الأحد، 26 يناير 2020

الزمن الضائع




أناملنا تشتكي الى الله من ظلمنا! ففي زماننا هذا لا راحة لها: تكدّ آناء الليل وأطراف النهار، تتنقل من جهاز الى آخر، ومن لعبة الى أخرى، بها نقلب الصفحات لا أعني صفحات القرآن؛ بل صفحات الانترنت. أنا لست ضده مطلقا بل ضد ظلم تلك الأنامل المسكينة التي لا تملك لسانا تبوح به عن ألمها!

وأما أبصارنا فأرهقتها تلك الشاشات: شاشة كبيرة وأخرى صغيرة، لا نفارقها ولا تفارقنا، ترهقنا ونرهقها غير أننا نحاسب ولا تحاسب.

أحبابي في الله: أرواحنا خلقت لننعم بها لا لنعبث بها، نريحها لا لنعذبها، ننتشلها لا لنغرقها في وحل صفحات اللهو والعبث.

أريحوا جوارحكم، غذوا أرواحكم، طهروا قلوبكم، ارحموا أنفسكم: لا تهلكوها بكثرة الصور، ولا ترهقوها بمثل أفعال الغجر. لقد الهانا العكوف على الملهيات؛ فأنسانا الاعتكاف في زوايا المسجد.

لا تظنوا بمن صنع هذه الأجهزة صنعها ليروي ظمأ قلوبكم، أو ليؤنس وحشتها؛ بل ما صنعها الا ليملأ جيبه ويشبع رغبته!

ثم إن الله أرشدنا الى فلاحنا فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]. وما استبدل قوم كتاب ربهم بغيره الا سلبهم عزهم وعاقبهم بالشقاء.
أما يستحي أحدنا أنه: لا يملّ من كلام الناس ومن كلام ربه يمل! أما يخجل أحدنا أن يقلب صفحة أو صفحتين من كتاب ربه ثم هو شغوف بحروف أصدقاءه ليله ونهاره. والله إن حالنا لا يسرنا؛ بل يسر أعداءنا، وما كنا نحذره وقعنا فيه.

والعجب أننا نجد أوقاتا للهو واللعب، ولا نجد مثله للذكر وقراءة القرآن! فهل هذا ضعف إيمان؟ لعله كذلك. قال سيدنا عثمان (¢) (لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم).

إخوتي: لهوكم اليوم هو ضياعكم، وضياعكم هو ضياع أجيالكم من بعدكم. يا ترى ماذا سيقول أبناءنا من بعدنا؟ سيقولون: الكافر يصنع الجهاز والمسلم يعبث به!

هل بعد أن كنا عظماء يخفون صبيانهم بنا! أصبحنا اليوم فاكهة مجالسهم يتضاحكون علينا، ومنا يسخرون!

إخوتي: لقد ألبسنا الله لباس الخيرية حين قال: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]، وإنكم إن خلعتم لباسكم هذا تضيعوا وتهلكوا.


عمر العبد الله
19 جمادى الأولى 1441ه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الآجرّوميّة