشرات؛ بل مئات، ولكني أريد تسليط الضوء على الأحداث التي تسبق أو توافق ظهور المهدي وهذه الأحداث هي علامات الظهور التي ينبغي التركيز عليها أكثر من التركيز على اسمه أو وصفه؛ لأن الأحداث لم يختلفوا فيها كاختلافهم في الاسم والوصف!

 ومن الأخطاء التي يجب التنبيه عليها -حتى لا نقع في الضلال أو نتجاهل المهدي اذا خرج يقيم العدل- الاعتماد على أن المهدي يقينا سيكون اسمه محمد بن عبد الله وهذا من الأخطاء الشائعة ولو تكلم بها بعض العلماء فالعصمة لغير نبينا (‘) محالة. وبيان ذلك أن الأخبار التي جاءت في ذكر مواطئة اسم المهدي لاسم نبينا (‘) ظنية وهي ليست من الأحاديث المتواترة ولا غاية في الصحة بل هي ظنية خصوصا ما جاء في اسم ابيه انه يوافق اسم ابي النبي (‘) فإنه ضعفه جمع من أهل العلم هذا من ناحية السند صحة وضعفا..

 وأما من ناحية معنى المواطئة فليست يقينا هي المطابقة أو المشابهة اللفظية فقد يكون لها معنى آخر غير المعنى الدارج. وظني أن النبي (‘) قد لغز اسمه لعلمه ما يكون في آخر الزمان من الظلم والا فكيف يصرح باسمه للعدو وقد قتل اليهود كثيرا ممن اسمه محمد بن عبد الله في فلسطين وغيرها من البلدان لأنهم يبحثون عن هذا الرجل الذي نهايتهم على يديه! وكذلك جاء عن السلف ما يثبت هذه القضية فعن إبراهيم بن ميسرة: قلت لطاووس: هو المهدي -يعني: عمر بن عبد العزيز-.قال: هو المهدي، وليس به، إنه لم يستكمل العدل كله"[1]. وهو قول الحسن البصري كذلك ولو كانوا يعتقدون ان اسم المهدي هو محمد بن عبد الله ما قالوا هذا عن عمر بن عبد العزيز (¬). وبعضهم شك بابن الزبير (¢) لما لجأ الى البيت.

 وما أريد قوله -حتى لا نكفر بالمهدي أو نحاربه إذا ظهر- أن يكون تركيزنا على العلامات الكونية والمتفق عليها وظهور أمره عند مبايعة الناس له وهذا يكفي في اثبات شخصيته وأما أن نقول لا نؤمن به حتى يكون اسمه محمد بن عبد الله فهذا من الأخطاء الجسيمة التي ينبغي تثقيف الناس على تركها وعدم الجزم بها.

 وكذلك من الأخطاء الشائعة لدى عامة الناس أن تكون جنسية المهدي سعودية وهذا وهم أخذوه من حديث: "يكون اختلافٌ عندَ موتِ خليفةٍ، فيخرجُ رَجُلٌ مِن أهلِ المدينةِ هارباً إلى مكَةَ، فيأتيه ناسٌ من أهلِ مكَّة فيُخرِجُونَه وهو كارِهٌ فيبايعُونَه بين الرُّكنِ والمقامِ"[2]. فهذا لا يعني جزما أن يكون سعوديا ولا ينفي أن يكون عربيا من غير السعودية لأن كل من أقام في بلد فهو من أهل تلك البلاد ولو خالفهم لهجة ولونا وثقافة ويكفي أنه عربي مسلم قرشي من نسل فاطمة الزهراء عليها السلام.

 ولكن من المسلّمات التي يجب الايمان بها أن المهدي لا يكون أبدا جاهلا بل لا بد أن يكون من أهل العلم لإن من شروط الخليفة المجمع عليها أن يكون عالما ثم هل يعقل أن يكون إمام المتقين في زمانه جاهلا؟! ولكن من المؤكد أنه لا يشترط أن يكون أعلم أهل زمانه ولكنه أفضلهم بلا منازع.

  وأيضا من المسلّمات أن يكون المهدي قرشيا فلا يصلح لمن ادعى انه مهدي وليس من قريش أن يتسلط على الناس أو أن نؤمن به أنه المهدي. فعن جابر بن سمرة، قال: سمعتُ رسولَ الله - - يقول: لا يزال هذا الذين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفةً، كلهم تجتمِع عليه الأمَّة" فسمعت كلاماً من النبي - - لم أفهمه، قلت لأبي: ما يقول؟ قال: كلُّهم من قُريش"[3]، وقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (‘): «لاَ يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ»[4]. وآخرهم المهدي (¢).

 وكذلك لا بد أن يكون المهدي (¢) عربيا من أهل البيت كما صحت بذلك الآثار فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (‘): «لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ العَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي»: وَفِي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ"[5]. فكل من ادعى أنه المهدي وهو ليس عربيا وليس من آل بيت النبي (‘) فلا نقبله.

 

 علامات الظهور:

ولا يخرج المهدي حتى يختلط الحابل بالنابل ويكون الناس شذر مذر ويعم الأرض الفساد والظلم وتقام شريعة الشيطان بدل شريعة الرحمن فيأذن الله لعبده الرجل الشجاع الصالح أن يخرج مؤيدا بملائكته وعباده الصالحين فيهدم الأوثان ويحكم بشريعة الكريم المنان ويقيم العدل بالسيف ثم لا يهدأ له بال ولا يقر له قرار حتى ينصب رايته الطاهرة في الأرض المباركة التي دنسها الظالمون من اليهود فيعيش جميع الناس في كنفه آمنين مطمئنين.. فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (¢) : قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (‘): " أُبَشِّرُكُمْ بِالْمَهْدِىِّ، يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى اخْتِلَافٍ مِنَ النَّاسِ وَزَلَازِلَ، فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، وَيَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ، وَسَاكِنُ الْأَرْضِ، وَيَمْلَأُ اللَّهُ قُلُوبَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ غِنًى، فَلَا يَحْتَاجُ أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: مَنْ لَهُ فِي الْمَالِ حَاجَةٌ؟ قَالَ: فَيَقُومُ رَجُلٌ، فَيَقُولُ: أَنَا. فَيُقَالُ لَهُ: ائْتِ السَّادِنَ - يَعْنِي الْخَازِنَ - فَقُلْ لَهُ: قَالَ لَكَ الْمَهْدِيُّ أَعْطِنِي. قَالَ: فَيَأْتِي السَّادِنَ فَيَقُولُ لَهُ: فَيُقَالُ لَهُ: احْتَثِي فَيَحْتَثِي، فَإِذَا أَحْرَزَهُ قَالَ: كُنْتُ أَجْشَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ نَفْسًا، أَوَ عَجَزَ عَنِّي مَا وَسِعَهُمْ؟ قَالَ: فَيَمْكُثُ سَبْعَ سِنِينَ، أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ، أَوْ تِسْعَ سِنِينَ، ثُمَّ لَا خَيْرَ فِي الْحَيَاةِ، أَوْ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُ"[6].

 

وقد شاب الصغير قبل الكبير من الظلم في هذا الزمان حتى أكل الناس فيه من القاذورات بسبب الحصار والعوز؛ بل بعضهم لم يجد ما يسد به رمقه حتى من القمامة! فكثرة الظلم وانتشاره في العالم وغياب الحكم بالشريعة المحمدية من أقوى علامات ظهور مهدي آخر الزمان.

 

ومن العلامات الكونية لظهور المهدي (¢) خسف بجيش يأتي لقتاله يكون ببيداء أي صحراء المدينة المنورة باتجاه مكة المكرمة وهذا نصر رباني للمهدي الذي لا يملك عدة ولا عدد فعَنْ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ، قَالَ: دَخَلَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ وَأَنَا مَعَهُمَا، عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَسَأَلَاهَا عَنِ الْجَيْشِ الَّذِي يُخْسَفُ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (‘): «يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ، فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا؟ قَالَ: «يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ، وَلَكِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ» وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هِيَ بَيْدَاءُ الْمَدِينَةِ"[7].

وفي رواية «يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ، يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ» قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ»[8].

 

قد يرد على الذهن اذا كان الخسف في الصحراء من أين تأتي الأسواق حتى يخسف بها؟! أقول كل من ذهب الى المدينة و مكة يرى الأسواق التي تكون على الطريق الرابط بين مكة والمدينة في وسط الصحراء وجيش الخسف اذا جاء حتما سيمر بهذه الطرق المعبدة فيهلكون فيه وسط الصحراء وأهل السوق والكاره معهم اذا هلكوا يبعثون على نياتهم.

وهذه من العلامات الفارقة في معرفة المهدي الحقيقي من المهدي المزيف والناس لا يجب أن يبايعوه حتى يظهر أمره لكثرة ما يحيط بهذه الأمة من المؤامرات وتزييف الحقائق من خلال منابر وشيوخ السوء.

 

ومن العلامات التي تدل على صدق دعوى المهدي على أنه هو المهدي خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم (‘) في زمنه ولا يعني ذلك أن يتوافق ظهوره مع ظهورهم في نفس العام فإنه لا يدل على هذا دليل بل ممكن بعد سنين ليست بالطويلة وقد يكون نزول عيسى ابن مريم (‘) آخر أيام المهدي فيكون عيسى (‘) راعيا للمؤمنين وإماما لهم بقية حياتهم ودليل الموافقة قول رَسُول اللَّهِ (‘): «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ، وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ»[9]، أي المهدي (¢). وقد ثبت أن عيسى (‘) هو من يقتل المسيح الدجال.

 تنبيه: سمعت وقرأت لبعض الناس أن مكان خروج المهدي من المغرب حتى ظهر بعض الجهال وادعى أن المهدي من المغرب وتحديدا من المغرب أو الجزائر! وهذا غاية في الجهل؛ لأنه لم يثبت أي دليل صريح على ان المهدي من البلاد الفلانية؛ بل ورد ما يدل على خلاف ذلك وهو أنه يخرج من المشرق فعَنْ ثَوْبَانَ (¢) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (‘): «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّايَاتِ السُّودَ قَدْ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ، فَأْتُوهَا؛ فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللَّهِ الْمَهْدِيَّ»[10]. وأرى أن مثل هذه التحديدات تكون سببا في ضلال الناس اذا خرج المهدي لأنه يرسخ في نفوسهم قضية من الصعب انكارها مستقبلا.

 ومن العلامات الواضحة التي تدل على ظهور المهدي موت أحد الملوك ثم التنازع على الملك بعده وظهور الاختلاف بين المتنازعين ثم لا يكن بينهم توافق بل يكون قتال شديد وفرقة عظيمة وسيعلم بهذا النبأ غالب الناس من العرب والعجم ثم يبايع للمهدي وتكون الملاحم فعَنْ ثَوْبَانَ (¢)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (‘): «يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ، كُلُّهُمُ ابْنُ خَلِيفَةٍ، ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ» - ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ فَقَالَ - فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ "[11]. قال ابن كثير (¬): "الظاهر أن المراد بالكنز المذكور كنز الكعبة"[12]. ولا يقطع أحد بأن الكنز المذكور في هذا الحديث هو كنز الكعبة الذي يستخرجه ذو السويقتين؛ بل قد يكون الكنز هو الذي يحسر الفرات عنه. وكذلك لا يشترط أن يكون الاقتتال بين أبناء الملوك من بلد واحد فهذا لم يصرح به في الحديث والله اعلم. وكذلك لا يشترط أن يكون خروج الرايات والمهدي في نفس التوقيت بل قد يأخذ وقتا حتى يأتوا وهذا مأخوذ من حرف التراخي "ثم".

 وكذلك لو خرج المهدي ولم يحصل اختلاف عند الكنز فممكن أيضا لأن هذا الحديث غير متفق على صحته فمن العلماء من ضعفه، وعليه فإننا نؤمن به اذا خرج ولو لم تحصل هذه العلامة بعينها.

 ومن العلامات غير المؤكدة على الظهور: قتل العائذ الأول فيكون العائذ الثاني هو المهدي فعَنْ تُبَيْعٍ، قَالَ: «سَيَعُوذُ بِمَكَّةَ عَائِذٌ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِمْ، ثُمَّ يَعُوذُ عَائِذٌ آخَرُ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ فَلَا تَغْزُوَنَّهُ، فَإِنَّهُ جَيْشُ الْخَسْفِ»[13]. وقد ظهر قبل احدى وأربعين سنة رجل دخل الحرم هو وجماعته وادعى أنه المهدي ثم قتل فقد يكون هو العائذ الأول فإن صح هذا الأثر وكان هو العائذ الأول فالمهدي على الأبواب ولكني لا أجزم بصحة هذا ولا يوجد حديث صحيح يثبته.

 ومن علامات الظهور حصار العراق والشام من قبل العجم والروم فعَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ، قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ، يَمْنَعُونَ ذَاكَ، ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّأْمِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدْيٌ، قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الرُّومِ، ثُمَّ سَكَتَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (‘): «يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْيًا، لَا يَعُدُّهُ عَدَدًا» قَالَ قُلْتُ لِأَبِي نَضْرَةَ وَأَبِي الْعَلَاءِ: أَتَرَيَانِ أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَا: لَا"[14].

 ومعلوم لدى كل مسلم أن الحصارين قد وقعا. والكلام عن المهدي وقع في سياق الحديث فيدل على أن هذه الاحداث علامة له ولا يعني ذلك ظهوره مباشرة بعدها والله اعلم.

 

 

+++

 

الخاتمة:

إن الأمة التي تكسل عن العمل ثم تنتظر مخلصا يخلصها من الظلم وهي تقدّر بمليار ونصف نسمة مع كثرة خيراتها وسعة مواردها هي أمة مريضة! كيف تفكر الأمة بهذا التفكير وعندها أفضل كتاب ورسولها أفضل الرسل وخاتم النبيين؟! فالأمة التي يحبها الله هي أمة العمل أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والواجب عليها أن تهيء للمهدي لا أن تنتظر المهدي أن يخلصها فإذا كانت أمة كاملة لم تخلص نفسها فكيف برجل واحد يخلصها!

ولا يشك أحد أن النبي (‘) أفضل من المهدي بل المهدي لا يقارن به البتة ومع ذلك بقي النبي (‘) سنين مضطهد ومحارب حتى ربى جيلا نشر الرسالة وأقام الدولة فكيف بالمهدي (¢)؟ فالواجب على الأمة أن تستفيق من سباتها وتتعلم من اخطاءها.

 وللأسف نرى اليهود يهيئون البلاد لمخلصهم وهم على ذلك منذ عقود يحاربون ويبنون في أرض اغتصبوها ويعملون على بناء هيكل مخلصهم! وأما أهل الإسلام فالاختلاف قد أكل عاليهم وسافلهم وانشغلوا بخلافاتهم عن عدوهم ولا حول ولا قوة الا بالله.

 



[1] سير أعلام النبلاء ط الرسالة (5/ 130).

[2] سنن أبي داود ت الأرنؤوط (6/ 344).

[3] سنن أبي داود ت الأرنؤوط (6/ 335).

[4][4] صحيح البخاري (9/ 62).

[5] سنن الترمذي ت شاكر (4/ 505).

[6] مسند أحمد (18/ 62).

[7] صحيح مسلم (4/ 2208).

[8] صحيح البخاري (3/ 66).

[9] صحيح البخاري (4/ 168).

[10] مسند أحمد (37/ 70).

[11] سنن ابن ماجه (2/ 1367).

[12] حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 518).

[13] الفتن لنعيم بن حماد (1/ 327).

[14] صحيح مسلم (4/ 2234).


هناك تعليقان (2):

الآجرّوميّة